الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوْمَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ لَكِنْ وَقَعَ لِصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ قَالَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ النَّفَلُ مِنْ الِاعْتِكَافِ مِنْ غَيْرِ صَوْمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ فَهُوَ مُعْتَكِفٌ مَا أَقَامَ تَارِكٌ لَهُ إذَا خَرَجَ وَظَاهِرُهُ أَنْ مُسْتَنَدَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ صَرِيحًا آخَرَ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِنَقْلِ الثِّقَاتِ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ التَّطَوُّعِ فَالصَّوْمُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي اعْتِكَافِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ، أَوْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ إذْ صَوْمُ بَعْضِ الْيَوْمِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِمَا لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ. اهـ.
وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَرْوِيٌّ لَا مُسْتَنْبَطٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ ثُمَّ قَطَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعُهُ إبْطَالًا وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْحَيْضِ أَنَّ السَّاعَةَ اسْمٌ لِقِطْعَةٍ مِنْ الزَّمَنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا يَخْتَصُّ بَخَمْسَةَ عَشَرَ دَرَجَةً كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَكَذَا هُنَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]
وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ أَمَّا فِي النَّفْلِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلِّي فِيهِ الْخَمْسَ بِالْجَمَاعَةِ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَفِي الْكَافِي أَرَادَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْجَامِعِ فَإِنَّ الْجَامِعَ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَيُوَافِقُهُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْفَتَاوَى يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَامِعِ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ وَهَذَا كُلُّهُ لِبَيَانِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْجَامِعِ ثُمَّ الْمَسَاجِدُ الْعِظَامُ الَّتِي كَثُرَ أَهْلُهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوِرَةَ بِمَكَّةَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْكَرَاهَةُ وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) يُرِيدُ بِهِ الْمَوْضِعَ الْمُعَدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٍّ أَوَّلًا لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَعْتَكِفُ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَجِبُ عَلَيْهَا إلَى أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ فَأَفَادَ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ اعْتِكَافَهَا فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ لَا نَفْيِ الْجَوَازِ وَأَشَارَ بِجَعْلِهِ كَالْمَسْجِدِ إلَى أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ، وَلَوْ إلَى بَيْتِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهَا إنْ كَانَ وَاجِبًا وَانْتَهَى إنْ كَانَ نَفْلًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا تُثَابُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فِي الرَّجُلِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ اعْتِكَافَ شَهْرٍ فَحَاضَتْ تَقْضِي أَيَّامَ حَيْضِهَا مُتَّصِلًا بِالشَّهْرِ وَإِلَّا اسْتَقْبَلَتْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَلَوْ وَاجِبًا وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَكِفَ مُتَتَابِعًا فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَأْمُرَهَا بِالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي الِاعْتِكَافِ مُتَتَابِعًا لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي اعْتِكَافِ شَهْرٍ، أَوْ صَوْمِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَاعْتَكَفَتْ، أَوْ صَامَتْ فِيهِ مُتَتَابِعًا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي التَّتَابُعِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُتَتَابِعٌ وُقُوعًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ.
ــ
[منحة الخالق]
فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَسْجِدِ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ وَقَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَيَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صِحَّتَهُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. قَوْلُهُمَا وَهَذَا الْكِتَابُ لَمْ يُوضَعْ إلَّا لِبَيَانِ أَقْوَالِ الْإِمَامِ نَعَمْ اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُمَا اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْسَرُ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ بِمَكَّةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا ادَّعَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ الْمُجَاوَرَةُ بَلْ قَدْ يَكُونُ خَالِيًا عَنْهَا فِيمَنْ كَانَ حَوْلَ مَكَّةَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ الْمُجَاوَرَةِ كَوْنُ اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ أَفْضَلُ أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْمُجَاوِرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا اهـ.
وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ.
[أعتكاف الْمَرْأَةُ]
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ)
كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) أَيْ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ اعْتِكَافًا وَاجِبًا مِنْ مَسْجِدِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ مُطْلَقَةٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ عليه السلام لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» وَلِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ فِي بَعْضِهَا فَيَصِيرُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى وَلَا يَمْكُثُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّهُورِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَإِنَّهَا مِنْ أَهَمِّ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ وُقُوعَهَا وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا وَصَلَاةُ أَرْبَعٍ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ يُحَكِّمُ فِي ذَلِكَ رَأْيَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ سَمَاعِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تُصَلَّى قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ كَذَا قَالُوا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحِيَّةٍ غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا السُّنَّةَ أَرْبَعًا عَلَى قَوْلِهِ وَسِتًّا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ أَقَامَ فِي الْجَامِعِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاعْتِكَافِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَهُ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَيَنْوِي بِهَا آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يُصَلِّي إلَّا السُّنَّةَ الْبَعْدِيَّةَ فَقَطْ وَلِأَنَّ مَنْ اخْتَارَهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّمَا اخْتَارَهَا لِلشَّكِّ فِي أَنَّ جُمُعَتَهُ سَابِقَةٌ، أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ إقَامَتِهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فِي مَسْجِدَيْنِ فَأَكْثَرَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا يَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا أَنَّهُمْ تَطَرَّقُوا مِنْهَا إلَى التَّكَاسُلِ عَنْ الْجُمُعَةِ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا وَأَنَّ الظُّهْرَ كَافٍ وَلَا خَفَاءَ فِي كُفْرِ مَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ نَبْهَت عَلَيْهَا مِرَارًا قَيَّدْنَا بِكَوْنِ الِاعْتِكَافِ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَفْلًا فَلَهُ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّهُ مِنَّةٌ لَهُ لَا مُبْطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمُرَادُهُ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ الْحُرْمَةُ يَعْنِي يَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا صَرَّحَ بِالْحُرْمَةِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْخُرُوجِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحِجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ أَقَامَ فِي اعْتِكَافِهِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَمْضِيَ فِي إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إقَامَةُ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ يَدَعُ الِاعْتِكَافَ وَيَحُجُّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَهَمُّ مِنْ الِاعْتِكَافِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِدْرَاكُهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى مَوْهُومٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ وَإِنْ وَجَبَ شَرْعًا فَإِنَّمَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَإِيجَابِهِ وَعَقْدُهُ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَثْنًى عَنْ الِاعْتِكَافِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ ثُمَّ ذَهَبَ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ قَصْدٌ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَمَكَثَ بَعْدَ فَرَاغَةِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ
ــ
[منحة الخالق]
أَيْ تَنْزِيهًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ الْآتِي أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ اهـ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُجْتَبَى تَضْعِيفُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا قِيلَ وَرَكْعَتَانِ أَيْضًا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَنْ خَطِّ الْمَقْدِسِيَّ لَا شَكَّ أَنَّ صَلَاةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَالسُّنَّةِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي ضِمْنِ فَرْضٍ يُؤَدَّى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ يَعْتَكِفُ وَيُلَازِمُ بَابَ الْكَرِيمِ إنَّمَا يَرُومُ مَا يُوجِبُ لَهُ مَزِيدَ التَّفْضِيلِ وَالتَّكْرِيمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرُوهُ إلَخْ) فِي هَذَا الظُّهُورِ خَفَاءٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعَدُّدَ لِلْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ غَيْرُ لَازِمٍ فَلْيَكُنْ مَا ذَكَرُوهُ مَبْنِيًّا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ عَدَمِ التَّعَدُّدِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي مُعْتَكَفِهِ بَلْ هُوَ أَوْلَى وَكَوْنُ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ التَّصْرِيحَ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهُ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ فَرَاجِعْهُ فِي الْجُمُعَةِ وَكَوْنُ الْأَوْلَى عَدَمُ الْإِفْتَاءِ بِهَا فِي زَمَانِنَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِهَا مِمَّنْ لَا يُخْشَى مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ اعْتَرَضَهُ فِي شَرْحِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بَابَ تِلْكَ الْأَرْبَعِ الْمَعْقُودَ لِبَيَانِ أَحْكَامِهَا الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةً مُسْتَجْمِعَةً لِشَرَائِطِهَا بِيَقِينٍ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ إذَا صُلِّيَتْ وَالْإِتْيَانُ لِأَرْبَعٍ عِنْدَ وُقُوعِ شَكٍّ وَاحْتِمَالٍ اهـ. وَهَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا.
اعْتِكَافُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) لِوُجُودِ الْمُنَافِي فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ؛ لِأَنَّ فِي الْقَلِيلِ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ وَأَرَادَ بِالْعُذْرِ مَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ كَالْمَوَاضِعِ الَّتِي قَدَّمَهَا وَإِلَّا لَوْ أُرِيدَ مُطْلَقُهُ لَكَانَ الْخُرُوجُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا غَيْرَ مُفْسِدٍ لِكَوْنِهِ عُذْرًا شَرْعِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُفْسِدٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ الْقَوْلُ بِفَسَادِهِ إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ، أَوْ لِتَفَرُّقِ أَهْلِهِ، أَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ، أَوْ خَافَ عَلَى مَتَاعِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ الزَّيْلَعِيِّ، أَوْ خَرَجَ لِجِنَازَةٍ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، أَوْ لِنَفِيرٍ عَامٍّ، أَوْ لِأَدَاءِ شَهَادَةٍ، أَوْ لِعُذْرِ الْمَرَضِ، أَوْ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ، أَوْ حَرِيقٍ فَفَرَّقَ الشَّارِحُ هُنَا بَيْنَ الْمَسَائِلِ حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَهَا مُفْسِدًا وَالْبَعْضَ لَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي نَعَمْ الْكُلُّ عُذْرٌ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِفْسَادُ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، أَوْ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِأَنْ كَانَ يَنْوِي حَقَّهُ إنْ لَمْ يَشْهَدْ، أَوْ لِإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ بِقَوْلِهِ فَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَاعْتِكَافُهُ فَاسِدٌ إذَا خَرَجَ سَاعَةً لِغَيْرِ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ جُمُعَةٍ. اهـ.
فَكَانَ مُفَسِّرًا لِلْعُذْرِ الْمُسْقِطِ لِلْفَسَادِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ والْوَلْوَالِجِيِّ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ بَابُهَا فِي الْمَسْجِدِ لَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ كَانَ الْبَابُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْآذَانِ يَكُونُ مُسْتَثْنًى عَنْ الْإِيجَابِ أَمَّا فِي غَيْرِ الْمُؤَذِّنِ فَيَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِإِقَامَةِ سُنَّةِ الصَّلَاةِ وَسُنَّتُهَا تُقَامُ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ خَارِجًا. اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَكِفَةً فِي الْمَسْجِدِ فَطَلُقَتْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَتَبْنِي عَلَى اعْتِكَافِهَا. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُقُوعُهُ وَأَرَادَ بِالْخُرُوجِ انْفِصَالَ قَدَمَيْهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَرَجَ رَأْسُهُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَسَادَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْوَاجِبِ وَإِذَا فَسَدَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِالصَّوْمِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ جَبْرًا لِمَا فَاتَهُ إلَّا فِي الرِّدَّةِ خَاصَّةً غَيْرَ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ إنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَا غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِشَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا وَجَبَ قَضَاؤُهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي النَّهَارِ إلَّا الرِّدَّةَ، أَوْ فَسَدَ بِصُنْعِهِ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ رَأْسًا كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَالْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ الطَّوِيلِ أَنْ يُسْقِطَ الْقَضَاءَ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنْ مُفْسِدَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَلَا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا سُكْرٌ فِي اللَّيْلِ
(قَوْلُهُ: وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَمُبَايَعَتُهُ فِيهِ) يَعْنِي يَفْعَلُ الْمُعْتَكِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْخُرُوجِ حَيْثُ جَازَتْ فِيهِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقِيلَ يَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. اهـ.
وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْتِي لَهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْحَوَائِجِ الضَّرُورِيَّةِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَأَرَادَ بِالْمُبَايَعَةِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَأَشَارَ بِالْمُبَايَعَةِ إلَى كُلِّ عَقْدٍ احْتَاجَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيُرَاجِعَ كَمَا فِي.
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُبَايَعَةَ فَشَمِلَتْ مَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْ السِّلْعَةَ وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَرَجَّحَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَقَيَّدَ بِالْمُعْتَكِفِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُكْرَهُ لَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا كُرِهَ فِيهِ التَّعْلِيمُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخِيَاطَةُ بِأَجْرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ يُكْرَهُ فِيهِ كُرِهَ فِي سَطْحِهِ وَاسْتَثْنَى الْبَزَّازِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ التَّعْلِيمِ بِأَجْرٍ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةِ الْحِرَاسَةِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ النَّوْمُ فِيهِ وَقِيلَ إذَا كَانَ غَرِيبًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنَامَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ كَالنَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ غَسَلَ الْمُعْتَكِفُ رَأْسَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يُلَوَّثْ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَتَلَوَّثُ الْمَسْجِدُ يُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْظِيفَ الْمَسْجِدِ وَاجِبٌ، وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ.
بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ فِي إنَاءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْضِعًا اُتُّخِذَ لِذَلِكَ لَا يُصَلَّى فِيهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِصَالٌ لَا تَنْبَغِي فِي الْمَسْجِدِ «لَا يُتَّخَذُ طَرِيقًا وَلَا يُشْهَرُ فِيهِ سِلَاحٌ وَلَا يُنْبَضُ فِيهِ بِقَوْسٍ وَلَا يُنْثَرُ فِيهِ نَبْلٌ وَلَا يُمَرُّ فِيهِ بِلَحْمٍ نَيْءٍ وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ حَدٌّ وَلَا يُتَّخَذُ سُوقًا رَوَاهُ» ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ عليه السلام.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَجُوزُ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ إطْلَاقِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوَّلَ الزَّكَاةِ وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ لَا يَشْغَلُ الْبُقْعَةَ لَا يُكْرَهُ إحْضَارُهُ كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ يَسِيرَةٍ، أَوْ كِتَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَفَادَ الْإِطْلَاقُ أَنَّ إحْضَارَ الطَّعَامِ الْمَبِيعِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لِيَأْكُلَهُ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي عَدَمُ كَرَاهَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ التَّحَدُّثِ مَعَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَقَالُوا إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَخَصَّهُ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ بِمَا إذَا اعْتَقَدَهُ قُرْبَةً أَمَّا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ قُرْبَةً فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ صَمَتَ نَجَا» وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَالْمَسْجِدُ أَوْلَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي التَّبْيِينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ خَيْرٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك لِلْمُعْتَكِفِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَيَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ يَعْنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْمُبَاحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِهَذَا قَالُوا الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالُوا وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمَ وَالتَّدْرِيسَ وَسِيَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ وَالْمُرَادُ بِدَوَاعِيهِ الْمَسُّ وَالْقُبْلَةُ وَهُوَ كَالْحَجِّ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالظِّهَارِ لَمَّا حَرُمَ الْوَطْءُ لَهَا حَرُمَ دَوَاعِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ ثَبَتَتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ فَقَوِيَتْ فَتَعَدَّتْ إلَى الدَّوَاعِي أَمَّا فِي الْحَجِّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ} [البقرة: 197] وَأَمَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَلِلْحَدِيثِ «لَا تُنْكَحُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَأَمَّا فِي الظِّهَارِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ لَا تَحْرُمُ الدَّوَاعِي فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ فِي إنَاءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ فِي إنَاءٍ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَدَلَّ تَعْلِيلُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ الْكَرَاهَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْغَلْ وَقَوْلُهُ وَأَفَادَ إطْلَاقُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَلَامَهُ مُتَنَاوِلٌ لِغَيْرِ مَا يَأْكُلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ إطْلَاقِ الْمُبَايَعَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُكْرَهُ لَهُ إحْضَارُ السِّلْعَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِيهِ ثَوَابٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ مَا لَيْسَ بِمَأْثَمٍ فَهُوَ خَيْرٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَشْيِ الْحَاصِلِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا وَالتَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ اسْتَظْهَرَهُ فِي النَّهْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِخَيْرٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ إلَخْ قَالَ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ الْوِتْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ تَقْيِيدَ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ وَقَالَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا فِي الْفَتْحِ بِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَا بَأْسَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ قَلِيلًا فَأَمَّا أَنْ يُقْصَدَ الْمَسْجِدُ لِلْحَدِيثِ فِيهِ فَلَا.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْفَتْحَ وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَيْضِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ قَصْدِيٌّ قَالَ وَفِي الْغَايَةِ
الْوَطْءِ لَمْ تَثْبُتْ بِصَرِيحِ النَّهْيِ وَلِكَثْرَةِ الْوُقُوعِ فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ النَّصَّ فِي الْحَيْضِ مَعْلُولٌ بَعْلَة الْأَذَى وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الدَّوَاعِي (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْذُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا، أَوْ لَيْلًا أَنْزَلَ، أَوْ لَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصَّائِمِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَقَيَّدَ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ التَّقْبِيلَ، أَوْ اللَّمْسَ لَا يُفْسِدُ إلَّا إذَا أَنْزَلَ وَإِنْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ النَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لَيْلًا لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَكَلَ نَهَارًا فَإِنْ عَامِدًا فَسَدَ لِفَسَادِ الصَّوْمِ وَإِنْ نَاسِيًا لَا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَا مُنِعَ عَنْهُ لِأَجْلٍ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلٍ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ لِأَجْلٍ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ أَيَّامٍ) كَقَوْلِهِ بِلِسَانِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَيَّامُ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ اللَّيَالِيِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ لِقِصَّةِ زَكَرِيَّا عليه السلام فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ أَوْ بِالرَّأْسِ، أَوْ بِغَيْرِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ نِيَّتِهِمَا، أَوْ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ نَوَى فِي الْأَيَّامِ النَّهَارَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً لَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِيُ وَالنَّهَارُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَنَوَى النَّهَارَ خَاصَّةً، أَوْ اللَّيْلَ خَاصَّةً لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ شَهْرًا بِالنَّهَارِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ أَوْ يَسْتَثْنِيَ وَيَقُولَ إلَّا اللَّيَالِيَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا، وَلَوْ نَذَرَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَنَوَى اللَّيَالِيَ خَاصَّةً صَحَّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ كَذَا فِي الْكَافِي
وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَاسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا كَوْنَهُ نَذَرَ بِلِسَانِهِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْقَلْبِ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَلَيْلَتَانِ بِنَذْرِ يَوْمَيْنِ) يَعْنِي لَزِمَهُ اعْتِكَافُ لَيْلَتَيْنِ مَعَ يَوْمَيْهِمَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى كَالْجَمْعِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ، أَوْ الْمُثَنَّى أَوْ الْمَجْمُوعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ، أَوْ اللَّيْلَ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَقِيقَةَ، أَوْ الْمَجَازَ، أَوْ يَنْوِيَهُمَا، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْمَجْمُوعِ وَالْمُثَنَّى بِأَقْسَامِهِمَا بَقِيَ حُكْمُ الْمُفْرَدِ فَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا فَقَطْ سَوَاءٌ نَوَاهُ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا يَدْخُلُ لَيْلَتُهُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنْ نَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ، وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَمْ يَصِحَّ سَوَاءٌ كَانَ نَوَاهَا فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ وَنَوَى الْيَوْمَ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي
ــ
[منحة الخالق]
وَصَرِيحُ النَّهْيِ فِي الْحَيْضِ كَالِاعْتِكَافِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ الدَّوَاعِي اهـ. فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى اعْتِكَافَ يَوْمٍ وَنَوَى اللَّيْلَةَ مَعَهُ لَزِمَاهُ فَمَا الْفَرْقُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ وَهُوَ كَوْنُ الْيَوْمِ عُرْفًا قَدْ يَسْتَتْبِعُ اللَّيْلَةَ لَا عَكْسُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ نَوَى اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُ وَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً بِيَوْمِهَا اهـ.
قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْقَ غَيْرُ مَا قَالَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْيَوْمَ وَحْدَهُ صَحَّ نَذْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ اللَّيْلَةَ وَحْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يَتْبَعُهَا أَيْضًا تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعَارَضَةَ لِمَا فِي الْكِتَابَيْنِ إلَخْ) بَيَانُهُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى لَمَّا جَعَلَ الْيَوْمَ تَبَعًا لِلَّيْلَةِ وَقَدْ بَطَلَ نَذْرُهُ فِي الْمَتْبُوعِ وَهُوَ اللَّيْلَةُ بَطَلَ فِي التَّابِعِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَطْلَقَ اللَّيْلَةَ وَأَرَادَ الْيَوْمَ مَجَازًا مُرْسَلًا بِمَرَّتَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ وَهُوَ اللَّيْلَةُ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُطْلَقَ فِي الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيَوْمُ فَكَانَ الْيَوْمُ مَقْصُودًا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ
الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُ نَوَى الْيَوْمَ مَعَهَا وَهُنَا نَوَى بِاللَّيْلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي الْكَافِي وَمَتَى دَخَلَ فِي اعْتِكَافِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ لَيْلَةٍ تَتْبَعُ الْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ مِنْ كِتَابِ الْأُضْحِيَّةَ اللَّيْلَةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ تَبَعٌ لِنَهَارٍ يَأْتِي إلَّا فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى تَبَعٌ لِنَهَارِ مَا مَضَى رِفْقًا بِالنَّاسِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَاللَّيَالِيُ كُلُّهَا تَابِعَةٌ لِلْأَيَّامِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا لِلْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ فَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَلَيْلَةُ النَّحْرِ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. اهـ.
فَتَحْصُلُ أَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا يَأْتِي إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] فَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ إنَّ سُلْطَانَ اللَّيْلِ وَهُوَ الْقَمَرُ لَيْسَ يَسْبِقُ الشَّمْسَ وَهِيَ سُلْطَانُ النَّهَارِ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ اللَّيْلُ لَا يَدْخُلُ وَقْتَ النَّهَارِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَرَاجِعْهُ فَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمُثَنَّى، أَوْ الْمَجْمُوعَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَيَخْرُجُ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ نَذَرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَيَّامًا يَبْدَأُ بِالنَّهَارِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ اللَّيْلَ فِي نَذْرِ الْأَيَّامِ إلَّا إذَا ذَكَرَ لَهُ عَدَدًا مُعَيَّنًا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي اعْتِكَافِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا وَلَا يُجْزِيهِ لَوْ فَرَّقَ وَمَتَى لَمْ يَدْخُلْ اللَّيْلُ جَازَ لَهُ التَّفْرِيقُ كَالتَّتَابُعِ فَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ لَزِمَهُ شَهْرٌ بِالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ مُتَتَابِعًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْأَيْمَان مِنْ الْجِنْسِ الثَّالِثِ فِي النَّذْرِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرَانِ قَالَ صَوْمُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ كَرَجَبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّتَابُعُ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ إنْ قَالَ مُتَتَابِعًا لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ وَفِي الِاعْتِكَافِ يَلْزَمُهُ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ فِي الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ أَفْسَدَ يَوْمًا إنْ كَانَ شَهْرًا مُعَيَّنًا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ. اهـ.
يَعْنِي: لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّوْمِ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ وَفِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مُتَتَابِعًا إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَصَوْمِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الِاعْتِكَافِ كَالتَّصْرِيحِ بِالتَّتَابُعِ بِخِلَافِ الْإِطْلَاقِ فِي نَذْرِ الصَّوْمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَدُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَكَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ لَيْلًا فَكَانَ مُتَفَرِّقًا وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فِي نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الْوَصْلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي النَّذْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالصَّوْمُ فِيهِ حَرَامٌ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا لِفَوَاتِ الْبَرِّ وَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الصَّوْمِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَغَيْرِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ، أَوْ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَاعْتَكَفَ قَبْلَهُ يَجُوزُ لِمَا أَنَّ التَّعْجِيلَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ جَائِزٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ هُنَا وَذَكَرُوا فِيهِ خِلَافًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا يَلْغُو تَعْيِينُ الْمَكَانِ كَمَا إذَا نَذَرَ الِاعْتِكَافَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَاعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ ثُمَّ عَاشَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ عَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَفِي الْكَافِي وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ دَائِرَةٌ لَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَلَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ حَتَّى لَوْ قَالَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى إلَخْ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ ذِكْرِ رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَوْ تَرَكَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ حَتَّى دَخَلَ اللَّيْلُ رَمَاهَا فِي اللَّيْلِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ فِي بَابِ الْمَنَاسِكِ تَبَعٌ لِلنَّهَارِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَلِهَذَا لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَيْلَةُ عَرَفَةَ تَابِعَةٌ لِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ) وَعَلَيْهِ فَلِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لَيْلَتَانِ وَاحِدَةٌ قَبْلَهُ وَوَاحِدَةٌ بَعْدَهُ وَالْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَا لَيْلَةَ لَهُ وَلِذَا لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الرُّكْنِ إلَى الْغُرُوبِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَجَبَ دَمٌ كَمَا يَأْتِي، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ذَكَرَ لَهُ عَدَدًا مُعَيَّنًا) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِلَيْلَتِهِمَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيَمْكُثُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَوْمَهَا وَاللَّيْلَةَ الثَّانِيَةَ وَيَوْمَهَا وَيَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَكَذَا هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ يَدْخُلُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ لَيْلَةَ كُلِّ يَوْمٍ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ اهـ.
فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إذَا ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا هَذَا فِي الْأَيَّامِ الْكَثِيرَةِ الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ جَمْعًا كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا لَا لَفْظَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ) أَيْ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ) أَيْ فِيهِ