الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاجِبِ وَقِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ أَفْضَلُ إنْ شَاءَ قَرَأَ فِيهِمَا وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ ضَعِيفٌ لِتَصْرِيحِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالْوُجُوبِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا بِالْأَفْضَلِيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَتْ فَرْضًا فِي رَكْعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَكَانَ مُؤَدَّاهُ افْتِرَاضَهَا فِي رَكْعَةٍ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ اُعْتُبِرَتْ شَرْعًا كَالْأُولَى فَإِيجَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا إيجَابٌ فِيهِمَا دَلَالَةً وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِالظَّنِّيِّ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةً فِي الْفَرْضِ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَعَ وُجُودِ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ الْمَقْضِيِّ لِلْوُجُوبِ لِوُجُودِ صَارِفٍ لَهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبِّحْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ صَارِفًا إلَّا إذَا لَمْ يَرِدْ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ وَإِلَّا فَاخْتِلَافُهُمْ فِي الْوُجُوبِ لَا يَصْرِفُ دَلِيلَ الْوُجُوبِ عَنْهُ فَالْأَحْوَطُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ رحمه الله بِالْوُجُوبِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ انْتَهَى وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ مُقْتَضَاهُ لُزُومُ قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وُجُوبًا لَا تَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ لَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى مَعَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وُجِدَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بِقَصْدِهِ وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا فَتَغَيَّرَتْ بِقَصْدِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ) أَيْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ إلَى الثَّالِثَةِ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى إلَّا رَكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا قَالُوا يَسْتَفْتِحُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ قَعْدَةٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ فِي كُلِّ شَفْعٍ انْتَهَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِأَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
كَمَا لَوْ أَتَى بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ بَعْدَهَا وَلَيْسَ هَذَا كَتَأْخِيرِ سَجْدَةٍ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَأْخِيرُ فَرْضٍ لَكِنْ عَدَمُ التَّأْخِيرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فَرْضٌ وَكَوْنُهُ فَرْضًا عَمَلِيًّا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ فَهُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ كَمَا مَرَّ صَدْرَ الْكِتَابِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ لَكِنَّهُ ظَنِّيٌّ وَكَانَ مُقْتَضَى تَرْكِهِ الْفَسَادُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ احْتِيَاطًا لِكَوْنِهِ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا أَرَادَ بِهِ التَّعْيِينَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ لَا الِافْتِرَاضِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ غَيْرُ عَيْنٍ مُرَادُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ وَهُوَ مَا سَيَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَا ثَلَاثَةٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى الْمُنْيَةِ عِنْدَ ذِكْرِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا وَأَفْضَلُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا لَكِنْ نَصَّ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عِنْدَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَدَمِهِ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ عَنْ مَحَلِّهِ سَهْوًا وَعَلَى السُّنِّيَّةِ لَا اهـ. مُلَخَّصًا وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا قُلْنَا.
(قَوْلُهُ إيجَابٌ فِيهِمَا دَلَالَةً) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إيجَابٌ فِي الثَّانِيَةِ دَلَالَةً (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ إلَخْ) تَسْمِيَتُهُ قَطْعِيًّا مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهَذَا لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنِّيٌّ نَعَمْ هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّهَا حَقِيقَةً لَكِنَّهَا فِي حُكْمِهَا لِالْتِحَاقِهَا بِالْأُولَيَيْنِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِقَصْدِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ الْمَسْبُوقِ لَوْ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ الْتَحَقَتْ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَيَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ فِيمَا سَبَقَ بِهِ أَيْضًا وَبِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُسَافِرٍ فِي الْوَقْتِ بِمُقِيمٍ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَبِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ إمَامُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالظَّاهِرُ فِي تَوْجِيهِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الرَّمْلِيَّ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ خَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ فَتَدَبَّرْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.
[الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ]
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ
لَا يَشْمَلُ السُّنَّةَ الرُّبَاعِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةَ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ لَيْسَ كَتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَلْ هِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ وَلِهَذَا لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا بِقِيَامِهَا فِيهَا إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْلِ فِي كَلَامِهِمْ مَا لَيْسَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَمْ يَتِمَّ أَيْضًا لِخُلُوِّهِ عَنْ إفَادَةِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ فَرْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوْ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا تَرَكَهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
(قَوْلُهُ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ) بَيَانٌ لِمَا وَجَبَ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ نَوْعَانِ مَا وَجَبَ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ وَمَا وَجَبَ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الشُّرُوعُ فِي النَّفْلِ فَنَبْدَأُ بِهِ تَبَعًا لِلْكِتَابِ فَنَقُولُ إنَّ إبْطَالَ الْعَمَلِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَيَلْزَمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّحَرِّي لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّمَامِ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى وَقَعَ قُرْبَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَدْرِ الْمُؤَدَّى يَصِيرُ مُثَابًا وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ كَالْحَيْضِ فِي خِلَالِهِمَا أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهُ يَحِلُّ الْإِفْسَادُ لِعُذْرٍ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِفْسَادُ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي إبَاحَتِهِ فِي الصَّوْمِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُبَاحُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ إذَا شَرَعَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ وَفِي الْبَدَائِعِ
وَعِنْدَنَا الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَهَا وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَإِذَا قَطَعَهَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ وَاجِبًا خُرُوجًا عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلَيْسَ بِإِبْطَالٍ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهٍ أَكْمَلَ فَلَا يُعَدُّ إبْطَالًا وَلَوْ قَضَاهُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَتَمَّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أُطْلِقَ الشُّرُوعُ فَانْصَرَفَ إلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ أُمِّيٍّ مُتَطَوِّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ مُحْدِثٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَانْصَرَفَ إلَى الْقَصْدِيِّ فَالشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ غَيْرُ مُوجِبٍ وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوعِ هُوَ الدُّخُولُ فِيهَا بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْ بِالْقِيَامِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ صَحِيحًا فَإِذَا أَفْسَدَ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ فَقَطْ وَلَا يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ إلَّا إذَا صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَعْدَةُ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ فَسَدَتْ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَيَفْسُدُ مَا قَبْلَهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ هَذَا النَّفَلُ إذَا صَارَ لَازِمًا بِالشُّرُوعِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَصْلِ النَّفْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى مُتَطَوِّعًا بِإِمَامٍ مُفْتَرِضٍ ثُمَّ قَطَعَهُ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَنُوبُ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِفْسَادِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
وَذُكِرَ فِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا يَجِبُ بِالْقَوْلِ وَهُوَ النَّذْرُ فَفِي الْقُنْيَةِ أَدَاءُ النَّفْلِ بَعْدَ النَّذْرِ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهِ بِدُونِ النَّذْرِ ثُمَّ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَوَافِلَ قِيلَ يَنْذِرُهَا ثُمَّ يُصَلِّيهَا وَقِيلَ يُصَلِّيهَا كَمَا هِيَ انْتَهَى وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ وَهُوَ
ــ
[منحة الخالق]
بِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا الْمُؤَكَّدَةَ صَلَاةً وَاحِدَةً فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْوِتْرِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِهِ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا إلَخْ) أَيْ خِيَارُ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَالَ لَهَا زَوْجُهَا اخْتَارِي نَفْسَك وَهِيَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) أَيْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا كَذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مِنْ اسْتِعْجَالِ الشَّيْءِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَهَلَّا قَالَ أَوْ حَجًّا اهـ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَنْصِيصٌ عَلَى مَا فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذْ لَا خِلَافَ لَهُ فِيهِ وَلَا فِي الْعُمْرَةِ عَلَى مَا يُعْلَمُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ اهـ.
وَالظَّاهِرُ تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَقَامَ لَهَا وَلِأَنَّهُ يَنْبُو عَنْ الصَّوْمِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِوَاءَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ضَيِّقٌ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الشَّلَبِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الشُّرُوعِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَمُدَّةُ الشُّرُوعِ يَسِيرَةٌ يُمْكِنُ فِيهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحَرِّيَ الشُّرُوعِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ نَادِرٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى تَطَوُّعًا آخَرَ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ) وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ»
مُرَجِّحٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَنْذِرُهَا لَكِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُصُولَ الشَّرْطِ كَالْعِوَضِ لِلْعِبَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَلِّصًا وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِنَذْرِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّذْرِ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ وَالْأَحْسَنُ عِنْدَ الْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَنْذِرُهَا خُرُوجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِيَقِينٍ ثُمَّ الْمَنْذُورُ قِسْمَانِ مُنَجَّزٌ وَمُعَلَّقٌ فَالْمُنَجَّزُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ كَانَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً بِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرٍ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ سَجْدَةً لَا تَلْزَمُهُ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أُصَلِّيَ صَلَاةً أَوْ عَلَيَّ صَلَاةٌ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ يَوْمًا لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
فَلَوْ نَذَرَ صَلَوَاتِ شَهْرٍ فَعَلَيْهِ صَلَوَاتُ شَهْرٍ كَالْمَفْرُوضَاتِ مَعَ الْوِتْرِ دُونَ السُّنَنِ لَكِنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ وَالْمَغْرِبَ أَرْبَعًا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَرْبَعٌ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا عُرِفَ وَلَوْ نَذَرَ نِصْفَ رَكْعَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثَمَانِيًا أَوْ أَنْ يُزَكِّيَ النِّصَابَ عُشْرًا أَوْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مَرَّتَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ فَهُوَ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ عُرْيَانًا فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِقِرَاءَةٍ مَسْتُورًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ عِبَادَةٌ كَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَالْأُمِّيِّ وَبِغَيْرِ ثَوَابٍ لِعَادِمِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَصْلًا تَجَوُّزًا بِالْخَاصِّ عَنْ الْعَامِّ لِيَكُونَ الْمَشْرُوعُ الْأَصْلِيَّ فِي مِثْلِهِ هُوَ الْخَاصُّ وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ مَشْرُوعَةٌ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ بِهِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا عُرِفَ وَكَأَنَّهُ لِنُدْرَتِهِ لَمْ يُفَرِّعْ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ يَلْزَمُهُ بِطَهَارَةٍ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ كَأَنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ) أَيْ النَّهْيِ عَنْ النَّذْرِ فَإِنَّ النَّهْيَ الَّذِي فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مُطْلَقٌ وَتَقْيِيدُهُ بِالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ جَرْيًا عَلَى ظَاهِرِ الْإِطْلَاقِ فَالْأَحْوَطُ عَدَمُ النَّذْرِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي فُرُوعٍ قُبَيْلَ كِتَابِ الْحَجِّ لَوْ ارْتَدَّ عَقِيبَ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ مُوجِبُ النَّذْرِ لِأَنَّ نَفْسَ النَّذْرِ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ اهـ.
فَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّذْرَ بِالْقُرْبَةِ قُرْبَةٌ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ بِالْمُعَلَّقِ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ دَخَلْتُ دَارَ فُلَانٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ بِمَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَدَّ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْ شَائِبَةِ الْعِوَضِ حَيْثُ جَعَلَ الْقُرْبَةَ فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ وَنَحْوِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ أَنَّ الشِّفَاءَ حَصَلَ بِسَبَبِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ بِخِلَافِ النَّذْرِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ أَصْلًا فَإِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ بِالْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ هَذَا وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ النَّهْيَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ النَّذْرَ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِهِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا قُلْنَاهُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ فَإِنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعَ الْجِنَازَةِ قَدْ خَرَجَا بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ النَّذْرَ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ سَيَنْقُلُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنَّفِهِ هَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَزِمَاهُ بِطَهَارَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ صَدْرَ كَلَامِهِ نَذْرٌ صَحِيحٌ مُلْزِمٌ لِلطَّهَارَةِ اقْتِضَاءً فَكَانَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُنَاقِضًا لَهُ فَسَقَطَ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الصِّحَّةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ بِطَهَارَةٍ أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُ وَالْكَلَامُ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ بِخِلَافِ الْإِفْصَاحِ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَنْ الْمَنْطُوقِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَتِهِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ التَّحْرِيفِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا لَوْ قَالَ صَلَاةً بِطَهَارَةٍ بِلَا طَهَارَةٍ وَالصَّوَابُ فِيهَا أَوْ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا طَهَارَةٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهَا فَقَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِهِ.
صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَلَاةٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا فِعْلُ عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَأَنْ دَخَلْت الدَّارَ أَوْ كَلَّمْت فُلَانًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ غَيْرِهِ وَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ ثُمَّ فِي الْمُعَلَّقِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَدٍ فَصَلَّى الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ بَلْ عِنْدَ الشَّرْطِ وَالْمُضَافُ يَنْعَقِدُ فِي الْحَالِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي لُبِّ الْأُصُولِ
وَلَوْ عَيَّنَ مَكَانًا فَصَلَّى فِيمَا هُوَ أَشْرَفُ مِنْهُ أَوْ دُونَهُ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي وَذَكَرَ فِي الْمُصَفَّى أَنَّ أَقْوَى الْأَمَاكِنِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعُ ثُمَّ مَسْجِدُ الْحَيِّ ثُمَّ الْبَيْتُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ بَعْدَ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَسْجِدَ قُبَاءَ ثُمَّ الْأَقْدَمَ فَالْأَقْدَمَ ثُمَّ الْأَعْظَمَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِنَاءُ هَذَا الْمَسْجِدِ فِي حُكْمِهِ فِي الْفَضِيلَةِ تَشْرِيفًا لَهُ وَهِيَ كَانَتْ مِنْ فِنَائِهِ قَبْلَ أَنْ تُجْعَلَ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَفِي عِدَّةِ الْمُفْتِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مَرِيضٌ قَالَ إنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ أَقْدِرَ فَأُصَلِّي رَكْعَةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ هَكَذَا إلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فَقَدَرَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ انْتَهَى وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى دِرْهَمٌ وَبِالثَّانِيَةِ دِرْهَمَانِ وَبِالثَّالِثَةِ ثَلَاثَةٌ وَبِالرَّابِعَةِ أَرْبَعَةٌ فَالْجُمْلَةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَفِي الْقُنْيَةِ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةً فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ وَلَوْ فَاتَ يَقْضِيهَا كَالصَّوْمِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ يُصَلِّي فِي التَّشَهُّدِ وَيَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا وَأَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ أَوْ قَبْلَهُ) يَعْنِي فَيَلْزَمُهُ الشَّفْعُ الثَّانِي إنْ أَفْسَدَهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَالشُّرُوعِ فِي الثَّانِي وَالشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَقَطْ إنْ أَفْسَدَهُ قَبْلَ الْقُعُودِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَحْرِيمَةِ النَّفْلِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ رُجُوعَ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِمَا فَهُوَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِسَبَبِ الشُّرُوعِ لَمْ يَثْبُتْ وَضْعًا بَلْ لِصِيَانَةِ الْمُؤَدِّي وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ بِلَا ضَرُورَةِ قَيْدٍ بِقَوْلِهِ نَوَى أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يَنْوِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا رَكْعَتَانِ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَوَى أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَرْبَعٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِيهِ هُوَ النَّذْرُ بِصِيغَتِهِ وَضْعًا وَأَطْلَقَ فِي النَّفْلِ فَشَمَلَ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا إلَّا رَكْعَتَانِ حَتَّى لَوْ قَطَعَهَا قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا نَفْلٌ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا فِي التَّطَوُّعِ فَفِي السُّنَّةِ أَوْلَى وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَهُ فِي السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِدَلِيلِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَفْتِحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَلَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفِيعِ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَكَذَا الْمُخَيَّرَةُ وَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَصَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَتَنْعَكِسُ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مُسَلَّمَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلِذَا اخْتَارَ ابْنُ الْفَضْلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَنَصَّ صَاحِبُ النِّصَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ قَطَعَ سُنَّةَ الظُّهْرِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ الثَّالِثَةِ وَشَرَعَ فِي الْفَرْضِ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ انْتَهَى
وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا إلَّا بِعَارِضِ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ الْمُتَطَوِّعَ لَوْ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الظُّهْرِ ثُمَّ قَطَعَهَا فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعًا سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهِيَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ عَلِمْت رُجُوعَهُ فَالْخِلَافُ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ بَلْ اخْتِيَارٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ لِلْفَضْلِيِّ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْأَرْبَعِ بَيْنَ نِيَّتِهَا أَوْ لَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَدَائِعِ إلَخْ) أَقُولُ: نَعَمْ مَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَا بَلْ ظَاهِرُهُ الْخِلَافُ فَإِنَّهُ قَالَ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَرْبَعِ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَالُوا لَوْ قَطَعَهَا يَقْضِي أَرْبَعًا وَلَوْ أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ فَانْتَقَلَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ اهـ.
أَرْبَعٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْقُعُودِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَهَا لَزِمَهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بَحْثًا وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا سَلَفَ فَقَوْلُهُمْ إنَّ كُلَّ شَفْعٍ فِي النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْكُلُّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ فَإِذَا أَفْسَدَهُ لَزِمَهُ الْكُلُّ.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِنَّ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ قَضَى رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ بِالثَّمَانِيَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ مَتَى فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ وُجُودًا بِدُونِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْأَدَاءِ إلَّا بِهَا وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ فُلًّا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مَتَى فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ لَا تَبْقَى التَّحْرِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَكَمَا يَفْسُدُ الشَّفْعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا يَفْسُدُ بِتَرْكِهَا فِي إحْدَاهُمَا وَإِذَا فَسَدَتْ الْأَفْعَالُ لَمْ تَبْقَ التَّحْرِيمَةُ لِأَنَّهَا تَعَقُّدٌ لِلْأَفْعَالِ وَقَدْ فَسَدَتْ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ فَسَدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَإِنْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَاهُمَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ الْقِيَاسَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ لَكِنْ فَسَادُهَا بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ بِجَوَازِهَا بِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَكِنْ إنَّمَا عَرَفْنَا فَسَادَهُ بِدَلِيلٍ اجْتِهَادِيٍّ غَيْرِ مُوجِبٍ عَلَى الْيَقِينِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ قَوْلَهُ غَيْرَ أَنَّا عَرَفْنَا صِحَّةَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَفَسَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ الثَّانِيَةِ بِيَقِينٍ بِالشَّكِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَرْبَعِ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِبَقَائِهَا عِنْدَهُ فَيَقْضِي الشَّفْعَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَدْ أَفْسَدَهُمَا فَقَطْ فَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا إجْمَاعًا
وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا فَقَطْ إجْمَاعًا لِفَسَادِهِمَا وَلَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي عِنْدَهُمَا هُمَا حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ فِيهِ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَدْ صَحَّ وَلَمْ يَفْسُدْ لِوُجُودِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ إلَى ثَلَاثٍ أُخْرَى أَيْضًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ سِتًّا مِنْ الثَّمَانِيَةِ إحْدَاهَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُخْرَيَيْنِ إجْمَاعًا ثَانِيهَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ إجْمَاعًا ثَالِثُهَا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لَا غَيْرَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي أَرْبَعًا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي يَسْرِي إلَى الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا فَقَوْلُهُ أَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَعَدَ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِتَرْكِ الْقَعْدَةِ فَلَا تَتَأَتَّى هَذِهِ التَّفْرِيعَاتُ عِنْدَهُ انْتَهَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ السِّتَّ تِسْعٌ مِنْ حَيْثُ التَّصْوِيرِ لِأَنَّ الرَّابِعَةَ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةُ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا مَا إذَا تَرَكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ تَرَكَ فِي الثَّانِيَةِ وَالسَّادِسَةُ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا مَا إذَا قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ قَرَأَ فِي الرَّابِعَةِ فَالْمَسَائِلُ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا رَكْعَتَانِ تِسْعٌ فِي التَّحْقِيقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَإِنْ اُشْتُهِرَتْ بِالثَّمَانِيَةِ لَكِنْ هِيَ فِي التَّحْقِيقِ خَمْسَةَ عَشْرَ تِسْعٌ مِنْهَا يَلْزَمُ فِيهَا رَكْعَتَانِ وَسِتٌّ مِنْهَا يَلْزَمُ فِيهَا أَرْبَعٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ.
(وَأَرْبَعًا لَوْ قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا لِمَا عُرِفَ فِي الْأَصْلِ السَّابِقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ قَدْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفَسَادُ الْأَدَاءِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ تَرْكِ الْأَدَاءِ بِأَنْ أَحْرَمَ وَاقِفًا ثُمَّ تَرَكَ أَدَاءَ كُلِّ الْأَفْعَالِ بِأَنْ وَقَفَ سَاكِتًا طَوِيلًا لَا تَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَمْ تُعْقَدْ إلَّا لِهَذَا الشَّفْعِ فَإِنَّ بِنَاءَ الشَّفْعِ الثَّانِي جَائِزٌ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَبِفَسَادِهِ لَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِتَفْسُدَ هِيَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَمَّا قَرَّرَ لِأَبِي يُوسُفَ بَلْ جَوَابُهُ مَنَعَ أَنَّ فَسَادَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِهِ لِأَنَّ التَّرْكَ مُجَرَّدُ تَأْخِيرٍ وَالْفَسَادَ فِعْلٌ مُفْسِدٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ فَسَادَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ كَذَلِكَ عَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُلِّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ الْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ فَلَا يُعْتَبَرُ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ
ارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْهُ وَقَالَ رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَاعْتَمَدَ مَشَايِخُنَا رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ اسْتِحْسَانًا ذِكْرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فِي الْأُصُولُ بِأَنَّ تَكْذِيبَ الْفَرْعِ الْأَصْلَ يُسْقِطُ الرِّوَايَةَ إذَا كَانَ صَرِيحًا وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ مِثْلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلْيَكُنْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ انْتَهَى
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَأَنَّهُ لِثُبُوتِهَا بِالسَّمَاعِ لِمُحَمَّدٍ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بِوَاسِطَةِ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا اعْتَمَدَهَا الْمَشَايِخُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يَتَوَقَّعُ مِنْ مُحَمَّدٍ أَنْ يَرْوِيَ كِتَابًا عَنْهُ فَصَنَّفَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْكِتَابَ أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَسْنَدَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمَّا عُرِضَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَهُ وَقَالَ حَفِظَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَّا مَسَائِلَ خَطَّأَهُ فِي رِوَايَتِهَا عَنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ اقَالَ حَفِظَتْهَا وَنَسِيَ وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ انْتَهَى وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ السَّرَّاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَقَالَ الْأَوْلَى مَسْأَلَةُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ عَلِمْتهَا الثَّانِيَةُ مُسْتَحَاضَةٌ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الظُّهْرِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا رَوَيْت لَك حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الظُّهْرِ الثَّالِثَةُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ نَفِدَ الْعِتْقُ قَالَ إنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ لَا يَنْفَدُ الرَّابِعَةُ الْمُهَاجِرَةُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَيَجُوزُ نِكَاحُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حُبْلَى فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا قَالَ إنَّمَا رَوَيْت لَك أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَكِنْ
ــ
[منحة الخالق]
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله قَضَى الْأَرْبَعَ وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَكَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَهُ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَهُمَا بَلْ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ فَصْلٌ أَصَابَ نَحْرَهُ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ بَلْ تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي كَوْنِهِ تَخْرِيجًا عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ نَظَرٌ يُوَضِّحُهُ سُلُوكُ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ فِي الْحُكْمِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بَلْ حَفِظْتُهَا وَنَسِيَ وَدَعْوَى أَنَّهُ رَوَاهُ بِلَا وَاسِطَةٍ مُنَافٍ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الثَّانِي نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّمَا اعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ ذَلِكَ لَا بِنَاءً عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ الثَّانِي بَلْ بِنَاءً عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ بَطَلَتْ رِوَايَتُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهَا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِيهِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَأَنَّ مَا ادَّعَى أَبُو يُوسُفَ رِوَايَتَهُ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ اسْتِحْسَانٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ حَدِيثًا ثُمَّ نَسِيَ الْأَصْلُ رِوَايَتَهُ لِلْفَرْعِ ثُمَّ سَمِعَ الْفَرْعَ يَرْوِيهِ عَنْهُ عِنْدَهُمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْمَلُ بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَائِلُ الَّتِي رَوَاهَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَسِيَهَا أَبُو يُوسُفَ وَهِيَ سِتَّةٌ فَكَانَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَعْتَبِرُ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدٌ لَا يَدَعُ رِوَايَتَهَا عَنْهُ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا رَوَيْت لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسْيَانِ الْأَصْلِ رِوَايَةَ الْفَرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَسِيَ الْأَصْلَ وَلَمْ يَجْزِمْ بِالْإِنْكَارِ فَلَا يَنْبَغِي اعْتِبَارُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إلَّا إذَا صَحَّ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَهُ تَخْرِيجًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: لَعَلَّهُ حَمَلَهُ مُحَمَّدٌ عَلَى النِّسْيَانِ لِطُولِ الْعَهْدِ وَاشْتِغَالِهِ بِالْقَضَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَسَائِلَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ مَا وُجِدَ فِي بَعْضِ كُتِبَ مُحَمَّدٍ الْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ عَنْهُ إمَّا مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً وَهِيَ الطَّبَقَةُ الْأُولَى الثَّانِيَةُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ كالكيسانيات وَالْهَارُونِيَّاتِ وَتُسَمَّى غَيْرَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ عَنْ مُحَمَّدٍ ثُبُوتًا ظَاهِرًا كَالْأُولَى وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِمَّا لَمْ يَجِدُوا فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ كَمَا بَسَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ رحمه الله فِي صَدْرِ شَرْحِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ قَاضِي خَانْ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ كَانَ لِثُبُوتِهَا بِالسَّمَاعِ إلَخْ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا سَمِعَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ بِوَاسِطَةِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ نَفْسُهُ صَرَّحَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ أَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا بَحَثْته فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَنَحْوِهِ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَزَادَ عَلَى مَا قُلْته أَنَّ مُحَصَّلَ كَلَامِهِ هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ مِنْ التَّفْرِيعِ الصَّحِيحِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَنَّ الْإِشْكَالَ فِي تَصْمِيمِ مُحَمَّدٍ عَلَى مُخَالَفَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ لَا تَرْتَفِعُ
لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَضَعَ الْحَمْلَ الْخَامِسَةُ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَتَلَ مَوْلًى لَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الدَّمُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَدْفَعُ رُبُعَهُ إلَى شَرِيكِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا حُكِيَتْ لَك عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِنَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي رَوَيْتُهُ فِي عَبْدٍ قَتَلَ مَوْلَاهُ عَمْدًا وَلَهُ ابْنَانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِمَا وَذَكَرَ قَوْلَ نَفْسِهِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأُولَى السَّادِسَةُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا لَهُ وَعَبْدًا لَا غَيْرَ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ الْمَيِّتَ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفٌ فَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا يَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَهُوَ حُرٌّ وَيَأْخُذُهَا الْغَرِيمُ بِدَيْنِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا رَوَيْت لَك مَا دَامَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ أَنَّهُ عَبْدٌ انْتَهَى
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى تَمَامَ الثَّمَانِيَةِ (وَ) هِيَ مَا إذَا قَرَأَ (فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ) لَا غَيْرَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَرْبَعٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَكْعَتَانِ وَفِي التَّحْقِيقِ هِيَ إشَارَةٌ إلَى خَمْسَةٍ أُخْرَى فَمَسَائِلُ لُزُومِ الْأَرْبَعِ سِتٌّ تَمَامَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ أَعْنِي مَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ لِأَنَّ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَطْ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ فَقَطْ وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا قَرَأَ فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ لَا غَيْرَ صَادِقَةٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى فَقَطْ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْعِنَايَةِ مُجْمَلَةً وَقَالَ فَعَلَيْك بِتَمْيِيزِ الْمُتَدَاخِلَةِ بِالتَّفْتِيشِ فِي الْأَقْسَامِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ مُفَصَّلَةً مُمَيَّزَةً فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ
وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ رَجُلٌ اقْتَدَى بِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ إمَامِهِ يَقْضِي مَا يَقْضِي إمَامُهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مُتَعَلِّقَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَوْ تَكَلَّمَ الْمُقْتَدِي وَقَدْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَ فَإِنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِ الْإِمَامِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الشَّفْعَ الْأَخِيرَ وَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ قُعُودِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ إلَى الثَّالِثَةِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ تَكَلَّمَ الْمُقْتَدِي لَمْ تُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ عِصَامٌ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ أَرْبَعٍ وَخَصَّهُ أَبُو الْمُعِينِ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَخِيرِ لَا غَيْرَ انْتَهَى وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَصَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ قَضَى الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّهُ بِالِاقْتِدَاءِ الْتَزَمَ مَا لَزِمَ الْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ «وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلِهَا» ) هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَا يُصَلِّي عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ مِثْلَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّهُ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَرْضَ أَرْبَعًا وَكَذَا يُصَلِّي الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ يُصَلِّي السُّنَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَامِّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ يَعْنِي لَا تُصَلَّى النَّافِلَةُ كَذَلِكَ حَتَّى لَا تَكُونَ مَثَلًا لِلْفَرْضِ بَلْ يَقْرَأُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى كَانَ حَسَنًا فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْأَوَّلِ بِمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ قُلْت أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ»
وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ إنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ أَفَأُصَلِّي مَعَهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ نَعَمْ فَقَالَ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلَاتِي فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لَيْسَ ذَلِكَ إلَيْك إنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ فَهَذَا مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ أَتَمَّ الْإِمَامُ الْأَرْبَعَ) أَيْ أَتَمَّهَا بَعْدَ تَكَلُّمِ الْمُقْتَدِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْعِبَارَةَ مُوهِمَةٌ.
(قَوْلُهُ لِلْأَوَّلِ) صَوَابُهُ لِلثَّانِي أَيْ قَوْلُهُ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ