الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَسَدَتْ فَإِنْ انْحَرَفَ بِبَعْضِ بَدَنِهِ كُرِهَ كَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ كَثِيرَهُ مُفْسِدٌ وَيَدُلُّ لِعَدَمِ فَسَادِهَا بِهَذَا الِالْتِفَاتِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «يَخْتَلِسُهَا الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» فَإِنَّهُ سَمَّاهَا صَلَاةً مَعَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لِلْعُذْرِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا فَقَعَدْنَا» وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْتِفَاتَ الْبَصَرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ أَصْلًا غَيْرُ مَكْرُوهٍ مُطْلَقًا وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِعْلَهُ عليه السلام إيَّاهُ كَانَ لِحَاجَةِ تَفَقُّدِ أَحْوَالِ الْمُقْتَدِينَ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَهُوَ كَانَ يَنْظُرُ مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَنْظُرُ أَمَامَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَقَدْ خَالَفَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ عَامَّةَ الْكُتُبِ فِي الِالْتِفَاتِ الْمَكْرُوهِ فَجَعَلَهُ مُفْسِدًا وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ حَوَّلَ الْمُصَلِّي وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَتْ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجُعِلَ فِيهَا الِالْتِفَاتُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْأَشْبَهُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَعَمُّ مِنْ تَحْوِيلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ كَرَاهَةَ الِالْتِفَاتِ بِالْوَجْهِ فِيمَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ يَعْنِي فَلَوْ لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ فَسَدَتْ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِي الْفَتَاوَى وَبَيْنَ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بِحَمْلِ مَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ وَحَمَلَ مَا فِي الْعَامَّةِ عَلَى مَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَكَأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ عَمَلًا كَثِيرًا فَأَفْسَدَهَا وَإِذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ كَانَ عَمَلًا قَلِيلًا فَكُرِهَ وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ الِاسْتِدَامَةَ عَلَى هَذَا الْقَلِيلِ لَا يَجْعَلُهُ كَثِيرًا وَإِنَّمَا كَثِيرُهُ تَحْوِيلُ صَدْرِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِالْفَسَادِ عِنْدَ تَحْوِيلِ الصَّدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِعَدَمِ الْعُذْرِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِتَصْرِيحِهِمْ كَمَا سَبَقَ بِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا تَبْطُلُ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ اشْتِرَاطُ أَنْ يُؤَدِّيَ رُكْنًا وَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ انْكِشَافَ الْعَوْرَةِ إنَّمَا يُفْسِدُهَا إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ مِنْ سَاعَتِهِ حَتَّى أَدَّى رُكْنًا أَمَّا إذَا سَتَرَهَا قَبْلَ أَدَاءِ الرُّكْنِ فَلَا فَكَذَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِجَامِعِ الشَّرْطِيَّةِ وَالْمُكْثُ قَدْرَ أَدَاءِ الرُّكْنِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَأَبُو يُوسُفَ لَا يَجْعَلُهُ كَأَدَاءِ الرُّكْنِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَهُ كَمَا عُرِفَ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ رَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» وَفِي التَّجْنِيسِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُمِيلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَوْجِيهِهَا قَالَ عليه السلام «فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ»
(قَوْلُهُ وَالْإِقْعَاءُ)«لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ الْإِقْعَاءُ وَلِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» شَبَّهَ مِنْ يُسْرِعُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُخَفِّفُ فِيهِمَا بِالدِّيكِ الَّذِي يَلْتَقِطُ الْحَبَّةَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْإِقْعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ فَصَحَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ نَصْبًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَزَادَ كَثِيرٌ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ يَكُونُ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ
ــ
[منحة الخالق]
[الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ) أَيْ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا كَمَا هُوَ مَرْجِعُ خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ» وَلَعَلَّ الْمُرَادَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ بَحْثٌ اهـ.
وَفِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ لَكِنْ ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ بِتَحْوِيلِ الْوَجْهِ الْمُفْسِدِ تَحْوِيلُ جَمِيعِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْوِيلُ الصَّدْرِ لِأَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِمُسْتَوٍ بَلْ فِيهِ اسْتِدَارَةٌ فَإِذَا حُوِّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ بِأَنْ أُزِيلَ بَعْضُهُ عَنْ مُسَامَتَتِهَا كَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْهُ بَقِيَ الْجَانِبُ الْأَيْسَرُ مِنْهُ مُسَامِتًا فَلَا تَفْسُدُ فَإِذَا حَوَّلَ الْجَمِيعَ كَانَ الصَّدْرُ أَيْضًا مُحَوَّلًا فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَلِهَذَا قَالُوا فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا بِتَحَوُّلِهِ مِنْ الْمَشَارِقِ إلَى الْمَغَارِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ جَعْلُ الْخَانِيَّةَ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ النَّهْرِ بِالْبَحْثِ فِيمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ إلَخْ) كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا وَقَدْ رَأَيْت فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَا ظَاهِرُهُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ وَكَذَا اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ مِقْدَارَ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
[الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ]
(قَوْلُهُ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ إلَخْ) أَيْ الْإِقْعَاءُ عَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي الَّذِي قَالَهُ الْكَرْخِيُّ هُوَ الْمُرَادُ بِعَقِبِ الشَّيْطَانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُغْرِبِ
الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَالْكُلُّ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُجْتَبَى زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ الصَّحِيحُ أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. اهـ.
وَالْعُقْبَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَالْعَقِبُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْإِقْعَاءِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ طَاوُسٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَقَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْت إنَّا نَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ فَقَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم.
وَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُقْعُونَ فَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَرُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَالْمَنْهِيُّ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَوْعِيَّةِ مَكْرُوهٌ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت كَرَاهَتَهُ عِنْدَنَا بِنَوْعَيْهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ إنْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَوْ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَالْمُبِيحَ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ كَانَ التَّرْجِيحُ لِلْمَانِعِ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ عَقِبَ الشَّيْطَانِ بِالْإِقْعَاءِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ مَانِعًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَتُهُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَى كَرَاهَتِهِ
(قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
ــ
[منحة الخالق]
لَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ عَنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ أَنْ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اهـ.
مَعَ أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَيْضًا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا الْكَرْخِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ ا. هـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ لِأَئِمَّتِنَا إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ وَأَمَّا نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْجِلْسَاتِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ نَعْرِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي مُوَطَّئِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَكِنَّهُ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا كَجُلُوسِهِ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رحمهم الله
(قَوْلُهُ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ) يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّك صلى الله عليه وسلم وَكَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ وَحَمْلُهُ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ بَعِيدٌ لِقَوْلِهِ وَهُوَ سُنَّةُ نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى كَوْنِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ) جَزَمَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَوَضْعُ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمُخَالَفَةِ الْجُلُوسِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ افْتِرَاشُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَلَكِنْ يُفْهَمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْإِقْعَاءَ بِنَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ جُلُوسُ الْجُفَاةِ بِخِلَافِ الِاحْتِبَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ كَرَاهَةٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِقْعَاءِ أَنَّ الِاحْتِبَاءَ يَكُونُ بِشَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى الظَّهْرِ عِنْدَ نَصْبِهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ أَكْثَرُ جُلُوسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ اهـ
(قَوْلُهُ فَكَانَ مَانِعًا) أَيْ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبَيْهَقِيُّ مِمَّا يُفِيدُ إبَاحَتَهُ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مِنْ الْإِقْعَاءِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِقْعَاءُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ مِنْ الْإِقْعَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ فَلَا تَرْجِيحَ قُلْت وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَقَدْ فَسَّرَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ إلَخْ لَاسْتَقَامَ الْجَوَابُ مِنْ غَيْرِ إيهَامٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبِيحِ مَا مَرَّ عَنْ مُسْلِمٍ وَالْبَيْهَقِيِّ وَبِالْمَانِعِ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا عَلَى الْمُبِيحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِإِقْعَاءٍ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ فُسِّرَ الْإِقْعَاءُ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَعَاكَسَتْ الْأَحْكَامُ. اهـ.
قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِعْلَيْنِ يُسَمَّى إقْعَاءً وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فِي الْحَدِيثِ أَيْ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ النَّهْيِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ فَتَكُونُ تَنْزِيهِيَّةً بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَهِيَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةٌ لِوُجُودِ النَّهْيِ وَتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِقْعَاءِ فِي الْحَدِيثِ الْإِقْعَاءُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ كَانَ هُوَ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا لِوُجُودِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَانَ الْأَوَّلُ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِعَدَمِ النَّهْيِ وَبُعْدُ هَذَا فِيهِ بَحْثٌ أَيْضًا لِأَنَّ عَقِبَ الشَّيْطَانِ هُوَ الْإِقْعَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَرْخِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُغْرِبِ فَقَدْ وُجِدَ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا