المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في عوارض الفطر في رمضان] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٢

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تشميت العاطس فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْقِرَاءَة مِنْ مُصْحَفٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْعَبَثُ بِالثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[التَّخَصُّرُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْإِقْعَاءُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[عَقْصُ شَعْرِ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[افْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌ نَقْشُ الْمَسْجِدِ

- ‌[أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌[الْقُنُوت فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]

- ‌[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]

- ‌[الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا]

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]

- ‌[التَّنَفُّلُ رَاكِبًا]

- ‌صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ

- ‌[بَابُ إدْرَاكِ فَرِيضَةِ الصَّلَاة]

- ‌[الْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد بَعْد الْأَذَان]

- ‌[خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ]

- ‌[قَضَاء سُنَّةُ الْفَجْرِ]

- ‌[قَضَاء السَّنَة الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ]

- ‌ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ

- ‌[فَضْلَ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[أَدْرَكَ إمَامَهُ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ]

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيبُ بَيْنَ صَلَاة الْفَائِتَةِ وَالْوَقْتِيَّةِ وَبَيْنَ الْفَوَائِتِ]

- ‌[سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن صَلَاةِ الْفَائِتَةِ]

- ‌[صَلَّى فَرْضًا ذَاكِرًا فَائِتَةً]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌ سُجُودَ السَّهْوِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ

- ‌[مَحَلُّ سُجُود السَّهْو]

- ‌[سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ صَلَاةٍ

- ‌[ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ]

- ‌[الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ]

- ‌[الْإِمَامِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتَ فِيمَا يَجْهَرُ]

- ‌[السَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ]

- ‌[تَرَكَ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَاهِيًا]

- ‌[سَجَدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ سَلَّمَ السَّاهِي فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ

- ‌ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى أَوَّلَ مَرَّةٍ

- ‌ تَوَهَّمَ مُصَلِّي الظُّهْرَ أَنَّهُ أَتَمَّهَا فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ]

- ‌[تَعَذَّرَ عَلَيَّ الْمَرِيضِ الْقُعُودُ فِي الصَّلَاةُ]

- ‌[لَمْ يَقْدِرْ المصلي الْمَرِيض عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]

- ‌[صَلَّى فِي فُلْكٍ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ إنْ تَعِبَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[أَرْكَان سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[مَوَاضِع سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ]

- ‌[تَأْخِيرُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَنْ وَقْتِ الْقِرَاءَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌[اقْتِدَاء مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[قَضَاء فَائِتَةُ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ]

- ‌ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ بِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْجُمُعَة]

- ‌[شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَة]

- ‌[أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الصَّلَاةَ وَالْكَلَامَ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَة]

- ‌[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]

- ‌(بَابُ الْعِيدَيْنِ)

- ‌[الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْم الْعِيدِ]

- ‌[التَّكْبِير يَوْم الْعِيد]

- ‌[مَا يَفْعَلهُ يَوْم الْفِطْر]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْعِيد]

- ‌[الْأَكْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيد]

- ‌[خُطْبَة الْعِيد]

- ‌[الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيد]

- ‌[وُقُوفُ النَّاسِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِز]

- ‌[أَرْكَانُ وسنن صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[بَابُ صَلَاة الْخَوْفِ]

- ‌ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ

- ‌[مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ]

- ‌[تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ]

- ‌ غُسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌[تَكْفِين الْمَيِّت]

- ‌[فَصْلٌ الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيَّ الْمَيِّت]

- ‌[حُكْم صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[شُرُوط صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[دُفِنَ الْمَيِّت بِلَا صَلَاةٍ]

- ‌[الصَّلَاة عَلَيَّ الْمَيِّت فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌(بَابُ الشَّهِيدِ)

- ‌(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌(كِتَابُ الزَّكَاةِ)

- ‌[شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة]

- ‌[شُرُوط أَدَاء الزَّكَاة]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ)

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي زَكَاة الْغَنَمِ]

- ‌[زَكَاة الْخَيْلِ]

- ‌[زَكَاة الْحُمْلَانِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌[زَكَاة عُرُوضِ التِّجَارَة]

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌[زَكَاة الْخَمْر وَالْخِنْزِير]

- ‌ لَا يُخَمَّسُ رِكَازٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌ حُكْمَ تَعْجِيلِ الْعُشْرِ

- ‌[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة]

- ‌[دُفَعُ الزَّكَاةُ إلَى ذِمِّيٍّ]

- ‌[بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَتَكْفِينِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَشِرَاءِ قِنٍّ مِنْ الزَّكَاةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةِ لَغَنِيّ يَمْلِكُ نِصَابًا]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاة إلَى الْأَب وَالْجَدّ أَوْ الو لَدِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ]

- ‌[دَفْعُ الزَّكَاةَ لَبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهِمْ]

- ‌[دَفَعَ الزَّكَاة بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ]

- ‌(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌[حُكْم صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر]

- ‌[عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[مِقْدَار صَدَقَة الْفِطْر]

- ‌[وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌[شُرُوط الصِّيَامِ]

- ‌[أَقْسَام الصَّوْمِ]

- ‌[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[أَقَلُّ الِاعْتِكَافُ]

- ‌[أعتكاف الْمَرْأَةُ]

- ‌(كِتَابُ الْحَجِّ)

- ‌[وَاجِبَاتُ الْحَجِّ]

- ‌مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ

- ‌ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ

- ‌ مِيقَاتُ الْمَكِّيِّ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ

- ‌(بَابُ الْإِحْرَامِ)

- ‌ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ

- ‌[قَتْلُ الصَّيْدِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[الِاغْتِسَالُ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ لِلْمُحْرِمِ]

- ‌[فَصْلٌ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ]

- ‌(بَابُ الْقِرَانِ)

- ‌[بَابُ التَّمَتُّعِ]

الفصل: ‌[فصل في عوارض الفطر في رمضان]

ضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَعَجْزِ بَشَرِيَّتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ ضَعِيفًا لَا إظْهَارَ الضَّجَرِ.

(قَوْلُهُ لَا كُحْلٌ وَدُهْنُ شَارِبٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ مِنْهُمَا مَفْتُوحَةً فَيَكُونَانِ مَصْدَرَيْنِ مِنْ كَحَلَ عَيْنَهُ كَحْلًا وَدَهَنَ رَأْسَهُ دَهْنًا إذَا طَلَاهُ بِالدُّهْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُومًا وَيَكُونَ مَعْنَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهَا لِمَا أَنَّهُ نَوْعُ ارْتِفَاقٍ وَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورِ الصَّوْمِ، وَقَدْ «نُدِبَ صلى الله عليه وسلم إلَى الِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِلَى الصَّوْمِ فِيهِ» ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدُوا بِهِ التَّدَاوِيَ دُونَ الزِّينَةِ وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» فَمَحْمُولٌ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَالْمُخَنَّثَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ بِالضَّمِّ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ وَقَصْدِ الزِّينَةِ فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارِ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدٍ مَطْلُوبٍ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفَتًا إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: لُبْسُ الثِّيَابِ الْجَمِيلَةِ مُبَاحٌ إذَا كَانَ لَا يَتَكَبَّرُ؛ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ حَرَامٌ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا كَمَا كَانَ قَبْلَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَسِوَاكٌ وَقُبْلَةٌ إنْ أَمِنَ) أَيْ لَا يُكْرَهَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلصَّائِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَالْمَبْلُولَ وَغَيْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» لِتَنَاوُلِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحْكَامُهُ فِي سُنَنِ الطَّهَارَةِ فَارْجِعْ إلَيْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُنَّةِ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ، وَلَا شَكَّ فِيهِ كَغَيْرِ الصَّائِمِ صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)

اعْلَمْ أَنَّ لِفَسَادِ الصَّوْمِ أَحْكَامًا بَعْضُهَا يَعُمُّ الصِّيَامَاتِ كُلَّهَا وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ فَاَلَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ الْإِثْمُ إذَا أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ عَمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِبْطَالُ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ لَا يَأْثَمُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِعُذْرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْإِثْمِ وَالْمُؤَاخَذَةِ؛ فَلِهَذَا ذَكَرَهَا فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْبَدَائِعِ وَأَخَّرَهَا؛ لِأَنَّهَا حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ وَالْعَوَارِضُ جَمْعُ عَارِضٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا اسْتَقْبَلَك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُك وَالْعَارِضُ النَّابُ أَيْضًا وَالْعَارِضَانِ شِقَّا الْفَمِ وَالْعَارِضُ الْخَدُّ يُقَالُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ مِنْ الشَّعْرِ وَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَيْ آفَةٌ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِنْ مَرَضٍ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ مُخْتَصَرِ شَمْسِ الْعُلُومِ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْإِكْرَاهُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِوُجُوبِ قَطْعِ مَا زَادَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ أَعِزَّاءِ الْمَوَالِي أَنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ: يُحَبُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاسْتِعْمَالُهُمْ فِي مِثْلِهِ يُسْتَحَبُّ اهـ.

وَكَأَنَّهُ لِهَذَا وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ مَعَ شِدَّةِ مُتَابَعَتِهِ لِلنَّهْرِ وَقَالَ مُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْوُجُوبُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ.

قُلْتُ: وَظَاهِرُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَلَا يَفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إلَخْ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقُبْلَةِ) أَيْ تَحْتَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَوْ احْتَلَمَ

[فَصْلٌ فِي عَوَارِضِ الْفِطْر فِي رَمَضَان]

(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ) .

(قَوْلُهُ وَهِيَ هُنَا ثَمَانِيَةٌ إلَخْ) نَظَمَهَا الْمَقْدِسِيَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَقَالَ

سَقَمٌ وَإِكْرَاهٌ وَحَمْلٌ وَسَفَرْ

رَضْعٌ وَجُوعٌ وَعَطَشٌ وَكِبَرٌ

انْتَهَى. وَالْأَوْلَى إنْشَادُهُ خَالِيًا مِنْ الضَّرُورَةِ هَكَذَا:

مَرَضٌ وَإِكْرَاهٌ رَضَاعٌ

وَالسَّفَر حَبَلٌ كَذَا عَطَشٌ وَجُوعٌ وَالْكِبَرْ

وَيُزَادُ تَاسِعٌ وَهُوَ قِتَالُ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْغَازِيَ إذَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْقِتَالِ لَهُ الْفِطْرُ وَلَوْ مُقِيمًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَقَدْ زِدْت ذَلِكَ فَقُلْت

حَبَلٌ وَإِرْضَاعٌ وَإِكْرَاهٌ سَفَرْ

مَرَضٌ جِهَادٌ جُوعُهُ عَطَشٌ كِبَرْ

قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ السَّفَرَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْفِطْرَ إنَّمَا يُبِيحُ عَدَمَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَمِنْهَا كِبَرُ السِّنِّ وَفِي عُرُوضِهِ فِي الصَّوْمِ لِيَكُونَ مُبِيحًا لِلْفِطْرِ مَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى

ص: 302

وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَكِبَرُ السِّنِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَإِنَّهُ أَبَاحَ الْفِطْرَ لِكُلِّ مَرِيضٍ لَكِنْ الْقَطْعُ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْفِطْرِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَتَحَقُّقُ الْحَرَجِ مَنُوطٌ بِزِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ إبْطَاءِ الْبُرْءِ أَوْ إفْسَادِ عُضْوٍ ثُمَّ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرَأَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنْ الضَّعْفُ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَمُرَادُهُ بِالْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْخَوْفِ إيَّاهَا وَأَطْلَقَ الْخَوْفَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَرَادَ الْوَهْمَ حَيْثُ قَالَ لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ يُفْطِرُ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ ذَلِكَ يُعْجِزُهَا عَنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ. أَطْلَقَ فِي الْمَرَضِ فَشَمِلَ مَا إذَا مَرِضَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ بَعْدَمَا شَرَعَ بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنْشَأَ السَّفَرَ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ وَهُوَ عُذْرٌ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأَشَارَ بِاللَّامِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَكِنَّ الْفِطْرَ رُخْصَةٌ وَالصَّوْمُ عَزِيمَةٌ فَكَانَ أَفْضَلَ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَالْإِفْطَارُ وَاجِبٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَوْ صَامَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا وَإِذَا أَفْطَرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى فَأَكَلَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ يَعْنِي فِي يَوْمِ النَّوْبَةِ لَا بَأْسَ فَإِنْ لَمْ يُحَمَّ فِيهِ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا فَلَمْ تَحِضْ كَانَ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِوُجُودِ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمٍ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا إذَا أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى الصَّوْمَ وَشَرَعَ فِيهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْوِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَضِيعٌ مَبْطُونٌ يُخَافُ مَوْتُهُ مِنْ هَذَا الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الظِّئْرَ إذَا شَرِبَتْ دَوَاءَ كَذَا بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ وَتَحْتَاجُ الظِّئْرُ إلَى أَنْ تَشْرَبَ ذَلِكَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ إذَا قَالَ ذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ الْحُذَّاقُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ قَالُوا إنْ كَانَ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَطِبَّاءَ الْحُذَّاقَ قَالَ رضي الله عنه وَعِنْدِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ كَمُسْلِمٍ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَوَعَدَ لَهُ كَافِرٌ إعْطَاءَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لَعَلَّ غَرَضَهُ إفْسَادُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّوْمِ. اهـ.

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَطِبَّ بِالْكَافِرِ فِيمَا عَدَا إبْطَالَ الْعِبَادَةِ؛ لِمَا أَنَّهُ عَلَّلَ قَبُولَ قَوْلِهِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إفْسَادَ الْعِبَادَةِ لَا

ــ

[منحة الخالق]

أَنْ يُرَادَ بِالْعَوَارِضِ مَا يُبِيحُ عَدَمَ الصَّوْمِ لِيَطَّرِدَ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَمَةُ إذَا ضَعُفَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ ضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ اهـ.

وَأَقُولُ: هَذَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ فِيهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَعَلَى هَذَا الْحَصَادُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مَعَ الصَّوْمِ وَيَهْلَكُ الزَّرْعُ بِالتَّأْخِيرِ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ وَالْقَضَاءِ إذَا أَدْرَكَ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: لِلْأَمَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، تَأَمَّلْ.

وَلَكِنْ مُقْتَضَى مَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَالَ صَائِمٌ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ إذَا أَجْهَدَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ تَحْتَ قَهْرِ الْمَوْلَى وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا إطَاعَتُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ إنْ أَمْكَنَهَا وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا فَعَلَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقِيلَ: لَا، وَلَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يُقَاتِلُ أَهْلَ الْحَرْبِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقِتَالُ لَا يُكَفِّرُ. وَالْفَرْقُ أَيْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ لَهُ نَوْبَةُ حُمَّى أَنَّ الْقِتَالَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْإِفْطَارِ لِيَتَقَوَّى بِخِلَافِ الْمَرَضِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَاتِلَ مُحْتَاجٌ إلَى تَقْدِيمِ الْأَكْلِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ قَبْلَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَلِذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ عُذْرُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ سُقُوطَهَا عَنْهُ أَيْضًا وَكَذَا عَمَّنْ ظَنَّتْ أَنَّهُ يَوْمُ حَيْضِهَا (قَوْلُهُ: بَرِئَ الصَّغِيرُ وَتَمَاثَلَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ م ث ل تَمَاثَلَ الْعَلِيلُ قَارَبَ الْبُرْءَ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَجُوزُ لَهُ إلَخْ) قَالَ فِي

ص: 303

بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الطِّبِّ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ أَنْ يَخْبِزَ خَبْزًا يُوصِلُهُ إلَى ضَعْفٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ بَلْ يَخْبِزُ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ قِيلَ لَهُ لَا يَكْفِيهِ أُجْرَتُهُ أَوْ رِبْحُهُ فَقَالَ هُوَ كَاذِبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ جَازَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَعْرَى عَنْ الْمَشَقَّةِ فَجُعِلَ فِي نَفْسِهِ عُذْرًا بِخِلَافِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخِفُّ بِالصَّوْمِ فَشَرَطَ كَوْنَهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ فِيهِ الْأَدَاءُ أَوْلَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِتْمَامِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهُمْ لَهُ رُخْصَةً إسْقَاطُ مَجَازٍ، وَقَوْلُ صَاحِبِ غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ تَسَامُحٌ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَوْمُهُمَا أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنْ ضَرَّهُ بِأَنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قَالَهُ لِرَجُلٍ صَائِمٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ فِي مِصْرٍ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي الْيَوْمِ الْمُبِيحُ وَهُوَ السَّفَرُ وَالْمُحَرِّمُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فَرَجَّحْنَا الْمُحَرِّمَ احْتِيَاطًا وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ إنْ أَجْهَدَهُ وَأَطْلَقَ الضَّرَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِضَرَرِ بَدَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ لَكِنْ كَانَ رُفَقَاؤُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ وَالنَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إنْشَاءَ السَّفَرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جَائِزٌ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ خِلَافًا لِعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالسَّفَرُ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ هُوَ الَّذِي يُبِيحُ الْقَصْرَ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا قَدْ ثَبَتَتْ رُخْصَتُهُ

وَأَطْلَقَ السَّفَرَ فَشَمِلَ سَفَرَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ لِمَا عُرِفَ وَأَرَادَ بِالضَّرَرِ الضَّرَرَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ خَوْفَ الْهَلَاكِ بِسَبَبِ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ فِي مِثْلِهِ وَاجِبٌ لَا أَنَّهُ أَفْضَلُ كَذَا

ــ

[منحة الخالق]

الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ نُصْحُ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ فَأَنَّى يَتَطَبَّبُ بِهِمْ اهـ.

قَالَ مُحَشِّيهِ وَأَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا خَلَا كَافِرٌ بِمُسْلِمٍ إلَّا عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ» (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ لِلْخَبَّازِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى يَدْخُلُ فِيهِ الْخَبَّازُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ هُوَ كَاذِبٌ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ طُولَ النَّهَارِ وَقِصَرَهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَقَدْ يَظْهَرُ صِدْقُهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَكْفِينِي فَيُفَوَّضُ إلَيْهِ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى الصَّلَاحِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْمُحْتَرِفِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِحِرْفَتِهِ يَلْحَقُهُ مَرَضٌ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ وَكَذَا حَكَاهُ عَنْ أُسْتَاذِهِ الْوَبَرِيِّ وَإِذَا لَمْ يَكْفِهِ عَمِلَ نِصْفَ النَّهَارِ وَيَسْتَرِيحُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِأَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ اهـ.

قُلْت وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى عَلَى مَا يَأْتِي مَنْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ وَيُقَرِّبُهُ إطْلَاقُ قَوْلِهِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ تَأَمَّلْ وَانْظُرْ إذَا كَانَ أَجَرَ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً هَلْ لَهُ الْفِطْرُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَأْجِرُ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الظِّئْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ بِالْعَقْدِ فَيَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، تَأَمَّلْ.

وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْتَرِفِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِنْ النَّاسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِالْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْعَمَلِ يَعْمَلُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ حَتَّى لَوْ أَدَّاهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إلَى الْفِطْرِ حَلَّ لَهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَدِّيهِ إلَى الْفِطْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: فَجَعَلَ نَفْسَهُ عُذْرًا أَيْ نَفْسَ السَّفَرِ عُذْرًا وَإِنْ عَرَا) عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ فِيهِ غَالِبًا، وَالنَّادِرُ كَالْعَدَمِ فَأُنِيطَتْ الرُّخْصَةُ بِنَفْسِ السَّفَرِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِ فِيهِ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ أَنَّ لَهُ الْفِطْرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِهِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحِيطِ حَيْثُ عَلَّقَ كَرَاهَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي مِصْرٍ أَوْ دُخُولِهِ إلَى مِصْرِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ مِصْرِهِ وَغَيْرِ مِصْرِهِ فَعَلَّقَ الْكَرَاهَةَ فِي مِصْرِهِ عَلَى الدُّخُولِ وَفِي غَيْرِ مِصْرِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ الْمُبِيحَ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُسَافِرُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ مِصْرًا غَيْرَ مِصْرِهِ وَيَنْوِيَ فِيهِ الْإِقَامَةَ أَوْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ مُطْلَقًا يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ دُخُولُهُ الْمِصْرَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ إلَخْ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ فِيهِ الْمُبِيحُ. نَعَمْ بَعْدَ إقَامَتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، تَأَمَّلْ.

لَكِنْ رَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْمُحِيطِ الْمَذْكُورَةَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَتَّفِقُ دُخُولُهُ الْمِصْرَ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ فَلَا بَأْسَ بِالْفِطْرِ فِيهِ اهـ.

ذَكَرَ ذَلِكَ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمَالِ كَضَرَرِ الْبَدَنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَّلَ فِي الْفَتَاوَى أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْطَارِ

ص: 304

فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ مَا إذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّ الْإِفْطَارَ وَاجِبٌ وَلَا يَسَعُهُ الصَّوْمُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ فَقُتِلَ يَأْثَمُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُقِيمًا فَأُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْطَارِ حَتَّى قُتِلَ يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ ثَابِتٌ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ وَأَثَرُ الرُّخْصَةِ بِالْإِكْرَاهِ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ لَا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ أُكْرِهَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتُفْطِرَنَّ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَقَوْلِهِ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَأَقْتُلَنَّ وَلَدَك فَصَارَ كَتَهْدِيدِهِ بِالْحَبْسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْمُسَافِرُ إذَا تَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عِنْدَ الْأَكْلِ حَيْثُ رَفَضَ سَفَرَهُ بِالْعَوْدِ إلَى مَنْزِلِهِ وَبِالْقِيَاسِ نَأْخُذُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إذَا مَاتَا قَبْلَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَضَاءُ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ لِوُجُودِ الْإِدْرَاكِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فَظَهَرَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الْخَلَفِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَ فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَبْلَ الصِّحَّةِ لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَدَاةَ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْخِلَافَ نَشَئُوا بَعْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَثِيرٍ مِنْ الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جَهْلَ الْإِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ لِأَوْصَافِهِ الْجَمِيلَةِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

بِمُوَافَقَةٍ (قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا قَضَاءَ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) أَرْجَعَ فِي النَّهْرِ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ إلَى الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَيَّدَ بِهِ أَيْ بِمَوْتِهَا عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُوصَفَانِ حَقِيقَةً بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَغَلَّطَهُ الْقُدُورِيُّ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي رِوَايَةً وَدِرَايَةً إذْ لُزُومُ الْكُلِّ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجَدْ وَالْكُتُبُ الْمُعْتَمَدَةُ نَاطِقَةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِاسْتِحَالَةِ نَقْلِ غَيْرِ الْمَذْهَبِ وَتَرْكِ الْمَذْهَبِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يَأْتِي عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِيَظْهَرَ فِي الْإِيصَاءِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَلْزَمُهُ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَيْ النَّذْرَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ) أَيْ النَّذْرَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَرِيضِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إذَا بَرِئْت (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا اضْطِرَابٌ وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَجِبُ إبْدَالُ الصَّحِيحِ بِالْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ الشَّهْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ صَامَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَذَرَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الصِّحَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْصِيلَ الطَّحَاوِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْمَارِّ وَلِذَا رَدُّوا عَلَيْهِ هَذَا وَفِي السِّرَاجِ رَجُلٌ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَأَقَامَ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ قَبْلَ رَجَبٍ ثُمَّ مَاتَ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ بِشَهْرٍ كَامِلٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ يُوصِي بِقَدْرِ مَا قَدَرَ وَذَكَرَ فِي الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ رَجَبٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلَانِ رِوَايَتَانِ عَنْهُمَا وَالثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إلْزَامَ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ وَلِذَا لَا يُوصِي إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ مُلْزِمٌ فَجَازَ الْفِعْلُ عَقِيبَهُ وَإِنَّمَا التَّأْخِيرُ لِتَسْهِيلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَلَهُمَا وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى أَنَّ اللُّزُومَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ يَظْهَرُ فِي خَلَفِهِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا نَذَرَ شَهْرًا غَيْرَ مُعِينٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ النَّذْرِ أَيَّامًا قَادِرًا عَلَى الصَّوْمِ فَلَمْ يَصُمْ فَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْوَصِيَّةُ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِقَدْرِ مَا قَدَرَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا عَلَى طَرِيقِ الْحَاكِمِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَالِحٌ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ النَّذْرِ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ جُعِلَ كَالْقَادِرِ عَلَى الْجَمِيعِ فَوَجَبَ الْإِيصَاءُ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى النَّذْرُ مُلْزِمٌ فِي الذِّمَّةِ السَّاعَةَ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْأَدَاءِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا صَامَ مَا أَدْرَكَ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ

ص: 305

مَاتَ بَعْدَمَا صَحَّ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَفَصَّلَ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ إنْ لَمْ يَصُمْ الْيَوْمَ الَّذِي صَحَّ فِيهِ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَإِنْ صَامَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْمَرِيضِ فِي رَمَضَانَ إذَا صَحَّ يَوْمًا فَصَامَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالصَّوْمِ تَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ قَضَاءُ يَوْمٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصُمْهُ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْكُلُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ مَا قَدَرَ فِيهِ صَالِحٌ لِقَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْوَسَطِ وَالْأَخِيرِ فَلَمَّا قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْبَعْضِ فَكَأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ الْكُلِّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْأَصْلِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْبَدَلِ وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ فَعَاشَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ الشَّهْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ

(قَوْلُهُ: وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَدْرَكَاهُ كَصَدَقَةٍ الْفِطْرِ إذَا أَوْصَيَا بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ الْفَانِي دَلَالَةً لَا قِيَاسًا فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا فِيهِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ قَالَ وَيُطْعِمُ وَلِيُّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ وَلَا مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ وَصِيُّهُمَا وَأَرَادَ بِتَشْبِيهِهِ بِالْفِطْرَةِ كَالْكَفَّارَةِ التَّشْبِيهَ مِنْ جِهَةِ الْمِقْدَارِ بِأَنْ يُطْعِمَ عَنْ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا التَّشْبِيهَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ كَافِيَةٌ هُنَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِالْإِطْعَامِ دُونَ الْإِيتَاءِ دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الرُّكْنَ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَلَا تَكْفِي الْإِبَاحَةُ

وَقَيَّدَ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ شَيْءٌ كَالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِيصَاءِ لِيَتَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ إلَّا إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَشْرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تِرْكَتِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الْعَشْرِ بِالْعَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ صَاحِبُ الْمَالِ مَالَهُ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ

ــ

[منحة الخالق]

الْإِيصَاءُ بِالْبَاقِي وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ وَمِثْلُهُ لَوْ نَذَرَ لَيْلًا صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ فِي اللَّيْلِ لَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ عَلَى الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَلَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ أَقَامَ أَيَّامًا وَلَمْ يَصُمْ فَقَدْ مَرَّ اهـ.

مَا فِي السِّرَاجِ مُلَخَّصًا وَبِهِ عُلِمَ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ ثُمَّ قَالَ فِي السِّرَاجِ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ ثُمَّ دَخَلَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْفَتَاوَى فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ وَصِحَّتِهِ بَعْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ مُطْلَقٍ فَإِذَا لَمْ يَصُمْ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ كَمَا فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذَا بَقِيَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَلَمْ يَصُمْ ثُمَّ مَاتَ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكَانَ أَشْمَلَ إلَخْ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَوُجُوبُهَا عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ مَعْقُودٌ لِلْعَوَارِضِ (قَوْلُهُ: بَلْ أَرَادَ بِالْوَلِيِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِدُونِ بَلْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ قَالَ فِي الشرنبلالية أَقُولُ: لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءُ عِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا يَأْتِي اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ مُعْتَرِضًا عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَادَّعَى أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ وَهَمَ فِي فَهْمِ كَلَامِهِمْ الْكَافِي وَعِبَارَةُ الْكَافِي عَلَى مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى مُعْسِرٍ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَعَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لَمْ تَجُزْ الْفِدْيَةُ كَمُتَمَتِّعٍ عَجَزَ عَنْ الدَّمِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ وَلَا بَدَلَ لِلْبَدَلِ فَإِنْ مَاتَ وَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ صَحَّ مِنْ ثُلُثِهِ وَصَحَّ التَّبَرُّعُ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ بِلَا إيصَاءٍ إلْزَامُ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا إلْزَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ انْتَهَتْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهَا نَصٌّ فِيمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي كَلَامِ الْكَافِي هُوَ الْكَفَّارَةُ مُطْلَقًا وَلَمَّا وَقَعَ فِي سِيَاقِ كَلَامِهِ ذِكْرُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ وَهُمَا قَدْ اشْتَرَكَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ ذَهَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَسَاقَ كَلَامَهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَسْأَلَةِ بِهِمَا وَقَالَ مَا قَالَ اهـ.

فَبَعِيدٌ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْحَيِّ وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا تَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَلِيُّ فَيَصِحُّ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْأَصْلِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا بَسَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الدُّرَرِ وَفِي الْإِمْدَادِ فِي فَصْلِ إسْقَاطِ الصَّلَاةِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ يَعْنِي مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ الْوَصِيَّةُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَأَوْصَى بِفِدْيَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ صِيَامِ فَرْضٍ وَكَذَا صَوْمُ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَتْلِ خَطَإٍ وَظِهَارٍ وَجِنَايَةٍ عَلَى إحْرَامٍ وَقَتْلِ مُحْرِمٍ صَيْدًا وَصَوْمِ مَنْذُورٍ فَيُخْرِجُ عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ ثُلُثِ مَا تَرَكَ اهـ.

فَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْإِيصَاءِ بِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ التَّوْفِيقِ

ص: 306

وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَأَشَارَ بِالْوَصِيَّةِ إلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَإِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَالصَّوْمِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَيُؤَدِّي عَنْ كُلِّ وِتْرٍ نِصْفَ صَاعٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَى أَنَّ سَائِرَ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَذَلِكَ مَالِيًّا كَانَ أَوْ بَدَنِيًّا عِبَادَةً مَحْضَةً أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ عَكْسَهُ كَالْعَشْرِ أَوْ مُؤْنَةً مَحْضَةً كَالنَّفَقَاتِ أَوْ فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَإِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَصُومُ عَنْهُ وَلَا يُصَلِّي لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِمَا أَدْرَكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ إذْ لَوْ مَاتَا قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ لَوْ أَوْصَيَا بِهِ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُمَا؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الِاعْتِكَافَ ثُمَّ مَاتَ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَالصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ عِبَادَةً بَدَنِيَّةً فَإِنْ أَوْصَى يُطْعِمُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَمَا كَانَ عِبَادَةً مَالِيَّةً كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْهُمَا كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ يُحِجُّ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وِلَاءٍ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي الْقَضَاءِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَاَلَّذِي فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ لَا يُزَادُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فَيُزَادُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكَافِي لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ وَأَشَارَ بِإِطْلَاقِهِ إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ مُطْلَقٌ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَمَعْنَى التَّرَاخِي عَدَمُ تَعَيُّنِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لِلْفِعْلِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ شَرَعَ فِيهِ كَانَ مُمْتَثِلًا وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي زَمَانٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلِهَذَا لَهُ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُ الْوَاجِبِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُضَيَّقِ وَلِهَذَا إذَا أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ آخَرُ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ خَلَفًا عَنْ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يُوجَدْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِهَذَا قَالَ (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ وَيَصُومُ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا بِعُذْرٍ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» قَيَّدَ بِالْخَوْفِ بِمَعْنَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَخَفْ لَا يُرَخَّصُ لَهَا الْفِطْرُ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ إفْطَارُهُ بِسَبَبِ خَوْفِ هَلَاكِ ابْنِهِ فِي الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ فِي الْإِكْرَاهِ جَاءَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْحَقُّ فَلَا يُعْذَرُ لِصِيَانَةِ نَفْسِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ وَأَطْلَقَ الْمُرْضِعَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالظِّئْرِ وَأَمَّا الظِّئْرُ فَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ وَأَمَّا الْأُمُّ فَلِوُجُوبِهِ دِيَانَةً مُطْلَقًا وَقَضَاءً إذَا كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ كَانَ الْوَلَدُ لَا يَرْضَعُ مِنْ غَيْرِهَا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لَا الْأُمُّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَإِنَّمَا قَالَ إذَا خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ وَلَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمُسْتَأْجَرَ إذْ لَا وَلَدَ لَهَا كَذَا قِيلَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ الْمُضَافَ يَعُمُّ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا لِمُفْرَدٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ وَاَلَّذِي أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهَا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مَجَازًا

ــ

[منحة الخالق]

بِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْأَقْصَرِ أَيْ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَتْلِ قَتْلُ الصَّيْدِ لَا قَتْلُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إطْعَامٌ اهـ.

فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ كَيْ يَظْهَرَ الْحَقُّ.

(قَوْلُهُ: وَهُنَاكَ فَرْقٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي النِّهَايَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ مَقْصُودًا وَلَا يَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً أَيْضًا بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِهِ مَعَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الزَّجْرِ عَنْهُ لَا يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ غَيْرُ مَأْمُورٍ قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمُ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَمْرِ الْقَصْدِيِّ وَالضِّمْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ وَلَدُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ أَرْضَعَتْهُ وَالْحُكْمُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَوْ خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ جَازَ لَهَا الْفِطْرُ

ص: 307

لُغَةً وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالْمُرْضِعُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ وَغَدًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا مَاتَا قَبْلَ أَنْ يَزُولَ خَوْفُهُمَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ لِلْقَضَاءِ شَرَائِطُ مِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْقَضَاءِ وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ فَعَلَى هَذَا إذَا زَالَ الْخَوْفُ أَيَّامًا لَزِمَهُمَا بِقَدْرِهِ بَلْ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ وَمَاتَ قَبْلَ زَوَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَيَدْخُلُ الْمُكْرَهُ وَالْأَقْسَامُ الثَّمَانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ.

. (قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهِيَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لَهُ الْفِطْرُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِعَدَمِ وُرُودِ نَصٍّ فِيهِمْ وَوُرُودِهِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ الَّذِي كُلَّ يَوْمٍ فِي نَقْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ وَسُمِّيَ بِهِ إمَّا؛ لِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْفَنَاءِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ بِاعْتِبَارِ شُهُودِهِ لِلشَّهْرِ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَصَامَ كَانَ مُؤَدِّيًا وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْحَرَجِ وَعُذْرُهُ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ إلَى الْقَضَاءِ فَوَجَبَ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ لَكِنْ يَجُوزُ هُنَا طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَنْ تَمْلِيكٍ. اهـ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ عَلَى الْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ فِي الصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِيَخْرُجَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَوَاتُ الْمُؤَدَّاةُ بِالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ خَلِيفَةَ التَّيَمُّمِ مَشْرُوطٌ بِمُجَرَّدِ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ لَا بِقَيْدِ دَوَامِهِ وَكَذَا خَلْفِيَّةُ الْأَشْهُرِ عَنْ الْإِقْرَاءِ فِي الِاعْتِدَادِ مَشْرُوطٌ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ سِنِّ الْيَأْسِ لَا بِشَرْطِ دَوَامِهِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ الْأَنْكِحَةُ الْمَاضِيَةُ بِعَوْدِ الدَّمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَفِي الْكَافِي وَشَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ كَمَا فِي الْيَمِينِ وَفِي صَوْمِ دَمِ الْمُتْعَةِ وَغَيْرِهَا قَدْ تَخَلَّفَ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ بِصِيغَةِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ بِهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَلَعَلَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِهَا وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَجَازَتْ عَنْ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ وَالنَّذْرِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ وَيُفْطِرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَنْ أَذًى وَلَمْ يَجِدْ نُسُكًا يَذْبَحُهُ وَلَا ثَلَاثَةَ آصُعَ حِنْطَةٍ يُفَرِّقُهَا عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَهُوَ فَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَأَطْعَمَ عَنْ الصِّيَامِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ تَصَدَّقَ الشَّيْخُ الْفَانِي بِاللَّيْلِ عَنْ صَوْمِ الْفِدْيَةِ يُجْزِئُهُ وَفِي فَتَاوَى أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْفِدْيَةَ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ بِمَرَّةٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهَا.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا اللَّبَنُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي شَأْنُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ وَالْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَهَذَا الْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي الْكَشَّافِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي أَحَدِهِمَا إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ فِي الصَّوْمِ

ص: 308

فِي آخِرِهِ بِمَرَّةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ لِمَسَاكِينَ يَجُوزُ قَالَ الْحَسَنُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَإِنْ أَعْطَى مِسْكِينًا صَاعًا عَنْ يَوْمَيْنِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُجْزِئُهُ كَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ اسْتِشْهَادًا لِكَوْنِ الْبَدَلِ لَا بَدَلَ لَهُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إذَا كَانَ جَمِيعُ رَأْسِهِ مَجْرُوحًا فَرَبَطَ الْجَبِيرَةَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ وَالْبَدَلُ لَا بَدَلَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُنَا أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لَهُ الْفِطْرُ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ قَضَى إنْ كَانَ نَفْلًا قَصْدِيًّا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَلِهَذَا اخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ إنَّ الدَّلَالَةَ تَضَافَرَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ أَوْجَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا كَمَا تَرَى وَفِي الْكَافِي وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا عُذْرٌ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ أَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَالُوا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِمَّنْ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَلَا يَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْإِفْطَارِ لَا يُفْطِرُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ إنَّهُ إنْ كَانَ يَثِقُ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ يُفْطِرُ دَفْعًا لِلْأَذَى عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثِقُ لَا يُفْطِرُ وَإِنْ كَانَ فِي تَرْكِ الْإِفْطَارِ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ.

وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ رَمَضَانَ. اهـ.

وَلِهَذَا لَا يُفْطِرُ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ لَيُفْطِرَنَّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي النِّهَايَةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إنْ لَمْ يُفْطِرْ إنْ نَفْلًا أَفْطَرَ وَإِنْ قَضَاءً لَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ فِيهِمَا وَلَا يُحْنِثُهُ وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ فِي التَّطَوُّعِ تَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّ الضَّيْفِ وَالْمُضِيفِ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَأَطْلَقَ فِي قَضَاءِ التَّطَوُّعِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِطْرُهُ عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَا بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا النَّفَلَ بِكَوْنِهِ قَصْدِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَعَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُتِمَّهُ فَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ سَاعَةٌ مِنْ حِينِ ظَهَرَ بِأَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ مَضَى سَاعَةٌ ثُمَّ أَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَضَى عَلَيْهِ سَاعَةٌ صَارَ كَأَنَّهُ نَوَى فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إذَا نَوَى الصَّوْمَ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى لَا تَصِحَّ نِيَّتُهُ عَنْ الْقَضَاءِ يَصِيرُ صَائِمًا وَإِنْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ ابْتِدَاءً وَهَذِهِ تَرِدُ إشْكَالًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَظْنُونِ. اهـ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَيُكْرَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْأَجِيرِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ وَمَنْ لَهُ الْحَقُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَابْنَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ تَتَطَوَّعُ بِدُونِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفَوَّتُ حَقُّهُ. اهـ.

وَقَيَّدَ فِي الْمُحِيطِ والولوالجية كَرَاهَةَ صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِأَنْ يَضُرَّ بِالزَّوْجِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ بِأَنْ كَانَ صَائِمًا أَوْ مَرِيضًا فَلَهَا أَنْ تَصُومَ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ صَارَ شَارِعًا) الْمُرَادُ بِهِ قَبْلَ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا قَطَعَهُ سِوَاهٌ قَطَعَهُ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ

ص: 309

الْوَلَدِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الصَّوْمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ مَنَافِعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلزَّوْجِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَانَتْ مِنْهُ وَيَقْضِي الْعَبْدُ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى أَوْ أُعْتِقَ وَقَيَّدَ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْأَجِيرِ أَيْضًا بِكَوْنِ الصَّوْمِ يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ بِغَيْرِ إذْنِهِ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالُوا يُبَاحُ الْفِطْرُ لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ أَيْ لَا يَمْنَعُ صَوْمُ النَّفْلِ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّظْمِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُفْطِرَ لِلضِّيَافَةِ، وَلَا يَقُولَ: أَنَا صَائِمٌ؛ لِئَلَّا يَقِفَ عَلَى سِرِّهِ أَحَدٌ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ لَا يَصُومُ الْمَمْلُوكُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا وَلَا ضَرَرَ لَهُ فِي ذَلِكَ. اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قَالُوا لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَالْأَجِيرُ إذَا كَانَ يَضُرُّهُ الْخِدْمَةُ وَكَذَا فِي الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ وَالصَّلَاةَ سَوَاءٌ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إطْلَاقُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَضُرُّ بِبَدَنِ الْمَرْأَةِ وَيُهْزِلُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ الْآنَ يَطَؤُهَا وَالْعَبْدُ مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى فَلَيْسَ لَهُ الصَّوْمُ مُطْلَقًا بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي النَّوَافِلِ فَلَا، وَفِي الْقُنْيَةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ مَا كَانَ الْإِيجَابُ مِنْ جِهَتِهَا كَالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينِ دُونَ مَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَكَذَا الْعَبْدُ إلَّا إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالصَّوْمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَرْأَةِ بِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ إفْسَادَ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) فَالْإِمْسَاكُ قَضَاءٌ لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ وَعَدَمُ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَأَطْلَقَ الْإِمْسَاكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ وَاجِبًا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَفْطَرَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ صَامَاهُ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ، وَقَيَّدَ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي آخِرِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ قِيَاسُ زُفَرَ وَفَرَّقَ أَئِمَّتُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ: الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ قَدْ يَكُونُ الْوَقْتُ فِيهِ سَبَبًا لِلْمُؤَدَّى وَظَرْفًا لَهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ سَبَبًا وَمِعْيَارًا وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِهِ كَوَقْتِ الصَّوْمِ تَسَاهُلٌ؛ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ فِيهِمَا، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُرَادِ قَدْ يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الْإِمْسَاكُ فِي نَفْسِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِلْوُجُوبِ، وَإِلَّا لَزِمَ سَبْقُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِلُزُومِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ فَالْإِيجَابُ فِيهِ يَسْتَدْعِي سَبَبًا سَابِقًا وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ لَزِمَ كَوْنُ مَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْتِ الصَّلَوَاتِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تُضَافُ إلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ عَقِيبَهُ انْتَقَلَتْ إلَى مَا يَلِي ابْتِدَاءَ الشُّرُوعِ فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ وَاعْتُبِرَ حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ لَا دَاعِيَ لِجَعْلِهِ مَا يَلِيهِ دُونَ مَا يَقَعُ فِيهِ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ السَّبَبَ تَمَامُ الْوَقْتِ مُسَلَّمٌ لَوْ سَكَتُوا وَهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ كُلِّ الْوَقْتِ سَبَبًا فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرُوا أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ مِنْ جُزْءٍ إلَى جُزْءٍ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ عَلَى مَا بَانَ إلَى آخِرِهِ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لِلَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ فَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ بِاللَّيْلَةِ فَالْإِمْسَاكُ إنَّمَا وَجَبَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ سَبْقِ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّ إحَالَةَ الْمَنْعِ عَلَى الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ عَلَى عَدَمِهِ أَوْلَى لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ لَا يُهْزِلُهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ انْتَفَى بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا جَازَ.

ص: 310

السَّبَبِ عَلَيْهِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ خَاصَّةٌ بِالْأَيَّامِ وَأَنَّ اللَّيَالِيَ لَا دَخْلَ لَهَا فِي السَّبَبِيَّةِ فَلِأَنَّ لُزُومَ تَقَدُّمِ السَّبَبِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ فَلَا وَالصَّوْمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ مِعْيَارٌ لَهُ مُقَدَّرٌ بِهِ يَزِيدُ بِزِيَادَتِهِ وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ خَالِيًا عَنْ الصَّوْمِ لِيَكُونَ سَبَبًا مُتَقَدِّمًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ سَبَبًا لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ فَلَزِمَ فِيهِ مُقَارَنَةُ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ مُقَارِنٌ لِلْمُسَبَّبِ صَاحِبُ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ بِخِلَافِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ ظَرْفٌ فَأَمْكَنَ تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ شَرَعَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ سَقَطَ اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ وَجُوِّزَتْ الْمُقَارَنَةُ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ سَبَبًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ الْيَوْمُ الْكَامِلُ لَا الْجُزْءُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ فِي الْمُقَارَنَةِ عَلَى هَذَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ فِي آخِرِ النَّهَارِ بِصِفَةٍ لَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَيْهَا لَلَزِمَهُ الصَّوْمُ فَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَطْهُرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَبْرَأُ وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ الْأَكْلِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَمْ يَجِبْ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ثُمَّ قِيلَ الْحَائِضُ تَأْكُلُ سِرًّا لَا جَهْرًا وَقِيلَ تَأْكُلُ سِرًّا وَجَهْرًا وَلِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ الْأَكْلُ جَهْرًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيَّرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عِبَارَةَ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. قَالَ وَقُلْنَا كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِيَشْتَمِلَ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالَةٌ بَعْدَ فِطْرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَبْلَهُ وَكَلِمَةُ صَارَ تُفِيدُ التَّحَوُّلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى أُخْرَى بِخِلَافِ تَحَقَّقَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ غَيَّرَ صَارَ إلَى تَحَقَّقَ أَتَى بِكَلِمَةِ لَوْ الْمُفِيدَةِ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ الْمُفِيدَةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً أَوَّلَ الْيَوْمِ فَلَا يَشْمَلُ كَلَامُهُ مَنْ أَكَلَ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَمَنْ أَكَلَ عَمْدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الضَّابِطِ أَصْلًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَدْرَجُوهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَهُ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا فَهُوَ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ بَيَانُ الْأَحْكَامِ وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ أَوْلَى وَهِيَ أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَالْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ وَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ بِأَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَصْبَحَ يَوْمَ الشَّكِّ مُفْطِرًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ تَسَحَّرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا. اهـ.

فَقَدْ جَعَلَ لِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ أَصْلَيْنِ وَجَعَلَ بَعْضَ الْفُرُوعِ مُخَرَّجَةً عَلَى أَصْلٍ وَبَعْضَهَا عَلَى آخَرَ فَلَا إيرَادَ أَصْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ صَبِيٌّ بَلَغَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَصْرَانِيٌّ أَسْلَمَ وَنَوَيَا الصَّوْمَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُمَا عَنْ الْفَرْضِ غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ صَائِمًا عَنْ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ لِفَقْدِ الْأَهْلِيَّةِ فِي حَقِّهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصَّبِيَّ يَجُوزُ صَوْمُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَقِيلَ جَوَابُهُ فِي الْكَافِرِ كَذَلِكَ، إلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ) سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.

ص: 311

أَشَارَ فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يَكُنْ أَكَلَ شَيْئًا وَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْمَرَضُ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّبَا وَالْكُفْرِ وَالْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلصَّوْمِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) إنْ نَوَى قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا صِحَّةَ الشُّرُوعِ أَطْلَقَ الصَّوْمَ فَشَمِلَ الْفَرْضَ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْيِيتُ وَالنَّفَلَ وَحَيْثُ أَفَادَ صِحَّةَ صَوْمِ الْفَرْضِ لَزِمَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ الْمُرَخِّصِ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ ثُمَّ سَافَرَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ إذَا أَفْطَرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ شُبْهَةِ الْمُبِيحِ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الصَّوْمَ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا لَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِفْطَارَ وَإِنَّمَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ الصِّحَّةَ مَعَ نِيَّةِ الْمُنَافِي فَمَعَ عَدَمِهَا أَوْلَى وَلِأَنَّ نِيَّةَ الْإِفْطَارِ لَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ نَوَى الصَّائِمُ الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ لَا يَكُونُ مُفْطِرًا وَكَذَا لَوْ نَوَى التَّكَلُّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا فَيَصِيرُ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْإِسْقَاطِ وَإِنَّمَا لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ الْمَقْرُونُ بِالنِّيَّةِ إذْ الظَّاهِرُ وُجُودُهَا مِنْهُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ لِانْعِدَامِ النِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِغْمَاءُ فِي اللَّيْلِ أَوْ فِي النَّهَارِ فِي أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُدُوثَهُ فِي لَيْلَتِهِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا حَدَثَ فِي الْيَوْمِ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُغْمًى عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِغْمَاءَ لَوْ كَانَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِيهِ إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ وَالْمُمْتَدُّ هُوَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الشَّهْرَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ مَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الشَّهْرُ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ وَفِي الْوُجُوبِ فَائِدَةٌ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ مَطْلُوبًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ فَإِنَّهُ يُحْرَجُ فِي أَدَائِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً فَلَا حَرَجَ وَإِلَّا كَانَ رُبَّمَا يَمُوتُ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا الْتَحَقَ بِالصَّبِيِّ فَانْعَدَمَ الْخِطَابُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَدَخَلَ تَحْتَ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ مَا إذَا أَفَاقَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ قَالَ إذَا أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَجِبُ مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا لِلْحَرَجِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ جُعِلَ كَالنَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ آدَمِيَّتِهِ حَتَّى وَرِثَ وَمَلَكَ وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَجُنَّ فِيهِ مُمْسِكًا كُلَّهُ صَحَّ فَلَا يَقْضِي لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا

وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ الْحَرَجَ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ فَقُدِّرَ فِي الصَّلَاةِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ سِتًّا وَهُوَ أَقْيَسُ لَكِنَّهُمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمُسَافِرٍ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ أَمَّا مَنْ لَا يَضُرُّهُ فَلَا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ أَفْضَلُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ قَصْدَ صَوْمِ الْغَدِ فِي اللَّيَالِيِ مِنْ الْمُسَافِرِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مَمْنُوعٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّهُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نَوَى أَمْ لَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى فَلَا شَكَّ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِهَا (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ قَالَ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقِيَاسِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ الْأَصْلِيَّ لَا يُفَارِقُ الْعَارِضَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِالْقَضَاءِ لَوْ أَفَاقَ بَعْضَهُ وَلَمْ نُسْقِطْهُ إلَّا فِي الْأَصْلِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.

لَكِنْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَجَوَابُ الْكِتَابِ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ) أَيْ صَحَّحَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ

ص: 312

أَقَامَا الْوَقْتَ مُقَامَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي الصَّوْمِ بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَفِي الزَّكَاةِ بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ وَأَبُو يُوسُفَ جَعَلَ أَكْثَرَهُ كَكُلِّهِ وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ كَالْجُنُونِ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عَقَلَ تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ وَأَمَّا النَّائِمُ فَلِكَوْنِ النَّوْمِ مُوجِبًا لِلْعَجْزِ لَزِمَ تَأْخِيرُ خِطَابِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ وَلِذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ إذَا زَالَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَمَّا كَانَ لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا لَمْ يَسْقُطْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ وَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَوَاتِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا مُسْقِطًا لَهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ بِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةٌ صِبًا وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ وَنَوْمٌ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا عِبَادَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا هِبَةُ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الزَّكَاةَ بِدُونِ نِيَّتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِي لَيْلَتِهِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ ظَاهِرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَا يَنْوِي شَيْئًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ. اهـ.

وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِهِ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَبُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ وَأَشَارَ بِوَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَوْ أَكَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ تَسَحَّرَ يَظُنُّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلُّزُومِ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُعَظَّمٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا الْمُتَأَخِّرُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ أَيْضًا لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا أَوَّلَ الْجُزْءِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَكَذَا لَوْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَوْ أَفْطَرَ ظَانًّا زَوَالَ الْيَوْمِ فَبَانَ خِلَافُهُ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ أَوْ نَفْيًا لِلتُّهْمَةِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا كَفَّارَةَ فِي هَاتَيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَاصِرَةٌ وَهِيَ جِنَايَةُ عَدَمِ التَّثْبِيتِ إلَى أَنْ يَسْتَيْقِنَ لَا جِنَايَةُ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْمُرَادُ إثْمُ الْقَتْلِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ فِيهِ إثْمَ تَرْكِ الْعَزِيمَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّثْبِيتِ حَالَةَ الرَّمْيِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ ظَنَّهُ لَيْلًا التَّرَدُّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ الشَّكُّ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ لَوْ ظَهَرَ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ ظَنَّ وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتَسَحَّرَ مَعَ الشَّكِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ تَيَقُّنَ الطُّلُوعِ لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ شَكَّ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ أَوْ مُتَغَيِّمَةٍ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ يَدَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ عَدْلٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ

وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَمْ يَفْسُدْ

ــ

[منحة الخالق]

كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَمَشَى عَلَيْهِ مُصَحِّحًا لَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.

(قَوْلُهُ: أَرَادَ بِالظَّنِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا مَا يَعُمُّ الشَّكَّ إذْ لَا يُلَائِمُ قَوْلَهُ بَعْدُ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ كَمَا تَرَى فَالصَّوَابُ إبْقَاؤُهُ عَلَى بَابِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَسْأَلَةِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلِ إذْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُضَافُ إلَى غَالِبِ الظَّنِّ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ اهـ.

وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّ كَلَامَ الظَّهِيرِيَّةِ يُفِيدُ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالطُّلُوعِ لَا تُوجِبُ الْقَضَاءَ وَلَيْسَ فَوْقَ غَلَبَةِ الظَّنِّ إلَّا الْيَقِينُ فَإِيجَابُ الْقَضَاءِ بِانْضِمَامِ خَبَرِ الْعَدْلِ إلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ مُفِيدٌ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ الْيَقِينِ وَمُفِيدٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ أَصْلًا إذْ لَا يَحْصُلُ

ص: 313

صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ الطُّلُوعَ وَأَكَلَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ صِحَّةُ ظَنِّهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ فَلَوْ قَالَ ظَنَّهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكَانَ أَوْلَى وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَاقِلًا عَنْ التُّحْفَةِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قِيلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَاللَّيْلُ أَصْلٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلِلْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثٌ فِيهِ حَسَنٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ بِهِ دُخُولُ اللَّيْلِ فِي الْوُجُودِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِبَقَائِهِ فَهُوَ ظَنِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ وَالْأَمَارَةِ الَّتِي بِحَيْثُ تُوجِبُ عَدَمَ ظَنِّ بَقَاءِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ فَتَعَارَضَ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ فَيَتَهَاتَرَانِ فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ اللَّيْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَأَرَادَ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ غَلَبَةَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَاكًّا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ

وَفِي التَّبْيِينِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ظَنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَنَّ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ كَأَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ وَلَفْظُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْغُرُوبِ قَائِمٌ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ ثَابِتَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَظُنَّ أَوْ يَشُكَّ فَإِنْ ظَنَّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ قِيَامَ الْمُحَرِّمِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ لَهُ شَيْءٌ أَوْ يَتَبَيَّنَ صِحَّةُ مَا ظَنَّهُ أَوْ بُطْلَانَهُ وَكُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَإِنْ شَكَّ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَمِثْلُهَا فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ عُلِمَ أَحْكَامُهَا مِنْ الْمَتْنِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَلْيُتَأَمَّلْ

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَحُّرَ ثَابِتٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالثَّانِيَ فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي السَّحُورِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ

ــ

[منحة الخالق]

ذَلِكَ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا الْأَكْثَرِ إلَّا إذَا تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ لَيْلًا لَيْسَ بِقَيْدٍ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِاللَّيْلِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوْ تَسَحَّرَ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ التَّسَحُّرَ أَكْلُ السَّحُورِ وَجَعْلُ تَسَحُّر بِمَعْنَى أَكَلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ اهـ.

لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّحُورَ غَيْرُ قَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكَلُّفَ فِي جَعْلِ التَّسَحُّرِ بِمَعْنَى الْأَكْلِ مُطْلَقًا هُنَا وَتَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ هُنَا لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ وَقَعَ نَهَارًا وَإِذَا ظَنَّهُ نَهَارًا فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ تَسَحُّرًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ احْتِمَالِ بَقَاءِ اللَّيْلِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ) الْمُنَاسِبُ دَلِيلَانِ ظَنِّيَّانِ أَوْ التَّصْرِيحُ بِخَبَرِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاسْتِصْحَابِ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِيهِ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَقْتَضِي تَصْحِيحَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الشَّكِّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ يُمْكِنُ دَفْعُ الْمُخَالَفَةِ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ) أَوْصَلَهَا فِي النَّهْرِ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِجَعْلِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ قِسْمًا مَعَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ الْخَارِجَةُ مِنْ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً كُلَّ وَاحِدٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَبَلَغَتْ مَا قَالَ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِفَرْقِهِ بَيْنَهُمَا أَيْ الظَّنِّ وَغَلَبَتِهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا يَظْهَرُ لِمَنْ تَأَمَّلَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ بَيْنَ مَفْهُومَيْهِمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَرْجِيحِ أَحَدِ طَرَفَيْ الْحُكْمِ عِنْدَ الْعَقْلِ هُوَ أَصْلُ الظَّنِّ فَإِنْ زَادَ ذَلِكَ التَّرْجِيحُ حَتَّى قَرُبَ مِنْ الْيَقِينِ سُمِّيَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَأَكْبَرَ الرَّأْيِ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَيُرَادُ بِالظَّنِّ حِينَئِذٍ مَا يَشْمَلُ غَلَبَتَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِمَا جَعْلُ الشَّكِّ تَارَةً فِي وُجُودِ الْمُبِيحِ وَتَارَةً فِي قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَلَا وَجْهَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ إنَّمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالْمُبِيحِ تَارَةً وَبِالْمُحَرِّمِ أُخْرَى؛ لِأَنَّ لَهُ نِسْبَةً مَخْصُوصَةً إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا تَعَلَّقَ الظَّنُّ بِوُجُودِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْجِيحِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فِيهِ فَإِذَا شَكَّ فِي قِيَامِ زَيْدٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ قِيَامَهُ وَعَدَمَهُ عَلَى السَّوَاءِ فَكَانَ مُتَعَلِّقًا بِكِلَا الطَّرَفَيْنِ فَيَكُونُ مَعْنَى شَكِّهِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي وَقْتِ احْتِمَالِ وُجُودِ اللَّيْلِ وَوُجُودِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى السَّوَاءِ، فَكَانَ الْحَقُّ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يَظُنَّ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ يَشُكَّ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ أَوْ انْتِهَائِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ السِّتِّ إمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ وُجُودَ الْمُبِيحِ أَوْ وُجُودَ الْمُحَرِّمِ أَوْ لَا يَتَبَيَّنَ فَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ تِسْعَةٌ فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَتِسْعَةٌ فِي انْتِهَائِهِ وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا صَنِيعُ الْعَلَّامَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ

ص: 314

تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةً بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَحَلُّ الِاسْتِحْبَابِ مَا إذَا يَتَيَقَّنُ بَقَاءَ اللَّيْلِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَمَّا إذَا شَكَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَتَسَحَّرَ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا تَسَحَّرَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْفَجْرَ طَالِعٌ أَثِمَ وَقَضَى. اهـ.

وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَقَاؤُهُ فَتَسَحَّرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يُكْرَهُ الْأَكْلُ مَعَ الشَّكِّ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ عَلَامَاتُ الطُّلُوعِ مِنْ ضَرْبِ الدَّبَادِبِ وَالْأَذَانِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ. اهـ.

وَالسُّنَّةُ فِي السَّحُورِ التَّأْخِيرُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِعَانَةِ فِيهِ أَبْلَغُ وَكَذَا تَعْجِيلُ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّعْجِيلُ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلُ قَبْلَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا فِي كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ يَكُونُ مُحَصِّلًا لِسُنَّةِ السَّحُورِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُفِيدُهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مُسْنَدًا «السَّحُورُ كُلُّهُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» وَالْبَرَكَةُ فِي الْحَدِيثِ لُغَةً الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ: زِيَادَةٌ فِي الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ وَزِيَادَةٌ فِي إبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَلَابَاذِيُّ وَبَيَّنَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ إلَّا فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَلَا يُفْطِرُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَإِنْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ. اهـ.

وَذَكَرَ قَبْلَهُ شَهِدَا أَنَّهَا غَرَبَتْ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ وَأَفْطَرَ ثُمَّ بَانَ عَدَمُ الْغُرُوبِ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ شَهِدَا عَلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِ الطُّلُوعِ فَأَكَلَ ثُمَّ بَانَ الطُّلُوعُ قَضَى وَكَفَّرَ وِفَاقًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ حَتَّى قِيلَ شَهَادَةُ الْمُثْبِتِ لَا النَّافِي وَلَوْ وَاحِدٌ عَلَى طُلُوعِهِ وَآخَرَانِ عَلَى عَدَمِهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ دَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَسَحَّرُ فَقَالُوا: إنَّهُ طَالِعٌ فَصَدَّقَهُمْ فَقَالَ إذَنْ أَنَا مُفْطِرٌ لَا صَائِمٌ ثُمَّ دَامَ عَلَى الْأَكْلِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مَا كَانَ طَالِعًا فِي أَوَّلِ الْأَكْلِ وَطَالِعًا وَقْتَ الْأَكْلِ الثَّانِي قَالَ النَّسَفِيُّ الْحَاكِمُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عَدْلًا أَوْ لَا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُقْبَلُ. اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ جِمَاعِهِ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ وَهُوَ الْأَكْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ مُضَادٌّ لِلصَّوْمِ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَكَذَا فِيهِ شُبْهَةُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِفَسَادِ صَوْمِ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَطْلَقَهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ فُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ كَمَالِكٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ فَصَارَ شُبْهَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ يَكُونُ شُبْهَةً كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ وَكَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ فَأَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ بِالنَّظِيرِ فَإِنَّ الْقَيْءَ وَالِاسْتِقَاءَ مُتَشَابِهَانِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا مِنْ الْفَمِ وَكَذَا لَوْ احْتَلَمَ لِلتَّشَابُهِ فِي قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفَطِّرُهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَلَا شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَجَمَ أَوْ اغْتَابَ فَظَنَّ أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ ثُمَّ أَكَلَ إنْ لَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا وَلَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ جَهْلٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعَالِمِ إذَا كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَكَانَ مَعْذُورًا فِيمَا صَنَعَ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْطِئًا فِيمَا أَفْتَى وَإِنْ لَمْ يَسْتَفْتِ وَلَكِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام.

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 315