المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الاغتسال ودخول الحمام للمحرم] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٢

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تشميت العاطس فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّخَصُّرُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌ نَقْشُ الْمَسْجِدِ

- ‌[أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌[الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]

- ‌[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا]

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ رَاكِبًا]

- ‌صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

- ‌[بَابُ إدْرَاكِ فَرِيضَةِ الصَّلَاة]

- ‌[الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان]

- ‌[خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ]

- ‌[قَضَاء سُنَّةُ الْفَجْرِ]

- ‌[قَضَاء السَّنَة الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ]

- ‌ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ

- ‌[فَضْلَ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ]

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ]

- ‌[سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن صَلَاةِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌ سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ

- ‌[مَحَلُّ سُجُود السَّهْو]

- ‌[سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ

- ‌[ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ]

- ‌[الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ]

- ‌[السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ]

- ‌[تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا]

- ‌[سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ

- ‌ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ

- ‌ تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ]

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ]

- ‌[لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]

- ‌[صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[أَرْكَان سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[مَوَاضِع سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[اقْتِدَاء مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[قَضَاء فَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ]

- ‌ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة]

- ‌[أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَة]

- ‌[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌(بَابُ الْعِيدَيْنِ)

- ‌[الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْم الْعِيدِ]

- ‌[التَّكْبِير يَوْم الْعِيد]

- ‌[مَا يَفْعَلهُ يَوْم الْفِطْر]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْعِيد]

- ‌[الْأَكْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيد]

- ‌[خُطْبَة الْعِيد]

- ‌[الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد]

- ‌[وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِز]

- ‌[أَرْكَانُ وسنن صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[بَابُ صَلَاة الْخَوْفِ]

- ‌ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ

- ‌[مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ]

- ‌[تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ]

- ‌ غُسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌[تَكْفِين الْمَيِّت]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْمَيِّت]

- ‌[حُكْم صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[شُرُوط صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ]

- ‌[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌(بَابُ الشَّهِيدِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌[شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة]

- ‌[شُرُوط أَدَاء الزَّكَاة]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ)

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ]

- ‌[زَكَاة الْخَيْلِ]

- ‌[زَكَاة الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة]

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌[زَكَاة الْخَمْر وَالْخِنْزِير]

- ‌ لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌ حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة]

- ‌[دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ]

- ‌[بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لَغَنِيّ يَمْلِكُ نِصَابًا]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة إلَى الْأَب وَالْجَدّ أَوْ الو لَدِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةَ لَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ]

- ‌[دَفَعَ الزَّكَاة بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌[حُكْم صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر]

- ‌[عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌[شُرُوط الصِّيَامِ]

- ‌[أَقْسَام الصَّوْمِ]

- ‌[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ]

- ‌[أعتكاف الْمَرْأَةُ]

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌[وَاجِبَاتُ الْحَجِّ]

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ

- ‌ مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ

- ‌[قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ]

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

الفصل: ‌[الاغتسال ودخول الحمام للمحرم]

فِي الْخُفَّيْنِ الْجَوْرَبَانِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.

(قَوْلُهُ وَسَتْرُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ تَغْطِيَتَهُمَا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّتَنَا اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حُرْمَةِ تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْمُحْرِمِ الْحَيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِمَنْطُوقِهِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ حُكْمَهُ عِنْدَنَا كَسَائِرِ الْأَمْوَاتِ فِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَمِلُوا بِهِ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، وَأَجَابَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فِي الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَالْإِحْرَامُ عَمَلٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَيُغَطَّى الْعُضْوَانِ، وَلِهَذَا لَا يَبْنِي الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْمَيِّتِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ وَالْأَعْرَابِيُّ مَخْصُوصٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِبَقَاءِ إحْرَامِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُغَطِّي وَجْهَهَا إجْمَاعًا مَعَ أَنَّهَا عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ وَفِي كَشْفِهِ فِتْنَةٌ فَلَأَنْ لَا يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ لِلْإِحْرَامِ أَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِسَتْرِ الرَّأْسِ تَغْطِيَتُهَا بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالثَّوْبِ احْتِرَازًا عَنْ شَيْءٍ لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْعَدْلِ وَالطَّبَقِ وَالْإِجَّانَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سَتْرِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَالْعِصَابَةِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يُغَطِّي فَاهُ وَلَا ذَقَنَهُ وَلَا عَارِضَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ.

(قَوْلُهُ وَغُسْلَهُمَا بِالْخِطْمِيِّ) أَيْ وَلْيَجْتَنِبْ غَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ وَاللِّحْيَةُ لَمَّا كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ وَوُجُوبُ اجْتِنَابِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ إذَا لَمْ يَجْتَنِبْهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ طِيبٍ وَعِنْدَهُمَا صَدَقَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ، وَلَيْسَ بِطِيبٍ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّائِبَةِ وَالْإِفْطَارِ بِالْإِقْطَارِ فِي الْإِحْلِيلِ وَالْخِطْمِيُّ بِكَسْرِ الْخَاءِ نَبْتٌ يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ وَقَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالْحَرَضِ وَالصَّابُونِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِهِمْ (قَوْلُهُ وَمَسَّ الطِّيبِ) أَيْ وَاجْتَنِبْهُ مُطْلَقًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ» وَهُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مُغَبَّرُ الرَّأْسِ وَالتَّفِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ تَارِكُ الطِّيبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْخُبْثِ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا الدُّهْنَ كَمَا فِي الْوَافِي إمَّا أَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ، وَإِمَّا لِلِاخْتِلَافِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.

(قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَقَصَّ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ) أَيْ وَاجْتَنِبْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196] وَالْقَصُّ فِي مَعْنَاهُ فَثَبَتَ دَلَالَةً، وَالْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ كَيْفَمَا كَانَ حَلْقًا وَقَصًّا وَنَتْفًا وَتَنُّورًا وَإِحْرَاقًا مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ مِنْ الرَّأْسِ وَالْبَدَنِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا، لَكِنْ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ قَلْعُ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا.

[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

(قَوْلُهُ لَا الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ) أَيْ لَا يَتَّقِيهِمَا لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» (قَوْلُهُ وَالِاسْتِظْلَالُ بِالْبَيْتِ وَالْمَحْمِلِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَكْسُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصِبْ رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا يُكْرَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ ثِيَابًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ نَحْوَ الطَّبَقِ أَوْ الْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ الْمَشْغُولِ.

(قَوْلُهُ وَشَدَّ الْهِمْيَانِ فِي وَسَطِهِ) أَيْ لَا يَجْتَنِبُهُ وَهُوَ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ، وَيُشَدُّ عَلَى الْحَقْوِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَلَوْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ بَعْدَ لُبْسِهِمَا أَيْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِدَامَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجُوزُ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَقَالَ قَبْلَهُ مَا حَاصِلُهُ حَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى النَّعْلَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ وَلَوْ قَطَعَهُمَا لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ، وَلَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لُبْسَهُمَا حِينَئِذٍ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَيُكْرَهُ، وَتَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاءَةُ وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِهِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَيْدَ عَدَمِ وُجْدَانِ النَّعْلَيْنِ لِوُجُوبِ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ عَبَثًا، وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا إذَا قَطَعَهُمَا وَلَبِسَهُمَا مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَفْقُودٌ) أَيْ بَقَاءُ الْإِحْرَامِ مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَخْصُوصِ بِتِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقُلْنَا بِانْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ عَلَى الْأَصْلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ مَفْقُودٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ

ص: 349

مَخِيطٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ، وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا الِاكْتِحَالُ بِغَيْرِ الْمُطَيِّبِ وَأَنْ يَخْتَتِنَ وَيَفْتَصِدَ وَيَقْلَعَ ضِرْسَهُ وَيَجْبُرَ الْكَسْرَ وَيَحْتَجِمَ، وَأَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ وَبَدَنَهُ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ خَافَ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَكَّهُ بِرِفْقٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالْحَكِّ الشَّدِيدِ.

(قَوْلُهُ وَأَكْثِرْ مِنْ التَّلْبِيَةِ مَتَى صَلَّيْتَ أَوْ عَلَوْتَ شَرَفًا أَوْ هَبَطْتَ وَادِيًا أَوْ لَقِيتَ رَكْبًا وَبِالْأَسْحَارِ رَافِعًا صَوْتَكَ) أَيْ أَكْثِرْ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ كَتَكْبِيرِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ أَطْلَقَ الصَّلَاةَ فَشَمِلَ فَرْضَهَا وَوَاجِبَهَا وَنَفْلَهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَوْتَ شَرَفًا أَيْ صَعِدْت مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شُرْفَةٍ، وَالرَّكْبُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَتَجْرٍ جَمْعِ تَاجِرٍ، وَالسَّحَرُ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى تَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا.

قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَأْتِي بِهَا عَلَى الْوَلَاءِ وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ لَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّلْبِيَةِ، وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ تَلْبِيَتِهِ سِرًّا، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ، وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ.

(قَوْلُهُ وَابْدَأْ بِالْمَسْجِدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ) الْبَاءُ الْأُولَى بَاءُ التَّعْدِيَةِ وَهُوَ إيصَالُ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا بِمَدْخُولِهَا، وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ أَوْلَى وَهِيَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ فَعَلَهُ عليه السلام، وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ مِنْ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَسْنُونَةِ الِاغْتِسَالَ لِدُخُولِهَا، وَهُوَ لِلنَّظَافَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَلَمْ يُقَيَّدْ دُخُولُ مَكَّةَ بِزَمَنٍ خَاصٍّ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ عليه السلام دَخَلَهَا نَهَارًا فِي حِجَّتِهِ وَلَيْلًا فِي عُمْرَتِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ تَقْرِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ، وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فَالدُّخُولُ نَهَارًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّا لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا، وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِمَّا لَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا إلَخْ) تَكْمِيلٌ لِمُبَاحَاتِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ مِنْهَا فِي اللُّبَابِ نَزْعَ الضِّرْسِ وَالظُّفْرِ الْمَكْسُورِ وَالْفَصْدَ وَالْحِجَامَةَ بِإِزَالَةِ شَعْرٍ وَقَلْعَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ وَالتَّوْشِيحَ بِالْقَمِيصِ وَالِارْتِدَادَ بِهِ وَالِاتِّزَارَ بِهِ وَبِالسَّرَاوِيلِ وَالتَّحَرُّمَ بِالْعِمَامَةِ أَيْ الِاتِّزَارُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدِهَا وَغَرْزُ طَرَفِ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ، وَإِلْقَاءُ الْقَبَاءِ وَالْعَبَاءِ وَالْفَرْوَةِ عَلَيْهِ بِلَا إدْخَالِ مَنْكِبَيْهِ وَوَضْعُ خَدِّهِ عَلَى وِسَادَةٍ وَوَضْعُ يَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ أَنْفِهِ وَتَغْطِيَةُ اللِّحْيَةِ مَا دُونَ الذَّقَنِ وَأُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَيَدَيْهِ أَيْ بِمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَسَائِرِ بَدَنِهِ سِوَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَحَمْلُ إجَّانَةٍ أَوْ عَدْلٍ أَوْ جُوَالِقَ عَلَى رَأْسِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الثِّيَابِ، وَأَكْلُ مَا اصْطَادَهُ حَلَالٌ، وَأَكْلُ طَعَامٍ فِيهِ طِيبٌ إنْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ تَغَيَّرَ، وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ وَكُلُّ دُهْنٍ لَا طِيبَ فِيهِ وَالشَّحْمُ وَدَهْنُ جُرْحٍ أَوْ شِقَاقٍ وَقَطْعُ شَجَرِ الْحِلِّ وَحَشِيشِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ أَيْ الْمُبَاحُ وَالتَّزَوُّجُ وَالتَّزْوِيجُ وَلَوْ قَبْلَ سَعْيِ الْحَجِّ وَذَبْحُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَقَتْلُ الْهَوَامِّ وَالْجُلُوسُ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ لَا لِاشْتِمَامِ رَائِحَةٍ اهـ.

أَيْ لَا لِقَصْدِ أَنْ يَشُمَّ رَائِحَةً، وَزَادَ فِي الْكَبِيرِ وَضَرْبُ خَادِمِهِ أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ «لِضَرْبِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه عَبْدَهُ الَّذِي أَضَلَّ النَّاقَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا زَامِلَتُهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَمْنَعْهُ» ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا اشْتَهَرَ أَنَّ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ عَلَى إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَإِنْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى فَاعِلِهِ فَيُفِيدُ كَمَالَ تَحَمُّلِهِ فِي سَبِيلِهِ اهـ.

مِنْ شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ عَلَى الْأَلْسُنِ أَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْجَرَّاحِيُّ عَنْ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسِّنْجَارِيِّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَعْمَشِ، وَأَنَّ ابْنَ حَزْمٍ حَمَلَهُ عَلَى الْفَسَقَةِ مِنْ الْجَمَّالِينَ يَعْنِي إنْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا أَعْلَمَ الْأَمِيرَ أَوْ نَحْوَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْأَعْمَشِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ ضَرْبُ الْجِمَالِ خِلَافًا لِلْأَعْمَشِ ثُمَّ حَكَى حَمْلَ ابْنِ حَزْمٍ السَّابِقَ اهـ. مَا فِي الْمَقَاصِدِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْدِيمَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى سُنَّةٌ إلَخْ) أَيْ فَيُقَدِّمُهَا عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك اهـ.

وَفِي مَنَاسِكِ تِلْمِيذِهِ السِّنْدِيِّ وَشَرْحِهِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ أَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَقَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ قَائِلًا مَا سَبَقَ

ص: 350

سُنَّةُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام دَخَلَ مِنْهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّلَامِ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا جَلَالَةَ الْبُقْعَةِ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ.

(قَوْلُهُ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ تِلْقَاءَ الْبَيْتِ) أَيْ مُوَاجِهًا لَهُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ عليه السلام كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، فَالْمُرَادُ مِنْ التَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْأَوْلَى أَيْ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَمِنْ التَّهْلِيلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَصْلِ لِمُشَاهِدِ الْحَجِّ شَيْئًا مِنْ الدَّعَوَاتِ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ، وَإِنْ تَبَرَّكَ بِالْمَنْقُولِ مِنْهَا فَحَسَنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ لِلْمُصَلِّي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ لَا بِمَا يَحْضُرُهُ؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ مَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ فَتَفْسُدَ صَلَاتُهُ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ، وَلَا يَسْتَظْهِرَ الدُّعَاءَ؛ لِأَنَّ حِفْظَ الدُّعَاءِ يَمْنَعُهُ عَنْ الرِّقَّةِ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْصَى رَجُلًا يُرِيدُ السَّفَرَ إلَى مَكَّةَ بِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ فَإِنْ اُسْتُجِيبَتْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ صَارَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُنَا مِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُسْتَلِمًا بِلَا إيذَاءٍ) لِفِعْلِهِ عليه السلام كَذَلِكَ وَلِنَهْيِ عُمَرَ عَنْ الْمُزَاحَمَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِلَامَ سُنَّةٌ وَالْكَفَّ عَنْ الْإِيذَاءِ وَاجِبٌ فَالْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ، وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُقَبِّلَهُ لِفِعْلِهِ عليه السلام الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ وَضَعَ يَدَيْهِ وَقَبَّلَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَمَسَّ الْحَجَرَ شَيْئًا كَالْعُرْجُونِ وَنَحْوِهِ، وَقَبَّلَهُ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لِلزَّحْمَةِ اسْتَقْبَلَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ، وَجَعَلَ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَيْهِ وَظَاهِرَهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ هَكَذَا الْمَأْثُورُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ فَعَلَ لِفِعْلِهِ عليه السلام وَالْفَارُوقِ بَعْدَهُ وَقَوْلُ الْقِوَامِ الْكَاكِيِّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ عِنْدَنَا ضَعِيفٌ، وَهَذَا التَّقْبِيلُ الْمَسْنُونُ إنَّمَا يَكُونُ بِوَضْعِ الشَّفَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَحِيَّةَ الْبَيْتِ الطَّوَافُ فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَيَطُوفُ طَوَافَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَطَوَافُ الْقُدُومِ وَهُوَ أَيْضًا تَحِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَإِنْ دَخَلَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَطَوَافُ الْفَرْضِ يُغْنِي كَصَلَاةِ الْفَرْضِ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِالْعُمْرَةِ فَطَوَافُ

ــ

[منحة الخالق]

إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ هُنَا أَبْوَابَ فَضْلِك بَدَلَ أَبْوَابِ رَحْمَتِك لِحَدِيثٍ وَرَدَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحُهُ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ أَيْ وَلَوْ حَالَ دُعَائِهِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ كَالْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْبَدَائِعِ بَلْ قَالَ السُّرُوجِيُّ الْمَذْهَبُ تَرْكُهُ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ اللُّبَابِ وَكَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الرَّفْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَنُقِلَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ وَقِيلَ يَرْفَعُ أَيْ يَدَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَسَمَّاهُ الْبَصْرَوِيُّ مُسْتَحَبًّا فَكَأَنَّهُمَا اعْتَمَدَا عَلَى مُطْلَقِ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ مُتَّبَعَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ أَمَا تَرَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فِي الطَّوَافِ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الطَّوَافِ عِنْدَ دُعَاءِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ الْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا جَوَّزَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعَلَّامَةَ البرنطوشي كَانَ يَزْجُرُ مَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَالَ الطَّوَافِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالِاسْتِلَامُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَيْهِ وَيُقَبِّلَهُ بِفِيهِ بِلَا صَوْتٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ مَسْحَ الْوَجْهِ بِالْيَدِ مَكَانَ التَّقْبِيلِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَمَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ، زَادَ فِي التُّحْفَةِ وَيُرْسِلُهُمَا ثُمَّ يَسْتَلِمُ وَفِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا الصَّحِيحُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْحَجَرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهَلْ يُنْدَبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ وَعَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ فَفَعَلْتُهُ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ مَالِكٌ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ وَعِنْدَنَا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْجُدَ لِعَدَمِ الرِّوَايَةِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِضَعْفِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ صَاحِبُ الدَّارِ أَدْرَى اهـ.

أَيْ أَنَّ الْكَاكِيَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ أَدْرَى بِالْحُكْمِ عِنْدَنَا مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِذَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ أَقُولُ: حَيْثُ صَحَّ الْحَدِيثُ يُتَّبَعُ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ فِي الْمَشَاهِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَهِيَ تَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فَبِالصَّحِيحِ أَوْلَى، وَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً حَتَّى يَتَوَقَّفَ فِيهَا عَلَى نَصٍّ مِنْ

ص: 351

الْعُمْرَةِ، وَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَاسْتَثْنَى عُلَمَاؤُنَا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتٍ مُنِعَ النَّاسُ مِنْ الطَّوَافِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ أَوْ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، ثُمَّ يَطُوفُ وَفِي قَوْلِهِ الْحَجَرُ دُونَ أَنْ يَصِفَهُ بِالسَّوَادِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَطُفْ مُضْطَبِعًا وَرَاءَ الْحَطِيمِ آخِذًا عَنْ يَمِينِك مِمَّا يَلِي الْبَابَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) لِفِعْلِهِ عليه السلام كَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ ثَوْبَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ يُقَالُ اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَتَأَبَّطَ بِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ بِرِدَائِهِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ وَهُوَ الْعَضُدُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَكْشُوفًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ، وَأَمَّا إدْخَالُ الْحَطِيمِ فِي طَوَافِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْحَطِيمَ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ الْبَيْتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الطَّوَافِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ إعَادَتِهِ عَلَى الْحَطِيمِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ ثَبَتَتْ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا تَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا، وَلَهُ ثَلَاثُ أَسَامٍ حَطِيمٌ وَحَظِيرَةٌ وَحِجْرٌ وَهُوَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْتِ مِنْ الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فُرْجَةٌ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُطِّمَ مِنْ الْبَيْتِ أَيْ كُسِرَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَتِيلِ بِمَعْنَى الْمَقْتُولِ؛ أَوْ لِأَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَذَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ، وَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ مِقْدَارُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْبَيْتِ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ فِيهِ قَبْرَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ عليهما السلام، وَأَمَّا أَخْذُهُ عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ فَهُوَ وَاجِبٌ أَيْضًا حَتَّى لَوْ طَافَ مَنْكُوسًا صَحَّ، وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَيَجِبُ إعَادَتُهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ إعَادَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ أَنَّ الطَّائِفَ بِالْبَيْتِ مُؤْتَمٌّ بِهِ، وَالْوَاحِدُ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ الْإِمَامُ عَلَى يَسَارِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَقِيلَ لِيَكُونَ الْبَابُ فِي أَوَّلِ طَوَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] .

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَتْرُكْهُ قَطُّ، وَقِيلَ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ فِي الْآيَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَالْتَحَقَ فِعْلُهُ عليه السلام بَيَانًا لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُنَا وَفِي بَابِ الْجِنَايَاتِ ذَكَرَ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

الْمُجْتَهِدِ مَا لَمْ يَثْبُتُ عَنْهُ خِلَافُهَا فَيُتَّبَعُ مَا ثَبَتَ عَنْهُ وَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَقَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيُكَرِّرَهُ مَعَ التَّقْبِيلِ ثَلَاثًا اهـ قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَكَذَا نَقَلَ السُّجُودَ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ إلَخْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَطُفْ مُضْطَبِعًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ رحمه الله السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْهُمَامِ فِي مَنَاسِكِهِ الْمُخْتَصَرَةِ وَالْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهَا: وَيُضْطَبَعُ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَسْعَى بَعْدَهُ أَيْ يُقَدِّمُ السَّعْيَ عَقِبَهُ وَإِلَّا لَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ، وَأَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ السَّعْيَ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ الْفَرْضِ فَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ حِينَئِذٍ هُنَا بَلْ يُؤَخِّرُهُمَا إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيَرْمُلُ فِيهِ، وَكَذَا يَضْطَبِعُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا اهـ.

وَقَالَ الْمُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ شَرْحُ الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِعُذْرٍ هَلْ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ التَّشَبُّهُ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَصْحَابُنَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الِاضْطِبَاعَ إنَّمَا يُسَنَّ لِمَنْ لَمْ يَلْبَسْ الْمَخِيطَ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَهُ مِنْ الرِّجَالِ فَيَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَّةِ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ يُشْرَعُ لَهُ جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَطَرَفِهِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَ الْمَنْكِبُ مَسْتُورًا بِالْمَخِيطِ لِلْعُذْرِ. قَالَ فِي عُمْدَةِ الْمَنَاسِكِ: وَهَذَا لَا يَبْعُدُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْمُضْطَبِعِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الِاضْطِبَاعِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخَاطَبٍ فِيمَا يَظْهَرُ قُلْت: الْأَظْهَرُ فِعْلُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُدْرَكُ كُلُّهُ لَا يُتْرَكُ كُلُّهُ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَعَ طَوَافُهُ هَذَا لِلْقُدُومِ وَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْعُمْرَةِ أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ نَوَاهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى الْقَارِنِ أَيْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِلْقُدُومِ كَذَا فِي اللُّبَابِ، وَهَذَا الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ الْآنَ فِي الْمُفْرِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا اضْطِبَاعَ وَلَا رَمَلَ وَلَا سَعْيَ لِأَجْلِ هَذَا الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ فِيهِ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ تَقْدِيمَ سَعْيِ الْحَجِّ عَلَى وَقْتِهِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. اهـ. لُبَابٌ.

(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ) أَيْ لَمْ يَطُفْ وَرَاءَ الْحَطِيمِ أَيْ جِدَارَ الْحِجْرِ بَلْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ أَيْ وَخَرَجَ مِنْ الْفُرْجَةِ الْأُخْرَى فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ الْحِجْرِ، وَالْأَفْضَلُ إعَادَةُ كُلِّهِ، وَصُورَةُ الْإِعَادَةِ عَلَى الْحِجْرِ أَنْ يَأْخُذَ عَنْ يَمِينِهِ خَارِجَ الْحِجْرِ أَيْ مُبْتَدِئًا مِنْ أَوَّلِ أَجْزَاءِ الْفُرْجَةِ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ لِلِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْحِجْرَ مِنْ الْفُرْجَةِ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْ طَرَفِهِ أَوْ لَا يَدْخُلَ الْحِجْرَ بَلْ يَرْجِعَ وَيَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ

ص: 352

ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ مِنْ غَيْرِ الْحَجَرِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ جَعَلَ الْبِدَايَةَ مِنْهُ فَرْضًا اهـ.

وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ لِلْمُوَاظَبَةِ وَالِافْتِرَاضُ بَعِيدٌ عَنْ الْأُصُولِ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقَطْعِيِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ الَّتِي بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الطَّوَافِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِي قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُتَعَيِّنًا لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونَ الطَّوَافَ وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ، وَقَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ لَا لِلْفَرْضِ فِي الطَّوَافِ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أَقَلَّ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِالدَّمِ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَشْوَاطٍ وَثُلُثَا شَوْطٍ، وَخَالَفَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِأَنَّ السَّبْعَةَ رُكْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهَا، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يُقَامُ فِيهِ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَعْنِي السَّبْعَةَ مَانِعٌ لِلنُّقْصَانِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ لِلزِّيَادَةِ حَتَّى لَوْ طَافَ ثَامِنًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامُ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَشْوَاطُ جَمْعُ شَوْطٍ وَهُوَ جَرْيٌ مَرَّةً إلَى الْغَايَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى لَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ وَرَاءَ زَمْزَمَ أَوْ مِنْ وَرَاءِ السَّوَارِي جَازَ وَمِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الطَّوَافُ مُلَاصِقًا لِحَائِطِ الْبَيْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ بُقْعَةٍ

ــ

[منحة الخالق]

الْحَجَرِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَجْعَلَ الْحَطِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ طَرِيقًا إلَى مَقْصِدِهِ إلَّا إذَا نَوَى دُخُولَ الْبَيْتِ كُلَّ مَرَّةٍ وَطَلَبَ الْبَرَكَةَ فِي كُلِّ كَرَّةٍ ثُمَّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِعَادَةِ لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ وَهُوَ خِلَافُ الشَّرْطِ أَوْ الْوَاجِبِ فَلَا يَكُونُ مَحْسُوبًا، وَلِهَذَا قَالَ هَكَذَا يَفْعَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَقْضِي حَقَّهُ فِيهِ مِنْ رَمَلٍ وَغَيْرِهِ أَيْ مِنْ تَيَامُنٍ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا أَعَادَهُ سَقَطَ الْجَزَاءُ وَلَوْ طَافَ عَلَى جِدَارِ الْحِجْرِ قِيلَ وَيَجُوزُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا زَادَ عَلَى حَدِّهِ وَهُوَ قَدْرُ سِتَّةِ أَوْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ اهـ. مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ.

(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْوُجُوبُ) وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ نَقْلًا عَنْ الْوَجِيزِ حَيْثُ قَالَ فِي عَدُّ الْوَاجِبَاتِ وَالْبُدَاءَةُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَالْأَعْدَلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَوَّلُ شَرْحُ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ الزِّيَادَةِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا الْتَحَقَ بَيَانًا لِلنَّصِّ الْمُجْمَلِ فَالثَّابِتُ بِهِ يَكُونُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ الْإِجْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّوَافِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَرْضِيَّةُ الِابْتِدَاءِ مِنْ مَكَان مَخْصُوصٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ مِنْ أَيِّ مَكَان وَفِعْلُهُ عليه السلام أَفَادَ الْوُجُوبَ أَوْ السُّنِّيَّةَ فَافْهَمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي الْجَوَابِ ثُمَّ رَاجَعْت فَتْحَ الْقَدِيرِ فَرَأَيْتُهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ دَلِيلِهِ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَيُجْزِئُ وَلَوْ كَانَ فِي آيَةِ الطَّوَافِ إجْمَالٌ لَكَانَ شَرْطًا كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَكِنَّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونَ مُطْلَقُ التَّطَوُّفِ هُوَ الْفَرْضُ وَافْتِتَاحُهُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا وَمَا فِي اللُّبَابِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَقِفُ أَيْ بَعْدَ الِاضْطِبَاعِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ بِجَانِبِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِمَّا يَلِي الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَكُونُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ فَيَنْوِي الطَّوَافَ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ مُسْتَحَبَّةٌ اهـ.

فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ اللُّبَابِ، وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَا ادَّعَاهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ لُزُومِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ حَصَلَ الِابْتِدَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ جَانِبِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ كَمَا فِي الشرنبلالية وَمَا ادَّعَى لُزُومَهُ صَرَّحَ فِي اللُّبَابِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ مِنْ جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى جَمِيعِ الْحِجْرِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ يَشْتَرِطُ الْمُرُورَ كَذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَالرُّكْنُ أَكْثَرُ الْأَشْوَاطِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ أَمَّا الْقُدُومُ وَالصَّدْرُ فَلَا لَكِنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ سُنَّةٌ وَبِشُرُوعِهِ فِيهِ يَجِبُ إكْمَالُهُ فَيُسَاوِي بَعْدَ الشُّرُوعِ طَوَافَ الصَّدْرِ فَيَصِيرُ الطَّوَافَانِ وَاجِبَيْنِ فَيَكُونُ جَمِيعُ أَشْوَاطِهِمَا وَاجِبَةً، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَيَذْكُرُهُ

ص: 353

وَاحِدَةٍ فَإِذَا طَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ طَافَ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّ حِيطَانَ الْمَسْجِدِ تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ

وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ مِنْ الْحَدَثَيْنِ وَاجِبٌ، وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ مِنْ الْخُبْثِ فَمِنْ السُّنَّةِ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي ثَوْبٍ كُلُّهُ نَجِسٌ فَهَذَا وَمَا لَوْ طَافَ عُرْيَانًا سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّوْبِ قَدْرُ مَا يُوَارِي عَوْرَتَهُ طَاهِرًا وَالْبَاقِي نَجِسًا جَازَ طَوَافُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَ الطَّوَافَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ بِصَلَاةٍ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا أُبِيحَ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا تُبْطِلُهُ الْمُحَاذَاةُ، وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّوَافِ وَيَشْرَبَ وَيَفْعَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، لَكِنْ يُكْرَهُ إنْشَادُ الشِّعْرِ فِيهِ وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالْبَيْعُ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَمُبَاحَةٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَكُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ»

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ خَرَجَ مِنْ طَوَافِهِ إلَى جِنَازَةٍ أَوْ مَكْتُوبَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ عَادَ بَنَى.

(قَوْلُهُ تَرَمَّلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ دُونَ غَيْرِهَا فَأَفَادَ أَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ يَنْتَهِي إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِي، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ زَوَالُ الْحُكْمِ عِنْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَلْزُومٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَوُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِم مُحَالٌ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ عِلَّةَ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ زَالَتْ وَبَقِيَ الْحُكْمُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» تَذْكِيرًا لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ لِيَشْكُرَ عَلَيْهَا فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا أُمِرْنَا بِذِكْرِهَا إلَّا لِنَشْكُرَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ مُتَبَادَلَةٍ فَحِينَ غَلَبَةِ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ عِلَّةُ الرَّمَلِ إيهَامَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ

وَعِنْدَ زَوَالِ ذَلِكَ تَكُونُ عِلَّتُهُ تَذْكِيرَ نِعْمَةِ الْأَمْنِ كَمَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّقِّ فِي الْأَصْلِ اسْتِنْكَافُ الْكَافِرِ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِرِقِّهِ وَإِنْ أَسْلَمَ وَكَالْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ، وَلِهَذَا لَا يُبْتَدَأُ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثُمَّ صَارَ عِلَّتُهُ حُكْمَ الشَّرْعِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ خَرَاجٍ لَزِمَهُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ بَحْثِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ

وَقَدْ رَدَّ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي بَابِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ كَوْنَ الْحُكْمِ مَلْزُومًا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْحُكْمِ لَا مُؤَثِّرَاتٌ فَيَجُوزُ بَقَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ زَوَالِ عِلَّتِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا إلَى أَنَّهُ لَا يُرْمَلُ إلَّا فِي طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَلَوْ أَرَادَ تَأْخِيرَ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ مَعْزِيًّا إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ قَارِنًا

ــ

[منحة الخالق]

الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا فِي أَشْوَاطِ السَّعْيِ حَيْثُ جَعَلَهَا وَاجِبَةً كُلَّهَا لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الصَّدْرِ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِي الْأَقَلِّ لِكُلِّ شَوْطٍ صَدَقَةٌ، وَأَمَّا الْقُدُومُ فَلَمْ يُصَرِّحُوا بِمَا يَلْزَمُهُ لَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَبَحَثَ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ فِي أَنَّهُ كَالصَّدْرِ وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّ الصَّدْرَ وَاجِبٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ بِشُرُوعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْبَةِ كَصَلَاةِ النَّفْلِ اهـ مُلَخَّصًا، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ وَقَدْ عَلِمْت إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ سَبْعَةٌ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ الثَّانِي قِيلَ الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ قَدْرُ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ مِنْ الثَّوْبِ وَاجِبٌ أَيْ طَهَارَتُهُ فَلَوْ طَافَ وَعَلَيْهِ قَدْرُ مَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ طَاهِرٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعُرْيَانِ. الثَّالِثُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَوْ طَافَ مَكْشُوفَهَا وَجَبَ الدَّمُ وَالْمَانِعُ كَشْفُ رُبْعِ الْعُضْوِ فَمَا زَادَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ انْكَشَفَ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يُمْنَعُ وَيَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ الرَّابِعَ الْمَشْيُ فِيهِ لِلْقَادِرِ فَلَوْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا أَوْ زَاحِفًا بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ زَحْفًا لَزِمَهُ مَاشِيًا. الْخَامِسُ التَّيَامُنُ السَّادِسُ قِيلَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ السَّابِعُ الطَّوَافُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ: وَأَمَّا طَهَارَةُ مَكَانِ الطَّوَافِ فَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِ طَوَافِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَبْطُلُ طَوَافُهُ، وَهَذَا يُفِيدُ نَفْيَ الشَّرْطِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَاحْتِمَالِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ، وَالْأَرْجَحُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ.

قُلْت: وَيُزَادُ ثَامِنٌ وَهُوَ كَوْنُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (قَوْلُهُ وَالْمَعْرُوفُ فِي الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ التَّجْنِيسِ، وَقَالَ وَلَمْ نَعْلَمْ خَبَرًا رُوِيَ فِيهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الطَّوَافِ أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ

ص: 354

لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنْ كَانَ رَمَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ لَا يَرْمُلُ إلَّا فِي الشَّوْطَيْنِ بَعْدَهُ وَبِنِسْيَانِهِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَرْمُلُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ تَرْكَ الرَّمَلِ فِي الْأَرْبَعَةِ سُنَّةٌ فَلَوْ رَمَلَ فِيهَا لَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّتَيْنِ، وَكَانَ تَرْكُ أَحَدِهِمَا أَسْهَلَ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ رَمَلَ فِي الْكُلِّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَنْزِيهًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالرَّمَلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَقِيلَ هُوَ إسْرَاعٌ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَا دُونَ الْوُثُوبِ وَالْعَدْوِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ الْهَرْوَلَةُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ بِقُرْبِ الْبَيْتِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ بِلَا رَمَلٍ مَعَ الْقُرْبِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ وَاسْتَلِمْ الْحَجَرَ كُلَّمَا مَرَرْت بِهِ إنْ اسْتَطَعْت) أَيْ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ «عليه السلام طَافَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى فِي الرُّكْنِ أَشَارَ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ» وَفِي الْمُغْرِبِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهِيَ الْحَجَرُ أَفَادَ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ بَيْنَ كُلِّ شَوْطَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَدَبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ اسْتِلَامَ غَيْرِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْعِرَاقِيَّ وَالشَّامِيَّ

وَأَمَّا الْيَمَانِي فَيُسْتَحَبّ أَنْ يَسْتَلِمهُ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُهُ مِثْلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، الدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ فَإِنَّ «ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْيَمَانِيَيْنِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام «كَانَ يُقَبِّلُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَنْهُ عليه السلام «إذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ قَبَّلَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.

وَعَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي يَعُمُّ التَّقْبِيلَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى سُنِّيَّةِ اسْتِلَامِهِ

وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه السلام لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِيَ فِي كُلِّ طَوَافِهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى السُّنِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ وَالْحِكْمَةُ فِي عَدَمِ اسْتِلَامِهِمَا أَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْتِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ فَيَكُونُ الرُّكْنَانِ إذَنْ وَسَطَ الْبَيْتِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنْ يَقْرَأَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَتْمَةً فِي الطَّوَافِ وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ آيَةَ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: 201] الْآيَةَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ مُشِيرًا إلَى جَوَازِهِ وَمُشْعِرًا بِأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ الْأُمَّةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ شَرْطٌ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي الصَّلَاة، وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ {رَبَّنَا} [البقرة: 201] إنَّمَا كَانَتْ عَلَى قَصْدِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَعَ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَعِيدٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ إلَخْ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ لِلسِّنْدِيِّ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَقِفُ فِي الْأَثْنَاءِ وَهُوَ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا عُرْفًا وَعَادَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَلِكَوْنِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَشْوَاطِ، وَأَجْزَاءُ الطَّوَافِ سُنَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِحُصُولِ سُنَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا فَلَوْ حَصَلَ التَّزَاحُمُ فِي الْأَثْنَاءِ يَفْعَلُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمَلِ، وَيَتْرُكُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقِفُ لِلرَّمَلِ إذَا حَصَلَتْ الزَّحْمَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَيْهِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ لَا تُدَافِعُ الرَّمَلَ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَمَّا إذَا حَصَلَتْ فِي الْأَثْنَاءِ فَلَا يَقِفُ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمُوَالَاةُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَخْ) أَيْ لَوْ كَانَ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْبَيْتِ زَحْمَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ الرَّمَلِ فَالطَّوَافُ فِي الْبُعْدِ مِنْ الْبَيْتِ مَعَ الرَّمَلِ أَفْضَلُ.

(قَوْلُهُ إنَّ الِاسْتِلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ سُنَّةٌ) سَقَطَ لَفْظُ وَالِانْتِهَاءُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ إثْبَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلِيُلَائِمَ قَوْلَهُ وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ هَذَا وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْأَقْوَالِ فَإِنَّ اسْتِلَامَ طَرَفَيْهِ آكَدُ مِمَّا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ السَّبَبَ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الِاسْتِلَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا نَوْعٌ مِنْ تَرْكِ الْمُوَالَاةِ بِخِلَافِ طَرَفَيْهَا، ثُمَّ هَلْ يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ فِي مَبْدَأِ كُلِّ شَوْطٍ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ فَمَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَرْمَانِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ يُؤَيِّدُ الثَّانِيَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهُمَا مَرَّةً وَيَتْرُكَهُمَا أُخْرَى فَإِنَّ الْجَمْعَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ مَهْمَا أَمْكَنَ أَحْرَى.

(قَوْلُهُ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ) قَيَّدَ بِالدَّلَائِلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي النُّخْبَةِ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي الْبَدَائِعِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَقْبِيلَهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَا يُقَبِّلُهُ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِالِاسْتِلَامِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ التَّقْبِيلِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ

ص: 355

وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ يَمَنِيٌّ وَشَامِيٌّ ثُمَّ حَذَفُوا إحْدَى يَائَيْ النِّسْبَةِ، وَعَوَّضُوا مِنْهَا أَلْفًا فَقَالُوا الْيَمَانِي وَالشَّامِيُّ بِالتَّخْفِيفِ، وَبَعْضُهُمْ يُشَدِّدُهُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ.

(قَوْلُهُ وَاخْتِمْ الطَّوَافَ بِهِ وَبِرَكْعَتَيْنِ فِي الْمَقَامِ أَوْ حَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ) ، أَمَّا خَتْمُ الطَّوَافِ بِالِاسْتِلَامِ فَهُوَ سُنَّةٌ لِفِعْلِهِ عليه السلام كَذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَمَّا صَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام «لَمَّا انْتَهَى إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام قَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] » فَنَبَّهَ بِالتِّلَاوَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ هَذِهِ امْتِثَالًا لِهَذَا الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ، وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَكَانَ الثَّابِتُ الْوُجُوبَ، وَيَلْزَمُهُ حُكْمُنَا بِمُوَاظَبَتِهِ عليه السلام مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ، وَيُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِاسْتِلْزَامِهَا تَرْكَ الْوَاجِبِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَهُمَا لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي طَوَافٍ آخَرَ إنْ كَانَ قَبْلَ إتْمَامِ شَوْطِ رَفْضِهِ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا، وَلَوْ طَافَ بِصَبِيٍّ لَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ وِتْرٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَقَامِ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ وَهِيَ حِجَارَةٌ يَقُومُ عَلَيْهَا عِنْدَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ مِنْ الْإِبِلِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا إسْمَاعِيلَ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ، وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَيَانٌ لِلْفَضِيلَةِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَرَادَ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطُوفَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ وَالشَّامِ إلَخْ) الْأَصْوَبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْيَمَنِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ فِي الشَّامِيِّ نِسْبَةً إلَى الشَّامِ تَغْيِيرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّغْيِيرُ بِالْحَذْفِ وَالتَّعْوِيضِ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْيَمَنِ فَقَطْ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الصِّحَاحِ الشَّأْمُ بِلَادٌ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَرَجُلٌ شَأْمِيٌّ وَشَآمِيٌّ عَلَى فَعَالٍ وَشَأْمِيٌّ أَيْضًا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ وَلَا تَقُلْ شَأْمٌ وَقَالَ أَيْضًا الْيَمَنُ بِلَادٌ لِلْعَرَبِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ يَمَنِيٌّ وَيَمَانٌ مُخَفَّفَةٌ وَالْأَلِفُ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النَّسَبِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ قَالَ سِيبَوَيْهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَمَانِيٌّ بِالتَّشْدِيدِ اهـ.

فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ ثُمَّ حَذَفُوا إحْدَى يَائَيْ النِّسْبَةِ يَعْنِي مِنْ يَمَنِيٍّ فَقَطْ، وَكَذَا قَوْلُهُ بِالتَّخْفِيفِ رَاجِعٌ إلَى الْيَمَانِي.

(قَوْلُهُ فَوَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ فَرْضًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا وَلَا يَخْتَصُّ جَوَازُهَا بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ وَلَا تَفُوتُ وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْبَرْ بِدَمٍ وَلَوْ صَلَّاهَا خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ جَازَ، وَيُكْرَهُ وَالسُّنَّةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ، وَيُسْتَحَبُّ مُؤَكَّدًا أَدَاؤُهَا خَلْفَ الْمَقَامِ ثُمَّ فِي الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ، ثُمَّ كُلُّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحِجْرِ إلَى الْبَيْتِ ثُمَّ بَاقِي الْحِجْرِ ثُمَّ مَا قَرُبَ إلَى الْبَيْتِ ثُمَّ الْمَسْجِدُ ثُمَّ الْحَرَمُ ثُمَّ لَا أَفْضَلِيَّةَ بَعْدَ الْحَرَمِ بَلْ الْإِسَاءَةُ وَالْمُرَادُ بِمَا خَلْفَ الْمَقَامِ قِيلَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَادَةً وَعُرْفًا مَعَ الْقُرْبِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ خَلْفَ الْمَقَامِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقَامِ صَفًّا أَوْ صَفَّيْنِ أَوْ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ

وَلَوْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَلَا تُجْزِئُ الْمَنْذُورَةُ وَالْمَكْتُوبَةُ عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الطَّوَافِ إلَّا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ سُنَّةٌ، وَلَوْ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ثُمَّ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تُصَلَّى إلَّا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَإِنْ صَلَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ قِيلَ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ (فُرُوعٌ) طَافَ وَنَسِيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَامِ شَوْطٍ رَفَضَهُ وَبَعْدَ إتْمَامِهِ لَا بَلْ يُتِمُّ طَوَافَهُ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ وَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ طَافَ فَرْضًا أَوْ غَيْرَهُ ثَمَانِيَةَ أَشْوَاطٍ إنْ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الثَّامِنَ سَابِعٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمَظْنُونِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ الثَّامِنُ اخْتَلَفَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ لِلشُّرُوعِ وَلَوْ طَافَ أَسَابِيعَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَانِ عَلَى حِدَةٍ وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ أَوْ الْعُمْرَةِ أَعَادَهُ وَلَا يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ يُكْثِرُ ذَلِكَ يَتَحَرَّى، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا، وَصَاحِبُ الْعُذْرِ الدَّائِمِ إذَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الطَّوَافِ لَا يَفْسُدُ وَتَمَامُهُ فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الثَّابِتِ الْوُجُوبَ أَنْ نَحْكُمَ بِمُوَاظَبَتِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَكَانَ الْأَوْلَى بِالْمُؤَلِّفِ عَدَمَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ أَخُوهُ لِإِيهَامِهِ تَوَقُّفَ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ عَلَى هَذَا اللُّزُومِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ إفَادَةُ أَنَّ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مِنْ ثُبُوتِ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لِيَكُونَ دَلِيلًا آخَرَ عَلَى الْوُجُوبِ إذْ مُطْلَقُ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رحمه الله سَوَاءٌ انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ شَفْعٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ إذَا انْصَرَفَ عَنْ وِتْرٍ نَحْوَ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَسَابِيعَ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ

ص: 356

أُسْبُوعًا آخَرَ فَتَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ كَرَاهَةِ وَصْلِ الْأَسَابِيعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهِمَا فِيهَا فَحُمِلَ قَوْلُهُمَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ إنَّمَا هُوَ فِي وَقْتٍ لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ فِيهِ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِيمَا إذَا وَصَلَ الْأَسَابِيعَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ زَالَ وَقْتُهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا لِمَا أَنَّ الْأَسَابِيعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ كَأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] تَبَرُّكًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ يَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.

(قَوْلُهُ لِلْقُدُومِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ) أَيْ طُفْ هَذَا الطَّوَافَ لِأَجْلِ الْقُدُومِ وَهَذَا الطَّوَافُ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَوْ السُّنَّةَ تُغْنِي عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ طَوَافِ الْقُدُومِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ لِلْعُمْرَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَطُوفُ لِلْقُدُومِ ثَانِيًا وَلَا يَكْفِيهِ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ خَتْمِ الطَّوَافِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَكَذَا إتْيَانُ الْمُلْتَزَمِ وَالتَّشَبُّثُ بِهِ، وَكَذَا الْعَوْدُ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ السَّعْيِ، وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ لَكِنَّ الْأَخِيرَ مَشْرُوطٌ بِإِرَادَةِ السَّعْيِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَعُدْ إلَى الْحَجَرِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْرُجْ إلَى الصَّفَا وَقُمْ عَلَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا رَبَّكَ بِحَاجَتِك) لِمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا السَّعْيَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِلْحَدِيثِ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» قَالَهُ عليه السلام حِينَ كَانَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الرُّكْنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ تَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى كَتَبَ اسْتِحْبَابًا فَمُنَافٍ لِمَطْلُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ وَجَمِيعُ السَّبْعَةِ الْأَشْوَاطِ وَاجِبٌ لَا الْأَكْثَرُ فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ تَرَكَ الْأَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكُلِّ إذْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَقَلِّ شَيْءٌ أَشَارَ بِثُمَّ إلَى تَرَاخِي السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ، فَلَوْ سَعَى ثُمَّ طَافَ أَعَادَهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ وَلَا يَجُوزُ تَقَدُّمُ التَّبَعِ عَلَى الْأَصْلِ، كَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الطَّوَافِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ السَّعْيِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ تَأْخِيرَ السَّعْيِ عَنْ الطَّوَافِ وَاجِبٌ، وَإِلَى أَنَّ السَّعْيَ لَا يَجِبُ بَعْدَ الطَّوَافِ فَوْرًا بَلْ لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ وَلَوْ طَوِيلًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالسُّنَّةُ الِاتِّصَالُ بِهِ كَالطَّهَارَةِ فَصَحَّ سَعْيُ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَكَذَا الصُّعُودُ عَلَيْهِ مَعَ مَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ حَتَّى يُكْرَهَ أَنْ لَا يَصْعَدَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْيَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ فِي فَصْلِ مَكْرُوهَاتِ الطَّوَافِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي وَقْتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا تَأَمَّلْ (فَرْعٌ) غَرِيبٌ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي مَنْسَكِهِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي حَاشِيَةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ الْمَارَّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ اهـ.

ثُمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ حَكَى عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ يَجُوزُ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بَابَ الْعُمْرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي السَّعْيِ قَرِيبًا مَعَ زِيَادَةٍ تُؤَيِّدُ مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ يَوْمَ النَّحْرِ أَغْنَاهُ طَوَافُ الْفَرْضِ عَنْ الْقُدُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُغْنِ طَوَافُ الْعُمْرَةِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْغِنَى عَنْ الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ طَلَبِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبْ إذْ ذَاكَ بَلْ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْقُدُومَ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَنْ الْعُمْرَةِ لِمَا أَنَّ زَمَنَهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ كَرَمَضَانَ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الشُّرْبَ إلَخْ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَيَشْرَبَ مِنْهَا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا، وَقِيلَ يَلْتَزِمُ الْمُلْتَزَمَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ اهـ. مُلَخَّصًا.

قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالثَّانِي هُوَ الْأَسْهَلُ وَالْأَفْضَلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَعُودُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَصَلَاتِهِ إلَى الْحَجَرِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الصَّفَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ زَمْزَمَ، وَالْمُلْتَزَمُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَلَعَلَّ وَجْهَ تَرْكِهِمَا عَدَمُ تَأَكُّدِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ تَقَدُّمِ أَحَدِهِمَا اهـ.

(قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَخِيرَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى اسْتِلَامِ الْحَجَرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَمَا لَا فَلَا عَلَى مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّ

ص: 357

فِيهِ وَاجِبٌ حَتَّى لَوْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيَّ بَابٍ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عليه السلام مِنْ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الصَّفَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَبْوَابِ إلَيْهِ فَكَانَ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ جَاعِلًا بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الصَّفَّا فِي اللُّغَةِ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ وَهُوَ وَالْمَرْوَةُ جَبَلَانِ مَعْرُوفَانِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ الصَّفَا مُذَكَّرًا؛ لِأَنَّ آدَمَ عليه السلام وَقَفَ عَلَيْهِ فَسُمِّيَ بِهِ وَوَقَفَتْ حَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ فَسُمِّيَتْ بِاسْمِ الْمَرْأَةِ فَأُنِّثَ لِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ لِلْحَاجِّ أَنْ لَا يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ لَا يَلِيقُ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلسُّنَّةِ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ، وَاللَّائِقُ لِلْوَاجِبِ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْفَرْضِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اهْبِطْ نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَافْعَلْ عَلَيْهَا فِعْلَك عَلَى الصَّفَا) أَيْ عَلَى الْمَرْوَةِ مِنْ الصُّعُودِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَالْكُلُّ سُنَّةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْهَرْوَلَةَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُمَا شَيْئَانِ عَلَى شَكْلِ الْمِيلَيْنِ مَنْحُوتَانِ مِنْ نَفْسِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَّا أَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْهُ وَهُمَا عَلَامَتَانِ لِمَوْضِعِ الْهَرْوَلَةِ فِي مَمَرِّ بَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.

(قَوْلُهُ وَطُفْ بَيْنَهُمَا سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ تَبْدَأُ بِالصَّفَا وَتَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ، وَقَوْلُهُ تَبْدَأُ بِالصَّفَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ

ــ

[منحة الخالق]

هَذَا الِاسْتِلَامَ لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ السَّعْيَ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً) مَثَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ سُنَّةٌ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا أَنَّهُ سُنَّةٌ مُخَالِفٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ مُسْتَحَبٌّ، فَيَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِهِ بِدُونِ الْإِسَاءَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي التُّحْفَةِ الْأَفْضَلُ لِلْحَاجِّ) أَيْ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُتَمَتِّعُ بِخِلَافِ الْقَارِنِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ خِلَافًا ثُمَّ قَالَ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ أَمَّا الْقَارِنُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ تَقْدِيمُ السَّعْيِ أَوْ يُسَنُّ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ اعْلَمْ أَنَّ السَّعْيَ الْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ يَدْخُلُ وَقْتُهُ عَقِبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَتْبَعُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ رُكْنٌ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُقُوفِ وَإِيقَاعُهُ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لِكَثْرَةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لِمَنْ لَا عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ فِي الْأَصَحِّ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِهِ أَمْ تَقْدِيمُهُ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ عَامٌّ لِأَهْلِ مَكَّة وَغَيْرِهِمْ أَمْ خَاصٌّ بِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ السَّعْيِ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْقُدُومِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا أَفْضَلِيَّتُهُ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَأَمَّا جَوَازُهُ لِمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ مِمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ قُدُومٍ اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَالْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالنِّهَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا الْأَفْضَلِيَّةُ فَصَحَّحَهَا الْكَرْمَانِيُّ وَذَهَبَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّقْدِيمِ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْقَارِنِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَفْضَلِيَّةِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا ذَكَرُوا لَهُ إلَّا التَّقْدِيمَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ بَلْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِنَانِ تَقْدِيمِ السَّعْيِ لَهُ كَذَا فِي الْمُرْشِدِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ فَوْقَ الرَّمَلِ دُونَ الْعَدْوِ أَيْ الْجَرْيِ الشَّدِيدِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي كُلِّ شَوْطٍ بِخِلَافِ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ أَيْضًا بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَلَا اضْطِبَاعَ فِي السَّعْيِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا، وَلَوْ تَرَكَ السَّعْيَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ أَوْ هَرْوَلَ فِي جَمِيعِ السَّعْيِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُلَبِّي فِي السَّعْيِ الْحَاجُّ أَيْ إنْ وَقَعَ سَعْيُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا الْمُعْتَمِرُ وَلَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ تَلْبِيَتَهُ تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ فِي طَوَافِهِ وَلَا الْحَاجُّ إذَا سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِانْقِطَاعِ تَلْبِيَتِهِ بِأَوَّلِ رَمْيِ جَمْرَةٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السَّعْيِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ فُرْجَةً وَإِلَّا تَشَبَّهَ بِالسَّاعِي فِي حَرَكَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ لِعُذْرٍ حَرَّكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا لُبَابٌ وَشَرْحُهُ.

(قَوْلُهُ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يُعْتَدُّ بِالْأَوَّلِ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَرْوَةِ شَرْطٌ لَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ قِيلَ إنَّهُ شَرْطٌ، وَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَالَ شَارِحُهُ الْأَعْدَلُ الْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الْوُجُوبُ فَيَصِحُّ أَدَاؤُهُ لَكِنْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ دُونَ عِقَابِ تَرْكِ الْفَرْضِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ هُنَاكَ (تَنْبِيهٌ)

عَدَّ فِي اللُّبَابِ تَبَعًا لِلْبَدَائِعِ مِنْ شَرَائِطِ السَّعْيِ كَوْنَهُ بَعْدَ طَوَافٍ كَائِنٍ عَلَى طَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا عَنْهُمَا وَقْتَ الطَّوَافِ، لَمْ يَجُزْ سَعْيُهُ رَأْسًا وَاسْتَشْكَلَهُ شَارِحُهُ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الطَّوَافِ فَكَيْفَ تَكُونُ شَرْطًا فِيهِ بَلْ الشَّرْطُ وُقُوعُهُ عَقِيبَ طَوَافٍ صَحِيحٍ لَا بَعْدَ طَوَافٍ كَامِلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبَاتِهِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ

ص: 358

بِالْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الذَّهَابَ إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ وَالْعَوْدَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ «فَلَمَّا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ» وَلَوْ كَانَ مِنْ الصَّفَا إلَى الصَّفَا شَوْطًا لَكَانَ آخِرَ طَوَافِهِ الصَّفَا، وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ وَالرُّجُوعَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ شَوْطٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الذَّهَابَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ مَحْسُوبٌ مِنْ الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ فَأَمَّا الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا هَلْ هُوَ شَوْطٌ آخَرُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُعْتَبَرُ الرُّجُوعُ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطًا آخَرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَوْطٌ آخَرُ اهـ.

وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ بِالْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ طَافَ كَذَا وَكَذَا سَبْعًا الصَّادِقُ بِالتَّرَدُّدِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْغَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى سَبْعًا وَبَيْنَ طَافَ بِكَذَا فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَنْ يَشْمَلَ بِالطَّوَافِ ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإِذَا قَالَ طَافَ بِهِ سَبْعًا كَانَ بِتَكْرِيرِ تَعْمِيمِهِ بِالطَّوَافِ سَبْعًا فَمِنْ هُنَا افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حَيْثُ لَزِمَ فِي شَوْطِهِ كَوْنُهُ مِنْ الْمَبْدَإِ إلَى الْمَبْدَإِ، وَالطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ السَّعْيِ خَتْمًا لَهُ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِفِعْلِهِ عليه السلام لِذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ أَقِمْ بِمَكَّةَ حَرَامًا؛ لِأَنَّك مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ حَتَّى يَأْتِيَ بِأَفْعَالِهِ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْمُحَقِّقُ إلَخْ) وَفِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى كَانَ مَبْدَأُ الطَّوَافِ هُوَ الْمُنْتَهَى دُونَ السَّعْيِ أُجِيبَ بِأَنَّ الطَّوَافَ دَوَرَانٌ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِحَرَكَةٍ دَوْرِيَّةٍ فَيَكُونُ الْمَبْدَأُ وَالْمُنْتَهَى وَاحِدًا بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَهُوَ قَطْعُ مَسَافَةٍ بِحَرَكَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ.

(قَوْلُهُ وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ رَوَى الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ جَاءَ حَتَّى إذَا حَاذَى الرُّكْنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّائِفِينَ أَحَدٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ سُتْرَةٌ» وَعَنْهُ «أَنَّهُ رَآهُ عليه السلام يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ» إلَخْ، وَبَابُ بَنِي سَهْمٍ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ بَابُ الْعُمْرَةِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَكُونُ حَذْوَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ.

وَنَازَعَهُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ السَّعْيِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقْعُدَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ إلَى طَوَافٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِ السُّرُوجِيِّ فِي مَنْسَكِهِ لَيْسَ لِلسَّعْيِ صَلَاةٌ أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الْخَاطِرُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فَمَحْمُولٌ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا أَنَّهَا لِلسَّعْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَا أَحَبَّ حَالَ دُخُولِهِ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ التَّحِيَّةِ فَحَيَّاهُ بِهَا وَحَيْثُ كَانَ دُخُولُهُ عَقِيبَ السَّعْيِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ اشْتَبَهَ الْحَالُ عَلَى مَنْ رَآهُ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَحِيَّةَ هَذَا الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ بِخُصُوصِهِ هُوَ الطَّوَافُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَانِعٌ فَحِينَئِذٍ يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ اهـ.

وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي مِنْ أَنَّ صَلَاتَهُ لِلسَّعْيِ فَمَا الدَّاعِي إلَى الْعُدُولِ عَنْهُ مَعَ مَا عَلِمْته تَأَمَّلْ.

(مُهِمَّةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ أَنَّ مَسَافَةَ مَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا فَعَلَيْهِ فَعِدَّةُ السَّعْيِ خَمْسَةُ آلَافٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا اهـ.

وَفِي الشُّمُنِّيِّ سَبْعُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا عَرْضُ الْمَسْعَى فَحَكَى الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ فِي تَارِيخِهِ نَقْلًا عَنْ تَارِيخِ الْفَاكِهِيِّ أَنَّهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ عَظِيمٌ مَا رَأَيْت أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ الثِّقَاتُ أُدْخِلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى فِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ وَحُوِّلَ ذَلِكَ الْمَسْعَى إلَى دَارِ ابْنِ عَبَّادٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمَكَانُ الَّذِي يُسْعَى فِيهِ الْآنَ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ عَرْضِ الْمَسْعَى الَّذِي سَعَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ غَيْرُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ السَّعْيُ فِيهِ وَقَدْ حُوِّلَ عَنْ مَحِلِّهِ وَلَعَلَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمَسْعَى كَانَ عَرِيضًا وَبُنِيَتْ تِلْكَ الدُّورُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَرْضِ الْمَسْعَى الْقَدِيمِ فَهَدَمَهَا الْمَهْدِيُّ، وَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَتَرَكَ الْبَعْضَ، وَلَمْ يُحَوَّلْ تَحْوِيلًا كُلِّيًّا وَإِلَّا لَأَنْكَرَهُ عُلَمَاءُ الدِّينِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ الْمَدَنِيِّ.

(قَوْلُهُ فَأَفَادَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِأَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِهِ وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ وَيَجْعَلَ إحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْعُمْرَةِ لِيَجْعَلَهَا حَجًّا كَذَا فِي اللُّبَابِ قُبَيْلَ الْجِنَايَاتِ وَفِيهِ وَلَا يَعْتَمِرُ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فَإِنْ فَعَلَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَأَحَلَّ بَعْدَ الْحَلْقِ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الْحَلَالُ قَالَ شَارِحُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِتْيَانُ بِالْعُمْرَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهَا لِكَرَاهَتِهَا فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ لِلْمَكِّيِّ فِي

ص: 359

لَا يَجُوزُ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ إلَّا مَنْ سَاقَ مِنْهُمْ الْهَدْيَ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُتْعَةَ كَانَتْ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّهَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً عَلَى الْعُمُومِ، ثُمَّ نُسِخَتْ كَمُتْعَةِ النِّكَاحِ أَوْ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا أَنَّ «مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ» .

(قَوْلُهُ فَطُفْ بِالْبَيْتِ كُلَّمَا بَدَا لَك) أَيْ ظَهَرَ لَك لِحَدِيثِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ الْمَنْطِقَ» وَالصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَكَذَا الطَّوَافُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْعَى لِكَوْنِهِ لَا يَتَكَرَّرُ لَا وُجُوبًا وَلَا نَفْلًا، وَكَذَا الرَّمَلُ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالطَّوَافُ التَّطَوُّعُ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلِأَهْلِ مَكَّةَ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِزَمَنِ الْمَوْسِمِ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَرِيبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ فِي طَوَافه إذَا لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَاشِيَةِ الْمَطَافِ، وَيَكُونَ طَوَافُهُ وَرَاءَ الشَّاذَرْوَانِ كَيْ لَا يَكُونَ بَعْضُ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ، وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الشَّاذَرْوَانِ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْبَيْتِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الطَّوَافُ عَلَيْهِ، وَهُوَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمُلْصَقَةُ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى فُرْجَةِ الْحِجْرِ قِيلَ بَقِيَ مِنْهُ حِينَ عَمَّرَتْهُ قُرَيْشٌ وَضَيَّقَتْهُ وَفِي التَّجْنِيسِ الذِّكْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الطَّوَافِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُعَزِّيًا لِكَافِي الْحَاكِمِ يُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ دُخُولَ الْبَيْتِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا كَذَا قَالُوا يَعْنِي لَا نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ، وَقَلِيلٌ أَنْ يُوجَدَ هَذَا الشَّرْطُ فِي زَمَنِ الْمَوْسِمِ كَمَا شَاهَدْنَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ اقْتِدَاءً بِهِ عليه السلام، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّاهُ عليه السلام وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إذَا دَخَلَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّيَ وَيَلْزَمَ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَا بِرَفْعِ بَصَرِهِ إلَى السَّقْفِ فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مَا شَاءَ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَعَلِّمْ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) يَعْنِي فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا جُلُوسَ فِيهَا، وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ إبِلَهُمْ فِيهِ لِأَجْلِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام رَأَى فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي مَنَامِهِ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَى فِي النَّهَارِ كُلِّهِ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتَمِرُهُ أَوَّلًا فَلَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُغْرِبِ تَعَيُّنُهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَالْأَصْلُ الْهَمْزَةُ وَأَخْذُهَا مِنْ الرُّؤْيَةِ خَطَأٌ وَمِنْ الرِّيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ، وَأَرَادَ بِالْمَنَاسِكِ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى وَإِلَى عَرَفَةَ وَالصَّلَاةَ فِيهَا وَالْوُقُوفَ وَالْإِفَاضَةَ، وَهَذِهِ أَوَّلُ الْخُطَبِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي الْحَجِّ، وَيَبْدَأُ فِي الْكُلِّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَابْتِدَائِهِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ وَهِيَ خُطْبَةُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى.

(قَوْلُهُ ثُمَّ رُحْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى) وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهِيَ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَحُجُّ فَيَبْقَى مُتَمَتِّعًا مُسِيئًا.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ وَنَصُّهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ لِأَهْلِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَلِلْغُرَبَاءِ الطَّوَافُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهَا أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ بِالصَّلَاةِ لَكِنَّ الْغُرَبَاءَ لَوْ اشْتَغَلُوا بِهَا لَفَاتَهُمْ الطَّوَافُ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ التَّدَارُكِ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ أَوْلَى اهـ. تَأَمَّلْ.

(تَنْبِيهٌ) : هَلْ إكْثَارُ الطَّوَافِ أَفْضُلُ أَمْ إكْثَارُ الِاعْتِمَارِ وَالْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ، وَلِكَرَاهَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إكْثَارَهَا فِي سَنَتِهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ قَوْلُهُمْ إنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ أَدَاءِ أُسْبُوعٍ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ مُشْتَمِلٌ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ بِهِ أَنَّ الزَّمَنَ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ أُسْبُوعًا مِنْ الطَّوَافِ هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهِ أَنْ يَصْرِفَهُ لِلطَّوَافِ أَوْ يَشْغَلَهُ بِالصَّلَاةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ فَتَنَبَّهْ اهـ.

وَفِيهَا عَنْ الْقَاضِي الْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ ظَهِيرَةَ أَنَّ الْأَرْجَحَ تَفْضِيلُ الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ إذَا شَغَلَ مِقْدَارَ زَمَنِ الْعُمْرَةِ بِهِ، وَهَذَا فِي الْعُمْرَةِ الْمَسْنُونَةِ أَمَّا إذَا قِيلَ إنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ هُوَ يَوْمُ الثَّامِنِ) وَالْيَوْمُ التَّاسِعُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقَرُّونَ فِيهِ بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثَ عَشَرَ النَّفْرُ الثَّانِي كَذَا فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ.

(قَوْلُهُ أَيْ تَفَكَّرَ أَنَّ مَا رَآهُ إلَخْ) قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ السُّرُوجِيِّ وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ.

ص: 360

الْحَرَمِ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ مِنْ الْيَوْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسْتَحَبِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَيْهَا بَعْدَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَابْنِ عُمَرَ مَعَ اتِّفَاقِ الرُّوَاةِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى فَالْبَيْتُوتَةُ بِهَا سُنَّةٌ وَالْإِقَامَةُ بِهَا مَنْدُوبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ أَيْضًا، وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَخْرُجُ مَا لَمْ يُصَلِّهَا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مِصْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّلْبِيَةَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا حَالَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَخَارِجَهُ إلَى حَالِ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ، وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَيَدْعُوَا بِمَا شَاءَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) وَهِيَ عَلَمٌ لِلْمَوْقِفِ وَهِيَ مُنَوَّنَةٌ لَا غَيْرُ، وَيُقَالُ لَهَا عَرَفَةُ أَيْضًا وَيَوْمُ عَرَفَةَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام عَرَفَ أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ اللَّهِ فِيهِ أَوْ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَهُ الْمَنَاسِكَ فِيهِ، أَوْ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهِ بَعْدَ الْهُبُوطِ إلَى الْأَرْضِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَيْهَا جَازَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْحُجَّاجُ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَبِيتُ بِمِنًى لِتَوَهُّمِ الضَّرَرِ مِنْ السُّرَّاقِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسِيرَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَنْزِلَ مَعَ النَّاسِ حَيْثُ شَاءَ وَبِقُرْبِ الْجَبَلِ أَفْضَلُ وَالْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَكَانِ تَجَبُّرٌ وَالْحَالُ حَالُ تَضَرُّعٍ وَمَسْكَنَةٍ أَوْ إضْرَارٌ بِنَفْسِهِ أَوْ مَتَاعِهِ أَوْ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمَارَّةِ إنْ كَانَ بِالطَّرِيقِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ بِنَمِرَةَ وَنُزُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَا لَا نِزَاعَ فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اُخْطُبْ) يَعْنِي خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْآذَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُمُعَةِ لِلِاتِّبَاعِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ تَعْلِيمِ الْمَنَاسِكِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا الْمَنَاسِكَ الَّتِي هِيَ إلَى الْخُطْبَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَالْإِفَاضَةُ مِنْهُمَا وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَالذَّبْحُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ مَصْرُوفًا إلَى الْمَعْهُودِ دَلَّ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ عَنْهُ عليه السلام.

(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ) لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَيُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ ثُمَّ يُقِيمُ لَهُ ثُمَّ يُقِيمُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ فَتُفْرَدَ بِالْإِقَامَةِ لِلْإِعْلَامِ.

وَأَشَارَ بِذِكْرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ فَيُقِيمُ بِهَا وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا لَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَكَانِ حُكْمٌ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُهُ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ. قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ وَغَيْرُهُ فِي شُرُوحِهِمْ أَيْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ هُوَ الْأَوْلَى وَلَوْ دَفَعَ قَبْلَهُ جَازَ قُلْت هَذَا حَسَنٌ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يُقَيِّدَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بِأَنْ يَقُولَ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى يَصِحَّ بِنَاءُ قَوْلِهِ وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ تَرْكٌ لِسَهْوِ الْكَاتِبِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الْكَرْخِيِّ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ مِنْ إرْجَاعِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوَجُّهِ بِعَرَفَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَمَّا لَوْ تَوَجَّهَ إلَيْهَا قَبْلَهَا جَازَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهَا حِينَئِذٍ تُوهِمُ أَنَّ التَّوَجُّهَ قَبْلَ الشَّمْسِ كَعِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَا تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مَنَاسِكِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ دُخُولِهِمْ أَرْضَ عَرَفَاتٍ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَيَفُوتُهُمْ بِسَبَبِهِ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الصَّلَوَاتُ بِمِنًى وَالْمَبِيتُ بِهَا وَالتَّوَجُّهُ مِنْهَا إلَى نَمِرَةَ، وَالنُّزُولُ بِهَا وَالْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ قَبْلَ دُخُولِ عَرَفَاتٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَمْكُثُوا بِنَمِرَةَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَيَغْتَسِلُوا بِهَا لِلْوُقُوفِ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَتَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ إلَخْ) بِفَتْحِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَبَلِ الَّذِي حَذَاهُ مَسْجِدُ الْخَيْفِ فِي أَصْلِهِ، وَطَرِيقُهُ فِي أَصْلِ الْمَأْزِمَيْنِ عَنْ يَمِينِك وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى عَرَفَاتٍ وَالْمَأْزِمَانُ مَضِيقٌ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ هَمْزَةٍ وَيَجُوزُ إبْدَالُهَا وَكَسْرِ زَايٍ شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) لَكِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّوْكِ وَغَلَبَةِ الْخَوْفِ وَقِلَّةِ الشَّوْكَةِ لَأَكْثَرَ الْحَاجُّ شَرْحُ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ مِنْ التَّدَافُعِ إذْ لَوْ انْصَرَفَ إلَى الْمَعْهُودِ لَمَا أَفَادَ الْجَوَازَ قَبْلَ الزَّوَالِ اهـ.

أَيْ فَكَمَا أَنَّ الْمَعْهُودَ أَنَّهُ إذَا صَعِدَ

ص: 361

الْعَصْرِ بَعْدَ الظُّهْرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّصْحِيحِ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْتَقِلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ، وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ لِانْقِطَاعِ فَوْرِهِ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ وَفِي اقْتِصَارِهِ فِي بَيَانِ شَرْطِ الْجَمْعِ عَلَى مَا ذُكِرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ لَحِقَ النَّاسَ الْفَزَعُ بِعَرَفَاتٍ فَصَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا، وَذَهَبَ الْإِمَامُ لِيَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الْخَلِيفَةُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ إلَّا فِي وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ هُنَاكَ لَيْسَ لِعَدَمِ الْجَمَاعَةِ بَلْ لِعَدَمِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا، وَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْتَمِّينَ أَوْ يُقَالَ الْجَمَاعَةُ شَرْطُ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ. اهـ.

فَمَا فِي النُّقَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَجْمَعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ ضَعِيفٌ، وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ جَازَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ الْإِمَامَ وَالْإِحْرَامَ بِالتَّعْرِيفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَعْيِينِهِمَا، فَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مَعَ إمَامٍ غَيْرِهِمَا، وَلَوْ مَاتَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْخَلِيفَةُ جَمَعَ نَائِبُهُ أَوْ صَاحِبُ شَرْطِهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْمِنْبَرَ وَجَلَسَ أَذَنَّ الْمُؤَذِّنُ فَكَذَلِكَ الْمَعْهُودُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ) ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَكَذَا يُنَافِي إطْلَاقَ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ اهـ.

وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مِنْ الْإِمَامِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الْعَصْرِ، وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ أَدَاءِ الْعَصْرِ وَلَوْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ اهـ.

مِنْ اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالِاشْتِغَالِ بَيْنَهُمَا بِفِعْلٍ آخَرَ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ. (تَنْبِيهٌ)

نَقَلَ الْمَدَنِيُّ عَنْ إجَابَةِ السَّائِلِينَ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ صَادِقُ بْنُ أَحْمَدَ بَادْشَاهْ عَنْ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ فِيمَا بَيْنَ كُلٍّ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُمَا لَمْ يَشْتَرِطَا شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ أَمْ لَا يَجِبُ؟ وَهَلْ إذَا أَتَوْا بِهِ يُعَدُّ قَاطِعًا لِفَوْرِ الْأَذَانِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ أَعْنِي الْعَصْرَ بَعْدَ الظُّهْرِ فَوْرًا وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِي مُرَاعَاتِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ حَتَّى لَوْ فُقِدَتْ بِالِاشْتِغَالِ بِعَمَلِ عِبَادَةً كَانَ أَمْ لَا كُرِهَ وَأُعِيدَ الْأَذَانُ لِلْعَصْرِ وَالْإِقَامَةُ لِلْعِشَاءِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُرُودِهَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم اهـ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ التَّكْبِيرِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى النَّافِلَةِ لِوُجُوبِهِ، وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ يَسِيرَةٌ وَلِذَا لَمْ يُعَدَّ فَاصِلًا بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالرَّاتِبَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّكْبِيرَ بَعْدَ ثُبُوتِ وُجُوبِهِ عِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ هُنَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَمَا ذَكَرَ لَا يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ كَمَا عَلِمْته هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ فَمَا فِي النُّقَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ اشْتِرَاطَ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَزَعِ فَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ إنَّمَا جَازَ لَهُ الْجَمْعُ ضَرُورَةً كَمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا إذَا نَفَرُوا لَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ اهـ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ: قُلْت اخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا حَيْثُ قَالَ وَلَوْ نَفَر النَّاسُ عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ فَصَلَّى وَحْدَهُ الصَّلَاتَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا الْإِمَامُ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا تَرِدُ مَسْأَلَةُ الْفَزَعِ أَصْلًا وَلَا تَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ قَطْعًا، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْأَوْلَى بِالْقَبُولِ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ فَالْأَوَّلُ مَا سَبَقَ أَنَّ مَنْ صَلَّاهُمَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُحْرِمًا يَجْمَعُ وَمَنْ لَا فَلَا عِنْدَهُ، وَالثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِمَامِ عَيْنُ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اشْتِرَاطُ أَدَائِهَا مَعَهُ لَا اشْتِرَاطُ وُجُودِهِ فِي الْمَوْقِفِ، وَإِلَّا لَصَحَّ جَمْعُ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَوْقِفِ مُنْفَرِدًا، وَلَيْسَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ بَلْ مَذْهَبَ الصَّاحِبَيْنِ فَاشْتِرَاطُهُمْ الْإِمَامَ يُعَيِّنُ اشْتِرَاطَ الْجَمَاعَةِ مَعَهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَخْصِيصُهُمْ جَوَازَ الْجَمْعِ مُنْفَرِدًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَقَطْ وَتَعْلِيلُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِي حَقِّهِ وَأَكْثَرُهُمْ بِالضَّرُورَةِ فَعَلَى هَذَا فَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّهِ فَتَسْقُطُ بِالضَّرُورَةِ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ فَلَا تَسْقُطُ بِحَالٍ.

(قَوْلُهُ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا) لَكِنْ إنْ كَانَ مُقِيمًا كَإِمَامِ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا لِلْحَاجِّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ يَقُولُ الْعَجَبُ مِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ يُتَابِعُونَ إمَامَ مَكَّةَ فِي الْقَصْرِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخَانِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُمْ، وَأَنَّى يُرْجَى لَهُمْ الْخَيْرُ وَصَلَاتُهُمْ غَيْرُ جَائِزَةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كُنْت مَعَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَاعْتَزَلْت وَصَلَّيْت كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَأَوْصَيْت بِذَلِكَ أَصْحَابِي، وَقَدْ سَمِعْنَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ وَيَخْرُجُ مَسِيرَةَ سَفَرٍ ثُمَّ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَلَوْ كَانَ هَكَذَا فَالْقَصْرُ جَائِزٌ

ص: 362

لِأَنَّ النُّوَّابَ لَا يَنْعَزِلُونَ بِمَوْتِ الْخَلِيفَةِ، وَالْأَصْلِيُّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ يُصَلِّي الْعَصْرَ فِي وَقْتِهِ عِنْدَهُ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا فِي كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا فِي الْعَصْرِ وَحْدَهَا حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِي الظُّهْرِ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فِي الظُّهْرِ، وَأَطْلَقَ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِجَمِيعِ أَدَاءِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْهُ مَعَهُ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ

وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ فَجُوِّزَ لِلْمُنْفَرِدِ الْجَمْعُ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى الظُّهْرَ إشَارَةٌ إلَى الصَّحِيحَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظُّهْرِ أَعَادَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ عُدِمَ شَرْعًا، وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ هَذَا الْجَمْعِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمَوْقِفِ وَقِفْ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَالْمُرَادُ بِالْجَبَلِ جَبَلُ الرَّحْمَةِ (قَوْلُهُ وَعَرَفَاتٌ كُلِّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «عَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَشِعَابُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَفِي الْمُغْرِبِ عُرَنَةُ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِيَتْ عُرَيْنَةُ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ

وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا بِغَرْبِيِّ مَسْجِدِ عَرَفَةَ حَتَّى لَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْجِدَارَ الْغَرْبِيَّ مِنْ مَسْجِدِ عَرَفَةَ لَوْ سَقَطَ سَقَطَ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ، وَحَكَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ عَرَفَةَ فِي الْحِلِّ وَعُرَنَةَ فِي الْحَرَمِ.

(قَوْلُهُ حَامِدًا مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا دَاعِيًا) أَيْ قِفْ حَامِدًا إلَى آخِرِهِ لِحَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَكَانَ عليه السلام يَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ عليه السلام دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِأُمَّتِهِ بِالْمَغْفِرَةِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ ثُمَّ أَعَادَ الدُّعَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأُجِيبَ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَإِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ سَاقِطُ الِاحْتِجَاجِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحُفَّاظُ لَكِنَّ لَهُ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ فُلَانٌ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إلَيْهِنَّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

ــ

[منحة الخالق]

وَإِلَّا لَا فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ تَتَارْخَانِيَّةُ عَنْ الْمُحِيطِ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الْإِحْرَامُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الشرنبلالية عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ شَارِحُ اللُّبَابِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَقَالَ فِيهِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ وَيُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ رضي الله عنه حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الزَّوَالِ فَلَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقَفَ بِقُرْبِ الْجَبَلِ) أَيْ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ الصَّخَرَاتُ السُّودُ الْكِبَارُ الْمُفْتَرِشَاتُ فِي طَرَفَيْ الْجُبَيْلَاتِ الصِّغَارِ الَّتِي كَأَنَّهَا الرَّوَابِي الصِّغَارُ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَ نَاقَتِهِ إلَى الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَكَانَ مَوْقِفُهُ عِنْدَ النَّابِتِ.

قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّابِتُ هُوَ الْفَجْوَةُ الَّتِي خَلْفَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ضِرْسٍ مُضَرَّسٍ بَيْنَ أَحْجَارٍ هُنَاكَ نَاتِئَةٌ مِنْ جَبَلِ الْآلِ قَالَ الْفَارِسِيُّ قَالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ وَقَدْ اجْتَهَدْت عَلَى تَعْيِينِ مَوْقِفِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَوَافَقَنِي عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ، وَأَنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِصَخَرَاتِ الْجَبَلِ، وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَتَك بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلْت الْقِبْلَةَ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِك بِقَلِيلٍ وَرَاءَ فَإِنْ ظَفِرْت بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فَلَازِمْهُ وَلَا تُفَارِقْهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْك فَقِفْ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ وَالْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ عَلَى جَمِيعِ الصَّخَرَاتِ وَالْأَمَاكِن الَّتِي بَيْنَهُمَا وَعَلَى سَهْلِهَا تَارَةً وَعَلَى جَبَلِهَا تَارَةً لَعَلَّك أَنْ تُصَادِفَ الْمَوْقِفَ النَّبَوِيَّ كَذَا فِي الْمُرْشِدِيِّ عَلَى الْكَنْزِ، وَقَالَ الْقَاضِي مُحَمَّدٌ عِيدٌ وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَطْبَخِ آدَمَ عليه السلام وَقَدْ وَقَفْت بِمَوْقِفِهِ عليه السلام مِرَارًا كَثِيرَةً، وَحَصَلَ لِي مِنْهُ خُشُوعٌ عَظِيمٌ وَيُعْرَفُ بِحِذَائِهِ صَخْرَةٌ مَخْرُوقَةٌ تَتْبَعُ هِيَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ الصَّخَرَاتِ الْمَفْرُوشَةِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ الصِّخَارِ السُّودِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجَبَلِ هُنَا الْمَطْلُوبُ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) ظَاهِرُ هَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مُزْدَلِفَةَ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَنَّ الْمَكَانَيْنِ لَيْسَا بِمَكَانِ وُقُوفٍ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي

ص: 363

ابْنَ أَخِي إنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ غُفِرَ لَهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مَرْفُوعًا «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إلَّا مَا رُئِيَ يَوْمَ بَدْرٍ فَإِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ» فَإِنَّهَا تَقْتَضِي تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَكِنْ ذَكَرَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ الذُّنُوبَ السَّالِفَةَ تُحْبَطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً، وَتَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ وَحُقُوقَ الْعِبَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرْبِيِّ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَأَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَ صلى الله عليه وسلم الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ تَأْكِيدًا فِي بِشَارَتِهِ وَتَرْغِيبًا فِي مُبَايَعَتِهِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يُكَفِّرَانِ الْمَظَالِمَ، وَلَا يُقْطَعُ فِيهِمَا بِمَحْوِ الْكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا يُكَفِّرَانِ الصَّغَائِرَ

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ وَالْكَبَائِرُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا كَالْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُشَكُّ أَنَّ ذِكْرَهُمَا كَانَ لِلتَّأْكِيدِ اهـ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ إنَّ الشَّارِحِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ، وَأَنَّ الْحَجَّ لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِتَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَضْلًا عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّكْفِيرِ لِلْكُلِّ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الدَّيْنَ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ وَالزَّكَاةِ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ إثْمَ مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ يَسْقُطُ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إذَا مَطَلَ صَارَ آثِمًا الْآنَ، وَكَذَا إثْمُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوْقَاتِهَا يَرْتَفِعُ بِالْحَجِّ لَا الْقَضَاءُ ثُمَّ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ يُطَالَبُ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ آثِمًا عَلَى الْقَوْلِ بِفَوْرِيَّتِهِ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمُقْتَضَى عُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَجِّ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُلَبِّيًا إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ يَقْطَعُهَا إذَا وَقَفَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ تُحْبَطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْحَجِّ) أَيْ بِمَجْمُوعِ الثَّلَاثَةِ لَا بِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ إثْمَ مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ يَسْقُطُ إلَخْ) أَقُولُ: بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَخَّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَهِيَ التَّأْخِيرُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا مَطَلَ الدَّيْنَ، وَكَذَا إذَا قَتَلَ أَحَدًا ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعَبْدِ مُخَالِفًا نَهْيَ الرَّبِّ تَعَالَى وَوَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْ تَسْلِيمُ الدِّيَةِ وَكَذَا نَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ مَعْصِيَةً يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حُقُوقِ الْعَبْدِ فَمَا وَرَدَ مِنْ تَكْفِيرِ الْحَجِّ لِلْكَبَائِرِ، وَالْمُرَادُ تَكْفِيرُهُ لِلْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ وَمَطْلِ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ

وَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاصِي مِنْ لُزُومِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقِصَاصِ أَوْ تَسْلِيمِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ إنَّمَا يَكُونُ لِلذَّنْبِ وَهَذِهِ وَاجِبَاتٌ لَا ذُنُوبٌ حَتَّى تَسْقُطَ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تِلْكَ الذُّنُوبِ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَنْبٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِفِعْلِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَمَنْ غَصَبَ شَيْئًا ثُمَّ تَابَ لَا تَتِمُّ تَوْبَتُهُ إلَّا بِضَمَانِ مَا غَصَبَ فَمَا بَالُك بِالْحَجِّ الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا لَا تَتِمُّ تَوْبَتُهُ إلَّا بِفِعْلِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْغَصْبِ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَوْ غَصَبَ وَتَابَ عَنْ فِعْلِ الْغَصْبِ الْمَذْكُورِ وَحَبَسَ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَهُ وَمَنَعَ صَاحِبَهُ عَنْهُ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ إلَى صَاحِبِهِ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَإِنْ بَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً بِهِ إلَى أَنْ يَرُدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ تَتِمُّ تَوْبَتُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَطْلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَجَّ كَالتَّوْبَةِ فِي تَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِحُقُوقِ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحَقِّ أَحَدٍ أَيْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا وَاجِبٌ آخَرُ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَيُكَفِّرُ الْحَجُّ الذَّنْبَ وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ ذَنْبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حَقُّ أَحَدِهِمَا كَمَا قَرَّرَنَا، وَإِلَّا فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ فَإِنَّ بِهِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ وَتَنْدَفِعُ الشُّبْهَةُ وَالْأَوْهَامُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ فِي التَّوْحِيدِ فَقَالَ إنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» لَا يَتَنَاوَلُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقَ عِبَادِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَيْسَتْ ذَنْبًا، وَإِنَّمَا الذَّنْبُ الْمَطْلُ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْقَاطِ صَاحِبِهِ فَاَلَّذِي يَسْقُطُ إثْمُ مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ

ص: 364

فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ.

الثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتِهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلَيْسَ الْقِيَامُ مِنْ شَرْطِهِ وَلَا مِنْ وَاجِبَاتِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ جَالِسًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ الْمَفْرُوضَ هُوَ الْكَيْنُونَةُ فِيهِ، وَكَذَا النِّيَّةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ وَوَاجِبُهُ الِامْتِدَادُ إلَى الْغُرُوبِ وَأَمَّا سُنَنُهُ فَالِاغْتِسَالُ لِلْوُقُوفِ وَالْخُطْبَتَانِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَتَعْجِيلُ الْوُقُوفِ عَقِيبَهُمَا، وَأَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا لِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى الدُّعَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مُتَوَضِّئًا لِكَوْنِهِ أَكْمَلَ، وَأَنْ يَقِفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ فِي مَوْقِفِهِ طَرِيقَ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهِمْ لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ، وَأَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ السُّودِ مَوْقِفَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ يَقِفُ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ، وَتَرْجِيحُهُمْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي صُعُودِ هَذَا الْجَبَلِ فَضِيلَةً تَخْتَصُّ بِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ أَرَاضِي عَرَفَاتٍ غَيْرَ مَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَفْضَلُ إلَّا الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فَإِنَّهُمَا قَالَا بِاسْتِحْبَابِ قَصْدِ هَذَا الْجَبَلِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ. قَالَ وَهُوَ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا قَالَاهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ

كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّلْبِيَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَيُكْثِرُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالتَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمُخَالَفَاتِ مَعَ النَّدَمِ بِالْقَلْبِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الْبُكَاءَ مَعَ الذِّكْرِ فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ، وَتُسْتَقَالُ الْعَثَرَاتُ وَتُرْتَجَى الطَّلَبَاتُ، وَأَنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُخْلَصِينَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ الدُّنْيَا، وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمُ

ــ

[منحة الخالق]

فِي أَرْضِ عَرَفَاتٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا رُكْنُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ بِدُونِهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مُفْطِرًا) عَدَّ فِي اللُّبَابِ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْوُقُوفِ الصَّوْمُ لِمَنْ قَوِيَ وَالْفِطْرُ لِلضَّعِيفِ. قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ قَالَ شَارِحُهُ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِئَلَّا يُسِيءَ خُلُقَهُ فَيُوقِعَهُ فِي مَحْذُورٍ أَوْ مَحْظُورٍ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ مَعَ كَمَالِ الْقُوَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدًا عَنْ صَوْمِهِ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ وَكَذَا صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْجِزُهُ عَنْ أَدَاءِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ الْأَغْلَبِ فَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْكَرْمَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجِّ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ عِنْدَنَا إلَّا إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ فَحِينَئِذٍ تَرْكُهُ أَوْلَى وَفِي الْفَتْحِ إنْ كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْوُقُوفِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَنْ يَقِفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ) عِبَارَةُ مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ قَالَ الْمَدَنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِمَامِ هُنَا بَلْ يَنْبَغِي الرُّكُوبُ لِكُلِّ وَاقِفٍ فِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ يُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَانُوا يَقْتَدُونَ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِأَنَّهُ مَتَى وَقَفَ رَاكِبًا يَكُونُ قَلْبُهُ فَارِغًا مِنْ جَانِبِ الدَّابَّةِ فَيَكُونُ قَلْبُهُ فِي الدُّعَاءِ أَسْكَنَ وَفِي الْمُنَاجَاةِ أَخْلَصَ، قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ ثُمَّ قَالَ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ نَقْلًا عَنْ مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ إلَّا فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُسْتَثْنًى عَمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ مَسَاطِبَ يُجْلَسُ عَلَيْهَا اهـ.

وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الْعَجَمِيِّ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْكَبٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ قَائِمًا فَإِذَا أَعْيَا جَلَسَ وَلَوْ وَقَفَ جَالِسًا جَازَ اهـ.

وَمَفْهُومُ عِبَارَةِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَمْ يَرْكَبْ يَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ فَافْهَمْ وَإِلَّا فَقَاعِدًا وَهُوَ يَلِي الْقِيَامَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْمَنَاسِكِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَخْرَجَهُ رَزِينٌ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ أَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعَمَلَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ. الرَّابِعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. الْخَامِسُ مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا يُخْتَارُ لَهُ الْأَفْضَلُ. قَالَ وَالِدِي أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَسَأَلَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَقَالَ قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ؟ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ فِي يَوْمِ

ص: 365

عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غُفِرَ لِكُلِّ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ بَلْ وَمِنْ الْمُبَاحِ أَيْضًا فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَاوَزَ حُدُودَ عَرَفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَبْطَأَ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّ النَّاسَ يَدْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوَافَقَةَ فِي مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِخَوْفِ الزِّحَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَانَ مُسِيئًا لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ، وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً أَسْرَعَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مُزْدَلِفَةَ مَاشِيًا، وَأَنْ يُكَبِّرَ وَيُهَلِّلَ وَيَحْمَدَ وَيُلَبِّيَ سَاعَةً فَسَاعَةً.

(قَوْلُهُ وَانْزِلْ بِقُرْبِ جَبَلِ قُزَحَ) يَعْنِي الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَدْلِ وَالْعَلَمِيَّةِ كَعُمَرَ مِنْ قَزَحَ الشَّيْءُ ارْتَفَعَ يُقَالُ إنَّهُ كَانُونُ آدَمَ عليه السلام وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَا يَنْبَغِي النُّزُولُ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَا الِانْفِرَادُ عَلَى النَّاسِ فَيَنْزِلُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ وَرَاءَ الْإِمَامِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

(قَوْلُهُ وَصَلِّ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) أَيْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعَ تَأْخِيرٍ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ عليه السلام أَذَّنَ لِلْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ فَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْإِقَامَةِ الْأُولَى» .

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَهُمَا بِعَمَلٍ آخَرَ وَفِي الْهِدَايَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَادَ الْأَذَانُ كَمَا فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِإِعَادَةِ الْإِقَامَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْمَغْرِبَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ تَعَشَّى ثُمَّ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ بِالْعِشَاءِ» وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بِسَبَبِ النُّسُكِ فَيَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا شُرِطَ فِي الْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ تَقَعُ أَدَاءً فِي وَقْتِهَا، وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ بِجَمَاعَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بَلْ يُنِيخُ جِمَالَهُ وَيَعْقِلُهَا، وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إحْيَائِهَا بِالصَّلَاةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) أَيْ لَمْ تَحِلَّ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مُزْدَلِفَةَ لِلْحَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» قَالَهُ حِينَ قَالَ قِيلَ لَهُ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ فِي طَرِيقِ مُزْدَلِفَةَ أَيْ وَقْتَهَا فَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِعَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِشَاءَ لَا تَحِلُّ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَةَ الْوَقْتِ وَهِيَ الْمَغْرِبُ إذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ بِهِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ طُلُوعَ الْفَجْرِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّهِمَا لَصَارَتَا قَضَاءً، وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَدَاؤُهُمَا بِالطَّرِيقِ فَإِذْ صَلَّاهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ فَكُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَهَا وَجَبَ إعَادَتُهَا فَيَجِبُ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَإِنْ طَلَعَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا

ــ

[منحة الخالق]

الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ نُورِ الدِّينِ الزِّيَادِيِّ الشَّافِعِيِّ.

(قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أَيْ بَلْ يُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرَ بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ السَّامِي فِي مَنْسَكِهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِلْقَارِي. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) لَا أَصْلَ لِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبَ قَضَاءً) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْمَغْرِبِ الْأَدَاءَ لَا الْقَضَاءَ. اهـ.

قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ الْآتِي، وَلَمَّا كَانَ وَقْتُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَقْتَ الْعِشَاءِ إلَخْ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الدَّلِيلَ الظَّنِّيَّ أَفَادَ تَأْخِيرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَيْ عَدَمِ خُرُوجِهِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَرَفَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي شَرَفِهَا عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ كُنْت مِمَّنْ مَالَ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهَا أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَجُزْ الْمَغْرِبُ فِي الطَّرِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهَاوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ذَهَبَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ طَرِيقِهَا أَمَّا إذَا ذَهَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَوَقُّفٍ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِذَلِكَ سِوَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَكَلَامُ شَارِحِ الْكَنْزِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهِيَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ اهـ.

وَكَذَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْبِنَايَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا اهـ.

كَذَا وَجَدْته بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ الْكَنْزِ، وَقَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْعِنَايَةِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَأَقَرَّهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَلَى الدُّرِّ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ هَاهُنَا مَسْأَلَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ

ص: 366

وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْعِشَاءَ عَلَى الْمَغْرِبِ بِمُزْدَلِفَةَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُعِيدُ الْعِشَاءَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْعِشَاءَ حَتَّى انْفَجَرَ الصُّبْحُ عَادَ الْعِشَاءُ إلَى الْجَوَازِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا خَمْسًا، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْمَتْرُوكَةِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ صَلَّى السَّادِسَةَ عَادَ إلَى الْجَوَازِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ صَرَّحُوا فِي كُتُبِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْحِلِّ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَكَانَ أَدَاءً إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ وَقَضَاءً إنْ كَانَ خَارِجَهُ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْحِلِّ لَزَالَ الِاشْتِبَاهُ وَحَاصِلُ دَلِيلِهِمْ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْحِلِّ أَنَّهُ ظَنِّيٌّ مُفِيدٌ تَأْخِيرَ وَقْتِ الْمَغْرِبِ فِي خُصُوصِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيمُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ فَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْقَطْعِيِّ، وَبَعْدَهُ انْتَفَى إمْكَانُ تَدَارُكِ هَذَا الْوَاجِبِ، وَتَقَرَّرَ الْمَأْثَمُ إذْ لَوْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بَعْدَهُ كَانَ حَقِيقَتُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا هُوَ مُؤَقَّتٌ قَطْعًا، وَفِيهِ التَّقْدِيمُ الْمُمْتَنِعُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ فَإِذَا فَاتَ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ، وَمَرْجِعُهُ إلَى تَقْدِيمِ الْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ

ــ

[منحة الخالق]

فِيهِ تَفْوِيتَ التَّرْتِيبِ وَهُوَ فَرْضٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَرْتِيبِ الْوِتْرِ عَلَى الْعِشَاءِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى سَاقِطِ التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَوْدِهَا إلَى الْجَوَازِ إذَا صَلَّى خَمْسًا بَعْدَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقْتُهُمَا وَقْتُ الْعِشَاءِ فَهُمَا صَلَاتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا قَالُوا هُنَاكَ وَلَا يُقَدَّمُ الْوِتْرُ عَلَى الْعِشَاءِ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِأَنَّ وَقْتَ الْوِتْرِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْعِشَاءَ وَصَلَّى الْوِتْرَ جَازَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ فَصَارَ كَفَرْضَيْنِ اجْتَمَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَالْقَضَاءَيْنِ أَوْ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي تَقْدِيمِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ عَلَى الْمَغْرِبِ هُنَا كَذَلِكَ إذْ لَا مُوجِبَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَبِانْفِجَارِ الصُّبْحِ لَمْ تَدْخُلْ الْفَوَائِتُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ. اهـ. .

قُلْت: وَهَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ الْمُتَبَادَرُ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ هُنَا أَيْضًا وَلِذَا قَالَ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ تُزَادُ هَذِهِ عَلَى مَا يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ (قَوْلُهُ وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ الصِّحَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا اهـ.

وَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «الصَّلَاةُ أَمَامَك» أَيْ وَقْتَهَا أَفَلَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ لَا يُتَوَهَّمُ وَالْجَوَازُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ، وَإِذَا قُلْنَا أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الصِّحَّةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قُلْنَا أَنَّى يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْحِلِّ بَعْدَ دُخُولِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالتَّوَهُّمُ هُنَا لَا يُنْكَرُ (قَوْلُهُ لَكَانَ أَدَاءً) أَيْ لَكَانَ فِعْلُهَا ثَانِيًا أَدَاءً إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَحَاصِلُ دَلِيلِهِمْ إلَخْ) خَطَرَ لِي هُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُفِيدَ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا، وَكَانَ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَقْتِ قَطْعِيًّا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَنْ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْقَطْعِيِّ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الظَّنِّيِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ جَوَازِ تَأْخِيرِهِ بَلْ بِوُجُوبِهِ وَلَا مَحِيصَ حِينَئِذٍ إلَّا بِدَعْوَى عَدَمِ ظَنِّيَّةِ الْحَدِيثِ أَوْ عَدَمِ قَطْعِيَّةِ دَلَالَةِ الْآيَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتِمُّ قَوْلُهُ فَعَمِلْنَا بِمُقْتَضَاهُ إلَخْ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ بَحْثُ الْمُحَقِّقِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعِنَايَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْآحَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ، وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَعَمِلُوا بِهِ فَجَازَ أَنْ يُزَادَ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقُولُ: قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] الْآيَةُ وَنَحْوُهَا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتًا وَتَعْيِينُهَا ثَبَتَ إمَّا بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ أَوْ بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ فَجَازَ أَنْ يُعَارِضَهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ ثُمَّ يُعْمَلَ بِفِعْلِهِ عليه السلام وَهُوَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِالْمُزْدَلِفَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقْتَهُ. اهـ.

وَالْأَحْسَنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَطْعِيَّةِ تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ بَعِيدٌ لِثُبُوتِهِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام بَلْ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ إذَا فَسَّرَ دُلُوكَ الشَّمْسِ بِغُرُوبِهَا كَمَا فِي السَّعْدِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشَكَّكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْ أَوْرَدَ إشْكَالًا مِنْ جَانِبِهِ عَلَى صَاحِبَيْهِ بِأَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ الَّتِي صَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ أَمَّا إنْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَجَبَتْ فِيهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فَاسِدًا لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِمُضِيِّ الْوَقْتِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْقُوفٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ اهـ.

هَذَا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يُجْزِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رحمه الله وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَقَدْ أَسَاءَ. اهـ.؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ لَا مِنْ الْجَوَازِ وَاَلَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْحِلِّ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً إلَخْ جَوَابُهُ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْبُطْلَانَ غَيْرُ بَاتٍّ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَتَنْظِيرُهُ بِمَنْ تَرَكَ الظُّهْرَ إلَخْ فَإِنَّ الْبُطْلَانَ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ غَيْرُ بَاتٍّ نَعَمْ ظَاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ نَظَرَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ هُنَا بِمَا إذَا صَلَّى

ص: 367

وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فِي نَظِيرِ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ نَحْكُمُ بِإِجْزَائِهَا، وَيَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ آخِرُ اللَّيْلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَاعِيًا رَبَّك بِحَاجَتِك وَقِفْ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إنْ أَمْكَنَك، وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِسُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ هَذَا الْوَاجِبَ بَلْ كُلَّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ لِلْعُذْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرَّجُلَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ جَازَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَوْ مَرَّ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَبَلِ قُزَحَ فَقِيلَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَقِيلَ الْمَشْعَرُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمُزْدَلِفَةَ وَهِيَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهَا كَمَا لَوْ وَقَفَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ قَبْلَ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ شُرِعَتْ لِلتَّأَهُّبِ لِلْوُقُوفِ، وَلَمْ تُشْرَعْ نُسُكًا.

(قَوْلُهُ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ أَيْ عَيِيَ وَكَّلَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ إنَّ وَادِيَ مُحْسِرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ التَّزَلُّفِ، وَالِازْدِلَافُ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا وَحْدَهَا مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ مَكَانَ الْوُقُوفِ كَبَطْنِ عُرَنَةَ فِي عَرَفَاتٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا فَقَطْ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِي الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ مُسَمَّى الْمَكَانَيْنِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَفَسَّرَ الْأَسْفَارَ بِأَنْ تَدْفَعَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عليه السلام وَالدُّعَاءِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام فَعَلَ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي

ــ

[منحة الخالق]

الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ) . نَقَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَيْضًا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ هَذَا الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا أَوْ الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ بَعْدَمَا جَاوَزَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُ وَقَدْ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَتْ إلَى الْجَوَازِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَفَ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته فِي بَعْضِهَا وَعَلَيْهِ كَتَبَ فِي النَّهْرِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِالسُّنِّيَّةِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ثُمَّ قَالَ وَيَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْمَبِيتِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ذَهَبَ إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْمَبِيتِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ) قَالَ فِي شَرْحِ النَّوَازِلِ الْمَأْزِمُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ

ص: 368

بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) أَيْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ، وَالْجِمَارُ هِيَ الصِّغَارُ مِنْ الْحِجَارَةِ جَمْعُ جَمْرَةٍ وَبِهَا سَمَّوْا الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُرْمَى جِمَارًا وَجَمَرَاتٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَقِيلَ لِتَجَمُّعِ مَا هُنَالِكَ مِنْ الْحَصَى مِنْ تَجَمُّرِ الْقَوْمِ إذَا تَجَمَّعُوا وَجَمَرَ شَعْرَهُ إذَا جَمَعَهُ عَلَى قَفَاهُ وَالْخَذْفُ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَنْ تَرْمِيَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَأْخُذُهُ بَيْنَ سَبَّابَتَيْك وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى كَيْفَ أَرَادَ جَازَ وَلَوْ رَمَى مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ قَيَّدَ بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالطَّرْحُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ فَيَكُونُ مُجْزِئًا إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَمَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنهمَا هَذَا الْقَدْرُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَة يَكْفِيهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَانِ مَخْصُوصٍ، وَالْقَرِيبُ عَفْوٌ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمِلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَحْمِلِ أَوْ عَنْ ظَهْرِ الرَّجُلِ فِي سُنَنِهَا ذَلِكَ أَجْزَأَهُ

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَحَصَى الْخَذْفِ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّبْعِ لِمَنْعِ النَّقْصِ لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَيْ الْمَكَانُ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ) تَفْسِيرٌ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية عَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ اهـ.

قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرَ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشْرَةً وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ، وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرْفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ اهـ.

وَكَذَا نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي السِّرَاجِ عَنْ النِّهَايَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الثَّانِيَ مِمَّا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ هَذَا فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْكَمَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الشرنبلالية (قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ إلَخْ) هَذَا تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ إلَخْ) أَيْ قَدْرَ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ اعْتِبَارًا لِلْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَقُدِّرَ الْقَرِيبُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَالْبَعِيدُ بِمَا فَوْقَهَا وَقِيلَ الْقَرِيبُ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ إلَخْ) فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الشَّاخِصِ أَيْ أَطْرَافِ الْمِيلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ لِلْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى قُبَّةِ الشَّاخِصِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِلْبُعْدِ لُبَابٌ وَفِيهِ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَفْضِ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَا لَوْ رَمَى وَشَكَّ فِي وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُعِيدَ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً إلَخْ) وَفِي الْكَرْمَانِيِّ إذَا وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوَاضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَسْوَاطِ الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ شَرْحُ اللُّبَابِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُصَنِّفِ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْإِطْلَاقُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ نَازَعَهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لِمَنْ أَحْسَنَ النَّظَرَ فَرَاجِعْهُ وَتَبَصَّرْ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْمُرْشِدِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ وَلَا الرَّمْيُ بِالرِّجْلِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ تُوضَعُ الْحَصَاةُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا، وَإِنْ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَفِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ غَيْرِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ يَضُرَّهُ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ يُكْرَهُ، وَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ إذَا رَمَاهُ عَنْ قَصْدٍ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي السَّابِعِ وَرَمَاهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الثَّامِنُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ نَاقَضَهُ فِي الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَا يَضُرُّهُ اهـ.

أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَصْدِ فَلَا تَنَاقُضَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ السَّبْعَ هُوَ الْمَسْنُونُ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فَتُكْرَهُ لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً وَإِلَّا فَلَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى قَالُوا لَوْ زَادَ الرَّمْيَ عَلَى السَّبْعِ هَلْ يُنْدَبُ أَوْ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ طَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ هَكَذَا نَقَلَ الْخِلَافَ اهـ.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَوْ زَادَ عَلَى سَبْعِ حَصَيَاتٍ لَا أَجْرَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ قَالَ الْقَاضِي عِيدٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَيُكْرَهُ رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ

ص: 369

يَضُرُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا نُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ إعْزَازٌ لَا إهَانَةَ، وَكَذَا التَّقْيِيدُ بِحَصَى الْخَذْفِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرْمَى بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ رَمَى صَحَّ وَكُرِهَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْضِعَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْحَصَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَلْيَأْخُذْهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنْ قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ تَنْزِيهًا؛ لِأَنَّهُ حَصَى مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَإِنَّهُ مَنْ قُبِلَ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ طَهَارَةُ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ النَّجِسِ، وَالْأَفْضَلُ غَسْلُهَا وَفِي مَنَاسِكِ الْحَصِيرِيِّ جَرَى التَّوَارُثُ بِحَمْلِ الْحَصَى مِنْ جَبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَيُحْمَلُ مِنْهُ سَبْعِينَ حَصَاةً قَالَ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ يَدْفَعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ حَصَاةً، وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا اهـ.

كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ

ــ

[منحة الخالق]

كَذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهُ عليه الصلاة والسلام، وَرُبَّمَا اتَّخَذَهَا الْجُهَّالُ نُسُكًا اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ يُعْطِي جَوَازَهُ بِالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ وَمَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ بِالْمَرْمَى، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْغَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ جَزَمَا بِجَوَازِهِ بِالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ يَعْنِي كِبَارَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَنُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ اهـ.

وَفِي الشرنبلالية قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ الْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا اهـ.

فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الزَّيْلَعِيِّ وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيَتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ اهـ.

بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ اسْتَثْنَى الْجَوَاهِرَ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَاهِرَ الْعَيْنِيُّ وَلَا الشُّمُنِّيُّ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بَلْ الْأَحْجَارُ النَّفِيسَةُ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْهَا وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ تَفْرِقَةُ الزَّيْلَعِيِّ بَيْنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ إلَّا مَحْضُ تَحَكُّمٍ اهـ.

لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْغَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَهِيَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤ، وَبِهِ انْدَفَعَ التَّحَكُّمُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ اعْتَرَضَ عَنْ الْعِنَايَةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ سَعْدِي أَفَنْدِي فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهَا، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَ السَّابِقَيْنِ وَعَزَاهُمَا إلَى السِّغْنَاقِيِّ.

قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْ مِنْ الْجَوَازِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) هَذَا خَالِصٌ فِيمَا قَبْلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهَا نُثَارٌ خَاصٌّ بِهِمَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ إعْزَازٌ إلَخْ يَشْمَلُ الْكُلَّ إلَّا الْخَشَبَ إنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. (قَوْلُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَثَرًا وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَأَنَّهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ عليه السلام وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ فَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَصَاهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ حَصَاهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا اهـ.

لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَنَّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ فَقَالَ إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» اهـ.

وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِأَنَّ حَجَّ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ تُقْبَلُ عِبَادَاتُهُمْ فَيُجَازُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا أَقُولُ: الْمُرَادُ أَعْمَالُهُمْ الَّتِي هِيَ عِبَادَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مِنًى خَمْسُ آيَاتٍ هَذِهِ إحْدَاهَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ

وَآيُ مِنًى خَمْسٌ فَمِنْهَا اتِّسَاعُهَا

لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ لَوْ جَاوَزُوا الْحَدَّا

وَمَنْعُ حِدَاةٍ خَطْفَ لَحْمٍ بِأَرْضِهَا

وَقِلَّةُ وُجْدَانِ الْبَعُوضِ بِهَا عُدَّا

وَكَوْنُ ذُبَابٍ لَا يُعَاقِبُ طَعْمَهَا

وَرَفْعُ حَصَى الْمَقْبُولِ دُونَ الَّذِي رُدَّا

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا) قَالَ فِي الشرنبلالية يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ اهـ.

وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ اهـ.

فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ

ص: 370

حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَوَقْتُ الْإِبَاحَةِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ، فَالْأَوَّلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا، وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ السَّبْعَةِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدُّعَاءَ آخِرَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَهَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهَا لِلدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ وَكُلُّ جَمْرَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ تُرْمَى فِي يَوْمِهِ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ عليه السلام، كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ حِكْمَةٌ وَقَدْ يُقَالُ هِيَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ فَيُوجِبُ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ ازْدِحَامِ الْوَاقِفِينَ وَالْمَارِّينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجَمَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لَمْ يَزَلْ عليه السلام يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ بِإِدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَة؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُعْتَمِرِ، وَالْمُحْصِرُ يَقْطَعُهَا إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لِلتَّحَلُّلِ وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ فَائِتَ الْحَجِّ يَقْطَعُ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ وَأَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ الزِّيَارَةَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ، وَمَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اذْبَحْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ عليه السلام «ذَبَحَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَذَبَحَ مَا بَقِيَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ

ــ

[منحة الخالق]

إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَمَا قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ. (قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ لَا آخِرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلِانْتِهَاءِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وَقْتِ الْجَوَازِ أَدَاءً كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ اهـ.

تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ قَالَ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقْتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ رَمَى بِاللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْمُسْتَحَبُّ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْعَيْنِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا بِصِيغَةِ الْمَسْنُونِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَحَادِيثَ سَاقَهَا بِعَدَمِ الْعُذْرِ قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا يَلْزَمُهُمْ الْإِسَاءَةُ وَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّرَخُّصِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ جَابِرٍ وَأُمُّ سُلَيْمَانَ وَظَاهِرُ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، وَقِيلَ يَقُولُ أَيْضًا اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ عليه السلام وَلَمْ يَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ)

ص: 371

فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً أَنَّهُ كَانَ لَهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً فَنَحَرَ لِكُلِّ سَنَةٍ بَدَنَةً.

(قَوْلُهُ ثُمَّ احْلِقْ أَوْ قَصِّرْ والْحَلْقُ أَحَبُّ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلْقِ إزَالَةُ شَعْرِ رُبْعِ الرَّأْسِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ أَقْرَعَ فَيَجْرِي الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ إنْ أَمْكَنَ وَأَحَبُّ عَلَى الْمُخْتَارِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ سَقَطَ هَذَا الْوَاجِبُ وَحَلَّ كَمَنْ حَلَقَهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِحْلَالَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحَلْقُ لَكِنْ لَمْ يَجِدْ آلَةً وَلَا مَنْ يَحْلِقُهَا فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَلَيْسَ لَهُ الْإِحْلَالُ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْآلَةِ مَرْجُوٌّ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلَا كَذَلِكَ بُرْءُ الْقُرُوحِ وَانْدِمَالُهَا وَالْإِزَالَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُوسَى بَلْ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ أَوْ بِالنُّورَةِ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّقْصِيرِ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ رُبْعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوٍ عَادَةً قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَالْأُنْمُلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةً مَشْهُورَةً، وَمَنْ خَطَّأَ رَاوِيَهَا فَقَدْ أَخْطَأَ وَاحِدَةَ الْأَنَامِلِ ثُمَّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَوْ تَعَذَّرَ الْحَلْقُ لِعَارِضٍ تَعَيَّنَ التَّقْصِيرُ، أَوْ التَّقْصِيرُ تَعَيَّنَ الْحَلْقُ كَأَنْ لَبَدَهُ بِصَمْغٍ فَلَا يُعْمَلُ فِيهِ الْمِقْرَاضُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ لِدُعَائِهِ عليه السلام لِلْمُحَلِّقِينَ بِالرَّحْمَةِ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَفِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ لِلْمُقَصِّرِينَ بِهَا، وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْكُلِّ لِلِاتِّبَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُنَنَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْحَلْقِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مُسْتَحَبٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي سُنَّتِهِ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ لِلْحَالِقِ لَا الْمَحْلُوقِ فَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَمُقْتَضَى النَّصِّ الْبُدَاءَةُ بِيَمِينِ الرَّأْسِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ، وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ شَعْرِهِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَإِنْ رَمَى الشَّعْرَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكُرِهَ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامِيِّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَشَوَارِبَهُ بَعْدَ الْحَلْقِ لِلِاتِّبَاعِ وَلَا يَأْخُذْ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَلَوْ فَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ وَحَلَّ لَك غَيْرُ النِّسَاءِ) أَيْ بِالْحَلْقِ أَيْ فَحَلَّ التَّطَيُّبُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» وَحُرِّمَ الدَّوَاعِي كَالْوَطْءِ أَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ الْحَلْقِ تَحْلِيلٌ لِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ حَلَالًا بِالْإِحْرَامِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحَجِّ إحْلَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالْحَلْقِ وَالثَّانِي بِالطَّوَافِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا يُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَفْظُهُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا قَدَّمْنَا وَلِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَفْظُهُ

ــ

[منحة الخالق]

نَسَبَ إلَيْهِ هَذَا التَّقْيِيدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَرِّحًا بِهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَهُوَ مِمَّا تَضْمَنَّهُ كَلَامُهُ.

(قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية قُلْت يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبْعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ أَوْ مِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ. (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ الْإِمَامِ حَلَقْت رَأْسِي بِمَكَّةَ فَخَطَّأَنِي الْحَلَّاقُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لَمَّا أَنْ جَلَسْت قَالَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ ابْدَأْ بِالْأَيْمَنِ فَلَمَّا أَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ قَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَرَجَعْت فَدَفَنْته اهـ.

قُلْت وَفِي الْمِعْرَاجِ رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَلَقَ رَأْسَهُ مِنْ يَمِينِ الْحَالِقِ» وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ يَمِينِ الْمَحْلُوقِ فَاعْتَبَرْنَا يَمِينَ الْحَالِقِ وَهُوَ يَمِينُ الْمَحْلُوقِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَلَمْ يَعْزِهِ إلَى أَحَدٍ بَلْ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَدَأَ بِيَمِينِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِقَوْلِ الْحَجَّامِ حِينَ قَالَ اُدْنُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ مِنْ رَأْسِك وَفِيهِ حِكَايَةٌ مَعْرُوفَةٌ اهـ.

وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا اسْتَصْوَبَهُ فِي الْفَتْحِ، وَيُفِيدُ أَنَّ خِلَافَهُ لَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ.

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى) قَالَ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: لَمْ يَقْتَصِرْ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ مَرْوِيُّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ

ص: 372

وَلَوْ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَغَسَلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ، وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَام بَاقٍ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْحَلْقِ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ لَا دَمَ عَلَيْهِ عِنْد أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ اهـ.

فَلَوْ كَانَ التَّحَلُّلُ بِالرَّمْيِ حَاصِلًا فِي غَيْرِ الطِّيبِ وَالنِّسَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ بِتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عِنْدَهُمَا بَعِيدٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ غَدًا أَوْ بَعْدَهُ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ إنْ قَدَّمْتهمَا وَإِلَّا فَلَا) أَيْ ثُمَّ رُحْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِأَدَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ رُكْنَيْ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرُّكْنَ أَكْثَرُهَا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ صِحَّتِهِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، وَلَيْسَ لَهُ وَقْتٌ آخَرُ تَفُوتُ الصِّحَّةُ بِفَوْتِهِ بَلْ وَقْتُهُ الْعُمْرُ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ فِعْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهَا مَعَ الْإِمْكَانِ لَزِمَهُ دَمٌ وَأَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا كَالْأُضْحِيَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ عليه السلام طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِلرُّكْنِ» ، وَأَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ إذَا طَافَ لِلْقُدُومِ وَفِي تَأْخِيرِهِمَا لِطَوَافِ الرُّكْنِ، وَأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ، وَقَالُوا الْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُمَا لِطَوَافِ الرُّكْنِ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السَّنَةِ.

(قَوْلُهُ وَحَلَّ لَك النِّسَاءُ) يَعْنِي بِالْحَلْقِ

ــ

[منحة الخالق]

- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ

وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ.

فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَدَّ كَلَامُهُ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا بِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِمُوَافَقَتِهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي، وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قَالَ قَائِلٌ الطِّيبُ دَاعٍ إلَى النِّسَاءِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ مُطْلَقًا فَخَصَّهُ بِالرَّمْيِ وَحَلَّ بِالْحَلْقِ لِلْأَثَرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ لِتَحْلِيلِ الرَّمْيِ لِشَيْءٍ فَالْمَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ لِلْهِدَايَةِ وَلِحَصْرِهِ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ بِقَوْلِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَطُفْ لِلرُّكْنِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيُسَمَّى طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ وَطَوَافَ الرُّكْنِ كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ، وَسَيَأْتِي أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ يُسَمَّى طَوَافَ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ مُفِيضٌ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى اهـ.

هَذَا وَشَرَائِطُ صِحَّتِهِ الْإِسْلَامُ وَتَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفُ وَالنِّيَّةُ وَإِتْيَانُ أَكْثَرِهِ وَالزَّمَانُ وَيَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَهُ، وَالْمَكَانُ وَهُوَ حَوْلَ الْبَيْتِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَكَوْنُهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ مَحْمُولًا فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ إلَّا لِمُغْمًى عَلَيْهِ وَوَاجِبَاتُهُ الْمَشْيُ لِلْقَادِرِ وَالتَّيَامُنُ وَإِتْمَامُ السَّبْعَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَفِعْلُهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ وَلَا مُفْسِدَ لِلطَّوَافِ وَلَا فَوَاتَ قَبْلَ الْمَمَاتِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الْبَدَلُ إلَّا إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجُّهُ. اهـ. لُبَابٌ.

أَيْ صَحَّ وَكَمُلَ لَكِنْ فِي مَنَاسِكِ الطَّرَابُلْسِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ يُذْبَحُ عَنْهُ بَدَنَةٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ وَالرَّمْيِ وَالزِّيَارَةِ وَالصَّدْرِ وَجَازَ حَجُّهُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُقُوفِ تَجْبُرُ عَنْ بَقِيَّةِ أَعْمَالِهِ الْبَدَنَةُ فَلَا يُنَافِي مَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا فَعَلَ بَقِيَّةَ الْأَعْمَالِ إلَّا الطَّوَافَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ وَالسِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْحَاجَّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ جَازَ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ أَيْ رُكْنَهُ الْأَعْظَمَ الَّذِي لَا يَفُوتُ إلَّا بِفَوْتِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ وُجُوبِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حِينَئِذٍ اهـ. شَارِحُ لُبَابٍ

(قَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ رَجَعَ إلَى مِنًى فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِهَا وَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ وَالثَّانِي أَظْهَرُ نَقْلًا وَعَقْلًا أَمَّا النَّقْلُ فَلِمَا وَرَدَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ عليه السلام لَا شَكَّ أَنَّهُ أَسْفَرَ جِدًّا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَتَى مِنًى فِي الضَّحْوَةِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ بُدُنَهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَعَلِيٌّ رضي الله عنه أَكْمَلَ الْمِائَةَ ثُمَّ قُطِعَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ قِطْعَةٌ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ حَلَقَ فَأَتَى مَكَّةَ وَطَافَ وَسَعَى فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ، وَالصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ فَلَا وَجْهَ لِعُدُولِهِ إلَى مِنًى ثُمَّ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الْجَمَاعَةِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ بِانْفِرَادِهِ أَنَّهُ عليه السلام صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ وَهْمٌ، وَإِذَا تَعَارَضَا وَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ فَفِي مَكَّةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْلَى لِثُبُوتِ مُضَاعَفَةِ الْفَرَائِضِ فِيهِ وَلَوْ تَجَشَّمْنَا الْجَمْعَ حَمَلْنَا فِعْلَهُ بِمِنًى عَلَى الْإِعَادَةِ بِسَبَبٍ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مُوجِبُ نُقْصَانِ الْمُؤَدَّى أَوَ لَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الرَّمَلِ وَالسَّعْيِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ عَنْ التُّحْفَةِ أَفْضَلِيَّةَ التَّأْخِيرِ، وَأَقُولُ: فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا فِي هَذَيْنِ الطَّوَافَيْنِ فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ كَمَا

ص: 373

السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ آخِرُ عَمَلِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقَ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ آخِرُ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا انْقَضَتْ عَمَلَ الطَّلَاقُ عَمَلَهُ فَبَانَتْ بِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْلِقَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ، وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا وَقَلَّمَ ظُفْرَهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ، وَحِلُّ النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَيْ تَأْخِيرُ الطَّوَافِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَهُوَ أَدَاؤُهُ فِيهَا.

وَأَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ آخِرَهُ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَوْ قَالَ وَكُرِهَ تَأْخِيرُهُمَا عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ حُكْمَ الْحَلْقِ كَالطَّوَافِ وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ وَلُزُومُ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الطَّوَافُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَفْعَلْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا طَوَافُ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ فَلَا شَيْء عَلَيْهَا وَلَوْ حَاضَتْ بَعْدَمَا قَدَرَتْ عَلَى الطَّوَافِ فَلَمْ تَطُفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ لَزِمَهَا الدَّمُ؛ لِأَنَّهَا مُقَصِّرَةٌ بِتَفْرِيطِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فِي ثَانِي النَّحْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ بَادِئًا بِمَا يَلِي الْمَسْجِدَ ثُمَّ بِمَا يَلِيهَا ثُمَّ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ ثُمَّ غَدًا كَذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثْتَ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى فَارْمِ الْجِمَارَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمِنًى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّمْيُ لَكِنْ هِيَ سُنَّةٌ حَتَّى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَبِيتُ بِمَكَّةَ وَلَا بِالطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ مِنًى.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهِ فِي ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثِهِ حَتَّى لَوْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَذْكُرْ آخِرَهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ فَلَوْ رَمَى لَيْلًا صَحَّ وَكُرِهَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ وَقْتًا لِصِحَّةٍ وَوَقْتًا لِكَرَاهَةٍ بِخِلَافِ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَوْقَاتٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ

وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ النَّفْرَ فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْجِمَارِ كُلِّهَا إلَى الْيَوْمِ الرَّابِعِ رَمَاهَا عَلَى التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا وَقْتُ رَمْيٍ فَيَقْضِي مُرَتَّبًا كَالْمَسْنُونِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَاتِ اجْتَمَعَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ تَرَكَهَا حَتَّى غَابَتْ

ــ

[منحة الخالق]

سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّمَلَ بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ فَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الصَّدْرِ لَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُمَا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِمْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَشْوَاطِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيَالِي أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْهَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ وَمَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ آخِرَ الرَّمْيِ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ الْمُرْشِدِيُّ وَمِثْلُهُ فِي مَنْسَكِ الْعَفِيفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِيهِمَا إلَى اللَّيْلِ فَرَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ الرَّمْيِ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ اهـ.

وَقَوْلُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْمَكْرُوهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَكَذَا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا مِنْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ اهـ.

وَقَوْلُ الْحَدَّادِيِّ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ رَمَى بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَكَأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَنْسَكِ الْأَوْسَطِ لِلْمُنْلَا سِنَانٍ الرُّومِيِّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ حَيْثُ قَالَ

وَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ وَقْتَ أَدَاءِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْغَدِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْغَدِ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ. (قَوْلُهُ فَظَهَرَ أَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ إلَخْ) فَوَقْتُ الصِّحَّةِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِي الْيَوْمَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَيْ صُبْحُ الرَّابِعِ فَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا، وَبَقِيَ وَقْتُ الْقَضَاءِ أَيْ اتِّفَاقًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَوْ أَخَّرَهُ أَيْ الرَّمْيَ عَنْ وَقْتِهِ أَيْ الْمُعَيَّنِ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْجَزَاءُ وَهُوَ لُزُومُ الدَّمِ، وَيَفُوتُ وَقْتُ الْقَضَاءِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الرَّابِعِ اهـ.

وَسَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَرِيبًا

ص: 374

الشَّمْسُ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَسْقُطُ الرَّمْيُ لِانْقِضَاءِ وَقْتِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا اهـ.

فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ لِلرَّمْيِ وَقْتَ أَدَاءً وَوَقْتَ قَضَاءٍ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بَادِئًا إلَى آخِرِهِ إلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِهِ عليه السلام وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ غَيَّرَ هَذَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِاَلَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ بِمِنًى وَهُوَ بَعْدُ فِي يَوْمِهِ أَعَادَ الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةَ الْعَقَبَةِ لِيَأْتِيَ بِهَا مُرَتَّبًا مَسْنُونًا وَعَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مَسْنُونٌ قَالَ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ رَمْيَ كُلِّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ تَامَّةً بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لِلْبَعْضِ فَلَا يَتَعَلَّقُ جَوَازُهَا بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالطَّوَافِ قَبْلَ الرَّمْيِ يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا

فَإِنْ رَمَى كُلَّ جَمْرَةٍ بِثَلَاثٍ أَتَمَّ الْأُولَى بِأَرْبَعٍ ثُمَّ أَعَادَ الْوُسْطَى بِسَبْعٍ ثُمَّ الْعَقَبَةَ بِسَبْعٍ؛ لِأَنَّهُ رَمَى مِنْ الْأُولَى أَقَلَّهَا، وَالْأَقَلُّ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَكَأَنَّهُ أَتَى بِهِمَا قَبْلَ الْأُولَى أَصْلًا فَيُعِيدُهُمَا فَإِنْ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعٍ أَتَمَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأُولَى وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَأَنَّهُ رَمَى الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الْأُولَى، وَإِنْ اسْتَقْبَلَ رَمْيَهَا كَانَ أَفْضَلَ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ رَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ فَإِذَا فِي يَدِهِ أَرْبَعُ حَصَيَاتٍ لَا يَدْرِي مِنْ أَيَّتِهِنَّ هِيَ يَرْمِيهِنَّ عَنْ الْأُولَى، وَيَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَعَادَ عَلَى كُلِّ جَمْرَةٍ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَصَاةً أَوْ حَصَاتَيْنِ أَعَادَ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى كُلَّ وَاحِدَةٍ بِأَكْثَرِهَا فَوَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مَسْنُونًا اهـ مَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ

وَاعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ فِي الرَّمْيِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ إنْ مَكَثْتَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَيْن النَّفْرِ وَالْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَالْإِقَامَةُ أَفْضَلُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ عليه السلام كَذَلِكَ وَأَنَّ الْإِقَامَةَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الرَّابِعِ مُوجِبَةٌ لِلرَّمْيِ فِيهِ وَبِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] وَهُوَ كَالْمُسَافِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِفْ عِنْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فِي بَحْثِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَاجِعْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُوَ اللَّهَ بِحَاجَتِهِ وَيَجْعَلَ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ فِي رَفْعِ يَدِهِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ لِأَبَوَيْهِ وَأَقَارِبِهِ وَمَعَارِفِهِ لِلْحَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ يُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيُرْمَى بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ

وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِنَفْسِهِ وَالْأُخْرَى لِلْآخَرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَظَهَرَ بِهَذَا إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَبِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ أَيْ الرَّابِعِ يَفُوتُ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ رَمَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ أَيْ الْآتِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِعُذْرٍ، وَلَوْ رَمَى لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ عَنْ غَدِهَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ فِي الْحَجِّ فِي حُكْمِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ لَا الْمُسْتَقْبَلَةِ أَيْ فَيَجُوزُ رَمْيُ يَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهَا رَمْيُ يَوْمِ الثَّالِثِ وَلَوْ لَمْ يَرْمِ فِي اللَّيْلِ رَمَاهُ فِي النَّهَارِ قَضَاءً وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخَّرَ رَمْيَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا إلَى الرَّابِعِ مَثَلًا قَضَاهَا كُلَّهَا فِيهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الرَّابِعِ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ أَيْ لَيْلَةُ الرَّابِعَ عَشَرَ تَابِعَةً لِمَا قَبْلَهَا لِيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْيِ فِيهَا بِخِلَافِ اللَّيَالِي الَّتِي قَبْلَهَا اهـ.

مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ فِي غَيْرِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ يَرْمِي فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي أَخَّرَ رَمْيَهُ وَكَانَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى الْإِسَاءَةِ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي كَانَ قَضَاءً، وَلَزِمَهُ دَمٌ وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْكُلَّ إلَى الرَّابِعِ فَإِذَا غَرَبَتْ شَمْسُ الرَّابِعِ وَلَمْ يَرْمِ سَقَطَ الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ دَمٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُ الْأُخْرَيَيْنِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِيَكُونَ إتْيَانُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ آخَرُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَفِي اخْتِيَارِ السُّنَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ فِي اخْتِيَارِ التَّعْيِينِ نَعَمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ الَّذِي يَقَعُ عِنْدِي اسْتِنَانُ التَّرْتِيبِ لَا تَعْيِينُهُ بِخِلَافِ تَعْيِينِ الْأَيَّامِ وَالْفَرْقُ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُحَصِّلٍ اهـ.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ السُّنِّيَّةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَإِذَا كَانَ مَسْنُونًا إلَخْ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَقَلَ التَّعْيِينَ بِقَوْلِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا الْعِنْوَانُ كَالصَّرِيحِ فِي اخْتِيَارِ السُّنِّيَّةِ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ اخْتِيَارُ التَّعْيِينِ وَفِي اللُّبَابِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ قَالَ شَارِحُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيُّ وَالْمُحِيطِ وَفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ.

(قَوْلُهُ لِمَنْ اتَّقَى) قَالَ فِي النَّهْرِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى اعْتِبَارِ حَاصِلِ الْمَعْنَى أَيْ هَذَا التَّخْيِيرِ، وَنَفْي الْإِثْمِ عَنْهُمَا لِلْمُتَّقِي لِئَلَّا يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُوجِبُ إثْمًا فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَقَالَ الثَّانِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ

ص: 375

جَازَ، وَيُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْجِدِ الْخَيْفِ وَيُكْثِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ تَرَكَتْ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَجْلِ الزِّحَامِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَيَنْبَغِي أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ الرَّمْيَ لَهُ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَيْتَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحَّ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اقْتِدَاءً بِابْنِ عَبَّاسٍ وَقِيَاسًا عَلَى التَّرْكِ وَقَالَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأَيَّامِ قَيَّدَ بِالرَّابِعِ احْتِرَازًا عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ عليه السلام لِعَدَمِ الْمَعْقُولِ فَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تَخْفِيفٍ فِيهَا بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ بِالتَّقْدِيمِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَأَمَّا وَقْتُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَقْتٌ مَكْرُوهٌ وَمَا بَعْدَهُ مَسْنُونٌ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهُ قَبْلَ الزَّوَالِ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ.

(قَوْلُهُ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَارْمِهِ مَاشِيًا وَإِلَّا فَرَاكِبًا) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ وَاخْتِيَارٌ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ: دَخَلْت عَلَى أَبِي يُوسُفَ فَوَجَدْته مُغْمَى عَلَيْهِ فَفَتَحَ عَيْنَهُ فَرَآنِي فَقَالَ يَا إبْرَاهِيمُ أَيُّمَا أَفْضَلُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا فَقُلْت رَاجِلًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قُلْت رَاكِبًا فَخَطَّأَنِي ثُمَّ قَالَ مَا كَانَ يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاجِلًا وَمَا لَا يُوقَفُ عِنْدَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهَا رَاكِبًا قَالَ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَمَا بَلَغْتُ الْبَابَ حَتَّى سَمِعْتُ صُرَاخَ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَدْ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ لَاشْتَغَلَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَالَةُ النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الرَّمْيَ كُلَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ فَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ يَعْنِي عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حَكَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَهُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا مَاشِيًا أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ وَخُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالرُّكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ وَرَمْيُهُ عليه السلام رَاكِبًا إنَّمَا هُوَ لِيُظْهِرَ فِعْلَهُ لِيُقْتَدَى بِهِ كَطَوَافِهِ رَاكِبًا اهـ.

وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ مَاشِيًا أَفْضَلُ إلَّا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ فَهُوَ رَاكِبًا أَفْضَلُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّةَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، وَغَالِبُ النَّاسِ رَاكِبٌ فَلَا إيذَاءَ فِي رُكُوبِهِ مَعَ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ لَهُ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَدِّمَ ثَقَلَك إلَى مَكَّةَ وَتُقِيمَ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) لِأَثَرِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مَنْ قَدَّمَ ثَقَلَهُ قَبْلَ النَّفْرِ فَلَا حَجَّ لَهُ وَأَرَادَ نَفْيَ الْكَمَالِ، وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ وَهُوَ فِي الْعِبَادَةِ فَيُكْرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالثَّقَلُ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ أَمْتِعَتِهِ بِمَكَّةَ وَالذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا الْعِبَادَةُ الْمَقْصُودَةُ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَيْهَا بِمَكَّةَ أَمَّا إنْ أَمِنَ فَلَا لِعَدَمِ شَغْلِ الْقَلْبِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى الْمُحَصَّبِ) أَيْ ثُمَّ رُحْ إلَيْهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ الْأَبْطَحُ مَوْضِعٌ ذَاتُ حَصًى بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ، وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ وَكَانَتْ الْكُفَّارُ اجْتَمَعُوا فِيهِ وَتَحَالَفُوا عَلَى إضْرَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ عليه السلام فِيهِ إرَاءَةً لَهُمْ لَطِيفَ صُنْعِ اللَّهِ بِهِ وَتَكْرِيمَهُ بِنُصْرَتِهِ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَيَنْزِلُ بِالْمُحَصَّبِ سَاعَةً وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ النُّزُولَ بِهِ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ فَطُفْ لِلصَّدْرِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) وَلَهُ خَمْسَةُ أَسَامٍ مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْهُ أَيْ

ــ

[منحة الخالق]

وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَمْنَعُ مِنْهُ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ إذْ لَا يُؤَدَّبُ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ اهـ.

قَالَ شَيْخُنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ خِلَافِ الْأَوْلَى هَذَا وَفِي السِّرَاجِ وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِهِ خَلْفَهُ، وَيُصَلِّي مِثْلَ النَّعْلِ وَشِبْهِهِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ خَاطَرَهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا.

(قَوْلُهُ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ) وَحْدَهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَ مَقَابِرِ مَكَّةَ وَالْجَبَلِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مُصْعِدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّوَاحَ إلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ النُّزُولَ فِيهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي هَذَا

ص: 376

يَرْجِعُ وَالصَّدْرُ الرُّجُوعُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُوَدِّعُ الْبَيْتَ بِهِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِهِ يُفِيضُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ مِنًى وَطَوَافُ آخِرِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَوَافَ بَعْدَهُ وَطَوَافُ الْوَاجِبِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالصَّدْرِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوعُ فَعِنْدَنَا هُوَ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ لِشُغْلٍ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الصَّدْرَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَابِقٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ بِمَا قُلْنَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْحُكْمِ وَالْفَرَاغُ عَنْ الْأَفْعَالِ يُسَمَّى صُدُورًا وَرُجُوعًا عَنْهَا إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ وَلَهُ وَقْتَانِ وَقْتُ الْجَوَازِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ، فَالْأَوَّلُ أَوَّلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ حَتَّى لَوْ طَافَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَطَالَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ وَلَوْ سَنَةً وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهَا، وَلَمْ يَتَّخِذْهَا دَارًا جَازَ طَوَافُهُ

وَأَمَّا آخِرُهُ فَلَيْسَ بِمُوَقَّتٍ مَا دَامَ مُقِيمًا حَتَّى لَوْ أَقَامَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَ وَيَقَعُ أَدَاءً، وَالثَّانِي أَنْ يُوقِعَهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ طَافَهُ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ لِيَكُونَ تَوْدِيعُ الْبَيْتِ آخِرَ مَوْرِدِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ لَهُ نِيَّةً مُعَيَّنَةً فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ طَافَ بَعْدَمَا أَحَلَّ النَّفْرَ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَفَادَ بِبَيَانِ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَوْ نَفَرَ وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ، لَكِنْ قَالُوا مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ فَيَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمِيقَاتَ لَا يُجَاوَزُ بِلَا إحْرَامٍ فَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ فَإِذَا رَجَعَ ابْتَدَأَ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ، وَقَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ دَمًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَأَيْسَرُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ

وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ أَصْرَحُهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَانُوا يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَنْصَرِفَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» ، وَأَرَادَ بِأَهْلِ مَكَّةَ مَنْ اتَّخَذَ مَكَّةَ أَوْ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ دَارًا فَلَا طَوَافَ صَدْرٍ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ وَكَذَا الْآفَاقِيُّ الَّذِي اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا ثُمَّ بَدَا لَهُ الْخُرُوجُ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، وَأَمَّا إنْ نَوَاهُ بَعْدَهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفْرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَكَذَا لَا طَوَافَ صَدْرٍ عَلَى مَكِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ فَإِنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ الصَّدْرِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْمُعْتَمِرِ

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا سَعْيَ عَلَيْهِ وَلَا رَمْيَ فِي هَذَا الطَّوَافِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ بِسُقُوطِ طَوَافِ الصَّدْرِ بِالْعُذْرِ وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسُ عُذْرٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ يَلْزَمُهَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ وَطَهُرَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْعَوْدُ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا فَلَمْ تَغْتَسِلْ وَلَمْ يَذْهَبْ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَوْدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ وَقْتَ الطَّوَافِ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُجَاوِزَ الْمَوَاقِيتَ فَعَلَيْهَا الطَّوَافُ وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

الْبَابِ اسْتَعْمَلَ الرَّوَاحَ إلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى النُّزُولِ فِيهِ وَمِنْهُ ثُمَّ رُحْ إلَى مِنًى ثُمَّ إلَى عَرَفَاتٍ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ.

(قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ) فِيهِ بَيَانٌ لِمَأْخَذِ التَّقْيِيدِ مِنْ كَلَامِهِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّقْيِيدِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ هَذَا بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا فَقَالَ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ تَغْيِيرِ قَيَّدَ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ هُنَا إلَى لَمْ يُقَيِّدْ تَحْرِيفٌ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ النُّسْخَةُ كَذَلِكَ لَتَنَاقَضَ مَعَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ إلَخْ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَخْ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّقْيِيدِ يُفِيدُ بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُعْتَمِرِ وَفَائِتِ الْحَجِّ طَوَافُ الصَّدْرِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، وَأَمَّا عِبَارَةُ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا قُلْنَا وَيَبْقَى تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ضَائِعًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ مَعَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي سُقُوطِهِ عَنْهُمْ لِمَا عُلِمَ فِي وَاجِبَاتِ الْحَجِّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاوَزَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ مَسِيرَةَ سَفَرٍ) هَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ شَارِح اللُّبَابِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَتْ مِنْ الْعُمْرَانِ صَارَتْ مُسَافِرَةً بِدَلِيلِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْعَوْدُ وَلَا الدَّمُ اهـ

ص: 377

جَاوَزَتْ فَلَا تَعُودُ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ

وَأَشَارَ بِطَوَافِ الصَّدْرِ إلَى الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بَعْدَهُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مَكْرُوهَةٌ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] وَالْمُجَاوَرَةُ هِيَ الْعُكُوفُ وَلَهُ أَنَّ الْمُجَاوَرَةَ فِي الْعَادَةِ تُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِإِجْلَالِ بَيْتِ اللَّهِ لِكَثْرَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَالْعُكُوفُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى اللُّبْثِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِيهَا كَلَامًا حَسَنًا فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اشْرَبْ مِنْ زَمْزَمَ وَالْتَزِمْ الْمُلْتَزَمَ وَتَشَبَّثْ بِالْأَسْتَارِ وَالْتَصِقْ بِالْجِدَارِ) بَيَانٌ لِلْمُسْتَحَبِّ وَقَدِّمْ الشُّرْبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ تَقْدِيمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَاخْتَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْتِزَامِ الْمُلْتَزَمِ وَتَقْبِيلِ الْعَتَبَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِي بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسُ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ، وَالْمُلْتَزَمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا، وَالتَّشَبُّثُ التَّعَلُّقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَسْتَارِ أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ يَنَالُهَا، وَإِلَّا وَضَعَ يَدَيْهِ فَوْقَ رَأْسِهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى الْجِدَارِ قَائِمَتَيْنِ وَيَجْتَهِدُ فِي إخْرَاجِ الدَّمْعِ مِنْ عَيْنِهِ

وَلَمْ يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَمْشِي الْقَهْقَرَى وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ لَكِنْ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ صَدْمٌ أَوْ وَطْءٌ لِأَحَدٍ وَهُوَ بَاكٍ مُتَحَسِّرٌ عَلَى فِرَاقِ الْبَيْتِ الشَّرِيفِ وَبَصَرُهُ مُلَاحِظٌ لَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الَّتِي أَرْسَلَهَا إلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ الدُّعَاءَ هُنَاكَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَخَلْفَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْمُجَاوَرَةُ بِهَا مَكْرُوهَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِقَوْلِهِ قَالَ الْخَائِفُونَ الْمُحْتَاطُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ وَلَا يُظَنُّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ تُنَاقِضُ فَضْلَ الْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ عِلَّتُهَا ضَعْفُ الْخَلْقِ وَقُصُورُهُمْ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّ الْمَوْضِعِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ كَوْنُ الْجِوَارِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ كَذَلِكَ يَعْنِي مَكْرُوهًا عِنْدَهُ فَإِنَّ تَضَاعُفَ السَّيِّئَاتِ وَتَعَاظُمَهَا إنْ فُقِدَ فِيهَا فَمَخَافَةُ السَّآمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ الْمُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِوُجُوبِ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ قَائِمٌ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرْ تَقْبِيلَ الْعَتَبَةِ قَبْلَ الشُّرْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَا الِاسْتِقَاءَ بِنَفْسِهِ وَلَا رُجُوعَ الْقَهْقَرَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام، وَأَمَّا الِالْتِزَامُ وَالتَّشَبُّثُ فَجَاءَ فِيهِمَا حَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ الِاسْتِقَاءُ بِنَفْسِهِ لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الطَّبَقَاتِ مُرْسَلًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَفَاضَ نَزَعَ بِالدَّلْوِ لَمْ يَنْزِعْ مَعَهُ أَحَدٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَفْرَغَ بَاقِيَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، وَقَالَ لَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَمْ يَنْزِعْ مِنْهَا أَحَدٌ غَيْرِي وَجَمَعَ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُمْ نَزَعُوا لَهُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ عَقِبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَذَاكَ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَوْلَا أَنْ تَغْلِبَكُمْ النَّاسُ إلَخْ يَكْفِي فِي إثْبَاتِ الْمَقْصُودِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ لَهُ كَانَ لِذَلِكَ الْعُذْرِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ نَزْعُهُ عليه الصلاة والسلام بِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا) قَالَ فِي الشرنبلالية وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيُّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ لِلدُّعَاءِ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَعَيَّنَ فِيهِ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ فِي مَنَاسِكِهِ فَكَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَقَالَ

قَدْ ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي الْمَنَاسِكِ

وَهُوَ لَعَمْرِي عُمْدَةٌ لِلنَّاسِكِ

إنَّ الدُّعَا فِي خَمْسَةٍ وَعَشْرَهْ

بِمَكَّةَ يُقْبَلُ مِمَّنْ ذَكَرَهْ

وَهِيَ الْمَطَافُ مُطْلَقًا وَالْمُلْتَزَمْ

بِنِصْفِ لَيْلٍ فَهْوَ شَرْطٌ مُلْتَزَمْ

وَدَاخِلَ الْبَيْتِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ

بَيْن يَدَيْ جِذْعَيْهِ فَاسْتَقِرْ

وَتَحْتَ مِيزَابٍ لَهُ وَقْتَ السَّحَرْ

وَهَكَذَا خَلْفَ الْمَقَامِ الْمُفْتَخِرْ

وَعِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ شِرْبِ الْفُحُولْ

إذَا دَنَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِلْأُفُولْ

ثُمَّ الصَّفَا وَمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى

بِوَقْتِ عَصْرٍ فَهُوَ قَيْدٌ يُرْعَى

كَذَا مِنًى فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ إذَا

تَنَصَّفَ اللَّيْلُ فَخُذْ مَا يُحْتَذَى

ثُمَّ لَدَى الْجِمَارِ وَالْمُزْدَلِفَهْ

عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَرَفَهْ

بِمَوْقِفٍ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَلْ

ثُمَّ لَدَى السِّدْرَةِ ظُهْرًا وَكَمَلْ

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْوُقُوفَ طُرَّا

مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَدْ مَرَّا

بَحْرُ الْعُلُومِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ

خَيْرِ الْوَرَى ذَاتًا وَوَصَفَا وَسُنَنْ

صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّمَا

وَآلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غَيْثٌ هُمَا

اهـ.

قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِمَارَ ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ ذِكْرُ السِّدْرَةِ فَبِهَا تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَتَنَبَّهْ لَهُ اهـ.

مَا فِي الشرنبلالية قُلْت فِي عَدِّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا وُقُوفَ وَلَا دُعَاءَ عِنْدَهُمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّاجِزَ لَمْ يَعْتَبِرْهَا فَذَكَرَ بَدَلَهَا السِّدْرَةَ، وَلَعَلَّهُ صَحَّ نَقْلُهَا عِنْدَهُ عَنْ الْحَسَنِ فَنَسَبَهَا إلَيْهِ، وَسَقَطَتْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ أَوْ عَدُوًّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ فِي مَحِلِّهِ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا فَلْيُتَأَمَّلْ هَذَا، وَقَدْ نَظَمَ فِي النَّهْرِ الْأَمَاكِنَ بِقَوْلِهِ

ص: 378