الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوْمِ عَلَى التَّرَاخِي وَقَضَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا لِعُذْرٍ.
(قَوْلُهُ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ مُسْتَحَقٌّ) مُفِيدٌ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْعِبَارَةِ وَالْآخَرُ بِالِاقْتِضَاءِ أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ لُزُومُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَاتَتْ عَنْ الْوَقْتِ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ بِسَبَبِ نَوْمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْفَوَائِتُ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ حَالَةَ جُنُونِهِ مَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لَمَّا فَاتَهُ حَالَةَ جُنُونِهِ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ وَلَا عَلَى مُسْلِمٍ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُصَلِّ مُدَّةً لِجَهْلِهِ بِوُجُوبِهَا وَلَا عَلَى مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَزَادَتْ الْفَوَائِتُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّ الْفَائِتَةَ تُقْضَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فَاتَتْ عَنْهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ فَيَقْضِي الْمُسَافِرُ فِي السَّفَرِ مَا فَاتَهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ أَرْبَعًا وَالْمُقِيمُ فِي الْإِقَامَةِ مَا فَاتَهُ فِي السَّفَرِ مِنْهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَقَدْ قَالُوا إنَّمَا تُقْضَى الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْوِتْرُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَاةُ الْعِيدِ إذَا فَاتَتْ مَعَ النَّاسِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِهَا وَسُنَّةُ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْقَضَاءُ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ سُنَّةٌ فِي السُّنَّةِ ثُمَّ لَيْسَ لِلْقَضَاءِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ بَلْ جَمِيعُ أَوْقَاتِ الْعُمْرِ وَقْتٌ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةً وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الزَّوَالِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ
وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ فَهُوَ شَرْطٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ بِتَرْكِهِ لَا تَفُوتُ الصِّحَّةُ أَصْلًا بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ كَمَا سَيَأْتِي وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا اصْطِلَاحِيًّا وَلَا فَرْضًا لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ وَلَا شَرْطًا كَذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أُبْهِمَ أَمْرُهُ فَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ شُغِلَ بِسَبَبِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّه مَا كِدْت أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ فَقَالَ: عليه الصلاة والسلام وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتهَا قَالَ: فَنَزَلْنَا بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَوَضَّأْنَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَصَلَّيْنَا بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ» وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَخَّرَ عليه الصلاة والسلام لِأَجْلِهِ الْمَغْرِبَ الَّتِي تَأْخِيرُهَا مَكْرُوهٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ فَلَا تُرْتَكَبُ لِفِعْلِ مُسْتَحَبٍّ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مَكْرُوهٌ، لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِهِ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَغَرَضُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ تَحْرِيرُ الْمَذْهَبِ فِي الْأَحْكَامِ لَا تَحْرِيرُ الدَّلَائِلِ
وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَوَائِتِ فَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتَّبَةً» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَدَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ قُيِّدَ بِالْفَائِتَةِ لِأَنَّ غَيْرَ الْفَائِتَةِ لَا يُقْضَى وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ رَجُلٌ يَقْضِي صَلَوَاتِ عُمْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْهَا احْتِيَاطًا قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ لَكِنَّهُ لَا يَقْضِي بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَيَقْرَأُ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا الْفَاتِحَةَ مَعَ السُّورَةِ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ وَكَذَا الْوِتْرُ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَوْلَيْنِ فِيهَا وَأَنَّ الْإِعَادَةَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلٍ غَيْرِ الْفَسَادِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ وَيَتَمَكَّنُ الْخَلَلُ فِيهَا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ وُجُوبًا مُطْلَقٌ وَفِي الْقُنْيَةِ مَا يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ ثُمَّ رَقَّمَ رَقْمًا آخَرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ
ــ
[منحة الخالق]
[التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ]
(قَوْلُهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ) إلَى قَوْلِهِ وَلَا عَلَى مُرْتَدٍّ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ وَحَقُّ التَّعْبِيرِ الْمُنَاسِبِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَجْنُونٍ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ مَا فَاتَهُ حَالَ جُنُونِهِ كَمَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ حَالَةَ جُنُونِهِ مَا فَاتَهُ فِي حَالَةِ عَقْلِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهَا (قَوْلُهُ سُنَّةٌ فِي السُّنَّةِ) يَرُدُّ عَلَى عُمُومِهِ الْوِتْرُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ قَضَائِهِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَعَ قَوْلِهِمَا بِسُنِّيَّتِهِ لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إلَخْ) هَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ
أَوْلَى فِي الْحَالَتَيْنِ اهـ.
فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُوبَ بَعْدَ الْوَقْتِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا أَوْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمِيًّا لَزِمَهُ وُجُوبًا أَنْ يُعِيدَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِلَا إعَادَةٍ أَثِمَ وَلَا يَجِبُ جَبْرُ النُّقْصَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَوْ فَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ قَوْلَهُمْ بِكَرَاهَةِ قَضَاءِ صَلَاةِ عُمُرِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُبْهَةُ الْخِلَافِ وَلَمْ تَكُنْ مُؤَدَّاةً عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ رَجُلٌ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَا يَدْرِي أَيَّ صَلَاةٍ هِيَ يُعِيدُ صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ صَلَاةَ يَوْمٍ كَانَتْ وَاجِبَةً بِيَقِينٍ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِالشَّكِّ وَإِذَا شَكَّ فِي صَلَاةٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَائِمٌ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ هَذَا السَّبَبُ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ وَفِيهِ شَكٌّ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ ثُمَّ شَكَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ فَاتَ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلَهُ وَفِيهِ شَكٌّ وَإِنْ شَكَّ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَيَقْعُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنْ شَكَّ بَعْدَمَا فَرَغَ وَسَلَّمَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ هَلْ صَلَّاهَا أَوْ لَا وَكَانَ فِي الْوَقْتِ لَوْ كَانَ الشَّكُّ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَا يَقْرَأُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ اهـ.
وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا إلَخْ) نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يَجِبَ أَنْ لَا يُعْتَمَدَ عَلَى هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ سَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا وَأَوَّلُ قَوْلِ الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ إلَخْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَطْمَئِنَّ فِيهَا زِيَادَةَ اطْمِئْنَانٍ قُلْت وَفِي هَذَا التَّأْوِيلِ نَظَرٌ نَعَمْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ خَارِجَ الْوَقْتِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ تَقْيِيدَهَا بِكَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ فَإِنْ مُقْتَضَى هَذَا وُجُوبُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَيَّدَ الْإِعَادَةَ بِالْوَقْتِ وَهَاهُنَا تَوْفِيقٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ وَدَافِعٌ لِمَا تَوَقَّفَ فِيهِ أَوَّلًا وَلِمَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ الْإِعَادَةُ فِعْلُ مِثْلِهِ فِي وَقْتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلتَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَسَبِيلُهَا الْإِعَادَةُ وُجُوبًا غَيْرُ مُطْلَقٍ بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تُسَمَّى إعَادَةً كَمَا مَرَّ عَنْ التَّحْرِيرِ فَصَارَ مَعْنَاهُ سَبِيلُهَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقُنْيَةِ وَمَا رَقَّمَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ ثَانِيًا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا مَرَّ وَنَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ بِصِيغَةِ الْأَوْلَى الْإِعَادَةُ قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْقُنْيَةِ وَنَوَادِرِ الْفَتَاوَى وَالتَّرْغِيبِ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ فِي الْمَبْسُوطِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ يَكُونُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ كَلَامَ الْقُنْيَةِ الْآخَرَ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ يُقَيِّدُهَا بِالْوَقْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ الْإِعَادَةُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ أَوَّلًا مَعَ نُقْصَانٍ فَاحِشٍ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ فَأَدَّاهُ نَاقِصًا نُقْصَانًا فَاحِشًا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ فِي وَقْتِهِ اهـ.
وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِعْلُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ صَلَاةِ الْعُمْرِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فِي الْإِعَادَةِ يَكُونُ هِيَ الْأَفْضَلَ فِي الْوَقْت وَبَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ مَا رَقَّمَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ ثَانِيًا فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِعَادَةِ وَأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ كُلُّ صَلَاةٍ إلَخْ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ وَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَالْأَفْضَلُ إعَادَتُهَا أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ قَوْلِ التَّجْنِيسِ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا تُعَادُ لَا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ قَالَ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْإِعَادَةِ بِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ تَمْثِيلُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ بِالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِ وَتُعَادُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ أَيْ تُعَادُ الصَّلَاةُ لِلِاحْتِيَاطِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ. اهـ.
لِأَنَّ الْإِعَادَةَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ فَلَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ مَنْدُوبَةً بِتَرْكِ سُنَّةٍ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَوْجُودٌ بِتَرْكِ السَّنَةِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ تُعَادُ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ تَعُمُّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا اهـ.
كَلَامُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ قُلْت وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ صُورَةٌ وَجَبَ الْإِعَادَةُ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ لَا تُوجِبُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَذَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ عِنْدَ غَيْرِ أَبِي الْيُسْرِ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ تُعَادَ عِنْدَهُمْ اهـ.
وَفِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ.
فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ.