الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَخْلُوقٍ وَالنَّذْرُ لِلْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ لِلْمَخْلُوقِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَنْذُورَ لَهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَمِنْهَا إنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمُورِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادُهُ ذَلِكَ كُفْرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ قَالَ يَا اللَّهُ إنِّي نَذَرْت لَك إنْ شَفَيْت مَرِيضِي، أَوْ رَدَدْت غَائِبِي أَوْ قَضَيْت حَاجَتِي أَنْ أُطْعِمَ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ، أَوْ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ بِبَابِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ الْإِمَامِ اللَّيْثِ، أَوْ أَشْتَرِي حُصْرًا لِمَسَاجِدِهِمْ، أَوْ زَيْتًا لِوَقُودِهَا أَوْ دَرَاهِمَ لِمَنْ يَقُومُ بِشَعَائِرِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالنَّذْرُ لِلَّهِ عز وجل وَذِكْرُ الشَّيْخِ إنَّمَا هُوَ مَحَلٌّ لِصَرْفِ النَّذْرِ لِمُسْتَحِقِّيهِ الْفَاطِنِينَ بِرِبَاطِهِ، أَوْ مَسْجِدِهِ، أَوْ جَامِعِهِ فَيَجُوزُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ مَصْرِفُ النَّذْرِ الْفُقَرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ الْمَصْرِفُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ وَلَا لِشَرِيفٍ مُنَصَّبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا، أَوْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي النَّسَبِ لِأَجْلِ نَسَبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَا لِذِي عِلْمٍ لِأَجْلِ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ جَوَازُ الصَّرْفِ لِلْأَغْنِيَاءِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ النَّذْرِ لِلْمَخْلُوقِ وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا تَشْتَغِلُ الذِّمَّةُ بِهِ وَلِأَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ سُحْتٌ وَلَا يَجُوزُ لِخَادِمِ الشَّيْخِ أَخْذُهُ وَلَا أَكْلُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا، أَوْ لَهُ عِيَالٌ فُقَرَاءُ عَاجِزُونَ عَنْ الْكَسْبِ وَهُمْ مُضْطَرُّونَ فَيَأْخُذُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فَأَخْذُهُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ النَّاذِرُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَرْفَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيُقْطَعُ النَّظَرُ عَنْ نَذْرِ الشَّيْخِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالشَّمْعِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِهَا وَيُنْقَلُ إلَى ضَرَائِحِ الْأَوْلِيَاءِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَقْصِدُوا بِصَرْفِهَا لِلْفُقَرَاءِ الْأَحْيَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ شَرَعَ فِيهَا فَأَفْطَرَ) أَيْ إنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ وَصَارَ كَالشُّرُوعِ فِي الطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ يُسَمَّى صَائِمًا حَتَّى يَحْنَثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّوْمِ فَيَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ فَيَجِبُ إبْطَالُهُ وَلَا تَجِبُ صِيَانَتُهُ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَلَا بِنَفْسِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ رَكْعَةً وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى الصَّلَاةِ فَيَجِبُ صِيَانَةُ الْمُؤَدَّى فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقَضَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالْأَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ بَعْدَ السَّجْدَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْجَوَابُ مُطْلَقٌ فِي الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مَخْلَصَ إلَّا بِجَعْلِ الْكَرَاهَةِ تَنْزِيهِيَّةً. اهـ.
وَلَنَا مَخْلَصٌ مَعَ جَعْلِهَا تَحْرِيمِيَّةً كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ بِأَنْ يُقَالَ لَمَّا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَحَرُمَ الْقَطْعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
ذَكَرَهُ بَعْدَ الصَّوْمِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ شَرْطِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشَّرْطُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَهُوَ لُغَةً افْتِعَالٌ مِنْ عَكَفَ إذَا دَامَ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَعَكَفَهُ حَبَسَهُ وَمِنْهُ {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَسُمِّيَ بِهِ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إقَامَةٌ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَائِطَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ الِاعْتِكَافُ الِاحْتِبَاسُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ فَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْقَطْعِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالسَّجْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ فَتَعَارَضَ مُحَرَّمَانِ إلَخْ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَمَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ إلَخْ أَنَّهُ يَجِبُ قَطْعُهُ وَقَضَاؤُهُ فِي غَيْرِ مَكْرُوهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ أَتَمَّهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا لَزِمَهُ بِذَلِكَ الشُّرُوعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْقَطْعُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ هُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَقَوْلُهُ هُنَا وَمَعَ أَحَدِهِمَا وُجُوبٌ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا فَيَجِبُ الْقَطْعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبٌ فَكَمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَكَمَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ وَقَدْ فَهِمَ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَطْعُ فَلَا يَقْطَعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْفَهْمِ بَلْ يُعِيدُ مَعَ قَوْلِهِ فَلَمَّا قَيَّدَهَا بِسَجْدَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ وَمَا فَهِمْنَاهُ مِنْهُ مُتَعَيِّنٌ وَاللَّفْظُ قَابِلٌ لَهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَتُقَدَّمُ حُرْمَةُ الْقَطْعِ يَعْنِي ارْتِكَابًا لِوُجُوبِهِ لَا حَقِيقَةَ حُرْمَتِهِ عَلَى حُرْمَةِ الْإِتْمَامِ تَأَمَّلْ.
[بَابُ الِاعْتِكَافِ]
{يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وَشَرْعًا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ نِيَّتِهِ فَالرُّكْنُ هُوَ اللُّبْثُ وَالْكَوْنُ فِي الْمَسْجِدِ وَالنِّيَّةُ شَرْطَانِ لِلصِّحَّةِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَيَأْتِي وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى يَصِحَّ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَالصَّوْمِ وَكَذَا الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَيَصِحُّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَلَوْ نَذَرَا فَلِمَنْ لَهُ الْإِذْنُ الْمَنْعُ وَيَقْضِيَانِهِ بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالْعِتْقِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلَيْسَ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ، وَلَوْ تَطَوُّعًا وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ لِكَوْنِهِ مَلَّكَهَا مَنَافِعَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ أَعَارَهُ مَنَافِعَهُ وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِخَلْفِ الْوَعْدِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّصْرِيحِ بِالْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ لِمَا أَنَّهُمَا عُلِمَا مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا بِأَهْلٍ لَهَا وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَرْطًا لِلْجَوَازِ بِمَعْنَى الْحِلِّ كَالصَّوْمِ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَالسُّنِّيَّةُ كَمَا ذَكَرَهُ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ يَأْتِي وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالنَّذْرُ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَالنَّشَاطُ الدَّاعِي إلَى طَلَبِ الثَّوَابِ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا وَأَمَّا حُكْمُهُ فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ وَاجِبًا وَالثَّانِي فَقَطْ إنْ كَانَ نَفْلًا وَسَيَأْتِي مَا يُفْسِدُهُ وَيُكْرَهُ فِيهِ وَيَحْرُمُ وَيَنْدُبُ وَمَحَاسِنُهُ كَثِيرَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ عَنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنٍ حَصِينٍ وَمُلَازَمَةَ بَيْتِ رَبٍّ كَرِيمٍ كَمَنْ احْتَاجَ إلَى عَظِيمٍ فَلَازِمَهُ حَتَّى قَضَى مَآرِبَهُ فَهُوَ يُلَازِمُ بَيْتَ رَبِّهِ لِيَغْفِرَ لَهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ.
(قَوْلُهُ: سُنَّ لَبْثٌ فِي مَسْجِدٍ بِصَوْمٍ وَنِيَّةٍ) أَيْ وَنِيَّةِ اللُّبْثِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِكَافُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى صِفَتِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ السُّنِّيَّةُ وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الِاعْتِكَافُ مُسْتَحَبٌّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْحَقَّ انْقِسَامُهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٍ وَهُوَ الْمَنْذُورُ وَسُنَّةٍ وَهُوَ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٍّ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الْأَصْلِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَتْنِ تَبَعًا لِمَا صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَهِيَ مُؤَكَّدَةٌ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ بِعَارِضِ النَّذْرِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ اشْتِرَاطُ زَمَنٍ لِلتَّطَوُّعِ
وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ النَّفْلِ سَاعَةٌ فَلَا وَالدَّلِيلُ عَلَى تَأَكُّدِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مُوَاظَبَتُهُ عليه السلام فِيهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ عَجَبًا لِلنَّاسِ كَيْفَ تَرَكُوا الِاعْتِكَافَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَيَتْرُكُهُ وَلَمْ يَتْرُكْ الِاعْتِكَافَ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ إلَى أَنْ مَاتَ فَهَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اُقْتُرِنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُوبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ قَدْ اُقْتُرِنَتْ بِالتَّرْكِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ مِنْ «أَنَّهُ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ رَمَضَانَ فَرَأَى خِيَامًا وَقِبَابًا مَضْرُوبَةً فَقَالَ لِمَنْ هَذَا قَالَ لِعَائِشَةَ وَهَذَا لِحَفْصَةَ وَهَذَا لِسَوْدَةِ فَغَضِبَ وَقَالَ أَتَرَوْنَ الْبِرَّ بِهَذَا فَأَمَرَ بِأَنْ تُنْزَعَ قُبَّتُهُ فَنُزِعَتْ وَلَمْ يَعْتَكِفْ فِيهِ ثُمَّ قَضَى فِي شَوَّالٍ» وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّرْكَ هُنَا لِعُذْرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُوَاظَبَةِ كَلَامًا حَسَنًا فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْذُورِ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ
وَأَشَارَ بِاللُّبْثِ إلَى رُكْنِهِ وَبِالْمَسْجِدِ وَالصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ إلَى شَرَائِطِهِ لَكِنْ ذِكْرُ الصَّوْمِ مَعَهَا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْذُورِ لِتَصْرِيحِهِ بِالسُّنِّيَّةِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ لِتَصْرِيحِهِ بَعْدُ بِأَنَّ أَقَلَّهُ نَفْلًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيَنْبَغِي إلَخْ) ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِيهِ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِي نَفْلِهِ أَمَّا عَلَى عَدَمِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ فَقَطْ كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْجَنَابَةِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ لِلصِّحَّةِ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا وَكَذَلِكَ فِي النَّفْلِ عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى عَدَمِهِ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهَا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَنْذُورِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ أَيْ لِلصِّحَّةِ أَمَّا لِلْحِلِّ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ: كَالصَّوْمِ) فِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ لَا الْحِلِّ وَهَذَا فِي الْمَنْذُورِ وَالنَّفَلِ عَلَى رِوَايَةٍ أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ لِحِلِّ الصَّوْمِ فَفِيهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الِاسْتِحْبَابَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقُدُورِيَّ أَطْلَقَ اسْمَ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا بِمَعْنَاهُ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُشَكَّكَ حَقِيقَةٌ فِي أَفْرَادِهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ مَا جَعَلَهُ الْأَقْرَبَ هُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ عَلَيْهَا لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ