الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا قَالُوا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ يُصَلُّ لَمَّا أَنْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ حِينَئِذٍ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ اهـ.
وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ لَا غَيْرِهِ
وَأَيْضًا يَنْبَغِي حَمْلُ حَالَ الْإِمَامِ عَلَى التَّقْلِيدِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ فَيَتَّحِدُ اعْتِقَادُهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ مِنْهُ تَعَمُّدُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَهُوَ حَرَامٌ إلَّا أَنْ تُفْرَضَ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ الْمَأْمُورَ عَلِمَ بِهِ وَالْإِمَامُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَقَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ) شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّوَافِلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَاجِبِ فَذَكَرَ أَنَّهَا نَوْعَانِ سُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ فَالْأَوَّلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا عَدَا الْجُمُعَةِ ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَذَكَرَهَا كَمَا فِي الْكِتَابِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّيهَا وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ» وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَفِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْهَا أَيْضًا «لَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ وَلَا صِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ» وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْعَالِمُ إذَا صَارَ مَرْجِعًا فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى فَتْوَاهُ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ اهـ.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْعَتَّابِيِّ مَنْ أَنْكَرَ سُنَّةَ الْفَجْرِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الظَّاهِرُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تُقْضَى إلَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» فَقَدْ وَجَدْتَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَالنَّهْيَ عَنْ تَرْكِهَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ
وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ هُنَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهَا تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ يُجْزِئُهُ عَنْ رَكْعَتَيْ
ــ
[منحة الخالق]
فِي الْجُمْلَةِ وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ الِاقْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَضْيَقُ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُمْ هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَطْ اهـ.
وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَإِنْ تَرَكَ بَعْضَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ عِنْدَنَا لَكِنْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي فِي حَوَاشِي الدُّرَرِ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ رَأْيُ الْإِمَامِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَرَادَ بِهِ رَأْيَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا لَا رَأْيَ الْإِمَامِ فَقَطْ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْإِمَامِ لَا فِي اعْتِبَارِ رَأْيِ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ رَأْيِهِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَنَفِيُّ الْمُقْتَدِي إذَا رَأَى فِي ثَوْبِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ مَنِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْمَنِيَّ نَجَسٌ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيِّ وَإِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً قَلِيلَةً يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الْقَلِيلَةَ مَانِعَةٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَبَرُ رَأْيُهُمْ. اهـ. وَلَكِنْ لِيُتَأَمَّلَ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَجْوِيزِ الرَّازِيِّ اقْتِدَاءَ الْحَنَفِيِّ بِمَنْ يُسَلِّمُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا السَّلَامُ فِي اعْتِقَادِهِ مَعَ أَنَّهُ فِي رَأْيِ الْمُؤْتَمِّ قَدْ خَرَجَ فَلْيُحَرَّرْ.
[الصَّلَاة الْمَسْنُونَة كُلّ يَوْم]
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَا يَصِحُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَقَدْ ذَكَرُوا مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبِهَا وَقَدْ فَهِمَ بَعْضٌ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ اهـ.
قُلْت قَدْ مَرَّ عَدَمُ جَوَازِ صَلَاةِ الْوِتْرِ قَاعِدًا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِسُنِّيَّتِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مِسْكِينٍ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهَا وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ عَدَمِ تَكْفِيرِ جَاحِدِ الْوِتْرِ إجْمَاعًا وَغَايَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَنْ تَكُونَ كَالْوِتْرِ فَكَيْفَ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُحُودِ فِي جَانِبِ الْوِتْرِ جُحُودُ وُجُوبِهِ لَا أَصْلِهِ بِخِلَافِهِ فِي جَانِبِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُحُودُ أَصْلِ السُّنَّةِ فَلَا تَنَافِي حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ الْوِتْرَ نَفْسَهُ يَكْفُرُ وَأَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْوِتْرِ وَأَصْلَ الْأُضْحِيَّةِ كَفَرَ اهـ لَكِنْ يُنَافِيهِ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَإِنَّمَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يَعْرُو عَنْ شُبْهَةِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ جَحْدُ الْوُجُوبِ لَا أَصْلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ) لَا يَخْفَى أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ هِيَ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي قَرِيبًا فَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ
الْفَجْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ فَتَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ اهـ.
لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنُوبُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ مُتَفَرِّقَاتِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَجُلٌ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ تُحْتَسَبُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
وَرَدَّهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا لَا تَنُوبُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَمَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ سِتًّا وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَا تَنُوبُ الرَّكْعَتَانِ عَنْ رَكْعَتَيْ السُّنَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ كَذَا هَذَا وَهَذَا لِأَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا وَمُوَاظَبَتُهُ عليه السلام كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالسُّنَّةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثَلَاثٌ أَحَدُهَا أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي بَيْتِهِ وَإِلَّا فَعَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِدِ الشَّتْوِيِّ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ أَوْ عَكْسُهُ إنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاحِدًا يَأْتِي بِهِمَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا مُخَالِطًا لِلصَّفِّ مُخَالِفًا لِلْجَمَاعَةِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْفَجْرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ يَقْطَعْ اهـ
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إمَامٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ فَجَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ بِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَفْعَلَ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يَسَعْ وَقْتُ الْفَجْرِ إلَّا الْوِتْرَ وَالْفَجْرَ أَوْ السُّنَّةَ وَالْفَجْرَ فَإِنَّهُ يُوتِرُ وَيَتْرُكُ السُّنَّةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا السُّنَّةُ أَوْلَى مِنْ الْوِتْرِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الطُّلُوعِ فَالسُّنَّةُ آخِرُهُمَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا صَلَاةٌ وَالسُّنَّةُ مَا تُؤَدَّى مُتَّصِلًا بِالْمَكْتُوبَةِ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي آكَدِ السُّنَنِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَقِيلَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ وَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ اهـ.
وَهَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِأَنَّ فِيهَا وَعِيدًا مَعْرُوفًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَفِي التَّجْنِيسِ وَالنَّوَازِلِ وَالْمُحِيطِ رَجُلٌ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَ السُّنَنَ حَقًّا فَقَدْ كَفَرَ لِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِخْفَافًا وَإِنْ رَأَى حَقًّا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ جَاءَ الْوَعِيدُ بِالتَّرْكِ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» اهـ.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ فِي الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ كَثِيرًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ هُنَا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ وَهُوَ أَحْوَطُ اهـ وَبِأَنَّ حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ كَانَ مُتَقَدِّمًا وَقَدْ شُرِعَ بَعْدَهُ أَشْيَاءُ كَالْوِتْرِ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ الْأَوْرَادَ وَفِي شَرْحِ الشَّهِيدِ الْقِيَامُ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ وَفِي الشَّافِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّاتِبَةَ لَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَشْهَدُ أَنَّ السُّنَّةَ تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اهـ.
وَالْإِشَارَةُ إلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي صَحَّحَهَا صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ فِي التَّجْنِيسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَتَرْجِيحُ التَّجْنِيسِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْجُهٌ أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ) أَيْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ (قَوْلُهُ فَالسُّنَّةُ آخِرُهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ إيلَاؤُهُمَا لِلْفَرْضِ وَقَبْلَ تَقْدِيمِهِمَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِهِ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي كَوْنُ السُّنَّةِ أَوَّلَهُمَا اهـ. (خَاتِمَةٌ) فِي الْمُوَطَّإِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه مَا شَأْنُهُ فَقَالَ نَافِعٌ قُلْت يَفْصِلُ بَيْنَ صَلَاتِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَيُّ فَصْلٍ أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي آكَدِ السُّنَنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَقْوَى السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهَا لَا تَجُوزُ مَعَ الْقُعُودِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ «عليه الصلاة والسلام صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» ثُمَّ الْآكَدُ بَعْدَهَا قِيلَ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ ثُمَّ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ وَقَدْ نَقَلَ مِثْلَهُ فِي النَّهْرِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَهُ يَعْنِي الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْأَصَحِّ الْمُحْسَنِ وَقَدْ أَحْسَنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
كَانَ عليه الصلاة والسلام «إذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ قَدْرَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»
وَكَذَلِكَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ وَلَمْ يَمُرَّ بِي لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ هَلْ تَسْقُطُ السُّنَّةُ قِيلَ تَسْقُطُ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ وَلَكِنَّ ثَوَابَهُ أَنْقَصُ مِنْ ثَوَابِهِ قَبْلَ التَّكَلُّمِ اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ الْكَلَامُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا يُسْقِطُ السُّنَّةَ وَلَكِنْ يَنْقُصُ ثَوَابُهُ وَكُلُّ عَمَلٍ يُنَافِي التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَمَّا بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا لَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ النَّوَافِلِ اهـ.
وَصَحَّحَ فِي فَتَاوَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِمَا فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» مَعَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ» وَعَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا» وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَفْضَلُ عِنْدَنَا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْقُنْيَةِ صَلَّى الْفَرِيضَةَ وَجَاءَ الطَّعَامُ فَإِنْ ذَهَبَ حَلَاوَةُ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضُهَا يَتَنَاوَلُ ثُمَّ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَإِنْ خَافَ الْوَقْتَ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ ثُمَّ يَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ وَلَوْ نَذَرَ بِالسُّنَنِ وَأَتَى بِالْمَنْذُورِ بِهِ فَهُوَ السُّنَّةُ وَقَالَ تَاجُ الدِّينِ أَبُو صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَهَا صَارَتْ أُخْرَى فَلَا تَنُوبُ مَنَابَ السُّنَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ السُّنَّةَ بَعْدَ الْفَرْضِ ثُمَّ أَدَّاهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَا تَكُونُ سُنَّةً وَقِيلَ تَكُونُ سُنَّةً اهـ.
وَالْأَفْضَلُ فِي السُّنَنِ أَدَاؤُهَا فِي الْمَنْزِلِ إلَّا التَّرَاوِيحَ وَقِيلَ إنَّ الْفَضِيلَةَ لَا تَخْتَصُّ بِوَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَكِنْ كُلُّ مَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَجْمَعَ لِلْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ خَافَ لَوْ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ شَغَلَهُ شَأْنٌ آخَرُ يَأْتِي بِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ صَلَّاهَا فِي الْمَنْزِلِ وَكَذَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ حَتَّى الْجُمُعَةِ وَالْوِتْرُ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا وَالسِّتُّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) بَيَانٌ لِلْمَنْدُوبِ مِنْ النَّوَافِلِ أَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ فَلِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» فَلِذَا خَيَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رُبَّمَا يَدَّعِي عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا بِحَمْلِ قَوْلِهِ يُعِيدُ السُّنَّةَ أَيْ لِتَلَافِي النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ أَيْ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهَا إذْ حَقِيقَةُ الْبُطْلَانِ بَعِيدَةٌ لِعَدَمِ الْمُنَافِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اُكْتُفِيَ بِالْفَاتِحَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ مُسَلَّمٌ فِيمَا قَبْلَ الظُّهْرِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَةُ الشَّفِيعِ بِالِانْتِقَالِ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي مِنْهَا وَلَوْ أَفْسَدَهَا قَضَى أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَتِهَا وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا لَهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ اهـ.
لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ هَذِهِ السُّنَنَ الثَّلَاثَ وَفَرَّعَ عَلَيْهَا تِلْكَ الْأَحْكَامَ
(قَوْلُهُ وَعَلَى اسْتِنَانِ الْأَرْبَعِ بَعْدَهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إلَخْ) الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَقُلْنَا بِالسُّنَّةِ مُؤَكَّدَةً جَمْعًا بَيْنَهُمَا كَذَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الشرنبلالية وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ أَنَّ حُكْمَ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ كَالَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الْعُذْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنْ عَجَّلَ بِك شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا رَجَعْت» ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْبُرْهَانِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ يُصَلِّي سِتًّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَالطَّحَاوِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ رحمهم الله وَعَلَى هَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصْلُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنً تَقْدِيمِ الْأَرْبَعِ وَبَيْنَ تَقْدِيمِ الْمَثْنَى وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْأَرْبَعِ كَيْ لَا يَصِيرَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ الْفَرْضِ مِثْلَهَا اهـ.
وَالْأَفْضَلُ الْأَرْبَعُ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةً رَاتِبَةً لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُ مُسْتَحَبًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لِلْعَصْرِ سُنَّةً رَاتِبَةً أَصْلًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَلِذَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ سُنَّةٌ وَأَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَذَكَرُوا فِي بَيَانِهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فَكَانَ حَسَنًا لِأَنَّ الْعِشَاءَ نَظِيرُ الظُّهْرِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَنْقُلُوا حَدِيثًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ لِاسْتِحْبَابِهِ وَأَمَّا الْأَرْبَعُ بَعْدَهَا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ «مَا صَلَّى الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ بَيْتِي إلَّا صَلَّى فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنَ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ سُنَّةً لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي أَبِي دَاوُد فَإِنَّهُ نَصَّ فِي مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ دُونَ السِّتِّ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْبَعُ سُنَّةً لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرَ» اهـ فَهُوَ مُعَارِضٌ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَلِذَا لَمْ تَكُنْ سُنَّةً وَأَمَّا السِّتَّةُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] »
وَذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ السِّتَّ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الظُّهْرِ وَصَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَحَكَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى هَلْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ لَا الثَّانِيَةُ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ هَلْ يُؤَدِّي الْكُلَّ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا وَأَطَالَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ) تَعْلِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ وَيَكُونُ مُسْتَأْنَفٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا عَطْفًا عَلَى تَكُنْ الْمَنْفِيِّ بِلَمْ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَعْلِيلَ لِلنَّفْيِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ تَكُنْ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَكْعَتَيْنِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ سُنَّةً لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مِنْهُمَا بِيَقِينٍ وَيَكُونُ الْأَرْبَعُ مُسْتَحَبًّا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لِلْعَصْرِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ لَا رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَرْبَعًا فَيَقْتَضِي عَدَمَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُوَاظَبَةِ حَتَّى تَثْبُتَ السُّنَّةُ هَذَا وَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَوْلَى فِي الْأَرْبَعِ الْفَصْلُ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ اخْتَارَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَعْنَى أَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ يَعْنِي التَّشَهُّدَ اهـ.
وَلَعَلَّهُ جَوَابُ عُلَمَائِنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْقُلُوا حَدِيثًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ) نُقِلَ فِي الِاخْتِيَارِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا ثُمَّ يَضْطَجِعُ» اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَيْضًا فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ إنْ تَطَوَّعَ قَبْلَ الْعَصْرِ بِأَرْبَعٍ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ بِأَرْبَعٍ فَحَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مُوَاظَبَتِهِ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَخْ) لِأَنَّ مُفَادُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَارَةٌ يُصَلِّي سِتًّا وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَرْبَعُ مُوَاظِبٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَعْضُ السِّتَّةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) أَيْ قَدْ يُقَالُ فِي دَفْعِ الْمُوَاظَبَةِ.
أَقُولُ: وَلِي هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا الرَّاتِبَةُ أَوْ غَيْرَ الرَّاتِبَةِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ يَرِدُ مِثْلُ مَا أَوْرَدَهُ فِي الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَلَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» بِقَوْلِهِ أَمَّا بِأَنَّ الْأَرْبَعَ كَانَ يُصَلِّيهَا عليه السلام فِي بَيْتِهِ وَمَا رَآهُ ابْنُ عُمَرَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى تِلْكَ وِرْدًا آخَرَ سَبَبُهُ الزَّوَالُ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ» ثُمَّ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِعَيْنِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ لِعَدَمِ الْفَصْلِ فِيهِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَنْ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَلَا الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ هِيَ الرَّاتِبَةُ وَبِهِ يُتِمُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الدَّفْعِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الَّتِي بَعْدَ الْجُمُعَةِ نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ أَنَّهَا الرَّكْعَتَانِ الزَّائِدَتَانِ عَلَى الْأَرْبَعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا) أَيْ اخْتَارَ مَا تَضَمَّنَهُ التَّرْدِيدُ الْأَوَّلُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي صَلَاةِ السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْأَوْلَى فِيهَا أَنْ تَكُونَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الرَّاتِبَةَ تُحْتَسَبُ مِنْهَا وَالتَّصْرِيحُ بِخِلَافِ كُلٍّ ثَابِتٌ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي الْمِفْتَاحِ
الْكَلَامَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةَ الضُّحَى لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَقِيلَ لَا تُسْتَحَبُّ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ إنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ لَهَا وَقِيلَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ فِي النَّفْيِ عَنْ رُؤْيَتِهَا وَمُشَاهَدَتِهَا وَفِي الْإِثْبَاتِ عَنْ خَبَرِهِ عليه السلام أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ عَنْهُ أَوْ أَنَّهَا أَنْكَرَتْهَا مُوَاظَبَةً وَإِعْلَانًا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهَا وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرَهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنْ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كَفَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْقَانِتِينَ وَمَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَمَا مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَلِلَّهِ مَنٌّ يَمُنُّ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَصَدَقَةٌ وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يُلْهِمَهُ ذِكْرَهُ» قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَمْ أَرَ بَيَانَ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَآخِرَهُ لِمَشَايِخِنَا هُنَا وَلَعَلَّهُمْ تَرَكُوهُ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِهَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَدَائِعِ صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّهُ الضُّحَى فَقَالَ أَنَّهُ مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الصَّلَاةُ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى اهـ. .
وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ قُبَيْلَ بَابِ الْوِتْرِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِاسْتِحْبَابِهَا وَأَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ رَكْعَتَانِ عَقِيبَ الْوُضُوءِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ أَفْصَحَتْ السُّنَّةُ بِبَيَانِهَا فَعَنْ جَابِرٍ
ــ
[منحة الخالق]
وَنُدِبَ سِتُّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَعْنِي غَيْرَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» كَذَا فِي الْإِيضَاحِ اهـ.
وَفِي الْغَزْنَوِيَّةِ وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْقُرَشِيُّ فِي شَرْحِهَا يُصَلِّي سِتَّ رَكَعَاتٍ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] مَرَّةً {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْبِسْطَامِيُّ اهـ.
وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ وَغُرَرِ الْأَذْكَارِ بِأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْغُرَرِ الْأَذْكَارِيَّةِ وَفَسَّرَهُ يَعْنِي أَنَسًا رَاوِيَ الْحَدِيثِ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ.
كَلَامُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ ثُمَّ قَالَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ اسْتَحَقَّ الْمَوْعُودَ اهـ فَظَهَرَ أَنَّهَا سِتٌّ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْمِفْتَاحِ وَظَاهِرُ شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ وَأَنَّهَا بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ وَإِنْ قَالَ فِي الدُّرَرِ وَالتَّنْوِيرِ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي وَجْهِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ السِّتِّ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَنْ الْأَرْبَعِ وَكَانَ جَمْعُهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهِمَا رُبَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَأْسِ الْأَرْبَعِ لَزِمَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي الشَّفْعِ الثَّالِثِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَكَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ لِيَكُونَ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْوَجْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِي فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا صَلَاةَ التَّوْبَةِ وَصَلَاةَ الْوَالِدَيْنِ وَصَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَرَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي السِّرِّ لِدَفْعِ النِّفَاقِ وَالصَّلَاةَ حِينَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَيَخْرُجُ تَوَقِّيًا عَنْ فِتْنَةِ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ إلَخْ) .
أَقُولُ: لَمْ يَذْكُرْ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشِّرْعَةِ وَيَتَحَرَّى لَهَا وَقْتَ تَعَالِي النَّهَارِ حَتَّى تَرْمَضَ الْفِصَالُ مِنْ الظَّهِيرَةِ قَالَ وَفِي شَرْحِهَا تَعَالِي النَّهَارِ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ وَتَرْمَضُ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ تَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ وَالظَّهِيرَةُ نِصْفُ النَّهَارِ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَشَارِقِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ» قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ أَقُولُ: وَمُقْتَضَاهُ أَفْضَلِيَّةُ كَوْنَهَا أَقْرَبَ إلَى الظَّهِيرَةِ اهـ.
قُلْت: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْحَاوِي وَوَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبُعٌ النَّهَارِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الشِّرْعَةِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا سُورَتَيْ الضُّحَى أَيْ سُورَةَ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وَسُورَةَ {وَالضُّحَى - وَاللَّيْلِ} [الضحى: 1 - 2] اهـ.
قُلْت رَأَيْت فِي التُّحْفَةِ لِابْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ مَا نَصُّهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ وَالشَّمْسِ وَالضُّحَى لِحَدِيثٍ فِيهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ.
قَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُمَا فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رَكَعَاتِهَا أَوْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَمَا عَدَاهُمَا يَقْرَأُ فِيهِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِمَا مَرَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَحْثًا أَنَّهُمَا يُسَنَّانِ أَيْضًا فِي سَائِرِ السُّنَنِ الَّتِي لَمْ تَرِدْ لَهَا قِرَاءَةٌ مَخْصُوصَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي شَرْحِ
قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَقَدِّرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْأَحَادِيثُ بِهَا مَذْكُورَةٌ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ اللَّيْلِ حَثَّتْ السَّنَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَيْهَا كَثِيرًا وَأَفَادَتْ أَنْ لِفَاعِلِهَا أَجْرًا كَبِيرًا فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَقُرْبَةٌ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ بِلَيْلٍ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي صَلَاةِ التَّهَجُّدِ أَهِيَ سُنَّةٌ فِي حَقِّنَا أَمْ تَطَوُّعٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَأَوْسَعُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إحْيَاءُ لَيَالِي الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مُفَصَّلَةً وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ اللَّيْلِ قِيَامُهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ غَالِبُهُ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يُصَلَّى تَطَوُّعٌ بِجَمَاعَةٍ غَيْرَ التَّرَاوِيحِ وَمَا رُوِيَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ وَعَرَفَةَ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا تُصَلَّى فُرَادَى انْتَهَى وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَرَاهَةَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي رَجَبٍ
ــ
[منحة الخالق]
الشِّرْعَةِ مَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ وَكَانَ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ الْخَيْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ فَقَدْ «أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِذَا فَرَغَ قَالَ اللَّهُمَّ» إلَخْ ثُمَّ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ بَيَاضًا أَوْ خُضْرَةً فَذَلِكَ الْأَمْرُ خَيْرٌ وَإِنْ رَأَى فِيهِ سَوَادًا أَوْ حُمْرَةً فَهُوَ شَرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ ذَكَرَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُلْتَقَطِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَفِي الْحَاوِي وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ أَمَّا فِي الْحَاوِي فَذَكَرَ أَنَّهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا بِمَا فِيهِ كَلَامٌ وَأَمَّا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] مَرَّةً {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] مَرَّةً وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] مَرَّةً وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَذَلِكَ كُنَّ لَهُ مِثْلُهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقُضِيَتْ حَوَائِجُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُلْتَقَطِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا حَاجَةَ هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ بَقِيَ أَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي حَقِّنَا السُّنَّةُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَتِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّنَا لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ فِيهَا إنَّمَا تُفِيدُ النَّدْبَ وَالْمُوَاظَبَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَى تَطَوُّعٍ لِتَكُونَ سُنَّةً فِي حَقِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَسُنَّةٌ لَنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَدِلَّةَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ كَمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِسِتِّ تَسْلِيمَاتٍ وَصَلَاةَ الِاسْتِفْتَاحِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي النِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ بِهِ صَلَاةَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِخَمْسِينَ تَسْلِيمَةً وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ
فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْهُ وَأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَمَا يَحْتَالُهُ أَهْلُ الرُّومِ مِنْ نَذْرِهَا لِتَخْرُجَ عَنْ النَّفْلِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَاطِلٌ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ وَعَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا) أَيْ بِتَسْلِيمَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ شُرِعَتْ تَوَابِعَ لِلْفَرَائِضِ وَالتِّبْعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَلَوْ زِيدَتْ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ لَخَالَفَتْ الْفَرَائِضَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي اللَّيْلِ إلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ إلَى الثَّمَانِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ سَبْعَ رَكَعَاتٍ تِسْعَ رَكَعَاتٍ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» وَالثَّلَاثُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْدَادِ الْوِتْرُ وَرَكْعَتَانِ سُنَّةُ الْفَجْرِ فَيَبْقَى رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٌ فَيَجُوزُ إلَى هَذَا الْقَدْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ فَصَحَّحَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فِيهِ وَصْلَ الْعِبَادَةِ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَرَدَّهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي النَّهَارِ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْ بِإِجْمَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَبِهِ يُضَعَّفُ قَوْلُ السَّرَخْسِيُّ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا» إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْقُعُودِ فِيهَا أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الثَّامِنَةِ وَجَوَازُ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفَسَادِ بِتَرْكِهَا وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ رَدِّهِ اسْتِدْلَالَهُمْ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مَنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ أَبَاحَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْلِ بِتَكْبِيرَةٍ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَبِذَلِكَ نَأْخُذُ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ اسْتِدْلَالَهُمْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمُحْتَمَلِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَهَذَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَرْضَ الْعِشَاءِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الْعِشَاءِ وَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْوِتْرَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَيْدُ التَّطَوُّعِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الثَّمَانِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ فَسَّرَتْ الْإِجْمَالَ وَأَزَالَتْ الِاحْتِمَالَ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ انْتَهَى لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ
ــ
[منحة الخالق]
ذَكَرَهَا الْغَافِقِيُّ الْمُحَدِّثُ فِي لَمَحَاتِ الْأَنْوَارِ وَصَاحِبُ أُنْسِ الْمُنْقَطِعِينَ وَأَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ فِي الْقُوتِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدِّيرِينِيُّ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ النُّورِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ الْحَافِظُ الطَّبَرِيُّ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْمُكَلَّفِينَ بِتَطَابُقِ الْكَافَّةِ عَلَى صَلَاةِ مِائَةِ رَكْعَةٍ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِأَلْفٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَتُرْوَى فِي صِحَّتِهَا آثَارٌ وَأَخْبَارٌ لَيْسَ عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ
وَلَا نَقُولُ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ أَمْرُهُ خَطِيرٌ وَشَأْنُهُ كَبِيرٌ مَعَ أَنَّهَا أَخْبَارُ تَرْغِيبٍ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا بِنِيَّتِهِ يُثَابُ وَيَصْدُقُ عَزْمُهُ وَإِخْلَاصُهُ فِي ابْتِهَالِهِ يُجَابُ وَالْأَوْلَى تَلَقِّيهَا بِالْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِصِحَّتِهَا وَلَا حَرَجٍ فِي الْعَمَلِ بِهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ) أَيْ وَأَوْضَحَهُ فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ يُشْكِلُ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي نَفْلِ النَّهَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ فَقَالَ وَكُرِهَ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نَفْلِ النَّهَارِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَزَادَ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ كَذَا قَالُوا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ اهـ.
لَكِنْ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ نَظَرٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ جَائِزًا كَانَ يَفْعَلُهُ عليه الصلاة والسلام تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَفْعَلْهُ عليه الصلاة والسلام يَكُونُ غَيْرَ جَائِزٍ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ وَالْكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مُجِيبًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ اتِّفَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْبُرْهَانِ بَعْدَمَا أَوْرَدَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَدِيثَ مُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ شَفْعٍ لِمَا رَوَيْنَا دَلِيلُ انْتِسَاخِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَأَجَابَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ نَفْيَ الْوِجْدَانِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ وِجْدَانَ مَا لَيْسَ مُعَارِضًا وَلَا حَاظِرًا وَلَا مَنْسُوخًا وَيَكُونُ الْمَرْوِيُّ فِي مُسْلِمٍ مُحْتَمِلًا لِبَيَانِ الصِّحَّةِ لَوْ فُعِلَ لَا نَدْبِ الْفِعْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ وَكُلُّ ذَلِكَ نُقِلَ فِي تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -