الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِمَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ اهـ.
وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْخَرَاجَ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَالْعُشْرِيَّةِ فَالْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ أَرْضُ الْعَرَبِ كُلِّهَا قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ مِنْ الْعُذَيْبِ إلَى مَكَّةَ وَعَدَنَ أَبْيَنَ إلَى أَقْصَى حَجْرٍ بِالْيَمَنِ بِمُهْرَةٍ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ، وَمِنْهَا الْأَرْضُ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا أَوْ فُتِحَتْ قَهْرًا وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَأَمَّا الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ فَمَا فُتِحَتْ قَهْرًا وَتُرِكَتْ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا وَأَرْضُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَالْمَوَاتُ الَّتِي أَحْيَاهَا ذِمِّيٌّ مُطْلَقًا أَوْ مُسْلِمٌ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ وَمَاءُ الْخَرَاجِ هُوَ مَاءُ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ الَّتِي حَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَمَاءُ الْعُيُونِ وَالْقَنَوَاتِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَاءُ الْعُشْرِ هُوَ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي كَسَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنِّيلِ لِعَدَمِ إثْبَاتِ يَدٍ عَلَيْهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا خَرَاجِيَّةٌ لِإِمْكَانِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهَا بِشَدِّ السُّفُنِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ شِبْهَ الْقَنْطَرَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْمَصْرِفِ) .
هُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَعْدِلُ قَالَ - تَعَالَى - {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْكِتَابِ بِمَصْرِفِ الزَّكَاةِ لِيَتَنَاوَلَ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ وَخُمُسَ الْمَعَادِنِ مِمَّا قَدَّمَهُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُ خُمُسِ الْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ الْغَنَائِمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْنَافَ السَّبْعَةَ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِلْإِشَارَةِ إلَى السُّقُوطِ لِلْإِجْمَاعِ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْغَائِبَةِ الَّتِي كَانَ لِأَجْلِهَا الدَّفْعُ فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِلْإِعْزَازِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَاخْتَارَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْإِعْزَازَ الْآنَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ فَهُوَ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ لَا نَسْخٌ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ كَانَ الْإِعْطَاءُ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا، وَفِيهِمْ ضَعْفٌ فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا، وَلَا يُقَالُ إنَّ نَسْخَ الْكِتَابِ بِالْإِجْمَاعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ لَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدٍ فَإِنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ رضي الله عنه تَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] (قَوْلُهُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ، وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمَصْرِفُ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ وَالْمِسْكِينُ أَدْنَى حَالًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْفَقِيرَ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ الْفَقِيرُ بِمَنْ لَهُ مَا دُونَ النِّصَابِ كَمَا فِي النُّقَايَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ، وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالنَّذْرِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَبُو يُوسُفَ بِالثَّانِي فَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَعَلَى الصَّحِيحِ لِفُلَانٍ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَعَلَى غَيْرِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ وَإِنَّمَا جَازَ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَذَا يَحْصُلُ بِالصَّرْفِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَالْوَصِيَّةُ مَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَيْضًا وَقَدْ يَكُونُ لِلْمُوصِي أَغْرَاضٌ كَثِيرَةٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا فَلَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُ نَصِّ كَلَامِهِ فَيَجْرِي عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا لَوْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَعَدَنُ أَبْيَنَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَعَدَنُ أَبْيَنَ مُحَرَّكَةٌ جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ أَقَامَ بِهَا أَبْيَنُ.
[بَابُ مَصْرِفِ الزَّكَاة]
(بَابُ الْمَصْرِفِ) .
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إخْرَاجُ خُمُسِ الْمَعَادِنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: خُمُسُ الرِّكَازِ الشَّامِلِ لِلْكَنْزِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدِنِ فِي الْمَصْرِفِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ
أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ فَصَرَفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَى النَّفَقَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُعْسِرًا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُوسِرًا مُعْتَرِفًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا وَلَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُحَلِّفُهُ فَإِذَا حَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ اهـ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرُ دَيْنٍ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ اهـ.
وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِعُمُومِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَهْرِ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ؛ لِأَنَّ مَا تُعُورِفَ تَأْجِيلُهُ فَهُوَ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ لَا يَمْنَعُ أَخْذَ الزَّكَاةِ، وَيَكُونُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ إعْطَائِهِ بِمَنْزِلَةِ إعْسَارِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَنْ رَفَعَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَوْ الْمُعَجَّلُ قَدْرَ النِّصَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى لِلِاحْتِيَاطِ، وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ الثَّلَاثَةِ آخِرَ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَالْعَامِلُ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ وَعَبَّرَ بِالْعَامِلِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ أَيْضًا، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ مَا دَامَ الْمَالُ بَاقِيًا إلَّا إذَا اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ قَيَّدْنَا بِالْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ لِكَوْنِهَا إسْرَافًا مَحْضًا، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ، وَلَا تَقْتِيرٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ عِمَالَتَهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ أَوْ الْقَاضِي اسْتَوْفَى رِزْقَهُ قَبْلَ الْمُدَّةِ جَازَ، وَالْأَفْضَلُ عَدَمُ التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَعِيشَ إلَى الْمُدَّةِ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِبَقَاءِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الصَّدَقَةَ، وَضَاعَتْ فِي يَدِهِ بَطَلَتْ عِمَالَتُهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا كَذَا فِي الْأَجْنَاسِ عَنْ الزِّيَادَاتِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ صَدَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْعِمَالَةُ لِهَاشِمِيٍّ لِشَرَفِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْغَنِيِّ مَعَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ، وَالْغَنِيُّ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَنَاوُلِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ كَابْنِ السَّبِيلِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالْأُجْرَةِ وَشَبَهًا بِالصَّدَقَةِ فَلِلْأَوَّلِ يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَلَا يُعْطَى لَوْ هَلَكَ الْمَالُ، أَوْ أَدَّاهَا صَاحِبُ الْمَالِ إلَى الْأَمَامِ، وَلِلثَّانِي لَا يَحِلُّ لِلْهَاشِمِيِّ، وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَوْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْإِمَامِ، وَهُوَ نَائِبٌ عَنْ الْفُقَرَاءِ، وَلَا تَكُونُ مُقَدَّرَةً، وَفِي النِّهَايَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأُجْرِيَ لَهُ مِنْهَا رِزْقٌ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ صِحَّةَ تَوَلِّيَتِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْعَامِلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْعَامِلَ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ عَلَى الْمَزَارِعِ بِدُونِ عِلْمِ السُّلْطَانِ يَحِلُّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا كَالسُّلْطَانِ إذَا تَرَكَ الْخَرَاجَ لَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) أَيْ يُعَانُ الْمُكَاتَبُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا وَهَلْ مَا يُدْفَعُ لِلْمُكَاتَبِ مِنْهَا يَكُونُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لَا فَاَلَّذِي فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْجِهَةِ لَا لِلرِّقَابِ وَقِيلَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهَا اهـ.
وَقَالَ الطِّيبِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى " فِي " فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ مُلَّاكٌ لِمَا عَسَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِمْ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ إنَّمَا يُصْرَفُ الْمَالُ فِي مَصَالِحَ تَتَعَلَّقُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيَةَ بِفِي مُقَدَّرٌ بِالصَّرْفِ فَمَالُ الرِّقَابِ يَمْلِكُهُ السَّادَةُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كَانَ جَاحِدًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: بَقِيَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ الْمَجْحُودَ نِصَابًا، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ لَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ، وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تُقْبَلُ وَالْجَثْوُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ النُّصُبِ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ وَغَنِيٌّ يَمْلِكُ نِصَابًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَسَيَأْتِي أَنَّ النُّصُبَ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهَا مَكْرُوهٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِمْ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ السَّاعِي أَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا يُعَارِضُهُ، وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ
وَالْمُكَاتَبُونَ لَا يَحْصُلُ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ وَالْغَارِمُونَ بِصَرْفِ نَصِيبِهِمْ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ، وَكَذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَابْنُ السَّبِيلِ مُنْدَرِجٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُفْرِدَ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى خُصُوصِيَّةٍ، وَهُوَ مُجَرَّدٌ عَنْ الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا أَيْ اللَّامِ، وَفِي عَطْفِهِ عَلَى اللَّامِ مُمْكِنٌ، وَفِي أَقْرَبُ اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ صَرْفُ الْمَالِ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَخَذُوا لِأَجْلِهَا، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَإِنَّمَا جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ تَمْلِيكٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُكَاتَبِ فَبَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ بِالطَّرِيقَةِ الْأَوْلَى لَكِنْ بَقِيَ هَلْ لَهُمْ عَلَى هَذَا الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ، وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي حَقِّهِمْ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَحِلُّ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، وَعَلَى هَذَا الْفَقِيرُ إذَا اسْتَغْنَى، وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى مَالِهِ
(قَوْلُهُ وَالْمَدْيُونُ) أَطْلَقَهُ كَالْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنْ لَا يَمْلِكَ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْغَارِمِ فِي الْآيَةِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا يَجِدُ قَضَاءً كَمَا ذَكَرَهُ الْقُتَبِيُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ شَرْطٌ فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهَا إلَّا الْعَامِلَ، وَابْنُ السَّبِيلِ إذَا كَانَ لَهُ فِي وَطَنِهِ مَالٌ بِمَنْزِلَةِ الْفَقِيرِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَالدَّفْعُ إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ: وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ، وَقِيلَ: طَلَبُهُ الْعِلْمَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفَسَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِجَمِيعِ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَيْدَ الْفَقِيرِ لَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَحِينَئِذٍ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
(قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَالسَّبِيلُ الطَّرِيقُ فَكُلُّ مَنْ يَكُونُ مُسَافِرًا يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ، وَهُوَ غَنِيٌّ بِمَكَانِهِ حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِ، وَيُؤْمَرَ بِالْأَدَاءِ إذَا وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدُهُ، وَهُوَ فَقِيرٌ يَدًا حَتَّى تُصْرَفَ إلَيْهِ الصَّدَقَةُ فِي الْحَالِ لِحَاجَتِهِ كَذَا فِي الْكَافِي فَإِنْ قُلْت: مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوْ الْحَجِّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَطَنِهِ مَالٌ فَهُوَ فَقِيرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً، قُلْت: هُوَ فَقِيرٌ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ بِالِانْقِطَاعِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَكَانَ مُغَايِرًا لِلْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ هَذَا الْقَيْدِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الِاسْتِقْرَاضُ لِابْنِ السَّبِيلِ خَيْرٌ مِنْ قَبُولِ الصَّدَقَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا بِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا كَابْنِ السَّبِيل اهـ.
وَهُوَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ غَارِمًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْفَقِيرِ تَفْصِيلًا لَهُ فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ بَيَانُ الْأَصْنَافِ الَّتِي يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ لَا تَعْيِينُ الدَّفْعِ لَهُمْ وَيَدُلُّ لَهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] ، وَمِنْ السُّنَّةِ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام أَتَاهُ مَالٌ مِنْ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ ثُمَّ أَتَاهُ مَالٌ آخَرُ فَجَعَلَهُ فِي الْغَارِمِينَ» وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي الْكِتَابِ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَلَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ فَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ أَنَّ جِنْسَ الزَّكَاةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ، وَلَا يَرِدُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَكِنْ بَقِيَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ نَظَرُ الْفَقِيهِ الْجَوَازُ تَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: بَلْ جَزَمَ بِهِ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: وَإِذَا مَلَكَ الْمَدْفُوعُ لَهُ جَازَ لَهُ صَرْفُهُ فِيمَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ) أَيْ دَفْعَ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ لَا تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الزَّكَاةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ كُلَّهُمْ سِوَى الْعَامِلِ يُعْطَوْنَ بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ يُعْطَى اتِّفَاقًا اهـ.
هَذَا وَفِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ تَعْلِيلِ حِلِّ الدَّفْعِ لِلْعَامِلِ الْغَنِيِّ بِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْكِفَايَةِ إلَخْ قَالَ: وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَقْوَى مَا نُسِبَ إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَكَذَا رَأَيْته بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ وَعَزَاهُ إلَى الْوَاقِعَاتِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ رَأَيْته أَيْضًا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَنَصُّهُ: وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إلَّا إلَى طَالِبِ الْعِلْمِ وَالْغَازِي وَالْمُنْقَطِعِ لِقَوْلِهِ عليه السلام وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ نَفَقَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً اهـ.
وَهَذَا مُنَافٍ لِدَعْوَى النَّهْرِ تَبَعًا لِفَتْحِ الْقَدِيرِ الِاتِّفَاقَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ)