الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ اللَّفْظَ، وَالنِّيَّةُ فِعْلٌ الْقَلْبِ وَصَحَّحَهُ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَوَقْتِهَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى وَصَامَ شَهْرًا عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوَافِقَ أَوْ لَا بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ
فَإِنْ وَافَقَ جَازَ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا يَجُوزُ بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الشَّهْرَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَتَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا قَضَى يَوْمًا وَاحِدًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَشَوَّالٌ نَاقِصًا قَضَى يَوْمَيْنِ يَوْمًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَوْمًا لِأَجْلِ النُّقْصَانِ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ نَاقِصًا قَضَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَهْرًا آخَرَ سِوَى هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرَانِ كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، وَالْآخَرُ كَامِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى يَوْمًا، وَلَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسِّرًا لَا يَجُوزُ
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَكَانَ نَاقِصًا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، لَا شَهْرٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَالُوا فِيمَنْ أَفْطَرَ شَهْرًا بِعُذْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَضَى شَهْرًا بِالْهِلَالِ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا دُونَ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى قَدْرِ الْفَائِتِ، وَلَوْ صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَفْطَرُوا لِلرُّؤْيَةِ، وَفِيهِمْ مَرِيضٌ لَمْ يَصُمْ فَإِنْ عَلِمَ مَا صَامَ أَهْلُ مِصْرِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ اهـ.
وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَوَّالٍ وَذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ فَصَامَهُنَّ بِالرُّؤْيَةِ وَكَانَ هِلَالُ ذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ ثَلَاثِينَ وَشَوَّالٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ: الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَصَامَهُنَّ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى غَائِبٍ فَيَلْزَمُ لِكُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ اهـ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا عَلِمَ مَنْ يُرَاجِعُ فَتْحُ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا.
(قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَالْوَجْهُ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكَالَةِ رَجُلٍ مُعَلَّقَةٍ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَيُقِرَّ الْخَصْمُ بِالْوِكَالَةِ وَيُنْكِرَ دُخُولَ رَمَضَانَ فَيَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَيَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتَ مَجِيءُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يَقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ
وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا لَكِنْ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصْحِيحِ فَقَالَ: وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي رَمَضَانَ يَجُوزُ وَكَذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَامَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الرَّمَضَانَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ وَضَرَبَ لَهُ أَيْ أَبُو جَعْفَرٍ مَثَلًا، وَهُوَ رَجُلٌ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَفِي الثَّانِي اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِأَحَدٍ كَذَلِكَ هُنَا إذَا نَوَى صَوْمَ كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ نِيَّةُ الْوَاجِبِ بِمَا عَلَيْهِ لَا بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَا عَمَّا ظَنَّ اهـ.
[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]
(قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ الْخَصْمُ بِالْوَكَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: عِبَارَةُ النَّهْرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ، وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.
قُلْت: لَا إشْكَالَ عَلَى عِبَارَةِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ جَمِيعًا صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ إنَّمَا تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْوَكِيلِ قَبْضَ عَيْنٍ هِيَ وَدِيعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْغَرِيمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ إلَّا بِإِثْبَاتِ وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَإِقْرَارِ الْوَكِيلِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ
الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَافِي أَوْلَى وَأَوْجَزُ، وَهِيَ: وَيُصَامُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ ثُبُوتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَجِيئِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْتِمَاسِهِ، وَلَا شَكٌّ فِي وُجُوبِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ، وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ وَوَقْتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: يَجِبُ الْتِمَاسُهُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقْتَ الْغُرُوبِ، وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ تَسَاهُلٌ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لَكِنْ لَوْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَمَنْ قَالَ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ مُنَجِّمًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَهُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَمُوجِبُهُ هُنَا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ، أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأُكْمِلَتْ عِدَّتُهُ، وَلَمْ يُرَ هِلَالُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ بَلْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَيَسْتَوِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا يُعْطِيهِ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّهْرِ فَاسْتَوَى الْحَالُ حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثِينَ أَنَّهُ مِنْ الْمُنْسَلِخِ أَوْ الْمُسْتَهِلِّ إذَا كَانَ غَيْمٌ فَيَكُونُ مَشْكُوكًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَهَلِّ لَرُئِيَ عِنْدَ التَّرَائِيِ فَلَمَّا لَمْ يُرَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُنْسَلِخَ ثَلَاثُونَ فَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ مِنْهُ غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرُوا
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثِينَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي أَفْطَرَ رَمَضَانَ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَوْمَ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ كَوْنِهِ كَامِلًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الصَّحْوِ أَمَّا عِنْدَ الْغَيْمِ فَلَا إلَّا أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفِيدُ تَوَقُّفَ الصَّوْمِ عَلَى ثُبُوتِهِ يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَلْ إنَّ السَّبَبَ لِثُبُوتِهِ أَحَدُ هَذَيْنِ لَا غَيْرُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّبُوتِ اللُّزُومُ وَالْوُجُوبُ أَيْ وَيَلْزَمُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ أَوْ الْمُرَادُ التَّبَيُّنُ كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ عَشِيَّتُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالِالْتِمَاسِ قَبْلَ الْغُرُوبِ اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ يَنْبَغِيَ حَيْثُ كَانَ بِمَعْنَى يَجِبُ فَالتَّسَاهُلُ بَاقٍ؛ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَهُ كَذَا فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا إلَخْ) نَقَلَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ فِي الْحَدِيثِ مَنْ يُخْبِرُ بِالْغَيْبِ أَوْ يَدَّعِي مَعْرِفَتَهُ فَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ تَصْدِيقُهُ كُفْرًا أَمَّا أَمْرُ الْأَهِلَّةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مُعْتَمَدُهُمْ فِيهِ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ فَلَيْسَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ أَوْ دَعْوَى مَعْرِفَتِهِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ إلَخْ) فَالشَّكُّ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ عَلَى الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ الثَّلَاثُونَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ الشَّكُّ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الشَّكُّ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يَثْبُتَ اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ أَصْحَابِنَا مَا إذَا شَهِدَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّحْوِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِغَلَطِهِ عِنْدَنَا لِظُهُورِهِ فَمُقَابِلُهُ مَوْهُومٌ لَا مَشْكُوكٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْمٍ فَهُوَ شَكٌّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ مَا إذَا لَمْ يَرَ عَلَامَةً لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ، أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَاهِدَانِ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ أَحَدٌ فَلَيْسَ بِيَوْمِ الشَّكِّ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشَّكَّ يَتَحَقَّقُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ الرُّؤْيَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى نَعَمْ عَلَى مُقَابِلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ بَلْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ لَوْ لَمْ يُغَمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَكَانَتْ مُصْحِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِشَكٍّ، وَأَنْ يُقَالَ: إنَّهُ شَكٌّ لِلتَّقْصِيرِ فِي طَلَبِ الْهِلَالِ أَوْ لِعَدَمِ إصَابَةِ الْمَطَالِعِ اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَالثَّانِي عَلَى اعْتِبَارِهَا لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِلْخُرُوجِ عَنْ
يُقَالَ: الْأَصْلُ الصَّحْوُ وَالْغَيْمُ عَارِضٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ، وَهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا التَّسَاوِيَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغَيْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ صَوْمِ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، وَلَا لِصِفَتِهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَمَّا صَوْمُ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي صَوْمِهِمْ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَفِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَعْتَادُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ، وَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّقَدُّمِ خَاصٌّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَكِنْ كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ الْمَحْمُولِ عَلَى رَمَضَانَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا عُرِفَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَإِلَّا أَجْزَأَهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى الْأَصَحِّ
وَإِنْ جَزَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتَلَوَّمَ، وَلَا يَأْكُلَ، وَلَا يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ انْتِصَافُ النَّهَارِ فَإِنْ تَقَارَبَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْأَفْضَلُ صَوْمُهُ وَقِيلَ فِطْرُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ يَصُومُوا تَطَوُّعًا، وَيُفْتُوا بِذَلِكَ خَاصَّتَهُمْ وَيُفْتُوا الْعَامَّةَ بِالْإِفْطَارِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو نَصْرٍ يَقُولَانِ: الْفِطْرُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ وَيَأْثَمُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ: يَصُومُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصُومُ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: وَيُفْتُوا بِالصَّوْمِ خَاصَّتَهُمْ وَأَمَّا إذَا رَدَّدَ فَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهَا كَأَنْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِصَائِمٍ وَهَذِهِ صَحِيحَةٌ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ لَيْلَةَ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اهـ.
وَإِنْ رَدَّدَ فِي وَصْفِهَا فَلَهُ صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا مَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يَكُونُ عَنْ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِصَوْمِ مَا قَبْلَهُ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إنْ وَافَقَ يَوْمُ الشَّكِّ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ صَامَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ عَادَةً وَصَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَإِنَّمَا كُرِهَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى رَمَضَانَ إذَا اعْتَادُوا ذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّقَدُّمِ بِثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَأَمَّا صَوْمُ الشَّكِّ فَلَا يُكْرَهُ بِنِيَّةِ
ــ
[منحة الخالق]
عُهْدَةِ الْوَاجِبِ
(قَوْلُهُ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلَوُّمَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَأَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَزْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَهُوَ مِنْ الْعَامَّةِ اهـ.
وَفِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ تَأَمُّلٌ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ: عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ التَّرْدِيدِ فِيهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِفِي بَدَلَ عَنْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ التَّرَدُّدُ فِيهَا، وَأَنَّ لَايَنَهَا مِنْ ضَجَعَ فِي الْأَمْرِ إذَا، وَهِيَ فِيهِ وَقَصَّرَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ) مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحُهَا وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ التُّحْفَةِ خِلَافُهُ، وَفِي الشرنبلالية قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقَدَّمُوا» إلَخْ التَّقْدِيمُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ قَبْلَ حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِهِ وَزَمَانِهِ، وَشَعْبَانُ وَقْتُ التَّطَوُّعِ فَإِذَا صَامَ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَأْتِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ وَأَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَقَدُّمًا عَلَيْهِ اهـ.
كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهَذَا تَنْتَفِي كَرَاهَةُ صَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا اهـ. كَلَامُ الشرنبلالية
وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ: لَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَبْلَ رَمَضَانَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «لَا تَقَدَّمُوا» الْحَدِيثَ اسْتِقْبَالُ الشَّهْرِ بِصَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ، وَفِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَحُكْمُ الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ مَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَفَى ذَلِكَ، وَفِي السَّعْدِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُوَ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ الْمُمَارَسَيْنِ بِعِلْمِ حِسَابِ النُّجُومِ
التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هِلَالِ رَمَضَانَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] ، وَهَذَا قَدْ شَهِدَهُ وَالْحَدِيثُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمْ وَلِأَنَّ تَفَرُّدَهُ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى طَلَبِهِ دَلِيلُ غَلَطِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَصُمْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّهَا أُلْحِقَتْ بِالْعُقُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا أَغْلَبُ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ وَالْمُخْطِئِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَةُ أَغْلَبُ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَرَدَّ قَوْلُهُ أَيْ وَرَدَّ الْقَاضِي أَخْبَارَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فَإِنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ عَدَمَ وُجُوبِهَا وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَوْمٌ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ فَإِنَّ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ وَعَطَاءً قَالُوا بِأَنَّهُ لَا يَصُومُهُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ وَاحْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ، وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّاسِ فَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُوجِبٌ لِإِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ فَدَخَلَ مَا إذَا رَآهُ الْحَاكِمُ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَصُمْ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا فِي الْفِطْرِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ، وَلَهُ أَنْ يَصُومَ إذَا رَآهُ، وَالْوَالِي إذَا أَخْبَرَ صَدِيقَهُ صَامَ إنْ صَدَّقَهُ، وَلَا يُفْطِرُ، وَإِنْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ وَقَاضٍ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ، وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا اهـ.
وَأَشَارَ بِوُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا صَامَ وَأَكْمَلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِلَّتُهُ الِاحْتِيَاطُ، وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِ الْإِفْطَارِ
وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَأَطْلَقَ فِي الرَّائِي فَشَمِلَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.
وَأَشَارَ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ لَا يُفْطِرُ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ، وَإِلَى رَدِّ مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا أَيْقَنَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الْفِطْرِ أَفْطَرَ لَكِنْ يَأْكُلُ سِرًّا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا: وَإِذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ، وَرَجُلٌ بِرُؤْيَةٍ فَنَقَصَ لَهُ يَوْمٌ جَازَ.
(قَوْلُهُ: وَقَبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ، وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) ؛ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْإِخْبَارِ؛ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَشْتَرِطُ الدَّعْوَى لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: إنَّهُ قَوْلُهُمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ الدَّعْوَى أَمَّا فِي شَهَادَةِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَيَشْتَرِطُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ، وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَالْهِلَالِ وَرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ كَفَاسِقَيْنِ فَأَكْثَرَ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُمْ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ كَالْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ وَبِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ، وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ
ــ
[منحة الخالق]
وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ صَوْمُهَا لِمَعْنَى مَا فِي التُّحْفَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَوْجَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّدِ الْوَاحِدَ؛ إذْ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَرَدَّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَالْحُكْمُ فِيهِمْ كَذَلِكَ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ شَامِلَةٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَامَّةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) قَالَ فِي الشرنبلالية أَيْ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا أَيْضًا، وَإِذَا صَامَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ صَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ مِنْ غَيْرِ عَدِّ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَمْ يَصُمْ مَعَهُمْ حَتَّى رَأَوْا الْهِلَالَ مِنْ الْغَدِ فَصَامَ أَهْلُ الْمِصْرِ
حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِدُونِ التَّحَرِّي لِلُزُومِ الضَّرُورَةِ، وَلَا دَلِيلَ سِوَاهُ فَوَجَبَ قَبُولُهُ مُطْلَقًا
وَحَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَالشَّرْطُ أَدْنَاهَا، وَهُوَ تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ كَمَا عُرِفَ تَحْقِيقُهُ فِي تَعْرِيفِ الْأُصُولِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا بَالِغًا، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَعَدَمُ الْوَلَاءِ وَالْعَدَاوَةِ فَمُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفْيُ رِوَايَةِ الْمَحْدُودِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِقَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ بَعْد مَا تَابَ، وَكَانَ قَدْ حُدَّ فِي قَذْفٍ، وَأَمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَسْتُورُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَبُولُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا، وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ، وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ الْمَسْتُورِ الَّذِي هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ قَبُولَ الْمَسْتُورِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا عَلِمْت أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي تَاسِعِ عِشْرِينَ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ
وَإِنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ، وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ اهـ.
وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَعَدَمِ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى عَلَى خِلَافٍ فِيهِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ لَا قَاضِيَ فِيهَا، وَلَا وَالِيَ فَإِنَّ النَّاسَ يَصُومُونَ بِقَوْلِ الثِّقَةِ وَيُفْطِرُونَ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافًا فَلِلْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يُقْبَلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ إذَا فَسَّرَ، وَقَالَ: رَأَيْته خَارِجَ الْبَلَدِ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي الْبَلْدَةِ مِنْ بَيْنِ خَلَلِ السَّحَابِ
أَمَّا بِدُونِ هَذَا التَّفْسِيرِ فَلَا يُقْبَلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَدْلٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَغُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ فَتَثْبُتُ الرَّمَضَانِيَّةُ بِشَهَادَتِهِ لَا الْفِطْرُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ، وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَأَمَّا إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَكَى الْبَزَّازِيُّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْعِلَّةُ غَيْمٌ أَوْ غُبَارٌ أَوْ نَحْوُهُمَا هُنَا، وَفِي الْأُصُولِ الْخَارِجُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحُكْمِ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُخَدَّرَةَ إذَا رَأَتْ هِلَالَ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي لَيْلَتِهَا وَتَشْهَدَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ
ــ
[منحة الخالق]
ثَلَاثِينَ وَصَامَ هَذَا الرَّجُلُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ) فَإِنَّ شَاهِدَ الْحِسْبَةِ إذَا أَخَّرَ شَهَادَتَهُ بِلَا عُذْرٍ يَفْسُقُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ وَأَكْمَلُوا الْعِدَّةَ، وَلَمْ يَرَ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّانِي: إنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَسُئِلَ عَنْهُ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِحُكْمِ الْقَاضِي لَا بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ قَالَ الشَّارِحُ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَلَوْ ثَبَتَ بِرَجُلَيْنِ أَفْطَرُوا، وَعَنْ السَّعْدِيِّ: لَا وَهَكَذَا عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قِيلَ: إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَفْطَرُوا لَمْ يَبْعُدْ، وَفِي السِّرَاجِ صَامُوا بِشَاهِدَيْنِ وَأَفْطَرُوا عِنْدَ كَمَالِ الْعِدَّةِ إجْمَاعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً عِنْدَ الْفِطْرِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُصْحِيَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْطِرُوا كَمَا لَوْ شَهِدُوا السَّاعَةَ اهـ.
لَكِنْ فِي الْإِمْدَادِ صَحَّحَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ حِلَّ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي مَتْنِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَذَكَرَ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ السَّعْدِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَذَكَرَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مُصْحِيَةً، وَإِلَّا أَفْطَرُوا بِلَا خِلَافٍ اهـ.
فَصَارَ الْحَاصِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِشَهَادَةِ فَرْدٍ، وَلَمْ يَرَ هِلَالَ الْفِطْرِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَا خِلَافَ فِي حِلِّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَوْ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ فِي الصَّحْوِ الْمَرْوِيَّ عَنْ الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ، وَفِي الْغَيْمِ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ
مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِخَبَرِ الْوَاحِد الْعَدْلِ كَهِلَالِ رَمَضَانَ وَمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ فَشَرْطُهُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ بَاقِي شُرُوطِهَا، وَمِنْهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُلْزَمُ بِهِ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ الْإِسْلَامُ، وَإِلَّا مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْبَكَارَةِ وَالْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعَوْرَةِ فَلَا عَدَدَ، وَلَا ذُكُورَةَ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ كَالْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا وَالشَّرِكَاتِ فَلَا شَرْطَ سِوَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَفَسْخِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فَالرَّسُولُ وَالْوَكِيلُ فِيهَا كَمَا قَبْلَهُ عِنْدَهُمَا وَشَرَطَ الْإِمَامُ عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ كَمَا عُرِفَ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنَّ النَّاسَ صَامُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَجَاءَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَأَخْبَرُوا أَنَّهُمْ رَأَوْا لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَهَذَا الْأَرْبِعَاءُ يُوَفِّي الثَّلَاثِينَ اتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ أَنَّ بِالسَّمَاءِ عِلَّةً عَيَّدُوا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِلَّا لَا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ الْفِطْرِ إنْ أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ قَضَوْا يَوْمًا، وَإِنْ صَامُوا تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا، فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَيْضًا قَضَوْا يَوْمَيْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الشُّهُودُ جَمْعًا كَثِيرًا يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ لَا الْيَقِينِ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ قِيَاسًا عَلَى تَفَرُّدِنَا قَلَّ زِيَادَةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تَرُدُّ، وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَةِ السَّمْعِ وَاقِعٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارَكَتِهِ فِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِيِ كَثْرَةً، وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجَالِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ تَشْنِيعُ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَذْهَبِنَا حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الِاثْنَيْنِ لَا دَلِيلَ لَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ حَيْثُ لَا سَمِعَ أَحَدٌ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ،
وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِالتَّفَرُّدِ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ، وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا أَتَمُّوا شَعْبَانَ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ، وَقَدْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَيْ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا إنْ كَانُوا رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ أَمَّا إنْ عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ أَيْضًا ثُمَّ صَامُوا رَمَضَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ رَمَضَانَ انْتَقَصَ يَوْمًا بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي شَعْبَانَ بِيَوْمَيْنِ لَمَّا عَدُّوهُ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ: وَلَوْ رَأَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ وَعَدُّوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ شَرَعُوا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَمَّا صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا يَوْمًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُمْ غَلِطُوا بِيَوْمٍ وَاحِدٍ بِيَقِينٍ، وَإِنْ عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَضَوْا يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ غَلِطُوا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ اهـ.
قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ إذَا عَدُّوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ هِلَالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَامُوا يَوْمَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ رَمَضَانَ وَقَعَ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا رُئِيَ هِلَالُ رَجَبٍ وَعُدَّ ثَلَاثِينَ ثُمَّ عُدَّ شَعْبَانُ ثَلَاثِينَ أَيْضًا لِعَدَمِ رُؤْيَةِ هِلَالَيْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ ثُمَّ رُئِيَ هِلَالُ شَوَّالٍ بَعْدَ صَوْمِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَوْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ أَيْضًا كَيْفَ يَصْنَعُونَ لَمْ أَرَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّقْصَ لَا يَقَعُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ
وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا فِي شَرْحِ الْغَايَةِ الْحَنْبَلِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَثْبُتُ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ قَالَ وَكَذَا مَا قَبْلَهُ إنْ غُمَّ، وَلَوْ شُهُورًا لَا بِحِسَابِ نَجْمٍ وَسَيْرِ قَمَرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ نَقَلَ بَعْدَهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُفِيدُ قَوْلُهُ: بِكَمَالِ شَعْبَانَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَوَالَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَإِلَّا جُعِلَ شَعْبَانُ نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَالَى خَمْسَةُ أَشْهُرٍ عَلَى الْكَمَالِ كَمَا لَا يَتَوَالَى أَرْبَعَةٌ عَلَى النَّقْصِ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ قَالَ وَنَظَمَ (عج) كَلَامَهُمْ فَقَالَ
لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ
…
ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنْ
كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَهْ
…
هَذَا الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ أَبْطَلَهْ
اهـ.
قَالَ أَيْ الصَّوَابُ عِنْدَ الْمِيقَاتَيْنِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَمَا سِوَاهُ (قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمُ غَالِبِ الظَّنِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ عِلْمٍ زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ: كَثْرَةً) تَمْيِيزٌ أَيْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ الْمُشَارَكَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْكَثْرَةِ بَلْ الْمُشَارَكَةُ فِي التَّرَائِيِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي السَّمَاعِ
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا سَمْعَ) أَيْ حَيْثُ لَا دَلِيلَ سَمْعِيًّا
كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ، وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ عَنْ تَرَائِيِ الْأَهِلَّةِ فَانْتَفَى قَوْلُهُمْ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ فَكَانَ التَّفَرُّدُ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي الْغَلَطِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَنَّ أَهْلَ مِصْرٍ افْتَرَقُوا فِرْقَتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الْفِطْرِ بِسَبَبِ أَنَّ جَمْعًا قَلِيلًا شَهِدُوا وَعِنْدَنَا قَاضِي الْقُضَاةِ الْحَنَفِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَصَامُوا وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ عَلَى الصَّوْمِ، وَأَمَرُوا النَّاسَ بِالْفِطْرِ وَهَكَذَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ الشَّافِعِيَّةِ صَلَّى الْعِيدَ بِجَمَاعَةٍ دُونَ غَالِبِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَلَمْ يُقَدِّرْ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِشَيْءٍ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسَمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ
وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُفَوَّضُ مِقْدَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى رَأْي الْإِمَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ اهـ.
فَظَاهِرُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ لَا يَشْتَرِطُ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْعَدَدَ، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى اثْنَيْنِ فَكَانَ مُرَجِّحًا لِرِوَايَةِ الْحَسَنِ الَّتِي اخْتَرْنَاهَا آنِفًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ وَالْإِسْلَامُ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ فَرَجَحَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إذَا صَامَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَنْ يُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَبُولَ وَمَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَرَجَحَ جَانِبُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جَائِزٌ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ
وَصَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ فَكَانَ الْمَصِيرُ إلَى مَا يَجُوزُ بِعُذْرٍ أَوْلَى ثُمَّ إذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ وَاحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ عَظِيمٌ، وَذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِعَدَدِ الْقَسَامَةِ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَاءَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْحَاكِمُ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا اسْتَقَلَّهُ فَهُوَ قَلِيلٌ هَذَا إذَا كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا جَاءَ مِنْ مَكَان آخَرَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا ثِقَةً؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ فِي الرُّؤْيَةِ فِي الصَّحَارِيِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِي الْأَمْصَارِ لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْغُبَارِ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ، وَهِلَالُ الْفِطْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ عَلَيْهَا) عَلَيْهِ أَقَرَّهُ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ وَتِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَالشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْحَصْكَفِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: إنَّهُ حَسَنٌ وَنَازَعَهُ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ وَمَعَ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ غَلَبَةُ الْفِسْقِ وَعَدَمُ الْعَدَالَةِ فِي أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَلَا يَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ إلَّا بِالْجَمْعِ الْعَظِيمِ فَقَدْ رَأَيْت مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ مَا لَا يُوصَفُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ اطْمِئْنَانِ الْفُؤَادِ، وَلِمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَنَا كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّاسَ تَكَاسَلَتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ الْمُشَاهَدُ الِاهْتِمَامُ مِنْهُمْ وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّشَاطُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَكَاسُلِ الْبَعْضِ الْقَلِيلِ تَأَمَّلْ اهـ.
قُلْت: كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا فِي زَمَانِهِ وَبَلَدِهِ، وَإِلَّا فَحَالُ أَهْلِ زَمَانِنَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُشَاهِدِ، وَلَوْ قَدَرُوا عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْكُلِّيَّةِ لَفَعَلُوا وَكَثِيرًا مَا نَرَاهُمْ يَشْتُمُونَ الشَّاهِدَ وَيَغْتَابُونَهُ لِسَعْيِهِ فِي مَنْعِهِمْ عَنْ شَهَوَاتِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَانِنَا سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ فَحَصَلَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ مِنْ النَّاسِ غَايَةُ الْإِيذَاءِ وَالْإِيجَاعِ بِالْكَلَامِ حَتَّى اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ أَنَّهُمْ صَامُوا مِثْلَنَا وَشَهِدَ جَمَاعَةٌ لَدَى الْقَاضِي عَلَى حُكْمِ قَاضِي ثَغْرِ بَيْرُوتَ فَاكْتَفَّ النَّاسُ عَنْهُ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَشْهَدَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَخُصُوصًا فِي بَلْدَتِنَا دِمَشْقَ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يُرَى الْهِلَالُ فِيهَا فِي لَيْلَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي زَمَنِي غَيْرَ مَرَّةٍ قَضَاؤُنَا يَوْمًا أَفْطَرْنَاهُ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ عَوَّلَ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ
(قَوْلُهُ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إلَخْ) وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَقْبَلُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قَدْرَهُ بَعْدَ الْقَاسِمَةِ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى زِيَادَةِ الْعَدَدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ إلَخْ، وَفِيهَا عَنْ الْحَجَّةِ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ شَاهِدِينَ عَدْلَيْنِ، وَقَدْ سَقَطَ قَلْبُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا جَازَ وَثَبَتَ حُكْمُ رَمَضَانَ
إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً كَهِلَالِ رَمَضَانَ اهـ.
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ لَا الْجَمْعِ الْكَثِيرِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ كَانَ بِالْمِصْرِ وَخَارِجِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَغَيْرِهِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ كَهِلَالِ شَوَّالٍ فَلَا يَثْبُتُ بِالْغَيْمِ إلَّا بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمَّا حَالَةُ الصَّحْوِ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ الْعَدَدِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَهِلَالِهِ دُونَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ، وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ وَصَحَّحَ الثَّانِيَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِ بَقِيَّةِ الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ الْكَبِيرِ وَأَمَّا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودِينَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ، وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ، وَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ إذَا اخْتَلَفَ الْمَطْلِعُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ يَخْتَلِفُ الْمَطْلِعُ أَوَّلًا وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) خَبَرُ قَوْلِهِ فَرَّقَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً إذَا كَانَ هَذَا الْوَاحِدُ فِي الْمِصْرِ، وَأَمَّا إذَا جَاءَ خَارِجَ الْمِصْرِ، أَوْ جَاءَ مِنْ أَعْلَى الْأَمَاكِنِ فِي مِصْرٍ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ تُقْبَلُ، وَفِي الْأَقْضِيَةِ صَحَّحَ رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي الْأَهِلَّةِ التِّسْعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ أَمْ لَا فِي قَبُولِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ، وَهِيَ تَوَجُّهُ الْكُلِّ طَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ، وَلَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يَثْبُتُ، وَإِذَا ثَبَتَ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَكِنْ بَعْدَ اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ فَإِنْ قُلْت: فِيهِ إثْبَاتُ الرَّمَضَانِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ قَدْ نَفَيْتُمُوهُ قُلْت: ثُبُوتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضِمْنِيٌّ، وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ تَأَمَّلْ اهـ.
لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِخِلَافِهِ فَاشْتَرَطَ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ حَيْثُ لَا عِلَّةَ وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ عِبَارَةِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَأَثْبَتُوهُ بِقَوْلِ عَدْلٍ إنْ اعْتَلَّ الْمَطْلِعُ، وَشَرَطَ لِلْفِطْرِ حُرَّانِ أَوْ حُرٌّ وَحُرَّتَانِ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَلَّ فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لِلْكُلِّ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالِاثْنَيْنِ رِوَايَةٌ اهـ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ لِلْكُلِّ يَحْتَمِلُ كُلَّ الْأَشْهُرِ وَيَحْتَمِلُ كُلَّ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِ، وَهُوَ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِهَا، وَصَاحِبُ الْإِمْدَادِ شَدِيدُ الْمُتَابَعَةِ لِصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُهُ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ احْتِمَالِ الْعِبَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِالثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية، وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ اهـ.
وَعَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا نَصُّهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ وَتَحَقَّقَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي دِمَشْقَ سَنَةَ 1239 تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ ثَبَتَ رَمَضَانُ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَكَانَ فِي السَّمَاءِ عِلَّةٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ ثُمَّ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ أَهْلِ بَيْرُوتَ وَأَهْلِ حِمْصَ أَنَّهُمْ صَامُوا الْخَمِيسَ لَكِنْ اسْتَفَاضَ الْخَبَرُ عَنْ عَامَّةِ الْبِلَادِ سِوَى هَذَيْنِ الْبَلَدَيْنِ أَنَّهُمْ صَامُوا الْجُمُعَةَ مِثْلَ دِمَشْقَ فَهَلْ تُعْتَبَرُ الِاسْتِفَاضَةُ الْأُولَى فِي مُخَالَفَتِهَا لِلثَّانِيَةِ أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ يَقْتَضِي غَلَطَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَتَيْنِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَرَأَى الْهِلَالَ وَاحِدٌ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْبِلَادِ بُعْدٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ بِهِ الْمَطَالِعُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِي لُزُومَهُ عَامَّةَ الْبِلَادِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ بَلْدَةٍ أُخْرَى فَكُلُّ مَنْ اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ خَبَرُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَلْزَمُهُمْ اتِّبَاعُ أَهْلِهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَغْرِب؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ جَمِيعَهُمْ بَلْ بَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَطَالِعُ فَمَعَ قُرْبِهَا