الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» وَلَمْ يَعْرِفْ النَّسْخَ وَلَا تَأْوِيلَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ اكْتَحَلَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِالْفِطْرِ أَوْ بَلَغَهُ خَبَرٌ فِيهِ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَفْطَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَذْهَبٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ فَتْوَى مُفْتِيهِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا أَوْ تَأَوَّلَ حَدِيثًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ وَكَذَا لَوْ اغْتَابَ. اهـ.
وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ وَهُوَ فِي الْغِيبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ مَا فِي الْمُحِيطِ لِلشُّبْهَةِ وَفِي النِّهَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ فَتْوَاهُ شُبْهَةً وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا النَّائِمَةُ أَوْ الْمَجْنُونَةُ إذَا أَكَلَتَا بَعْدَمَا جُومِعَتَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ حَصَلَ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْأَكْلِ كَالْمُخْطِئِ وَلَا كَفَّارَةَ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ فَالْأَكْلُ بَعْدَهُ لَيْسَ بِإِفْسَادٍ وَصُورَتُهَا فِي النَّائِمَةِ ظَاهِرٌ وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ جُنَّتْ بِالنَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا إنْسَانٌ فَإِنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ وَقَدْ وَجَبَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ فَلَا يَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا أَفَاقَتْ فَإِذَا جُومِعَتْ قَضَتْهُ لِطُرُّوِّ الْمُفْسِدِ عَلَى صَوْمٍ صَحِيحٍ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ الْمَجْبُورَةَ أَيْ الْمُكْرَهَةَ فَصَحَّفَهَا الْكَاتِبُ إلَى الْمَجْنُونَةِ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) عُقِدَ لِبَيَانِ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ أَفْطَرَ وَقَضَى) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ لَكِنْ يُفْطِرُ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ ثُمَّ يَقْضِي إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ وَإِنْ صَامَ فِيهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَ. أَشَارَ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى كُلِّ صَوْمٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَبِالصَّوْمِ إلَى الِاعْتِكَافِ فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْفِطْرُ وَالْقَضَاءُ فَإِنْ اعْتَكَفَ فِيهِ بِالصَّوْمِ صَحَّ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ أَفْطَرَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَفْضَلُ الْفِطْرُ تَسَاهُلٌ أَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ صَرَّحَ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَاعْلَمْ بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ لُزُومِ النَّذْرِ ثَلَاثَةٌ كَوْنُ الْمَنْذُورِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَكَوْنُ الْوَاجِبِ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ قَالُوا فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَالثَّانِي نَحْوُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالثَّالِثِ مَا كَانَ مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ وَلَوْ نَذَرَ تَكْفِينَ مَيِّتٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ كَالْوُضُوءِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ هُنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِيَوْمِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي التَّبْيِينِ أَنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْمَشَايِخِ) وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا وَفَصْلُ الْحِجَامَةِ سَوَاءٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اعْتَمَدَ حَدِيثًا أَوْ فَتْوًى؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ ذَهَابَ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِي هَذَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فَهَذَا ظَنٌّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ؛ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً اهـ.
وَمَا رَجَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْغَيْبَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ) وَكَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الِادِّهَانِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَا الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ ادَّهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَاسْتَفْتَى فَأُفْتِيَ لَهُ بِالْفِطْرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ.
وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْإِمْدَادِ مُسْتَدْرِكًا عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ نَوَتْ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ تَكَلَّمُوا فِي صِحَّةِ صَوْمِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُجَامِعُ الْجُنُونَ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ لَمَّا قَرَأْت عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قُلْت لَهُ كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَالَ دَعْ هَذَا فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ كَأَنَّهُ كَتَبَ فِي الْأَصْلِ مَجْبُورَةً وَظَنَّ الْكَاتِبُ مَجْنُونَةً وَلِهَذَا قَالَ دَعْ فَإِنَّهُ انْتَشَرَ فِي الْأُفُقِ وَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا: تَأْوِيلُهُ أَنَّهَا كَانَتْ عَاقِلَةً بَالِغَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ جُنَّتْ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فَعَلَ الزَّوْجُ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَصْحِيفِهَا وَجَزَمَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهَا مُصَحَّفَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ مُسْتَنِدًا لِمَا مَرَّ. قَالَ: وَتَرَكَهَا مُحَمَّدٌ بَعْدَ التَّصْحِيفِ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهِهَا اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ رَفْعَ الْخِلَافِ السَّابِقِ إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ تَصْحِيفِهَا وَتَأْوِيلِهَا وَبِهِ انْدَفَعَ دَفْعُ الْمُؤَلِّفِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ الْكَاتِبَ صَحَّفَهَا بَلْ وَقَعَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُصْلِحْهَا لِانْتِشَارِهَا وَإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا وَأَيْضًا اسْتِعْمَالُهُ مَجْبُورَةً بِمَعْنَى مُجْبَرٍ ضَعِيفٌ.
[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]
(فَصْلٌ فِي النَّذْرِ)
النَّحْرِ وَلُزُومِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَوْنَ الْمَعْصِيَةِ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ عَنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ حَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ فَلَوْ فَعَلَ نَفْسَ الْمَنْذُورِ عَصَى وَانْحَلَّ النَّذْرُ كَالْحَلِفِ بِالْمَعْصِيَةِ يَنْعَقِدُ لِلْكَفَّارَةِ فَلَوْ فَعَلَ الْمَعْصِيَةَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا سَقَطَتْ وَأَثِمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ نَذْرًا بِطَاعَةٍ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَلْزَمُ بِنَفْسِ النَّذْرِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يُفْتَى وَصَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَصْلِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِهِ شَرْعًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لَا وَسِيلَةً وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي ثَانِي الْحَالِ فَلِذَا لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَفْرُوضَاتِ لِانْعِدَامِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا فَالشَّرَائِطُ أَرْبَعَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا خَرَجَ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ إذْ قَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْذُورَ غَيْرَ الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَهَاهُنَا عَيْنُهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ رَابِعٍ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلَ الْكَوْنِ فَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَمْسِ أَوْ اعْتِكَافَ شَهْرٍ مَضَى لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ يَجِبُ كَالنَّذْرِ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَالِاعْتِكَافِ وَإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ مَعَ أَنَّ الْحَجَّ بِصِفَةِ الْمَشْيِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَكَذَا الِاعْتِكَافُ وَكَذَا نَفْسُ الْإِعْتَاقِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُوجِبٍ لِلْإِعْتَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالْحَجِّ مَاشِيًا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمْ الرَّاحِلَةُ بَلْ يَجِبُ الْمَشْيُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى الْمَشْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّبْيِينِ فِي آخِرِ الْحَجِّ وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ وَهُوَ اللُّبْثُ فِي مَكَان مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْإِعْتَاقُ فَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فِي الْكَفَّارَةِ وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَلَيْسَ بِمُرَادٍ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى يَمِينًا كَفَّرَ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْقَضَاءِ تَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ إذَا أَفْطَرَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ لَا غَيْرُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا يَكُونُ نَذْرًا؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ كَيْفَ وَقَدْ قَرَّرَهُ بِعَزِيمَتِهِ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ وَإِنْ نَوَاهُمَا يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّذْرَ فِيهِ حَقِيقَةٌ وَالْيَمِينَ مَجَازٌ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفَ الْأَوَّلُ عَلَى النِّيَّةِ وَيَتَوَقَّفَ الثَّانِي؛ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ الْمَجَازُ يَتَعَيَّنُ بِنِيَّتِهِ وَعِنْدَ نِيَّتِهِمَا تَتَرَجَّحُ الْحَقِيقَةُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ النَّذْرَ يَقْتَضِيهِ لِعَيْنِهِ وَالْيَمِينَ لِغَيْرِهِ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ كَمَا جَمَعْنَا بَيْنَ جِهَتَيْ التَّبَرُّعِ وَالْمُعَاوَضَةِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِلُزُومِ التَّنَافِي مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْيَمِينُ وُجُوبٌ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلَّقِهِ الْكَفَّارَةُ وَالْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ النَّذْرِ لَيْسَ يَلْزَمُ بِتَرْكِ مُتَعَلَّقِهِ ذَلِكَ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ أَقَلُّ مَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يُرَادَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ لِلَّهِ وَأُرِيدَ النَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا وَجَوَابُ الْقَسَمِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْمَنْذُورِ أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يُرَادَانِ بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللُّبْثُ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ أَوْ النَّذْرُ بِالْمَشْيِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ فَيَكُونُ النَّذْرُ بِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى اللُّبْثِ وَالصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللُّبْثِ وَاجِبٌ فَيَصِحُّ النَّذْرُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ جَامِعِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّذْرُ بِالِاعْتِكَافِ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا شُرِعَ لِدَوَامِ الصَّلَاةِ؛ وَلِذَلِكَ صَارَ قُرْبَةً فَصَارَ الْتِزَامُهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ) أَيْ مَسْأَلَةُ النَّذْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِصِيغَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَيَّنَهُ إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ بِالْفِطْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَا الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَالْكَفَّارَةُ مُوجِبُ الْحِنْثِ فِي هَذَا الْمَقَامِ (قَوْلُهُ: نَذْرًا وَيَمِينًا إلَخْ) أَيْ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ تَحْصِيلًا لِمَا وَجَبَ بِالِالْتِزَامِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ لِلْحِنْثِ بِتَرْكِ الصِّيَامِ اهـ.
دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ: إنَّهُ أُرِيدَ بِلَفْظِ الْيَمِينِ لِلَّهِ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَالْأَصْلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أُرِيدَ الْيَمِينُ بِلَفْظِ لِلَّهِ.
أَصُومَ وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ بِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَكَا فِي نَفْسِ الْإِيجَابِ فَإِذَا نَوَى الْيَمِينَ يُرَادُ بِهِمَا الْإِيجَابُ فَيَكُونُ عَمَلًا بِعُمُومِ مَجَازٍ لَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كُلَّ خَمِيسٍ فَأَفْطَرَ خَمِيسًا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إنْ أَرَادَ يَمِينًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ خَمِيسًا آخَرَ لَمْ يُكَفِّرْ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَنِثَ فِيهَا مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ مَرَّةً أُخْرَى اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَقَضَاهَا) ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ بِالسَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ نَذْرٌ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْهَا وَالنَّذْرُ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ صَحِيحٌ مَعَ الْحُرْمَةِ عِنْدَنَا فَكَانَ قَوْلُهُ أَفْطَرَ لِلْإِيجَابِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَقَدْ وَقَعَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي التَّسَاهُلِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرَتَّبَ قَضَاءَهَا عَلَى إفْطَارِهِ فِيهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ صَامَهَا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ فَصَحَّ الْإِيجَابُ وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ نَذَرَتْ صَوْمَ الْغَدِ فَوَافَقَ حَيْضَهَا فَإِنَّهَا تَقْضِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ حَيْضِي لَا قَضَاءَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِإِضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا أَفْطَرَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَيْضَ وَصْفٌ لِلْمَرْأَةِ لَا وَصْفٌ لِلْيَوْمِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ طَهَارَتَهَا شَرْطٌ لِأَدَائِهِ فَلَمَّا عَلَّقَتْ النَّذْرَ بِصِفَةٍ لَا تَبْقَى مَعَهَا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْأَهْلِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ آكُلُ كَذَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ هَذِهِ السَّنَةَ وَإِنَّمَا شَرَطَ التَّتَابُعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا فَيَقْضِي الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ دُونَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَا تَعْرَى عَنْهَا لَكِنْ يَقْضِيهَا فِي هَذَا الْفَصْلِ مَوْصُولَةً تَحْقِيقًا لِلتَّتَابُعِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَطْلَقَ قَضَاءَ لُزُومِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا نَذَرَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِأَنْ نَذَرَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ صَوْمَ هَذِهِ السَّنَةِ وَحَمَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ عِيدِ الْفِطْرِ مَا إذَا قَالَ فِي شَوَّالٍ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ يَلْزَمُهُ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ. اهـ.
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ قَوْلُهُ أَفْطَرَ أَيَّامًا مَنْهِيَّةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْفِطْرُ بَعْدَ الْمُضِيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ السَّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ وَقْتِ النَّذْرِ إلَى وَقْتِ النَّذْرِ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحَمْلِ فَيَكُونُ نَذْرًا بِهَا وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ هَذَا سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي الْغَايَةِ مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهَذَا الشَّهْرِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَنَةٍ عَرَبِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَمُخْتَتَمٌ خَاصَّانِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ وَآخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ فَإِنَّمَا يُفِيدُ الْإِشَارَةَ إلَى الَّتِي هُوَ فِيهَا فَحَقِيقَةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِالْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى آخِرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُدَّةُ الْمَاضِيَةُ الَّتِي مَبْدَؤُهَا الْمُحَرَّمُ إلَى وَقْتِ التَّكَلُّمِ فَيَلْغُو فِي حَقِّ الْمَاضِي كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ وَهَذَا فَرْعٌ يُنَاسِبُ هَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ الْيَوْمَ، أَوْ الْيَوْمِ أَمْسِ لَزِمَهُ صَوْمُ الْيَوْمِ، وَلَوْ قَالَ غَدًا هَذَا الْيَوْمَ، أَوْ هَذَا الْيَوْمَ غَدًا لَزِمَهُ صَوْمُ أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا لَزِمَهُ شَهْرٌ كَامِلٌ، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرُ وَجَبَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودِ بِالْحُضُورِ فَإِنْ نَوَى شَهْرًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ كَلَامَهُ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ أَيْضًا. اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الشَّهْرَ وَجَبَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: مَنْقُولَةٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَيَقْضِي تِلْكَ الْأَيَّامَ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَصُومُ سَنَةً بِالْأَهِلَّةِ وَيَقْضِي خَمْسًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ السَّنَةِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى أَنْ تَمْضِيَ السَّنَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى قَبْلَ الْيَمِينِ
الشَّهْرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَإِنْ نَوَى شَهْرًا كَامِلًا فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ. اهـ.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْغَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ وَحَمْلُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا نَوَى تَوْفِيقًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كَوْنِهِ يَلْغُو فِيمَا مَضَى كَمَا يَلْغُو فِي قَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَغْوًا لَمَّا لَزِمَهُ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَصِحُّ تَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ صَوْمَ الْيَوْمِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ غَدٌ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ، وَلَوْ قَالَ صَوْمَ يَوْمٍ وَنَوَى كُلَّمَا دَارَ يَوْمٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَكَذَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. اهـ.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا، وَلَوْ نَذَرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمُضِيِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ مُسْتَحِيلُ الْكَوْنِ وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْإِقَالَةِ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ السَّنَةِ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُنَكِّرَةً فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ فَكَالْمُعَيَّنَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ وَلَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ قَدْرُ السَّنَةِ فَإِذَا صَامَ سَنَةً لَزِمَهُ قَضَاءُ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ نَاقِصٌ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِلَ ذَلِكَ بِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَصِلْ ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعُهْدَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْرُجُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ مَا تَلَفَّظَ بِهِ أَوَّلًا وَلِهَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ وَكَذَا إذَا أَرَادَ شَيْئًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ، أَوْ الْعَتَاقُ أَوْ النَّذْرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ» وَالنَّذْرُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ. اهـ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، أَوْ الْخَمِيسِ فَصَامَ ذَلِكَ مَرَّةً كَفَاهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ، وَلَوْ أَوْجَبَ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ شَهْرًا صَامَ شَهْرًا مَا تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا يَعْنِي إنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ يَصُومُ كُلَّ خَمِيسٍ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ صَوْمُ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا كَذَا يَوْمًا يَلْزَمُهُ صَوْمُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَهَذَا مُشْكَلٌ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ اثْنَا عَشَرَ؛ لِأَنَّ كَذَا اسْمُ عَدَدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ عَدَدَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ وَأَقَلُّهُ اثْنَا عَشَرَ، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ
وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُ عَشْرٌ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي أَجْنَاسُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ جُمُعَةً إنْ أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَلْزَمُهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا وَأَرَادَ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ جُمَعُ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ تَمُرُّ فِي هَذَا الشَّهْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَلَوْ قَالَ صَوْمُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ صَوْمُ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ السَّبْتَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَبْعَةِ أَسْبَاتٍ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَحُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاتِ بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ السَّبْتَ فِيهَا يَتَكَرَّرُ
وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا فَصَامَهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى عَكْسِهِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ بَعْدَمَا أَكَلَ، أَوْ كَانَتْ النَّاذِرَةُ امْرَأَةً فَحَاضَتْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ قَدِمَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ إذْ الَّذِي يَلْزَمُ بِنِيَّتِهِ سَنَةٌ أَوَّلُهَا ابْتِدَاءُ النَّذْرِ عَلَى مَا مَرَّ لَا مَا مَضَى مِنْهَا وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِاللَّغْوِ إلْزَامُ مَا مَضَى وَحِينَئِذٍ فَتَشْبِيهُهُ بِصَوْمِ الْأَمْسِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ قَالَ بِدُونِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً بَيَاضٌ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَهَذِهِ النُّسْخَةِ وَبَعْدَ قَوْلِهِ سَنَةً مَا نَصُّهُ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَصُومُ ثَلَاثِينَ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ.
وَرَأَيْت فِي هَامِشِ الْبَحْرِ نُسْخَةً بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ رَاجَعَ نُسْخَتَيْنِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَوَجَدَ فِيهِمَا مَا ذَكَرْنَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ بِلَفْظِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَنَةً كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ يَمُرُّ بِهِ إلَى سَنَةٍ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَوْمًا) أَيْ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا وَقَوْلُهُ وَيَوْمًا لَا أَيْ لَا أَصُومُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْأَبَدَ أَيْ فَيَلْزَمُهُ صِيَامُ دَاوُد عليه السلام كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَقَدِمَ فُلَانٌ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْبِرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ
وَلَوْ قَدِمَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَنَوَى بِهِ عَنْ الشُّكْرِ وَلَا يَنْوِي بِهِ عَنْ رَمَضَانَ بَرَّ فِي يَمِينِهِ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرِّ وَهُوَ الصَّوْمُ بِنِيَّةِ الشُّكْرِ وَأَجْزَأَهُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ مِثْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَرَادَ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ فِي التَّتَابُعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتَابِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَصَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَدْرِي أَنَّ يَوْمَ الْإِفْطَارِ مِنْ الْخَمْسَةِ، أَوْ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يَصُومُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ فَيُوجَدُ عَشْرَةٌ مُتَتَابِعَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ نِصْفِ رَكْعَةٍ حَيْثُ يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَنِصْفِ حَجٍّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي شَعْبَانَ بَنَى بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَلَوْ قَالَ إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ وَهَذَا قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيَاسًا وَلَا اسْتِحْسَانًا نَظِيرُهُ مَا إذَا قَالَ أَنَا أَحُجُّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لَزِمَهُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية وَالْخَانِيَّةِ وَزَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ فُرُوعًا وَبَعْضُهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهِيَ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ فُلَانٌ أَبَدًا فَقَدِمَ فُلَانٌ لَيْلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِهِ مَا يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ كَالصَّوْمِ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ الْوَقْتُ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ الصَّوْمَ وَهُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ قَدِمَ يَوْمًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَأْكُلْ صَامَهُ وَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَكَلَ فِيهِ، أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَأْكُلْ فِيهِ صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَصُومُ يَوْمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ إلَى الْوَقْتِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ كَالْمُرْسَلِ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَانَ الْجَوَابُ هَكَذَا وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا فِي رَجَبٍ، أَوْ صَلَاةً فِيهِ جَازَ عَنْهُ قَبْلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ بِأَنْ قَالَ إذَا جَاءَ شَهْرُ رَجَبٍ فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ سَبَبًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ الصَّدَقَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ كَالزَّكَاةِ
وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ يَوْمًا لَزِمَهُ صَوْمُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ مَتَى شَاءَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا حَقِيقَةً وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ فَحُمِلَ عَلَى الْوَقْتِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ وَقْتًا مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الْأَيَّامِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ صِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ أَيَّامٍ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ قَلِيلٌ، وَلَوْ قَالَ صِيَامُ الشُّهُورِ فَعَشَرَةٌ وَقَالَا صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ السِّنِينَ لَزِمَهُ صِيَامُ عَشَرَةٍ وَقَالَا لَزِمَهُ صِيَامُ الدَّهْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونُ مَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صِيَامُ الزَّمَنِ وَالْحِينِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَانَ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالزَّمَنُ مِثْلُ الْحِينِ فِي الْعُرْفِ وَلَا عِلْمَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِصِيَامِ دَهْرٍ إذَا نَذَرَهُ وَقَالَا عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ الْكُلُّ مِنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي الْكَافِي لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ. اهـ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّذْرَ لَا يَصِحُّ بِالْمَعْصِيَةِ لِلْحَدِيثِ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَأَمَّا النَّذْرُ الَّذِي يُنْذِرُهُ أَكْثَرُ الْعَوَامّ عَلَى مَا هُوَ مُشَاهَدٌ كَأَنْ يَكُونَ لِإِنْسَانٍ غَائِبٌ أَوْ مَرِيضٌ، أَوْ لَهُ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَيَأْتِي بَعْضَ الصُّلَحَاءِ فَيَجْعَلُ سُتْرَةً عَلَى رَأْسِهِ فَيَقُولُ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ إنْ رُدَّ غَائِبِي، أَوْ عُوفِيَ مَرِيضِي أَوْ قُضِيَتْ حَاجَتِي فَلَكَ مِنْ الذَّهَبِ كَذَا، أَوْ مِنْ الْفِضَّةِ كَذَا، أَوْ مِنْ الطَّعَامِ كَذَا، أَوْ مِنْ الْمَاءِ كَذَا، أَوْ مِنْ الشَّمْعِ كَذَا، أَوْ مِنْ الزَّيْتِ كَذَا فَهَذَا النَّذْرُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَذْرُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بَنَى بَعْدَ رَمَضَانَ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي نُسْخَةِ الرَّمْلِيِّ يُتَابِعُ بَدَلَ بَنَى فَقَالَ أَيْ لَا يُعَدُّ رَمَضَانُ قَاطِعًا لِلتَّتَابُعِ كَمَا أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَتُتَابِعُ بَعْدَهُ فَيَلْتَحِقُ بِمَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ اهـ.
وَنُسْخَةُ بَنَى أَظْهَرُ.