الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا كَسَفَتْ لِمَوْتِهِ لَا لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لَهُ؛ وَلِذَا خَطَبَ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَهُ لَخَطَبَ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) أَيْ يَدْعُو الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّ الدَّاعِيَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ دَعَا قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ، وَلَوْ قَامَ وَدَعَا مُعْتَمِدًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ كَانَ أَيْضًا حَسَنًا وَأَفَادَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ أَنَّ السُّنَّةَ تَأْخِيرُ الدُّعَاءِ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَصْعَدُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِلدُّعَاءِ، وَلَا يَخْرُجُ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا صَلَّوْهَا فُرَادَى) أَيْ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِكُلِّ إمَامِ مَسْجِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ بِالْجَمَاعَةِ عُرِفَ بِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّمَا يُقِيمُهَا الْآنَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ شَاءُوا طَوَّلُوا الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ شَاءُوا قَصَّرُوا، وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ حَيْثُ يُصَلِّي النَّاسُ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خُسِفَ الْقَمَرُ فِي عَهْدِهِ عليه السلام مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ لَهُ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ فِيهِ مُتَعَسِّرٌ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)
هُوَ طَلَبُ السُّقْيَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ عليه السلام حِينَ أَجْهَدَ قَوْمَهُ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَصَحَّ فِي الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى مِرَارًا» وَكَذَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَالْأُمَّةُ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ (قَوْلُهُ لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ لَهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا وَالظَّاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ وَقَالَا يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ قُلْنَا فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا تَلَوْنَا (قَوْلُهُ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ وَاخْتَارَهُ الْقُدُورِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ
ــ
[منحة الخالق]
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْخُسُوفِ إلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ أَطْلَقَ الشَّيْخُ الْحُكْمَ فِيهِمَا، وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةَ الْخُسُوفِ حَسَنَةٌ وَكَذَا الْبَقِيَّةُ (قَوْلُهُ وَعُمُومُ الْأَمْرَاضِ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى وَيَدْعُونَ فِي عُمُومِ الْأَمْرَاضِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلطَّاعُونِ؛ لِأَنَّ الْوَبَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ عَامٍّ فَكُلُّ طَاعُونٍ فِي ذَلِكَ وَبَاءٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَأَنَّ الدُّعَاءَ بِرَفْعِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْجَبَلِ مَشْرُوعٌ، وَلَيْسَ دُعَاءً بِرَفْعِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُهُ لَا عَيْنُهُ، وَعَلَى هَذَا فَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ يَعْنِي حَسَنَةً، فَإِذَا اجْتَمَعُوا صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا رَفْعَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى. اهـ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسَطَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ
[بَابُ صَلَاة الِاسْتِسْقَاءِ]
(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)
(قَوْلُهُ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَلِقَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّمَا فِيهَا دُعَاءٌ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ خَرَجَ وَدَعَا وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَدَعَا وَاسْتَسْقَى، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ صَلَاةٌ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ شَاذٌّ. اهـ.
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ
[دُعَاء وَاسْتِغْفَار الِاسْتِسْقَاء]
(قَوْلُهُ وَقَالَا يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ كَانَ تَفَاؤُلًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَتَفَاءَلُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ تَأَسِّيًا بِهِ عليه الصلاة والسلام وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّ الْحَالَ يَنْقَلِبُ مَتَى قَلَبَ الرِّدَاءَ وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالتَّأَسِّي ظَاهِرًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ الْأَصْلُ فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام كَوْنُهَا شَرْعًا عَامًّا حَتَّى
وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ لِيَقْلِبَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَالَ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ وَمِنْ الْعُسْرِ إلَى الْيُسْرِ وَقِيلَ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَ وَفِي الْمُدَوَّرِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَوَاضَعُونَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ، وَإِنْ امْتَنَعَ وَقَالَ اُخْرُجُوا جَازَ، وَإِنْ خَرَجُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ، وَلَا يُخْرَجُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْبَرٌ بَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ، فَإِنْ أَخْرَجُوا الْمِنْبَرَ جَازَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّهُ أَخْرَجَ الْمِنْبَرَ لِاسْتِسْقَائِهِ صلى الله عليه وسلم» وَقُيِّدَ بِالْخُرُوجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْهَا (قَوْلُهُ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِنَهْيِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الدُّعَاءُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ، وَلَمْ يُرَجَّحْ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْخُرُوجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَثْنَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ لَعَلَّهُ لِضِيقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(بَابُ الْخَوْفِ) أَيْ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِعَارِضِ خَوْفٍ وَقَدَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ هُنَاكَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ، وَهُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ (قَوْلُهُ إنْ اشْتَدَّ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ فَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ وَجَاءَتْ الْأُولَى وَأَتَمُّوا بِلَا قِرَاءَةٍ وَسَلَّمُوا ثُمَّ الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ) هَكَذَا صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَذُكِرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الَأَوْلَى، وَفِي الْعِنَايَةِ لَيْسَ الِاشْتِدَادُ شَرْطًا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ سَبَبُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَوْفِ نَفْسُ قُرْبِ الْعَدُوِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْخَوْفِ وَالِاشْتِدَادِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ عِنْدَ الْبَعْضِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخْصَةِ بِنَفْسِ السَّفَرِ لَا حَقِيقَةُ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ فَأُقِيمَ مَقَامَهَا فَكَذَا حَضْرَةُ الْعَدُوِّ وَهُنَا سَبَبُ الْخَوْفِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ حَقِيقَةُ الْخَوْفِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا اهـ.
وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْهُمْ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ انْصِرَافُهُ مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْعَدُوِّ أَوْ عَكْسُهُ، وَإِنَّمَا تُتِمُّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ وَالثَّانِيَةُ بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ؛ وَلِذَا لَوْ حَاذَتْهُمْ امْرَأَةٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ فَشَمَلَ كُلَّ صَلَاةٍ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ
ــ
[منحة الخالق]
يَثْبُتَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ وَقَوْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ فَأَصْلَحَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ قَلَبَهُ أَبْعَدُ مِنْ الْبَعِيدِ، وَمِنْ هُنَا جَزَمَ الْقُدُورِيُّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الْقَوْمُ فَلَا يُقَلِّبُونَ أَرْدِيَتَهُمْ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ فِي يُقَلِّبُونَ كَمَا فِي السِّرَاجِ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمَالِكٍ
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ) كَانَ بِنُسْخَةِ الْمَتْنِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤَلِّفِ هَكَذَا أَوْ تَابَعَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِلَّا فَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ مُجَرَّدًا، وَعَلَيْهِ شَرْحٌ فِي النَّهْرِ لَا قَلْبُ رِدَاءٍ وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ. اهـ.
وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمِمَّا يُبْعِدُهُ نِسْبَةُ الْجَوَازِ إلَى الْقَوْلِ لَا إلَى الِاسْتِجَابَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَوْلِ بِهَا عَقْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَوَازُ شَرْعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَرَأْيُ مَالِكٍ حُضُورُهُ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الشِّدَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65] الْآيَةَ. اهـ.
قُلْت وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف: 14]{قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 15] وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى