الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُطْبَخُ فَيَسِيلُ مِنْهُ الزِّئْبَقُ فَأَشْبَهَ الرَّصَاصَ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَقِيلَ هُوَ حَيَوَانٌ؛ لِأَنَّهُ ذُو حِسٍّ يَتَحَرَّكُ بِالْإِرَادَةِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْيَاءِ وَقَدْ تُهْمَزُ، وَمِنْهُمْ حِينَئِذٍ مَنْ يَكْسِرُ الْمُوَحَّدَةَ بَعْدَ الْهَمْزَةِ مِثْلَ زِيبِرِ الثَّوْبِ، وَهُوَ مَا يَعْلُو جَدِيدُهُ مِنْ الْوَبْرَةِ لِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ
(قَوْلُهُ: لَا رِكَازُ دَارِ حَرْبٍ) أَيْ
لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ
؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ لِأَخْذِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ لِانْعِدَامِ غَلَبَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ أَطْلَقَ فِي الرِّكَازِ فَشَمِلَ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ وَالْقُدُورِيُّ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ لِيُبَيِّنَّ حُكْمَ الْمَعْدِنِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَنْزِ فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَوْجَبَ الْخُمُسَ فِيهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَطْلَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَجَدَهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ أَوْ فِي مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ لَكِنْ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَالْكُلُّ لَهُ سَوَاءٌ دَخَلَ بِأَمَانٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ يَظْهَرُ فِي الْمَمْلُوكِ لَا فِي الْمُبَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِبَعْضِهِمْ فَإِنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهَا لِحُرْمَةِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الرِّضَا، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ لِقِيَامِ مِلْكِهِ لَكِنْ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ يَرْتَفِعُ بِبَيْعِهِ لِامْتِنَاعِ فَسْخِهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ حَلَّ لَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ ذَوُو مَنْعَةٍ دَارَ الْحَرْبِ وَظَفِرُوا بِشَيْءٍ مِنْ كُنُوزِهِمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً لِحُصُولِ الْأَخْذِ عَلَى طَرِيقِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (قَوْلُهُ وَفَيْرُوزَجُ وَلُؤْلُؤٌ وَعَنْبَرٌ) أَيْ لَا تُخَمَّسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ حَجَرٌ مُضِيءٌ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» وَنَحْوُهُ الْيَاقُوتُ وَالْجَوَاهِرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كُلِّ جَامِعٍ لَا يَنْطَبِعُ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ مَعْدِنِهَا أَمَّا إذَا وُجِدَتْ كَنْزًا، وَهِيَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ إلَّا الْمَالِيَّةُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ حِلْيَةٍ تُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ حَتَّى الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِيهِ بِأَنْ كَانَتْ كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ فِي جَمِيعِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَحْوِيهِ يَدُ الْمُلُوكِ وَلَهُمَا أَنَّ قَعْرَ الْبَحْرِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَهْرُ أَحَدٍ فَانْعَدَمَتْ الْيَدُ وَهِيَ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَنْزَ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُ كَيْفَمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَاللُّؤْلُؤُ مَطَرُ الرَّبِيعِ يَقَعُ فِي الصَّدَفِ فَيَصِيرُ لُؤْلُؤًا وَالصَّدَفُ حَيَوَانٌ يُخْلَقُ فِيهِ اللُّؤْلُؤُ وَالْعَنْبَرُ حَشِيشٌ يَنْبُتُ فِي الْبَحْرِ أَوْ خَثَى دَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ
(بَابُ الْعُشْرِ)
هُوَ وَاحِدُ الْأَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ فِي بَيَانِ فَرْضِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَسَبَبِهَا وَشَرَائِطِهَا وَقَدْرِ الْمَفْرُوضِ وَوَقْتِهِ وَصِفَتِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَا يُسْقِطُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَثَابِتٌ بِالْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ هُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ، وَبِالسُّنَّةِ «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ، وَبِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ فَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي وَأَمَّا سَبَبُهَا فَالْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْخَرَاجِ فَإِنَّ سَبَبَهُ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا بِالتَّمْكِينِ فَلَوْ تَمَكَّنَ، وَلَمْ يَزْرَعْ وَجَبَ الْخَرَاجُ دُونَ الْعُشْرِ، وَلَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ لَمْ يَجِبَا وَقَدَّمْنَا
حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ
وَأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ وَشَرْطُ الْمَحَلِّيَّةِ فَالْأَوَّلُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الْإِسْلَامُ، وَأَنَّهُ شَرْطُ ابْتِدَاءِ هَذَا الْحَقِّ فَلَا يُبْتَدَأُ إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا كَوْنُهُ يَتَحَوَّلُ إلَى الْكَافِرِ فَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ
ــ
[منحة الخالق]
عَلَيْهِ، وَلَا يُخَمِّسُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة
[لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ]
(قَوْلُهُ: مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكَهُ مِلْكًا خَبِيثًا (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَنْزَ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ) أَيْ الْكَنْزَ غَيْرَ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْبَحْرِ
[بَابُ الْعُشْرِ]
[حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ]
(بَابُ الْعُشْرِ)
عَامٌّ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ أَيْضًا
وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَلَيْسَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ حَتَّى يَجِبُ الْعُشْرُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ جَبْرًا، وَيَسْقُطُ عَنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ إلَّا إذَا أَدَّى اخْتِيَارًا؛ وَلِذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ وَالطَّعَامُ قَائِمٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَكَذَا مِلْكُ الْأَرْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْوُجُوبِ لِوُجُوبِهِ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجِبُ فِي أَرْضِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُؤَجِّرِ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ الْحَصَادِ لَا بَعْدَهُ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَالْعُشْرُ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ، وَعَلَى قَوْلِهِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَكِنْ يَجِبُ فِي حِصَّتِهِ فِي عَيْنِهِ، وَفِي حِصَّةِ الْمُزَارِعِ يَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَفِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ عَلَى الْغَاصِبِ إنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ، وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا فِي الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فَخَرَاجُهَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي الْغَصْبِ إذَا لَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَخَرَاجُهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ نَقَصَتْهَا فَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ إذَا كَانَ جَاحِدًا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمَالِكِ وَزَرَعَهَا الْغَاصِبُ أَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا، أَوْ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، وَلَمْ تُنْقِصْهَا الزِّرَاعَةُ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ اهـ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمَحَلِّيَّةِ فَأَنْ تَكُونَ عُشْرِيَّةً فَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعُشْرِيَّةُ وَوُجُودِ الْخَارِجِ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِنْهَا مِمَّا يُقْصَدُ بِزِرَاعَتِهِ نَمَاءُ الْأَرْضِ فَلَا عُشْرَ فِي الْحَطَبِ وَنَحْوِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ قَدْرِهِ وَأَمَّا وَقْتُهُ فَوَقْتُ خُرُوجِ الزَّرْعِ وَظُهُورِ الثَّمَرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقْتُ الْإِدْرَاكِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ التَّنْقِيَةِ وَالْجُذَاذِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَالتَّمْلِيكُ كَالزَّكَاةِ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَا يُسْقِطُهُ فَهَلَاكُ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، وَبِهَلَاكِ الْبَعْضِ يَسْقُطُ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ أَخَذَ الضَّمَانَ مِنْهُ وَأَدَّى عُشْرَهُ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ الْمَالِكُ ضَمِنَ عُشْرَهُ وَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَمِنْهَا الرِّدَّةُ، وَمِنْهَا مَوْتُ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ إذَا كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ: يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَمُسْقَى سَمَاءٍ وَسَيْحٍ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا فِي الْعَسَلِ فَلِلْحَدِيثِ «فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ» وَلِأَنَّ النَّحْلَ يَتَنَاوَلُ مِنْ الْأَنْوَارِ وَالثِّمَارِ، وَفِيهِمَا الْعُشْرُ فَكَذَا فِيمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ دُودِ الْقَزِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَوْرَاقَ، وَلَا عُشْرَ فِيهَا أَطْلَقَهُ فَتَنَاوَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ نِصَابَهُ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِخَمْسَةِ أَفْرَاقٍ كُلُّ فَرْقٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا قُيِّدَ بِأَرْضِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعَسَلَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ وُجُوبَ الْعُشْرِ فِيهِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَرِ، وَلَا شَيْءَ فِي ثِمَارِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِامْتِنَاعِ وُجُوبِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ
وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْ فِي الْعَسَلِ وَلَكِنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْزَالِ اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَمْلِكُ الْعَسَلَ الَّذِي فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِذَلِكَ حَتَّى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِخِلَافِ الطَّيْرِ إذَا فَرَّخَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَخَذَهُ فَهُوَ لِلْآخِذِ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا يُفْرِخُ فِي مَوْضِعٍ لِيُتْرَكَ فِيهِ بَلْ لِيَطِيرَ فَلَمْ يَصِرْ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُحَرَّرًا لِلْفَرْخِ بِمِلْكِهِ اهـ.
وَلَوْ وُجِدَ الْعَسَلُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ الْجَبَلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْعُشْرُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِلْكِهَا النَّمَاءُ وَقَدْ حَصَلَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ مِنْ الثِّمَارِ وَالْجَوْزِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِأَرْضِ الْعُشْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِهِمَا الْعُشْرُ عَلَيْهِمَا بِالْحِصَّةِ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالسِّرَاجِ وَالْمُجْتَبَى، وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ زَارَعَ بِالْعُشْرِيَّةِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْعُشْرُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ فِي الزَّرْعِ كَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ فِي قَوْلِهِمْ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَالْحَشِيشَ) أَقُولُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي الْقَلْيِ، وَهُوَ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ حَرِيقِ الْحِمَّصِ، وَهُوَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالظَّلَمَةُ يَأْخُذُونَهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَتَنَاوَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ) فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ تَصْرِيحًا بِمَا عُلِمَ، وَفَائِدَتُهُ التَّنْصِيصُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَسَلَ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِخَرَاجِ الْمُقَاطَعَةِ فَلَوْ وُجِدَ فِي أَرْضِ خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ فَفِيهِ مِثْلُ مَا فِي الثَّمَرِ الْمَوْجُودِ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِي ثِمَارِ أَرْضِ الْخَرَاجِ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُوَظَّفِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ نَفْيُ وُجُوبِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَسْمِ إذَا كَانَتْ أَرْضُهُ خَرَاجِيَّةً خَرَاجُهَا مُقَاسَمَةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجِبَالَ وَالْمَفَازَةَ لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ مَعَ أَنَّ الْعُشْرَ وَاجِبٌ فِي الْخَارِجِ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ
لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَقَطْ فَلَوْ قَالَ: يَجِبُ فِي عَسَلِ أَرْضٍ غَيْرِ الْخَرَاجِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا وُجُوبُهُ فِيمَا سُقِيَ بِالْمَطَرِ أَوْ بِالسَّيْحِ كَمَاءِ النِّيلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ وَبَقَاءٍ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ وَشَرْطَاهُمَا فَصَارَ الْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ لَهُمَا فِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ فِي حَبٍّ، وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ إطْلَاقُ الْآيَةِ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] وَالْحَدِيثِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَتَأْوِيلِ مَرْوِيِّهِمَا أَنَّ الْمُنَقَّى زَكَاةُ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ، وَقِيمَةُ الْوَسْقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَوْ تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ فَقُدِّمَ الْعَامَّ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَهُمَا فِي الثَّانِي الْحَدِيثُ «لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ» وَلَهُ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومَاتِ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهَا اسْتِغْلَالَ الْأَرْضِ غَالِبًا حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّ بِهَا أَرْضَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُقْصَدُ بِهِ اسْتِغْلَالُ الْأَرْضِ لَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ مِثْلُ السَّعَفِ وَالتِّبْنِ، وَكَذَا كُلُّ حَبٍّ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْصُودَةٍ فِي نَفْسِهَا، وَكَذَا لَا عُشْرَ فِيمَا هُوَ تَابِعٌ لِلْأَرْضِ كَالنَّحْلِ وَالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ
وَكَذَا كُلُّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ، وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبِزْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَقْصُودٌ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا لَا يُوسَقُ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ فَاعْتَبَرَ أَبُو يُوسُفَ قِيمَةَ أَدْنَى مَا يُوسَقُ كَالذُّرَةِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ خَمْسَةَ أَعْدَادٍ مِنْ أَعْلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ نَوْعُهُ فَاعْتَبَرَ فِي الْقُطْنِ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ كُلُّ حِمْلٍ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ، وَفِي الزَّعْفَرَانِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ نَوْعَيْنِ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَإِنَّهُ لَا يَضُمُّ، وَنِصَابُ الْقَصَبِ السُّكَّرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا يُوسَقُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصَابُ السُّكَّرِ خَمْسَةُ أَمْنَاءٍ فَإِذَا بَلَغَ الْقَصَبُ قَدْرًا يَخْرُجُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَمْنَاءِ سُكَّرٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِصَابُ الْقَصَبِ عِنْدَهُ خَمْسَةَ أَطْنَانٍ كَمَا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا
(قَوْلُهُ: وَنِصْفُهُ فِي مُسْقَى غَرْبٍ وَدَالِيَةٍ) أَيْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِآلَةٍ لِلْحَدِيثِ وَالْغَرْبُ دَلْوٌ عَظِيمٌ وَالدَّالِيَةُ دُولَابٌ عَظِيمٌ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ، وَإِنْ سُقِيَ بَعْضَ السَّنَةِ بِآلَةٍ، وَالْبَعْضَ بِغَيْرِهَا فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُهَا كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ وَالْعَلُوفَةِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا فِي السَّائِمَةِ، وَظَاهِرُ الْغَايَةِ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا تُرْفَعُ الْمُؤَنُ) أَيْ لَا تُحْسَبُ أُجْرَةُ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةُ الْبَقَرِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةُ الْحَافِظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِتَفَاوُتِ الْوَاجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمُؤْنَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَفْعِهَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا فِيهِ الْعُشْرُ وَمَا فِيهِ نِصْفُهُ فَيَجِبُ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْ جَمِيعِ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ عُشْرًا أَوْ نِصْفًا إلَّا أَنَّ مَا تَكَلَّفَهُ يَأْخُذُهُ بِلَا عُشْرٍ أَوْ نِصْفِهِ ثُمَّ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ مِنْ الْبَاقِي كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ
(قَوْلُهُ: وَضِعْفُهُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) أَيْ يَجِبُ عُشْرَانِ فِي أَرْضٍ إلَى آخِرِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ إذَا اشْتَرَاهَا تَغْلِبِيٌّ فَالْمَذْهَبُ تَضْعِيفُهُ عَلَيْهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ الثَّانِيَةُ: إذَا أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ فَالتَّضْعِيفُ بَاقٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ صَارَ وَظِيفَةَ الْأَرْضِ فَيَبْقَى بَعْدَ إسْلَامِهِ كَالْخَرَاجِ الثَّالِثَةِ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِوَظِيفَتِهَا كَالْخَرَاجِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ أَهْلٌ لِلْبَقَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِابْتِدَائِهِ وَرَدَّ الْوَاجِبَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ لِزَوَالِ الدَّاعِي إلَى التَّضْعِيفِ
(قَوْلُهُ: وَخَرَاجٌ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ) أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَالْكُفْرُ يُنَافِيهَا، وَلَا وَجْهَ إلَى التَّضْعِيفِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ التَّغْلِبِيِّ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِيهَا كَالرِّقِّ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مِنْ تَضْعِيفِ الْعُشْرِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ بِبَقَاءِ الْعُشْرِ، وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْأَرْضَ إمَّا عُشْرِيَّةٌ
ــ
[منحة الخالق]
فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْجِبَالِ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ عُشْرِيَّةٍ تَأَمَّلْ وَعِبَارَةُ الْغُرَرِ فِي عَسَلِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ جَبَلٍ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْجَبَلِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّ أَرْضَ الْجَبَلِ الَّذِي لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ عُشْرِيَّةٍ كَمَا فِي النَّوَازِلِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لِلْإِشْعَارِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: الثَّلَاثَةَ) أَيْ الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَالْحَشِيشَ (قَوْلُهُ: وَنِصَابُ قَصَبِ السُّكَّرِ إلَخْ) تَصَرُّفٌ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ بِتَمَامِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي قَصَبِ السُّكَّرِ الْعُشْرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَعَلَى قِيَاسٍ (قَوْلُهُ خَمْسَةُ أَطْنَانٍ) الطُّنُّ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ حُزْمَةُ الْقَصَبِ قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ
(قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ) الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ نَظَرًا
أَوْ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ تَضْعِيفِيَّةٌ وَالْمُشْتَرُونَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ وَتَغْلِبِيٌّ فَالْمُسْلِمُ إذَا اشْتَرَى الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، أَوْ التَّضْعِيفِيَّةُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَرْجِعُ إلَى عُشْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ الْخَرَاجِيَّةَ بَقِيَتْ خَرَاجِيَّةً أَوْ التَّضْعِيفِيَّةَ فَهِيَ تَضْعِيفِيَّةٌ أَوْ الْعُشْرِيَّةُ مِنْ مُسْلِمٍ ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَضْعِيفِيَّةً بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا أَوْ عُشْرِيَّةً صَارَتْ خَرَاجِيَّةً إنْ اسْتَقَرَّتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبْضَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِوُجُوبِ الْخَرَاجِ وَشَرَطَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ.
(قَوْلُهُ: وَعُشْرٌ إنْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ لِلْفَسَادِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِالرَّدِّ وَالْفَسْخِ جَعَلَ الْبَيْعَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ الْبَائِعُ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهَذَا الْبَيْعِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلْفَسَادِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّدُّ فِيهِ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا وَالرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ بِقَضَاءٍ وَأَمَّا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ عَلَى حَالِهَا كَالْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتَنْتَقِلُ إلَى الْمُسْلِمِ بِوَظِيفَتِهَا فَاسْتُفِيدَ مِنْ وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَرُدَّهَا بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، وَلَا يَكُونُ وُجُوبُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا عَيْبًا حَادِثًا؛ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جَعَلَ مُسْلِمٌ دَارِهِ بُسْتَانًا فَمُؤْنَتُهُ تَدُورُ مَعَ مَائِهِ) يَعْنِي فَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْعُشْرِ فَهُوَ عُشْرِيٌّ، وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ خَرَاجِيٌّ، وَإِنْ سَقَاهُ مَرَّةً مِنْ مَاءِ الْعُشْرِ، وَمَرَّةً مِنْ مَاءِ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَاسْتَشْكَلَ الْعَتَّابِيُّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً حَتَّى نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً جَبْرًا أَمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهُوَ كَمَا إذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَالْبُسْتَانُ يُحَوَّطُ عَلَيْهَا حَائِطٌ، وَفِيهَا أَشْجَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِجَعْلِهَا بُسْتَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا، وَفِيهَا نَخْلٌ تُغِلُّ أَكْرَارًا لَا شَيْءَ فِيهَا وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَاءُ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لَهُ لَا لِلْعُشْرِ
(قَوْلُهُ: وَدَارَهُ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَكَذَا الْمَقَابِرُ وَتَقْيِيدُهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمَجُوسِيِّ لِيُفِيدَ النَّفْيَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ لِأَنَّ الْمَجُوسِيَّ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِحُرْمَةِ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبَائِحِهِ (قَوْلُهُ: كَعَيْنِ قِيرٍ وَنَفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ، وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ إنْزَالِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ فَلَا عُشْرَ، وَلَا خَرَاجَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَرَاءَ مَوْضِعِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ أَرْضٌ فَارِغَةٌ صَالِحَةٌ لِلزِّرَاعَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ وَرَاءَهُ مَوْضِعٌ صَالِحٌ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ إنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَكْفِي فِيهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَارِجِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ وَجَبَ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي لِوُجُوبِهِ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ، وَقَدْ حَصَلَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقِيرُ هُوَ الزِّفْتُ، وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنَّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَا يُمْسَحُ مَوْضِعُ الْقِيرِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: يُمْسَحُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْقِيرِ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ فَيُمْسَحُ مَعَهُ تَبَعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ كَأَرْضٍ فِي بَعْضِ جَوَانِبِهَا سَبْخَةٌ فَإِنَّهَا تُمْسَحُ مَعَ الْأَرْضِ وَيُوضَعُ الْخَرَاجُ
ــ
[منحة الخالق]
لِلْمَالِكِ لِأَنَّ النَّظَرَ لِلْفُقَرَاءِ فِي وُجُوبِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ إلَخْ) أَقُولُ: صَرَّحُوا فِي الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ، وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَكُونُ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ نَوَادِرِ زَكَاةِ الْمَبْسُوطِ، وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا اشْتَرَى أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَكِنْ هَذَا بَعْدَمَا انْقَطَعَ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقَّهَا مُسْلِمٌ أَوْ أَخَذَهَا مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ كَانَتْ عُشْرِيَّةً عَلَى حَالِهَا سَوَاءٌ وُضِعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ أَوْ لَمْ يُوضَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَنْهَا اهـ. تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إلَخْ) حَاصِلُ الْجَوَابِ تَسْلِيمُ أَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاء جَائِزٌ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إذَا كَانَ بِرِضَاهُ، وَأَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُهُ عَلَيْهِ جَبْرًا وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالُ مَا وَظِيفَتُهُ الْخَرَاجُ إلَيْهِ بِوَظِيفَتِهِ، وَهُوَ الْمَاءُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُ الْخَرَاجُ فَإِذَا سُقِيَ بِهِ انْتَقَلَ هُوَ بِوَظِيفَتِهِ إلَى أَرْضِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَرَاجِيَّةً