الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالِاغْتِسَالِ اهـ.
فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَرُوِيَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَشَمَلَ التَّسْبِيحَ وَالذِّكْرَ وَالْقِرَاءَةَ، وَفِي النِّهَايَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ
وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْإِنْصَاتُ اهـ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَالْكَلَامُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَزَادَ فِيهَا أَنَّ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ وَهَذَا إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّائِيَ كَالْقَرِيبِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُصَحِّحُهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَكِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَشَمَلَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَرَدَّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَمْدِ إذَا عَطَسَ السَّامِعُ وَصَحَّحُوا أَنَّهُ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلُّ الْإِنْصَاتُ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَوْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُلَاةِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا تُعُورِفَ مِنْ أَنَّ الْمُرْقَى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَى وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرْقَى فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إذْ الْأَذَانُ قَبْلَهُ لَيْسَ بِأَذَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلْأَذَانِ الثَّانِي الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ عليه الصلاة والسلام إلَّا هُوَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ السُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةَ وَمِنْ الِاسْتِمَاعِ بَلْ رُبَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «كَانَ النِّدَاءُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرْ التَّسْبِيحَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ حَتَّى لَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ كَلَامًا آخَرَ نَعَمْ فِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَكَذَا كُلُّ مَا شَغَلَ بَالَهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْكِتَابَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ وَيَسْكُتَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي قَبْلَ الْخِلَافِ فِي إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَقُبِلَ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالدُّنْيَا فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ يَحْمَدُ (قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ قُبَيْلَ الْإِمَامَةِ بِأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَوْ يُصَحِّحَ الْحُرُوفَ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَلِّي قَلْبًا ائْتِمَارًا لِأَمْرِ الْإِنْصَاتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ.
وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْفَتْحِ بَعْدَ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) نَقَلَ الْخَبَرَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَأَنَّهُ لَمْ يُفْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ يُمْهِلُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ؛ لِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ تَرْغِيبًا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ تَبْسِيطًا لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ وَأَقَرَّهُ رَمْلِيُّنَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يُصَيِّرُ الْحَرَامَ مُبَاحًا تَأَمَّلْ.
[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]
(قَوْلُهُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِي وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا
قَالَ الْبُخَارِيُّ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْضُ مَنْ نَفَى أَنَّ لِلْجُمُعَةِ سُنَّةً فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ «أَنَّهُ كَانَ عليه السلام إذَا رَقِيَ الْمِنْبَرَ أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا أَكْمَلَهُ أَخَذَ عليه السلام فِي الْخُطْبَةِ» فَمَتَى كَانُوا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامُوا فَرَكَعُوا فَهُوَ مِنْ أَجْهَلْ النَّاسِ وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ خُرُوجَهُ عليه السلام كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَعْدَ مَا كَانَ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ هَذَا الْمُجَوَّزِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ عُمُومِ أَنَّهُ «كَانَ عليه السلام يُصَلِّي إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَرْبَعًا» ، وَكَذَا يَجِبُ فِي حَقِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ الزَّوَالَ كَالْمُؤَذِّنِ بَلْ رُبَّمَا يَعْلَمُونَهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِيُؤَذِّنَ اهـ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَيْعِ مَا يُشْغِلُ عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ سِوَى الْبَيْعِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَشَارَ بِعَطْفِ تَرْكِ الْبَيْعِ عَلَى السَّعْيِ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى حَالَةَ السَّعْيِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِعَدَمِهَا إذَا لَمْ يَشْغَلْهُ وَصَرَّحَ بِالْوُجُوبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ فِي رُتْبَتِهِ وَيَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ وَبِهِ انْدَفَعَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ النِّدَاءِ مَكْرُوهٌ لِلْآيَةِ، وَلَوْ فُعِلَ كَانَ جَائِزًا وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ اهـ.
فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيمِيَّةٌ اتِّفَاقًا؛ وَلِهَذَا وَجَبَ فَسْخُهُ لَوْ وَقَعَ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّعْيِ لِلنَّدَبِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُ الْأَكْمَلِ فِي شَرْحِ الْمَنَارَ إنَّ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ مَرْدُودٌ لِمَا عَلِمْت، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ هَلْ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْعِبْرَةُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا.
(قَوْلُهُ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِ الْخُطْبَةِ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَائِدٌ إلَى الْخَطِيبِ الْجَالِسِ، وَفِي الْقُدُورِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ مَجَازٌ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمِنْبَرِ عَلَى الْخَطِيبِ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ لَوْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَقْتَ الْأَكْلِ يَتْرُكُهُ إذَا خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ كَخُرُوجِ وَقْتِ الْمَكْتُوبَاتِ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَدَّهِنَ وَيَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَدَهُ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَغْتَسِلَ وَيَجْلِسَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ قِيلَ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةِ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَامَّةَ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا تَتَوَصَّلُ الْعَامَّةُ إلَى نَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُرْجَى لَهُ فَضْلٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] فَحَسَنٌ تَبَرُّكًا بِفِعْلِهِ عليه السلام وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَتِهَا بَلْ يَقْرَأُ غَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَيْ لَا يُؤَدِّي إلَى هَجْرِ الْبَاقِي
ــ
[منحة الخالق]
؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تُسَمَّى أَذَانًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِعَدَمِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي التَّعْدِيلُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وُقُوعُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِفَرْضِيَّتِهِ وَكَفَاك بِوَقْتِ الْعَصْرِ شَاهِدًا اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ أَصْلَ السَّعْيِ فَرْضٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذَا بِخِلَافِ وَقْتِ الْعَصْرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُنَاكَ، وَلَا يُوصَفُ الْوَقْتُ بِالْوُجُوبِ وَلَا بِالْفَرْضِ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ) نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ فِي زَمَانِنَا لَا يَمْنَعُ الْأُمَرَاءُ أَنْ يَدْخُلَ الْفُقَرَاءُ الْمَقْصُورَةَ الدَّاخِلَةَ فَالصَّفُّ الْأَوَّلُ مَا كَانَ فِي الْمَقْصُورَةِ الدَّاخِلَةِ وَفِيهَا عَنْ التَّهْذِيبِ الْمَقَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ خَلْفَهُ، ثُمَّ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ وَفِيهَا عَنْ النِّصَابِ إنْ سَبَقَ أَحَدٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلَ عِلْمٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ.
هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُورَةَ إذَا كَانَتْ وَسَطَ الْمَسْجِدِ كَمَقْصُورَةِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ أَنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَقْصُورَةِ مِمَّا هُوَ عَنْ يَمِينِ الصَّفِّ الدَّاخِلِ وَعَنْ يَسَارِهِ لَا يُسَمَّى صَفًّا أَوَّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَقْصُورَةِ بَيْتٌ دَاخِلَ الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ كَبَيْتِ الْخَطِيبِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْخَطِيبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُلُوكَهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ خَوْفًا مِنْ الْأَعْدَاءِ فَلَا يُمَكِّنُونَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ أَمَّا مِثْلُ مَقْصُورَةِ دِمَشْقَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا عَنْ طَرَفَيْهَا قُرْبَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ صَفٌّ أَوَّلُ