الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَضُرَّهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ كُرِهَ فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَعِنْدَهُ نَاسٌ، فَإِنْ كَانُوا مُتَوَضِّئِينَ مُتَأَهِّبِينَ لِلسَّجْدَةِ قَرَأَهَا جَهْرًا، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُتَأَهِّبِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفِضَ قِرَاءَتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا لَصَارَ مُوجِبًا عَلَيْهِمْ شَيْئًا رُبَّمَا يَتَكَاسَلُونَ عَنْ أَدَائِهِ فَيَقَعُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ وَاسْجُدْ وَسَكَتَ، وَلَمْ يَقْرَأْ وَاقْتَرِبْ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان رَجُلٌ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَرْفًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْ تَالٍ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِعِبَادِهِ أَرْحَمُ.
(بَابُ الْمُسَافِرِ) أَيْ
بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ
؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّفَرَ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ وَإِلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَاكَ وَالسَّفَرُ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الظُّهُورِ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمُسَافِرِ أُضْحِيَّةٌ» عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ حَتَّى سَقَطَ الْأُضْحِيَّةُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي تَغَيَّرَتْ بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ سُقُوطُ الْأُضْحِيَّةِ وَجَعَلَهُ كَالْقَصْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ إلَّا بِالسَّفَرِ الشَّرْعِيِّ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَحَلِّهِ، وَالْإِضَافَةُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ وَالْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ قَصَرَ الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ) بَيَانٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُبْتَدَأُ فِيهِ الْقَصْرُ وَلِشَرْطِ الْقَصْرِ وَمُدَّتُهُ وَحُكْمُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ لِمَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام «أَنَّهُ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدَهُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّأْلِيفِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ أَوْ الْآيَاتِ مِنْ السُّورَةِ لَا بِذِكْرِ كَلِمَةٍ وَآيَةٍ مِنْهَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةٍ مِنْ بَيْنِ الْآيَاتِ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ فَكَمَا لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ سُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ أَثْنَاءِ الْقُرْآنِ مُغَيِّرًا لِلتَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ لَا يَكُونُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مُغَيِّرًا لَهُ نَعَمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ لَا يُكْرَهُ وَفِيهِ مَا فِيهِ اهـ. أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ حَتَّى لَا يَرِدَ هَذَا الْأَخِيرُ، هَذَا وَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ تِلْكَ الْآيَاتِ مُتَوَالِيَةً فِي مَجْلِسٍ تَغْيِيرٌ لِلنَّظْمِ وَإِحْدَاثُ تَأْلِيفٍ جَدِيدٍ بِخِلَافِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ اهـ.
ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ السَّجَدَاتِ لِمَا بَعْدَ التِّلَاوَةِ أَمَّا لَوْ سَجَدَ عَقِبَ كُلِّ آيَةٍ فَلَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَاصِلٌ لِلتَّأْلِيفِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ انْتَقَلَ مِنْ آيَةٍ إلَى أُخْرَى مِنْ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا آيَتَانِ فَأَكْثَرُ، وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ مُطْلَقًا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ سُورَتَيْنِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِسُورَتَيْنِ يُكْرَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قَالَ فِي النَّهْرَانِ مَا فِي الْكَافِي، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْوَلَاءِ، ثُمَّ سَجَدَ لَهَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَجَدَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَقِبَ قِرَاءَتِهَا وَهَذَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ شَامِلٌ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ نَظْمِ الْقُرْآنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
ثُمَّ إنَّ مَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَيْنِ السُّورَةِ بِالْإِفْرَادِ لَا السُّوَرِ جَمْعُ سُورَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خان) أَيْ قَيَّدَ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ الْعَكْسُ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُكْرَهَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ.
[بَابُ صَلَاة الْمُسَافِرِ]
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَيْرًا وَسَطًا) قَالَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَسَطًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالْعَامِلُ فِيهِ السَّيْرُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِأَنْ وَالْفِعْلِ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا أَنْ يَسِيرَ سَيْرًا وَسَطًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمُرَادُهُ التَّقْدِيرُ لَا أَنْ يَسِيرَ فِيهَا سَيْرًا وَسَطًا، وَلَا أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ السَّيْرَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ قَدْرَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُرِيدًا سَيْرًا وَسَطًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَيْ مُرِيدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ وَسَطٍ أَوْ نَقُولُ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مُرِيدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَيْرًا وَسَطًا أَيْ بِسَيْرٍ وَسَطٍ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ وَدَعَاهُ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعْمَلُ فِي ثَلَاثَةٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ مُرِيدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ وَالْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَلَا سَيْرًا؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ لَا يَعْمَلُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَ لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ إنَّ هَذَا التَّكَلُّفَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ
فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَالْخُصُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ كَذَا ضَبَطَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ وَيُقَالُ لِحَرَمِ الْمَسْجِدِ رَبَضٌ أَيْضًا
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَبَضِ الْمِصْرِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الْمُجْتَبَى تَرْجِيحُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ أَيْضًا وَجَزَمَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالِاشْتِرَاطِ وَاعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرُبَضِ الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِفِنَاءِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ لَا الْقَرْيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُجَاوَزَةَ الْفِنَاءِ لِلِاخْتِلَافِ وَفَصَّلَ قَاضِي خان فِي فَتَاوَاهُ فَقَالَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانِ الْمِصْرِ اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي الْمُجَاوَزَةِ فَانْصَرَفَتْ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ مَحَلَّةٍ بِحِذَائِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ، وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ قَدْرَ الْغَلْوَةِ ثَلَثُمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ
وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا إذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ إلَى مِصْرٍ لَمْ يُتِمَّ حَتَّى يَدْخُلَ الْعُمْرَانِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ طَافَ الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى قَطْعِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَتَرَخَّصُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: أَمِيرٌ خَرَجَ مَعَ جَيْشِهِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَيْنَ يُدْرِكُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْإِقَامَةِ فِي الذَّهَابِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَكَذَلِكَ الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَمَّا فِي الرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةَ سَفَرٍ قَصَرُوا، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْقَصْدِ تَفَرَّعَ فِي صَبِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ يَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حِينَ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي الْإِقَامَةِ وَاشْتَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهَا فِي السَّفَرِ لِمَا أَنَّ فِي السَّفَرِ الْحَاجَةُ إلَى الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يَكْفِيهِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ مَا لَمْ يُقَارِنْهَا عَمَلٌ مِنْ رُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ كَالصَّائِمِ إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا مَا لَمْ يُفْطِرْ، وَفِي الْإِقَامَةِ الْحَاجَةُ إلَى تَرْكِ الْفِعْلِ، وَفِي التَّرْكِ يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ كَعَبْدِ التِّجَارَةِ إذَا نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي السَّفِينَةِ حَالَ إقَامَتِهِ فِي طَرَفِ الْبَحْرِ فَنَقَلَهَا الرِّيحُ، وَهُوَ فِي السَّفِينَةِ وَنَوَى السَّفَرَ يُتِمُّ صَلَاةَ الْمُقِيمُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ وَمَا يَمْنَعُ فَرَجَّحْنَا مَا يُوجِبُ الْأَرْبَعَ احْتِيَاطًا اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا وَمَنْ حَمَلَ غَيْرَهُ لِيَذْهَبَ مَعَهُ وَالْمَحْمُولُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَسِيرَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ الْمُغَيَّرُ وَإِذَا سَارَ ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ حَمْلِهِ، وَلَوْ كَانَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ حَمَلَ وَسَارَ بِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ، وَإِنْ سَارَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ، وَهُوَ مُقِيمٌ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ اهـ.
فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَكُونُ مُسَافِرًا بِغَيْرِ قَصْدٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمَتْبُوعِ لَا التَّابِعِ، وَأَمَّا التَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِإِشَارَةِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» عَمَّ الرُّخْصَةَ الْجِنْسَ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَالْمُرَادُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ اخْتَلَفُوا
ــ
[منحة الخالق]
سَيْرًا مَفْعُولَ مُرِيدًا وَوَسَطًا وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صِفَتَانِ لَهُ أَيْ كَائِنًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُصَلِّي أَرْبَعًا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَفِي الشرنبلالية بَعْدَ عَزْوِهِ لِمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ مِثْلَهُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ أَنَّهُمَا يُتِمَّانِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي) أَيْ فِي آخِرِ هَذِهِ السَّوَادَةِ (قَوْلُهُ عَمَّ الرُّخْصَةُ) أَيْ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ الْجِنْسَ أَيْ جِنْسَ الْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِي الْمُسَافِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِعَدَمِ الْمَعْهُودِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ ضَرُورَةِ عُمُومِ الرُّخْصَةِ الْجِنْسَ عُمُومُ التَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِكُلِّ مُسَافِرٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ كَانَ السَّفَرُ الشَّرْعِيُّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَثَبَتَ مُسَافِرٌ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ كَانَ كُلُّ مُسَافِرٍ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ هَذَا الدَّلِيلُ بِأَنَّهُ
فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَذَلِكَ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النُّزُولِ لِاسْتِرَاحَةِ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُسَافِرَ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الدَّوَابُّ فَأُلْحِقَتْ مُدَّةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِمُدَّةِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْيَوْمِ إذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَكْثَرِهِ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِلثَّلَاثَةِ كَمَا أَنَّ اللَّيْلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْفَرَاسِخِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَوْ كَانَ وَعْرًا بِحَيْثُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا قَصَرَ بِالنَّصِّ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ بِهَا لَا يَقْصُرُ فَيُعَارِضُ النَّصَّ فَلَا يُعْتَبَرُ سِوَى سَيْرِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَكْثَرِ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا اهـ.
وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْ فَتْوَاهُمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ خُصُوصًا الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَصَدَ بَلَدَهُ وَإِلَى مَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَالْآخَرُ دُونَهَا فَسَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَبْعَدَ كَانَ مُسَافِرًا عِنْدَنَا اهـ.
وَإِنْ سَلَكَ الْأَقْصَرَ يُتِمُّ وَهَذَا جَوَابُ وَاقِعَةِ الْمَلَّاحِينَ بِخُوَارِزْمَ فَإِنَّ مِنْ الْجُرْجَانِيَّةِ إلَى مَدَانِقَ اثْنَيْ عَشَرَ فَرْسَخًا فِي الْبَرِّ، وَفِي جَيْحُونَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ فَرْسَخًا فَجَازَ لِرُكَّابِ السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِينَ الْقَصْرُ وَالْإِفْطَارُ فِيهِ صَاعِدًا وَمُنْحَدِرًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الْمُقِيمُ إذَا قَصَدَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَا دُونَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَلَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي قَصَدَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَيْضًا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا، وَإِنْ طَافَ آفَاقَ الدُّنْيَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا اهـ.
وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ فَسَارَ إلَيْهَا عَلَى الْبَرِيدِ سَيْرًا مُسْرِعًا أَوْ عَلَى الْفَرَسِ جَرْيًا حَثِيثًا فَوَصَلَ فِي يَوْمَيْنِ قَصَرَ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِسَيْرِ الْبَرِّ وَالْجَبَلِ أَنْ يَكُونَ بِالْإِبِلِ وَمَشْيُ الْأَقْدَامِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبِلِ إبِلُ الْقَافِلَةِ دُونَ الْبَرِيدِ وَأَمَّا السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ فَيُعْتَبَرُ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسَافَةُ ثَلَاثَةٍ فِيهِ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الرِّيَاحُ مُعْتَدِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ فِي الْبَرِّ فِي يَوْمٍ كَمَا فِي الْجَبَلِ يُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مِنْ طَرِيقِ الْجَبَلِ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُقْطَعُ مِنْ طَرِيقِ السَّهْلِ بِيَوْمٍ، فَالْحَاصِلُ أَنْ تُعْتَبَرَ الْمُدَّةُ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا عَمَّمَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَخَرَجَ سَيْرُ الْبَقَرِ بِجَرِّ الْعَجَلَةِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَأُ السَّيْرِ كَمَا أَنَّ أَسْرَعَهُ سَيْرُ الْفَرَسِ وَالْبَرِيدِ وَالْوَسَطُ مَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ ذَلِكَ السَّيْرُ الْمُعْتَادُ فِيهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِمْ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ
وَأَمَّا الثَّالِثُ أَعْنِي حُكْمَ السَّفَرِ فَهُوَ تَغْيِيرُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا قَصْرَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ وُجُوبُ قَصْرِهَا حَتَّى لَوْ أَتَمَّ فَإِنَّهُ آثِمٌ عَاصٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ رَكْعَتَانِ فِي حَقِّهِ لَا غَيْرُ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ وَإِلَّا كَمَالُ رُخْصَةٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا التَّقْلِيبُ عَلَى أَصْلِنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ فِي حَقِّهِ لَيْسَتَا قَصْرًا
ــ
[منحة الخالق]
قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْمُسَافِرُ إذَا كَانَ سَفَرُهُ يَسْتَوْعِبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ: وَلَا يُقَالُ إنَّهُ احْتِمَالٌ يُخَالِفُهُ الظَّاهِرُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ صَارُوا إلَيْهِ فِيمَا إذَا بَكَّرَ الْمُسَافِرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، ثُمَّ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَذَلِكَ فَبَلَغَ الْمَقْصِدَ فَإِنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَسْحُ تَمَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا، وَإِنْ قَالُوا بَقِيَّةُ كُلِّ يَوْمٍ مُلْحَقَةٌ بِالْمُنْقَضِي لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَخَلُّلِ الِاسْتِرَاحَاتِ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ أَنَّ مُسَافِرًا مَسَحَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ عَصْرَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا يُمْسَحُ فِيهِ فَلَيْسَ تَمَامُ الثَّالِثِ مُلْحَقًا بِأَوَّلِهِ شَرْعًا لِعَدَمِ الرُّخْصَةِ فِيهِ، وَلَا هُوَ سَفَرٌ حَقِيقَةً فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْسَحُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ عَيْنُ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ لَا يَمْسَحُهَا، وَآلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْ مِنْ أَنَّ مُدَّتَهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ مَنْعُ الْكُلِّيَّةِ الْقَائِلَةِ: إنَّ كُلَّ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِإِثْبَاتِ مُسَافِرٍ يَمْسَحُ أَقَلَّ مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ السَّفَرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ النَّبِيهِ (قَوْلُهُ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُؤْخَذُ جَوَابُهُ مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَكُلُّ مَنْ قَدَّرَ بِقَدْرٍ مِنْهَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَعِرًا إلَخْ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يُمْنَعَ قَصْرُ مُسَافِرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ قَطَعَ فِيهِ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْقَصْرُ لَوْ قَطَعَهَا فِي سَاعَةٍ صَغِيرَةٍ كَقَدْرِ دَرَجَةٍ كَمَا لَوْ ظَنَّ صَاحِبُ كَرَامَةِ الطَّيِّ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ مَسَافَةَ ثَلَاثَةٍ بِسَيْرِ الْإِبِلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بِحَيْثُ تُقْطَعُ) إنَّ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ كَالَّتِي بَعْدَهَا
حَقِيقَةً عِنْدَنَا بَلْ هُمَا تَمَامُ فَرْضِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا كَمَالٌ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ بَلْ إسَاءَةٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ بِعَارِضٍ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ، وَلَمْ يُوجَدْ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ رَأْسًا إذْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ ثُمَّ زِيدَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها فَانْعَدَمَ مَعْنَى التَّغْيِيرِ فِي حَقِّهِ أَصْلًا، وَفِي حَقِّ الْمُقِيمِ وُجِدَ التَّغْيِيرُ لَكِنْ إلَى الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ لَا إلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ، وَالرُّخْصَةُ تُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُخْصَةً حَقِيقَةً فِي حَقِّ الْمُقِيمِ أَيْضًا، وَلَوْ سَمَّى فَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لِوُجُودِ بَعْضِ مَعَانِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ التَّغْيِيرُ اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ صَلَّى الْفَرْضَ الرُّبَاعِيَّ رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْرَ فِي الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَرْكِ السُّنَنِ فِي السَّفَرِ فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ هُوَ التَّرْكُ تَرْخِيصًا وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: الْفِعْلُ حَالَ النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمُخْتَارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَالَ أَمْنٍ وَقَرَارٍ يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ مُكَمِّلَاتٍ وَالْمُسَافِرُ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ، وَإِنْ كَانَ حَالَ خَوْفٍ لَا يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ بِعُذْرٍ اهـ.
وَقَيَّدَ بِالرُّبَاعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْرَ فِي الْفَرْضِ الثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ فَالرَّكَعَاتُ الْمَفْرُوضَةُ حَالَ الْإِقَامَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَحَالَ السَّفَرِ إحْدَى عَشْرَةَ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ مَنْ لَمْ يَدْرِ مِنْكُنَّ كَمْ رَكْعَةٍ فَرْضُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ: إحْدَاهُنَّ عِشْرُونَ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى سَبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً وَالْأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ وَالْأُخْرَى إحْدَى عَشْرَةَ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَمَّا السَّبْعَةَ عَشَرَ لَا يُشْكِلُ وَمَنْ قَالَتْ عِشْرُونَ رَكْعَةً فَقَدْ ضَمَّتْ الْوِتْرَ إلَيْهَا، وَمَنْ قَالَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ قَالَتْ إحْدَى عَشْرَةَ فَفَرْضُ الْمُسَافِرِ اهـ.
أَطْلَقَ الْإِرَادَةَ فَشَمَلَتْ إرَادَةَ الْكَافِرِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: صَبِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ خَرَجَا إلَى سَفَرٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَلَمَّا سَارَا يَوْمَيْنِ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ فَالنَّصْرَانِيُّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ سَفَرِهِ وَالصَّبِيُّ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ مُعْتَبَرَةٌ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْفَضْلِيُّ سَوَّى بَيْنَهُمَا يَعْنِي كِلَاهُمَا يُتِمَّانِ الصَّلَاةَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَمَّ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ صَحَّ وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَعَدَ فَقَدْ تَمَّ فَرْضُهُ وَصَارَتْ الْأُخْرَيَاتُ لَهُ نَفْلًا كَالْفَجْرِ وَصَارَ آثِمًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَقَدْ خَلَطَ النَّفَلَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ إكْمَالِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَلَوْ تَرَكَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَقَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، فَإِنْ نَوَاهَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ لَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ رَكْعَتَيْنِ وَقَرَأَ فِيهِمَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَمَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ فَلَوْ قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ ثُمَّ نَوَاهَا لَمْ يَتَحَوَّلْ فَرْضُهُ وَيُضَيِّفُ إلَيْهَا أُخْرَى، وَلَوْ أَفْسَدَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا اتِّفَاقًا، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ عَادَ إلَى التَّشَهُّدِ، وَإِنْ أَقَامَهُ لَا يَعُودُ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ السَّجْدَةِ تَحَوَّلَ الْفَرْضُ وَيُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ، وَلَوْ قَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ فَقَدْ تَأَكَّدَ الْفَسَادُ فَيُضِيفُ أُخْرَى فَتَكُونُ الْأَرْبَعُ تَطَوُّعًا عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعِنْدَهُ لَا تَنْقَلِبُ بَعْدَ الْفَسَادِ تَطَوُّعًا، وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَأَتَى بِالتَّشَهُّدِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْأَرْبَعِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ، وَلَوْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ ثُمَّ نَوَى فَسَدَتْ اتِّفَاقًا وَيُضِيفُ رَابِعَةً لِتَكُونَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَصَرَ أَيْ قَصَرَ إلَى غَايَةِ دُخُولِ الْمِصْرِ أَوْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ صَالِحٍ لِلْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَإِلَّا عُدِّلَ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ اهـ.
يَقْصُرُ، أَطْلَقَ فِي دُخُولِ مِصْرِهِ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ أَوْ لَا، وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَدَخَلَهُ لِلْمَاءِ إلَّا اللَّاحِقُ إذَا أَحْدَثَ وَدَخَلَ مِصْرَهُ لِيَتَوَضَّأَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ الْمِصْرَ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يُتِمُّ إذَا سَارَ أَقَلَّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ مِصْرَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلسَّفَرِ قَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يَبْطُلُ السَّفَرُ إلَّا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ دُخُولِ الْوَطَنِ أَوْ الرُّجُوعِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ اهـ.
وَالْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إذَا رَجَعَ لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا ثُمَّ تَذَّكَّرهَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ يَقْصُرُ اهـ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمِصْرِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا اسْتِكْمَالُ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ تَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ فَقَصَرَ، وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْكُوفَةُ بِمَرْأَى مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ إلَى آخِرِهِ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا، وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ يُقِيمُ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا يَقُولُ غَدًا أَخْرُجُ أَوْ بَعْدَ غَدٍ أَخْرُجُ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ أَحَدُهَا تَرْكُ السَّيْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ، وَهُوَ يَسِيرُ لَمْ يَصِحَّ وَثَانِيهَا صَلَاحِيَةُ الْمَوْضِعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي بَحْرٍ أَوْ جَزِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ وَاتِّحَادُ الْمَوْضِعِ وَالْمُدَّةِ وَالِاسْتِقْلَالُ بِالرَّأْيِ اهـ.
وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ فَشَمَلَ الْحِكْمَةَ كَمَا لَوْ وَصَلَ الْحَاجُّ إلَى الشَّامِ وَعَلِمَ أَنَّ الْقَافِلَةَ إنَّمَا تَخْرُجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَعَزَمَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مَعَهُمْ لَا يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ كَنَاوِي الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَشَمَلَ مَا إذَا نَوَاهَا فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُدْرِكًا أَوْ مَسْبُوقًا أَمَّا اللَّاحِقُ إذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَأَحْدَثَ أَوْ نَامَ فَانْتَبَهَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ لَمْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلَفَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَقَدْ اسْتَحْكَمَ الْفَرْضُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ، وَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِنِصْفِ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ إقَامَةِ مَا دُونَهَا لَا تُوجِبُ الْإِتْمَامَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَدَّرَاهَا بِذَلِكَ وَالْأَثَرُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْخَبَرِ وَأَقَامَ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ مَعَ أَصْحَابِهِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ يَقْصُرُ وَقَيَّدَ بِالْبَلَدِ وَالْقِرْبَةِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ فِي غَيْرِهِمَا فَلَا تَصِحُّ فِي مَفَازَةٍ، وَلَا جَزِيرَةٍ وَلَا بَحْرٍ، وَلَا سَفِينَةٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ ثُمَّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ مِمَّنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَمَوْضِعُ الْإِقَامَةِ الْعُمْرَانُ وَالْبُيُوتُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَالْخَشَبِ لَا الْخِيَامُ وَالْأَخْبِيَةُ وَالْوَبَرُ اهـ.
وَقَيَّدَ الشَّارِحُونَ اشْتِرَاطَ صَلَاحِيَةِ الْمَوْضِعِ بِأَنْ يَكُونَ سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ بَلْ تَصِحُّ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَدْخُلَ مِصْرَهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَطَنَهُ؛ لِأَنَّ الْوَطَنَ مَكَانُ الْإِنْسَانِ وَمَحَلُّهُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَلَيْسَ الْإِتْمَامُ مُتَوَقِّفًا عَلَى دُخُولِهِ بَلْ عَلَى دُخُولِ مِصْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَطَنَهُ وَيَصِيرُ الْمِصْرُ مِصْرًا لِلْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ وُلِدَ فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دَخَلَ الْمُسَافِرُ مِصْرًا وَتَزَوَّجَ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا لِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ إذْ هُوَ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً فَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ، وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِاسْتِكْمَالِ سَفَرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حُكْمِ السَّفَرِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِلَّةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عِلَّةُ حُكْمِ الْإِقَامَةِ احْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ نَشَأَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ قَالَ فِي النَّهْرِ مُجِيبًا: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ لِمَعْنًى لَا يَسْتَلْزِمُ إبْطَالَ الْمَدْلُولِ (قَوْلُهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْمَرْحُومُ شَيْخُ شَيْخِنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ هَذِهِ حِكَايَةُ حَالٍ طَرَقَهَا الِاحْتِمَالُ، وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْمُدَّةَ عَلَى الْكَمَالِ اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ ابْتِدَاءً أَمَّا الْعِلَّةُ بَقَاءً فَهِيَ اسْتِكْمَالُ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ وَنَقْضِ السَّفَرِ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا أَبْقَى عَلَى قَصْدِهِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْقُضْ سَفَرَهُ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي الْمَفَازَةِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَلَوْ
«مَنْ تَزَوَّجَ فِي بَلْدَةٍ فَهُوَ مِنْهَا» وَالْمُسَافِرَةُ تَصِيرُ مُقِيمَةً بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ لَا بِمَكَّةَ وَمِنًى) أَيْ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا تَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ إذْ لَوْ جَازَتْ فِي مَكَانَيْنِ لَجَازَتْ فِي أَمَاكِنَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنَّ السَّفَرَ لَا يَتَحَقَّقُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمُسَافِرِ فِي الْمَرَاحِلِ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ إلَّا إذَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ تُضَافُ إلَى مَبِيتِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَسْكُنُ فِي حَارَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ بِالنَّهَارِ فِي الْأَسْوَاقِ ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَوْضِعِ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ نِصْفَ شَهْرٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ، وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا وَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا فَقُلْت أَخْطَأْت فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَرَحَلْت إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيُعْلَمَ مَبْلَغُ الْعِلْمِ فَيَصِيرُ مَبْعَثَةً لِلطَّلَبَةِ عَلَى طَلَبِهِ قَيَّدَ بِالْمِصْرَيْنِ وَمُرَادُهُ مَوْضِعَانِ صَالِحَانِ لِلْإِقَامَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ أَوْ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَمْ يَقْصُرْ.
(قَوْلُهُ وَقَصَرَ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَنْوِ وَبَقِيَ سِنِينَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى عَسْكَرٌ ذَلِكَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَإِنْ حَاصَرُوا مِصْرًا وَحَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ
ــ
[منحة الخالق]
قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَأَمَّلْ نَعَمْ سَيَأْتِي اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ السَّفَرِ أَمْ لَا فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ تَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ إلَخْ) نَقَلَ الْعَلَّامَةُ مُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِي هَذِهِ الْحِكَايَةَ فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، ثُمَّ قَالَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ تَعَارُضٌ حَيْثُ حَكَمَ فِي الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَامُ وَحَكَمَ فِي الثَّانِي بِأَنَّهُ مُقِيمٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا وَلَعَلَّ التَّقْدِيرَ فَلَمَّا رَجَعْت إلَى مِنًى وَنَوَيْت الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ مَعَ صَاحِبِي بَدَا إلَخْ وَمَفْهُومُ مَسْأَلَةِ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي أَحَدِهِمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا صَارَ مُقِيمًا فَحِينَئِذٍ الْمُسَافِرُ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَاسْتَوْطَنَ بِهَا أَوْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهَا شَهْرًا مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ خُرُوجُهُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، وَلَا تَنْقَضِي إقَامَتُهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ كَوْنِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً بِهَا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اهـ.
أَقُولُ: وَكَذَا اسْتَشْكَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَوْلَهُ إنَّكَ مُقِيمٌ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ سَمَّاهُ مُقِيمًا بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ الْأَوَّلَ وَأَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ - لَا إشْكَالَ أَصْلًا فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ شَهْرًا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى قَبْلَ أَنْ يَمْكُثَ بِمَكَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ مُسْتَقْبَلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ فَإِذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى وَعَرَفَاتٍ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ صَارَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الشَّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَاجَّ يَخْرُجُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى وَيَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَشَرَ فَلَمَّا دَخَلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ الْعَشْرِ وَنَوَى إقَامَةَ شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ أَوَّلِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ إقَامَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى فَلِذَا أَمَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ بِالْقَصْرِ أَوَّلَ الْمُدَّةِ وَبِالْإِتْمَامِ بَعْدَ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَادَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ السَّابِقَةِ كَانَ نَاوِيًا أَنْ يُقِيمَ فِيهَا عِشْرِينَ يَوْمًا بَقِيَّةَ الشَّهْرِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ فَلَمَّا رَجَعَتْ مِنْ مِنًى) أَيْ إلَى مَكَّةَ وَقَوْلُهُ بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ أَيْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ مُسَافِرًا وَقَوْلُهُ وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ أَيْ فِي مَكَّةَ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ مَعَ صَاحِبِهِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِنَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمِصْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْمِصْرِ لَا يَقْصُرُونَ وَوَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالدُّرَرِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا إذَا حَاصَرُوهُمْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ لِلْإِقَامَةِ بِلَا خِلَافٍ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ يُتِمُّونَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمَقْدِسِيُّ كَالْمُؤَلِّفِ لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمَحَلَّ، وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لَكِنَّ ثَمَّةَ مَانِعًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُقِيمُونَ لِغَرَضٍ فَإِذَا حَصَلَ انْزَعَجُوا فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُمْ مُسْتَقِرَّةً وَهَذَا
أَيْ وَقَصَرَ إنْ نَوَى عَسْكَرٌ نِصْفَ شَهْرٍ بِأَرْضِ الْحَرْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ مَشْغُولِينَ بِالْقِتَالِ أَوْ الْمُحَاصَرَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمُحَاصَرَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَدِينَةِ أَوْ لِلْحِصْنِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَسْكَرُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُخَالِفُ عَزِيمَتَهُمْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي تَاجِرٍ دَخَلَ مَدِينَةً لِحَاجَةٍ، وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِقَضَاءِ تِلْكَ الْحَاجَةِ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَيَرْجِعَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقْضِيَ فَيُقِيمَ فَلَا تَكُونُ نِيَّتُهُ مُسْتَقِرَّةً كَنِيَّةِ الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهَذَا الْفَصْلُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى مَكَان وَيُرِيدُ أَنْ يَتَرَخَّصَ تَرَخُّصَ السَّفَرِ يَنْوِي مَكَانًا أَبْعَدَ مِنْهُ وَهَذَا غَلَطٌ كَذَا ذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ.
كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَعَلَى هَذَا وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَهِيَ أَنَّ إنْسَانًا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُسَافِرُ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَيَنْوِيَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَقْصِدُ مَكَانًا قَرِيبًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُخَلِّصًا لَهُ لِتَعَارُضِ نِيَّتِهِ إذْ الْأُولَى لَيْسَتْ بِنِيَّةٍ أَصْلًا وَأَطْلَقَ فِي الْعَسْكَرِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَنَوَى إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ فِيهَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهُ لِأَجْلِ الْأَمَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَسِيرَ لَوْ انْفَلَتَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ وَتَوَطَّنَ فِي غَارٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا كَمَا لَوْ عَلِمَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِإِسْلَامِهِ فَهَرَبَ مِنْهُمْ يُرِيدُ السَّفَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَحُكْمُ الْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمُ الْعَبْدِ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَالرَّجُلُ الَّذِي يَبْعَثُ إلَيْهِ الْوَالِي أَوْ الْخَلِيفَةُ لِيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ، وَفِي التَّجْنِيسِ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَغَلَبُوا فِي مَدِينَةِ إنْ اتَّخَذُوهَا دَارًا يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذُوهَا دَارًا وَلَكِنْ أَرَادُوا الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بَقِيَتْ دَارَ حَرْبٍ وَهُمْ مُحَارِبُونَ فِيهَا، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ) حَيْثُ تَصِحُّ مِنْهُمْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْمَفَازَةِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ إلَّا إذَا ارْتَحَلُوا عَنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ فِي الصَّيْفِ وَقَصَدُوا مَوْضِعَ إقَامَتِهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُمْ يَصِيرُونَ مُسَافِرِينَ فِي الطَّرِيقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَهْلَ الْأَخْبِيَةِ مُقِيمُونَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمَفَاوِزَ لَهُمْ كَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى لِأَهْلِهَا وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلرَّجُلِ أَصْلٌ وَالسَّفَرَ عَارِضٌ وَهُمْ لَا يَنْوُونَ السَّفَرَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَاءٍ إلَى مَاءٍ وَمِنْ مَرْعًى إلَى آخَرَ اهـ.
وَالْأَخْبِيَةُ جَمْعُ خِبَاءٍ: الْبَيْتُ مِنْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّعْرِ فَلَيْسَ بِخِبَاءٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَفِي الْمُغْرِبِ: الْخِبَاءُ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ اهـ.
وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَنْ يَسْكُنُ فِي بَيْتِ صُوفٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَقَيَّدَ بِأَهْلِ الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْمُسَافِرِينَ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ مَعَهُمْ فَعَنْ
ــ
[منحة الخالق]
التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَقَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَدِينَتَهُمْ كَالْمَفَازَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يُقِيمُونَ فِيهَا اهـ.
وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَفِي الْبَحْرِ يُوهِمُ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ وَهُمْ فِي الْحِصْنِ تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَكِنَّ إطْلَاقَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا إذْ حَارَبُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمَّا التَّعْلِيلُ فَيَشْمَلُ الْمَفَازَةَ وَالْمَدِينَةَ إلَّا أَنَّهُ قُيِّدَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ الْمِصْرِ وَبِالْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ أَبْعَدَ عَنْ تَوَهُّمِ الْجَوَازِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ أَوْ الْبَحْرِ، ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّوْجِيهِ فَرَاجِعْهُ وَقَدْ أَطْلَقَهُ فِي السِّرَاجِ وَالذَّخِيرَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّ عَسْكَرنَا لَوْ حَاصَرَ أَهْلَ الْبَغْيِ، وَالْعَسْكَرُ دَاخِلَ الْمِصْرِ مِنْ دِيَارِ الْإِسْلَامِ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ الْإِقَامَةَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ وَالسِّرَاجِ وَالذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ اخْتِيَارُهُ وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا) ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ عَدَمُ قَطْعِهِ بِالْإِقَامَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَدَ فُرْصَةً قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ يَخْرُجُ كَمَنْ دَخَلَ الْمِصْرَ لِحَاجَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ مُدَّتَهَا (قَوْلُهُ لَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفَتَاوَى قَاضِي خان وَلَعَلَّ الْمُرَادَ، وَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ الْإِقَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ السُّرُوجِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا انْفَلَتَ مِنْ الْعَدُوِّ فَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى إقَامَةِ نِصْفِ شَهْرٍ فِي غَارٍ أَوْ نَحْوِهِ قَصَرَ؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لِلْعَدُوِّ، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَخَرَجَ هَارِبًا مَسِيرَةَ السَّفَرِ اهـ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ، وَكَذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقْصُرُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِعَلَامَةِ الْمُحِيطِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ عَلَى مَا قُلْنَا وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ.
أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ أَنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا تَصِحُّ بَلْ الْمُرَادُ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ لِلْإِقَامَةِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ تُنَافِي عَزِيمَتَهُ.