المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: إنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٢

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تشميت العاطس فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّخَصُّرُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌ نَقْشُ الْمَسْجِدِ

- ‌[أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌[الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]

- ‌[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا]

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ رَاكِبًا]

- ‌صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

- ‌[بَابُ إدْرَاكِ فَرِيضَةِ الصَّلَاة]

- ‌[الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان]

- ‌[خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ]

- ‌[قَضَاء سُنَّةُ الْفَجْرِ]

- ‌[قَضَاء السَّنَة الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ]

- ‌ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ

- ‌[فَضْلَ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ]

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ]

- ‌[سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن صَلَاةِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌ سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ

- ‌[مَحَلُّ سُجُود السَّهْو]

- ‌[سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ

- ‌[ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ]

- ‌[الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ]

- ‌[السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ]

- ‌[تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا]

- ‌[سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ

- ‌ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ

- ‌ تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ]

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ]

- ‌[لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]

- ‌[صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[أَرْكَان سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[مَوَاضِع سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[اقْتِدَاء مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[قَضَاء فَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ]

- ‌ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة]

- ‌[أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَة]

- ‌[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌(بَابُ الْعِيدَيْنِ)

- ‌[الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْم الْعِيدِ]

- ‌[التَّكْبِير يَوْم الْعِيد]

- ‌[مَا يَفْعَلهُ يَوْم الْفِطْر]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْعِيد]

- ‌[الْأَكْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيد]

- ‌[خُطْبَة الْعِيد]

- ‌[الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد]

- ‌[وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِز]

- ‌[أَرْكَانُ وسنن صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[بَابُ صَلَاة الْخَوْفِ]

- ‌ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ

- ‌[مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ]

- ‌[تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ]

- ‌ غُسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌[تَكْفِين الْمَيِّت]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْمَيِّت]

- ‌[حُكْم صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[شُرُوط صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ]

- ‌[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌(بَابُ الشَّهِيدِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌[شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة]

- ‌[شُرُوط أَدَاء الزَّكَاة]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ)

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ]

- ‌[زَكَاة الْخَيْلِ]

- ‌[زَكَاة الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة]

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌[زَكَاة الْخَمْر وَالْخِنْزِير]

- ‌ لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌ حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة]

- ‌[دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ]

- ‌[بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لَغَنِيّ يَمْلِكُ نِصَابًا]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة إلَى الْأَب وَالْجَدّ أَوْ الو لَدِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةَ لَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ]

- ‌[دَفَعَ الزَّكَاة بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌[حُكْم صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر]

- ‌[عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌[شُرُوط الصِّيَامِ]

- ‌[أَقْسَام الصَّوْمِ]

- ‌[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ]

- ‌[أعتكاف الْمَرْأَةُ]

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌[وَاجِبَاتُ الْحَجِّ]

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ

- ‌ مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ

- ‌[قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ]

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

الفصل: الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: إنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ

الْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَقَالَ: إنَّ الْمَجْنُونَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عَنْهُ عِنْدَ تَضَاعُفِ الْوَاجِبَاتِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَاعْتُبِرَ الْحَرَجُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الْجُنُونِ جَمِيعَ الشَّهْرِ اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ وَكَذَا الْإِفَاقَةُ وَالْيَقَظَةُ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ بَلْ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ مُسْتَدِلِّينَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالِانْتِبَاهِ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الشَّهْرِ أَوْ كُلِّهِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: إنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَجَابُوا عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْعَامَّةُ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ لَا يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ لَا مَحَالَةَ وَإِنَّمَا يَسْتَدْعِي فَوْتَ الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا، وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ

وَهَكَذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَذَهَبَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ إلَى أَنَّهَا شَرْطُ الْوُجُوبِ فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ لَا يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا شَرْطُ الْأَدَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَلَعَلَّهُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الشَّرَائِطِ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالثَّالِثُ شَرْطُ صِحَّتِهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَالنِّيَّةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَاقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى مَا عَدَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا نِيَّةَ لَهُ بِاشْتِرَاطِهَا، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْعَقْلَ وَالْإِفَاقَةَ شَرْطَيْنِ لِلصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ جُنَّ فِي النَّهَارِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِعَدَمِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا تُتَصَوَّرُ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ وَلِهَذَا يُثَابُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مَا مَضَى وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ الْوَقْتَ الْقَابِلَ لِيَخْرُجَ اللَّيْلُ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالنَّهَارِ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الصَّوْمِ لَا قَيْدٌ لَهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّحْقِيقُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّذْرَ الْمُطْلَقَ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ لَا مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ، وَنَيْلُ ثَوَابِهِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا، وَإِلَّا فَالثَّانِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَا ثَوَابَ فِيهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ وَإِلَّا فَالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَإِلَّا فَالصِّحَّةُ فَقَطْ.

وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ، وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَنْدُبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّفَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ، وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاسْتَثْنَى فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى مِنْ كَرَاهَةِ صَوْمِ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضُمَّ الْمَنْذُورَ بِقِسْمَيْهِ إلَى الْمَفْرُوضِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ وَأَنْ يَجْعَلَ قِسْمَ الْوَاجِبِ صَوْمَ التَّطَوُّعِ

ــ

[منحة الخالق]

فَلْيُتَأَمَّلْ.

[شُرُوط الصِّيَامِ]

(قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) أَيْ فِي شَرَائِطِ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ لَا ثَوَابَ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ، وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْ الضِّيَافَةِ يُفِيدُ أَنَّ فِيهِ ثَوَابًا كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ.

[أَقْسَام الصَّوْمِ]

(قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ) اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] خُصَّ مِنْهُ النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَمَا لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَالْوُضُوءِ فَصَارَ ظَنِّيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ فَأَفَادَ الْوُجُوبَ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي عُدُولِ الْمُحَقِّقِ إلَى الْإِجْمَاعِ تَسْلِيمٌ لِدَعْوَى التَّخْصِيصِ قِيلَ وَفِيهِ أَيْ التَّخْصِيصِ نَظَرٌ؛ إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُخَصَّصُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مُقَارَنًا، وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] خُصَّ مِنْهُ الْمَجَانِينُ وَالصِّبْيَانُ، وَلَمْ يَنْتِفْ عَنْ إثْبَاتِ الْفَرْضِيَّةِ وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ جَاحِدَهُ لَا يُكَفَّرُ، وَقَدْ قَالَ فِي أَوَائِلِ السِّيَرِ مِنْ الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَالذَّخِيرَةِ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ ظَاهِرٌ نَظَرًا إلَى الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ اهـ.

وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ إجْمَاعٌ لَكَانَتْ تُؤَدَّى بَعْدَهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّخْصِيصَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ النَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ مُسْتَنَدٍ، وَهُوَ الْمُخَصَّصُ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْإِجْمَاعُ كَاشِفٌ عَنْهُ وَمُقَرِّرٌ لَهُ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَارَنَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ آيَةِ الصِّيَامِ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ، وَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ

ص: 277

بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَصَوْمَ قَضَائِهِ عِنْدَ الْإِفْسَادِ، وَصَوْمَ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَبِمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ، وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ الصَّوْمُ فِي يَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّام التَّشْرِيقِ، وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ الْإِفْطَارُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ مُتَحَتِّمٌ؛ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِحُرْمَةِ الصَّوْمِ فِيهَا

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم بِخُصُوصِهِ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا، وَمَا سِوَاهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهِيَتُهُ لَا نَفْلًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَتَرَتَّبَ عَلَى فِعْلِهِ الثَّوَابُ بِخِلَافِ النَّفْلِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلنَّدْبِيَّةِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الثَّوَابِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَمِنْهُ صَوْمُ الْوِصَالِ وَقَدْ فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ لَا فِطْرَ بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ إنْ أَضْعَفَهُ، وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ بِخِلَافِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ صَوْمَهُ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلَّ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُ صَوْمُ الصَّمْتِ بِأَنْ يُمْسِكَ عَنْ الطَّعَامِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهُ أَيْضًا صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَفَرِّقًا كَانَ أَوْ مُتَتَابِعًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ مُتَتَابِعًا لَا مُتَفَرِّقًا لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَامَاتِ اللَّازِمَةَ فَرْضًا ثَلَاثَةَ عَشْرَ سَبْعَةٌ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ رَمَضَانُ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَصَوْمُ الْيَمِينِ الْمُعَيَّنِ، وَسِتَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا التَّتَابُعُ، وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ، وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَصَوْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَصَوْمُ الْيَمِينِ بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ شَهْرًا ثُمَّ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ لَا فَنَقُولُ: كُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّوْمُ يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ وَكُلُّ صَوْمٍ يُؤْمَرُ فِيهِ بِالتَّتَابُعِ لِأَجْلِ أَنَّ الْوَقْتَ مُفَوِّتُ ذَلِكَ يَسْقُطُ التَّتَابُعُ، وَإِنْ بَقِيَ الْفِعْلُ وَاجِبَ الْقَضَاءِ فَالْأَوَّلُ كَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ، وَيَلْحَقُ بِهِ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ إذَا ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ أَوْ نَوَاهُ، وَالثَّانِي كَرَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْيَمِينِ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ والإسبيجابي مُخْتَصَرًا وَمَحَاسِنُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا شُكْرُ النِّعْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُفْطِرَاتُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ بِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى التَّقْوَى؛ لِأَنَّهَا إذَا انْقَادَتْ إلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلَالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاتِهِ - تَعَالَى، فَالْأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلِامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وَمِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْمَعَاصِي، وَمِنْهَا الِاتِّصَافُ بِصِفَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَمِنْهَا عِلْمُهُ بِحَالِ الْفُقَرَاءِ لِيَرْحَمَهُمْ فَيُطْعِمَهُمْ، وَمِنْهَا مُوَافَقَتُهُ لَهُمْ.

(قَوْلُهُ هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الصَّوْمُ فِي الشَّرْعِ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ مَعَ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا التَّرْكَ بِالْإِمْسَاكِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ لِيَكُونَ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ

ــ

[منحة الخالق]

بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُ مُحَرَّرٍ

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صَوْمٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَأَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَالْمَنْدُوبُ مَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ، وَلَمْ يَفْعَلْهُ وَمَا جَعَلَهُ تَعْرِيفًا لِلْمُسْتَحَبِّ جَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ تَعْرِيفًا لِلْمَنْدُوبِ فَالْأَوْلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ اهـ.

ثُمَّ النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ شُرِعَتْ لَنَا لَا عَلَيْنَا فَيَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ؛ وَلِذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ مَا قَابَلَ الْمَسْنُونَ وَالْمَنْدُوبَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا رَادَفَ الْمُبَاحَ مِمَّا لَا ثَوَابَ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا، وَلَا مُحَرَّمًا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ فَلِذَا اُضْطُرَّ الْمُؤَلِّفُ إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِ الْمَنْدُوبُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ الْمَحْذُورُ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ بِانْفِرَادِهِ) وَكَذَا يَوْمُ الْأَحَدِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إذَا تَعَمَّدَهُ، وَلَمْ يُوَافِقْ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَكَذَا قِيلَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ عَامَّةَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا) قَدْ سَرَدَ عِبَارَتَهُمْ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ وَرَدَّ قَوْلَ مَنْ صَحَّحَ الْكَرَاهَةَ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْفَتْحِ بَعْدَ مَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَقِيلَ بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: يَكُونُ التَّتَابُعُ شَرْطًا فِيهِ) أَيْ فَإِذَا تَخَلَّلَ الْفِطْرُ فِي خِلَالِهِ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ التَّتَابُعُ) أَيْ فَلَوْ أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِ لَا يَسْتَقْبِلُ بَلْ يَبْنِي عَلَى مَا فَاتَ.

ص: 278

؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ حَتَّى قَالُوا: إنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ كَفُّ النَّفْسِ لَا تَرْكُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِمَقْدُورٍ، وَالْمَعْدُومُ غَيْرُ مَقْدُورٍ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ الْقَادِرِ بِمَنْ إنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَفْعَلْ لَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَتَمَامُهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَقُلْنَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِيَدْخُلَ مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ مُمْسِكٌ حُكْمًا وَاخْتَصَّ الصَّوْمُ بِالْيَوْمِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ؛ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْعَادَةِ كَمَا سَيَأْتِي

وَأَرَادَ بِالْأَهْلِ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ فَخَرَجَ الْكَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اشْتِرَاطُ عَدَمِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا الِاغْتِسَالَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ تَرْكُ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنَهُ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ لَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إبْطَالِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوَ الْحَدِيدِ، وَلَا يَرِدُ مَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَإِنَّهُ مُفْطِرٌ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذًا فَمَا وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى فَمِهِ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى دِمَاغِهِ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ (قَوْلُهُ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الصِّحَّةِ لِكُلِّ صَوْمٍ، وَعَرَّفَهَا فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ يَعْرِفَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ صَوْمٌ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ، وَالتَّسَحُّرُ نِيَّةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ

وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ لِمَا أَنَّهَا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ لَا لِفِقْهِ لِثُبُوتِهَا بِالْقَطْعِيِّ الْمُتَأَيَّدِ بِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِهَذَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ وَكَانَتْ فَرْضِيَّتُهُ بَعْدَ مَا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ بِشَهْرٍ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ رَمِضَ إذَا احْتَرَقَ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ الذُّنُوبَ تَحْتَرِقُ فِيهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْأَلْفِ وَالنُّونِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُجْمَعُ عَلَى أَرْمِضَاءٍ وَرَمَضَانَاتٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُجْمَعُ عَلَى رَمَاضِينِ كَسَلَاطِينِ وَشَيَاطِينِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: رِمَاضٌ جَمْعُ رَمَضَانَ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ النَّذْرِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا عَدَا الْفَرْضَ، وَالْوَاجِبُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْغُرُوبِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ نَوَى أَنْ يَتَسَحَّرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ يُصْبِحَ صَائِمًا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بَعْدَ الْعَصْرِ صَوْمَ الْغَدِ اهـ.

وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّبْيِيتِ فِي رَمَضَانَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ «مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَكَانَ صَوْمُهُ فَرْضًا حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ فَصَارَ سُنَّةً فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ نَهَارًا فَوَجَبَ حَمْلُ حَدِيثِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي كُلِّ صَوْمٍ أَنْ يَنْوِيَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إنْ أَمْكَنَهُ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَنْوِ كَوْنَ الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ فَيَكُونُ الْجَارُّ، وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا يَنْوِي فَحَاصِلُهُ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ اللَّيْلِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ نَفْيًا لِصِحَّةِ الصَّوْمِ مِنْ حِينِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَهُ بِمَا رَوَيْنَا عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا لَوْ كَانَ قَطْعِيًّا خُصَّ بَعْضُهُ خُصِّصَ بِهِ بَعْضٌ فَكَيْفَ، وَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ عَدَمُ الظَّنِّيَّةِ وَالتَّخْصِيصِ؛ إذْ قَدْ خُصِّصَ مِنْهُ النَّفَلُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا: لَا فَقَالَ: إنِّي إذًا صَائِمٌ»

فَالْحَاصِلُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ أَصْلٌ وَأُلْحِقَ بِهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، وَالْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ عَدَمُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، وَمُقْتَضَاهُ إلْحَاقُ كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ بِهِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِلْخَبَرِ لَا نَاسِخًا، وَلَوْ جَرَيْنَا عَلَى تَمَامِ لَازِمِ هَذَا الْقِيَاسِ لَكَانَ نَاسِخًا لِحَدِيثِ السُّنَنِ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ تَحْتَهُ شَيْءٌ حِينَئِذٍ فَوَجَبَ أَنْ يُحَاذَى بِهِ مَوْرِدُ النَّصِّ، وَهُوَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ مِنْ رَمَضَانَ وَنَظِيرُهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِالْكَفِّ عَمَّا يُؤْكَلُ كَمَا سَيَأْتِي بِإِفْطَارِهِ بِإِدْخَالِ نَحْوِ الْحَدِيدِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ: هُوَ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ لَكَانَ أَجْوَدَ

ص: 279

مِنْ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْغَى قَيْدُ التَّعْيِينِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إبْطَالًا لِحُكْمِ لَفْظٍ بِلَا لَفْظٍ بِنَصٍّ فِيهِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ اعْتِبَارُهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ، وَاحْتُمِلَ كَوْنُ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ وَاحْتُمِلَ كَوْنُهَا لِلتَّجْوِيزِ فِي النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا، وَمَعَنَا نَصُّ السُّنَنِ بِمَنْعِهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمُعَيَّنُ، وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالصَّوْمِ دُونَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ، فَإِنَّ قِرَانَ النِّيَّةِ فِيهِمَا شَرْطٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَالْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا فَاصِلٍ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ فَبِالْوُجُودِ فِي آخِرِهِ يُعْتَبَرُ قِيَامُهَا فِي كُلِّهِ بِخِلَافِهِمَا، فَإِنَّهُمَا أَرْكَانٌ فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهَا، وَإِلَّا خَلَتْ بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْهَا فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً

وَاعْتَبَرَ الْمُصَنِّفُ النِّيَّةَ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَكْثَرُ الْيَوْمِ مَنْوِيًّا؛ وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي الْوَافِي بِنِيَّةِ أَكْثَرِهِ، وَهِيَ أَوْلَى لِمَا أَنَّ النَّهَارَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى زَمَنٍ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ هُوَ فِي الشَّرْعِ وَالْيَوْمِ سَوَاءٌ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ جَعَلَ أَوَّلَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ لُغَةً وَفِقْهًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ سَاعَةَ الزَّوَالِ نِصْفُ النَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الصَّوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَوَى الصَّوْمَ قَالَ زُفَرُ لَا يَكُونُ صَائِمًا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ صَائِمًا، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَفْطَرَ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ: إذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَنَوَى التَّطَوُّعَ كَانَ صَائِمًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِزُفَرَ

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فَصَارَ كَالْقَضَاءِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ، وَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّخْفِيفُ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُجْزِئُهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ الْحَسَنُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ: فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُجْزِئُهُمَا اهـ.

وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ مَدْفُوعَةٌ بِصَرِيحِ الْمَنْقُولِ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لَا فَرْقَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ والولوالجية وَغَيْرِهَا

(قَوْلُهُ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ) أَيْ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَمَا مَعَهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ أَمَّا فِي رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الشَّارِعَ عَيَّنَهُ لِفَرْضِ الصَّوْمِ فَانْتَفَى شَرْعِيَّةُ غَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ فِيهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ فَصَحَّ بِنِيَّةِ صَوْمٍ مُبَايِنٍ لَهُ كَالنَّفْلِ وَالْكَفَّارَاتِ بِنَاءً عَلَى لَغْوِ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا فَيَبْقَى الصَّوْمُ الْمُطْلَقُ، وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ يَصِحُّ صَوْمُهُ كَالْأَخَصِّ نَحْوَ زَيْدٌ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ كَيَا إنْسَانُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: وَهُوَ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ نَفْيَ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ إنَّمَا تُوجِبُ صِحَّتَهُ لَوْ نَوَاهُ وَنَفْيَ صِحَّةِ مَا نَوَاهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَوْلَى لِإِفَادَتِهَا مَبْدَأَ النِّيَّةِ وَغَايَتَهَا مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا فِي أَصْلِهِ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ نِيَّةَ أَكْثَرِهِ كَافِيَةٌ كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهُ بَلْ نِيَّةٌ وَاقِعَةٌ فِي أَكْثَرِهِ، وَكَانَ هَذَا هُوَ السِّرَّ فِي التَّغْيِيرِ، وَأَمَّا ذَاكَ الْإِطْلَاقُ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الدِّيوَانِ أَنَّهُ لُغَةً أَيْضًا مِنْ طُلُوعِ الصُّبْحِ الصَّادِقِ، وَلَوْ سَلِمَ لَا يَضُرُّنَا؛ إذْ أَلْفَاظُ أَهْلِ كُلِّ فَنٍّ إنَّمَا تُصْرَفُ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَلِمْت أَنَّ تَقْيِيدَ النَّهَارِ بِالشَّرْعِيِّ كَمَا فِي النُّقَايَةِ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْعِبَارَةِ لَا فِي الْحُكْمِ) هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْهِدَايَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْقُدُورِيِّ الْجَوَازُ قُبَيْلَ الزَّوَالِ، وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي قَوْلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَوْلَهُ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ فِيمَا إذَا نَوَى عِنْدَ قُرْبِ الزَّوَالِ وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ فَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَاللَّفْظُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ اللَّفْظُ الثَّانِي اهـ. بِحُرُوفِهِ.

(تَنْبِيهٌ) : اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قُطْرٍ نِصْفُ نَهَارِهِ قَبْلَ زَوَالِهِ بِقَدْرِ نِصْفِ حِصَّةِ فَجْرِهِ فَمَتَى كَانَ الْبَاقِي لِلزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فَفِي مِصْرَ وَالشَّامِ تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ حِصَّةِ الْفَجْرِ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ دَرَجَةً فِي مِصْرَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَنِصْفٍ فِي الشَّامِّ فَإِذَا كَانَ الْبَاقِي إلَى الزَّوَالِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ هَذِهِ الْحِصَّةِ، وَلَوْ بِنِصْفِ دَرَجَةٍ صَحَّ الصَّوْمُ كَذَا حَرَّرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ص: 280

مِنْ الْغَيْرِ لَا يُوجِبُ وُجُودَ نِيَّةِ مَا يَصِحُّ، وَهُوَ يُصَرِّحُ بِقَوْلِهِ لَمْ أُرِدْهُ بَلْ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ جَبْرًا، وَلَا جَبْرَ فِي الْعِبَادَاتِ وَقَوْلُهُمْ: الْأَخَصُّ يُصَابُ بِالْأَعَمِّ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَرَادَ الْأَخَصَّ بِالْأَعَمِّ، وَلَوْ أَرَادَهُ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ التَّعْيِينَ شَرْعًا يُوجِبُ الْإِصَابَةَ بِلَا نِيَّةٍ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَوَصْفَهُ، وَالْوَقْتُ لَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ فَلَغَتْ نِيَّةُ الْوَصْفِ، وَبَقِيَتْ نِيَّةُ الْأَصْلِ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ بُطْلَانُ الْأَصْلِ، وَالْإِعْرَاضُ إنْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ نِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ الْقَضَاءِ وَقَدْ لَغَتْ بِالِاتِّفَاقِ فَيَلْغُو مَا فِي ضِمْنِهَا، وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ لِبَقَاءِ الِاخْتِيَارِ لِلْعَبْدِ فِيهِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الصِّفَةِ؛ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إبْدَالُ هَذَا الْوَصْفِ بِوَصْفٍ آخَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الصِّفَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِوُقُوعِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَصْلًا، وَمَا أَلْزَمَنَا بِهِ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ لُزُومِ الْجَبْرِ لَزِمَهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ صَحَّحَهُ فَرْضًا بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَمَا هُوَ جَوَابُهُ فَهُوَ جَوَابُنَا، وَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَالَ: وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَبِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ لِمَا أَنَّ النَّفَلَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَلِمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ لَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ، وَلَهُ إبْطَالُ صَلَاحِيَّةِ مَالِهِ، وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ، وَرَمَضَانُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ لَكِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ إفَادَةُ صِحَّةِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نِيَّةِ النَّفْلِ إشَارَةً إلَيْهِ بِجَامِعِ إلْغَاءِ الْجِهَةِ لِتَعْيِينِهِ، وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ

وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فِي رَمَضَانَ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ عَمَّا نَوَى لِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ التَّرَخُّصَ لَهُ، وَهُوَ فِي الْمَيْلِ إلَى الْأَخَفِّ، وَهُوَ فِي صَوْمِ الْوَاجِبِ الْمُغَايِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَفَرْضُ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إلَّا إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَفِي النَّفْلِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ صِحَّةِ مَا نَوَى، وَوُقُوعُهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ النَّفْلِ الثَّوَابُ، وَهُوَ فَرْضُ الْوَقْتِ أَكْثَرُ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِحُّ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِمَا؛ فَلِهَذَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَامَ اُلْتُحِقَ بِالصَّحِيحِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَجَمْعٌ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ

وَقِيلَ يَقَعُ عَمَّا نَوَى كَالْمُسَافِرِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ فِي النَّفْلِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْمُسَافِرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فَتَتَعَلَّقَ الرُّخْصَةُ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَيَصِيرَ كَالْمُسَافِرِ يَقَعُ عَمَّا نَوَى وَبَيْنَ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ كَفَسَادِ الْهَضْمِ فَتَتَعَلَّقَ الرُّخْصَةُ بِحَقِيقَتِهِ فَيَقَعَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ

وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ أَنَّ الْمَرِيضَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نِيَّةِ النَّفْلِ إشَارَةً إلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ تَدَافُعٌ؛ إذْ بِتَقْدِيرِ هَذِهِ الْإِشَارَةِ يَكُونُ النَّفَلُ صِفَةً كَاشِفَةً، وَالصِّحَّةُ بِالْمُغَايِرِ خَاصَّةً بِرَمَضَانَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى اخْتِصَاصِ إصَابَةِ رَمَضَانَ بِهِ، وَقَوْلُهُ الْآتِي فَعُلِمَ بِهَذَا إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فَتَدَبَّرْهُ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَيْدًا، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى إصَابَةِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَافِي بِالْمَقْصُودِ مِمَّا هُنَا أَوْفَى حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فِي غَيْرِ نَذْرٍ وَنَفْلٍ وَسَفَرٍ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ الصِّحَّةُ فِيمَا إذَا نَوَى نَفْلًا بِالْأُولَى (قَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ عَمَّا نَوَى إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْأَنْسَبُ إسْقَاطُهُ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ قَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ إلَخْ) أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فَهِمَهُ الْأَكْمَلُ لَيْسَ مُرَادًا لِلْقَائِلِينَ بِالتَّفْصِيلِ بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّ الْمَرِيضَ تَارَةً يَضُرُّهُ الصَّوْمُ بِأَنْ يَصِيرَ الصَّوْمُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَرَضِهِ فَهَذَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ بِخَوْفِ الزِّيَادَةِ فَمَا دَامَ يَخَافُهَا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ، وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالصَّحِيحِ بَلْ هُوَ كَالْمُسَافِرِ لِوُجُودِ الرُّخْصَةِ، وَتَارَةً لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الضَّعْفِ مَا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ أَصْلًا فَهَذَا تَتَعَلَّقُ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ بِحَقِيقَةِ الْمَرَضِ أَيْ مَا دَامَ هَذَا الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الصَّوْمُ أَصْلًا يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فَقَدْ زَالَ الْمُرَخِّصُ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ لَا كَالْمُسَافِرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَضَ قِسْمَانِ قِسْمٌ يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ لَكِنَّهُ يَزْدَادُ بِهِ الْمَرَضُ فَيُبَاحُ فِيهِ الْفِطْرُ فَهَذَا كَالْمُسَافِرِ بِجَامِعِ الْإِبَاحَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَقِسْمٌ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الصَّوْمُ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ لَا يَضُرُّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَفَسَادِ الْهَضْمِ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَنْفَعُهُ لَكِنَّهُ لَوْ وَصَلَ فِي الضَّعْفِ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ مَا دَامَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ قَدَرَ بَعْدَهَا فَقَدْ زَالَ الْمُبِيحُ

ص: 281

الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهُ الْفِطْرُ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ كَمَا شَهِدَتْ كُتُبُهُمْ بِذَلِكَ فَمَنْ لَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أُصُولًا وَفُرُوعًا أَنَّ رَمَضَانَ يَصِحُّ مَعَ الْخَطَأِ فِي الْوَصْفِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ نِيَّةِ الصَّوْمِ النَّفْلِ فِي رَمَضَانَ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ إنَّمَا هِيَ مُصَوَّرَةٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بِأَنْ شَرَعَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى يَكُونَ هَذَا الظَّنُّ مَعْفُوًّا فَأَمَّا لَوْ وُجِدَتْ فِي غَيْرِهِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِمْسَاكِ الْمُعَيَّنِ يَتَأَدَّى بِغَيْرِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا الظَّنِّ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ، وَفِي النِّهَايَةِ مَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَنَّهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ، وَقَالَ فِي رَدِّهِ: إنَّهُ لَمَّا لَغَا نِيَّةَ النَّفْلِ لَمْ تَتَحَقَّقْ نِيَّةُ الْإِعْرَاضِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ نَفْلٌ يَكْفُرُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُلَازِمٌ بَيْنَ نِيَّةِ النَّفْلِ وَاعْتِقَادِ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ أَوْ ظَنِّهِ فَقَدْ يَكُونُ مُعْتَقِدًا لِلْفَرْضِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَوَى النَّفَلَ فَلَا يَكُونُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ كَافِرًا إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا اعْتِقَادُ النَّفْلِيَّةِ، وَكَذَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ إلَّا إذَا انْضَمَّ إلَيْهَا الظَّنُّ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ يَنْفَكُّ عَنْ الْوَصْفِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: إذَا بَطَلَتْ صِفَةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا وَإِذَا بَطَلَتْ الصِّفَةُ فِي الصَّوْمِ بَقِيَ أَصْلُهُ، وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت وَقَعَ أَصْلُ الطَّلَاقِ وَكَانَ الْوَصْفُ مُفَوَّضًا إلَيْهَا وَهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فَحَالُهُ وَوَصْفُهُ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِهِ فَيَتَعَلَّقُ الْأَصْلُ بِتَعَلُّقِهِ فَخَالَفَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الصَّوْمِ وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا وَجَرَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ بِبُطْلَانِ الْأَصْلِ إذَا بَطَلَ الْوَصْفُ فِيهَا وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَرَدَّهُ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ وَقَالَ فِي بَحْثٍ كَيْفَ أَنَّ أَصْلَهُمَا الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْفَاسِدِ عَلَى مَذْهَبِنَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ عِنْدَنَا تَنْقَسِمُ إلَى جَائِزٍ وَفَاسِدٍ وَبَاطِلٍ، بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ الرِّبَا مَثَلًا وَسَائِرَ الْعُقُودَاتِ الْفَاسِدَةِ مَشْرُوعَةٌ بِأَصْلِهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِوَصْفِهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَهِيَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ صَحِيحًا لَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ مِثْلَ الْوَصْفِ وَالْوَصْفُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا لَا فَاسِدٌ أَوْ كَانَ الْوَصْفُ مِثْلَ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ مَشْرُوعٌ فَكَانَ الرِّبَا جَائِزًا لَا فَاسِدًا، وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الصِّيَامِ، وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْحَلْقُ وَالْمُتْعَةُ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، وَلَا بِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْوَقْتِ لَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ الْمُقَارَنَةُ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِالصَّوْمِ لَا تَقْدِيمُهَا، وَإِنَّمَا جَازَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ، وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ نَهَارًا فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةِ النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَظْنُونِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ خُصُوصًا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي عَدَمَ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةٍ نَهَارًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَيْسَ كَالْمَظْنُونِ

وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضَاءَ النَّفْلِ بَعْدَ إفْسَادِهِ وَقَضَاءَ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَمَا بَقِيَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ اللَّيْلِ كَافِيَةٌ فِي كُلِّ صَوْمٍ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ عَنْهَا حَتَّى لَوْ نَوَى لَيْلًا أَنْ يَصُومَ غَدًا ثُمَّ عَزَمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْفِطْرِ لَمْ يُصْبِحْ صَائِمًا فَلَوْ أَفْطَرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ رَمَضَانُ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ انْتَقَضَتْ بِالرُّجُوعِ، وَلَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يَأْكُلَ، وَكَذَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت

ــ

[منحة الخالق]

وَالْتُحِقَ بِالصَّحِيحِ فَيَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُرَادُهُمْ بِهَذَا الْقِسْمِ أَنْ لَا يَضُرَّهُ الصَّوْمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ هَذَيَانًا مِنْ الْقَوْلِ؛ إذْ لَا يَقُولُ عَاقِلٌ بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهُ.

ص: 282