الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ النَّفْعُ وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَطُوفَ لَهَا وَيَسْعَى وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَقَدْ حَلَّ مِنْهَا وَيَقْطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِ الطَّوَافِ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَيَحُجَّ) فَقَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِهَا تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقِرَانِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ إحْرَامَهَا بِأَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّ أَدَاءَ أَكْثَرِ طَوَافِهَا فِيهَا شَرْطٌ فَلَوْ طَافَ الْأَقَلَّ فِي رَمَضَانَ مَثَلًا ثُمَّ طَافَ الْبَاقِيَ فِي شَوَّالٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدُ الطَّوَافُ بِهِ لِمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحَلْقَ لِبَيَانِ تَمَامِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقَائِهِ مُحْرِمًا بِهَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ إحْرَامَ الْحَجِّ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ حَلَقَ لَهَا لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ عَارَضَ مَنْعَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ دَلَالَةً عَلَى تَرَاخِي إحْرَامِهِ عَنْ أَفْعَالِهَا فَخَرَجَ الْقِرَانُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْحَجَّ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّمَتُّعِ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَامِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ بَلْ مِنْ عَامِ فِعْلِهَا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ مِنْ الْقَابِلِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا بِخِلَافِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَأَخَّرَ إلَى قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِأَفْعَالِهَا عَنْ إحْرَامِ عُمْرَةٍ بَلْ لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ فَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مُعْتَدًّا بِهَا عَنْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَقَوْلُهُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ لِلْمُسَارَعَةِ إلَى الْخَيْرِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْحَرَمِ بَيَانٌ لِلْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِعَدَمِ الْإِلْمَامِ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا لِمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَرِيبًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ أَلَمَّ بَيْنَهُمَا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَوْدُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ نَزَلَ وَهُوَ يَزُورُ إلْمَامًا أَيْ غِبًّا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِيهَا بِأَوَّلِهِ لِمَا صَحَّحَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ طَوَافُ قُدُومٍ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى أَيْ لَا يَكُونُ مَسْنُونًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْقَارِنِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ حِينَ قُدُومِهِ مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهَا طَوَافُ قُدُومٍ وَلَا صَدْرٍ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَدَائِهَا حِينَ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَغَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِعَدَمِ وَقْتِهِ فَسُنَّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ إلَى أَنْ يَجِيءَ وَقْتُهُ، وَالطَّوَافُ رُكْنٌ مُعَظَّمٌ فِي الْعُمْرَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ فِي الصَّدْرِ كَالْوُقُوفِ لِلْحَجِّ لَا يَتَكَرَّرُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي قَوْلِهِ وَيَحُجُّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْعَى لِلْحَجِّ، وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِهِ وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ عَنْ الْعُمْرَةِ فَإِنْ سَعَى الْمُتَمَتِّعُ وَرَمَلَ فِي طَوَافِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ لَا يُعِيدُهُمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَكَرَّرَانِ (قَوْلُهُ وَيَذْبَحُ فَإِنْ عَجَزَ فَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْقِرَانِ فَإِنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الثَّلَاثَةِ) ؛ لِأَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
[بَابُ التَّمَتُّعِ]
(قَوْلُهُ فَقَوْلُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيقَاتَ لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَشْمَلُ الْمَكِّيَّ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِلْمَامِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ، وَالْأَوَّلُ عِبَارَةً عَنْ النُّزُولِ فِي وَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَالثَّانِي مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَهُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمُحِيطِ الْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ إلَى الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ اهـ.
وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ، وَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ يَدُلُّك عَلَى هَذَا مَا فِي الْهِدَايَةِ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْهَدْيَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ هُنَاكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْعَوْدُ، وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَلَأَنْ لَا يَكُونَ إذَا لَمْ يَسُقْ كَانَ أَوْلَى اهـ.
فَقَدْ جَعَلَ إلْمَامَ هَذَا الْمَكِّيِّ صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَاقَ الْهَدْيَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ طَوَافَ الْقُدُومِ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ طَافَ يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ وَسَعَى قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِذَلِكَ مَرَّةً وَلَا تَكْرَارَ فِيهِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ التَّحِيَّةِ مَشْرُوعٌ لِلْمُتَمَتِّعِ حَيْثُ اعْتَبَرَ رَمَلَهُ وَسَعْيَهُ فِيهِ اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا طَافَ ثُمَّ سَعَى أَجْزَأَهُ عَنْ السَّعْيِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِجْزَاءِ اعْتِبَارُهُ طَوَافَ تَحِيَّةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّ السَّعْيَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَرَتَّبَ شَرْعًا عَلَى طَوَافٍ فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بَعْدَ إحْرَامِ
سَبَبَ وُجُوبِهِ التَّمَتُّعُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ سَبَبِهِ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ لَوْ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ) أَيْ صَحَّ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ بَعْدَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ التَّمَتُّعُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ التَّرَفُّقُ لِتَرْتِيبِهِ عَلَى التَّمَتُّعِ بِالنَّصِّ وَمَأْخَذُ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةً لِلْمُتَرَتِّبِ، وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ هِيَ السَّبَبُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا يَتَحَقَّقُ التَّرَفُّقُ الَّذِي كَانَ مَمْنُوعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِلَا فِعْلٍ نَزَلَ الْإِحْرَامُ مَنْزِلَتَهَا فَلِذَا جَازَ بَعْدَ إحْرَامِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَيَّدَ بِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ صَوْمَ السَّبْعَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِيهِمَا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ أَيْ فِي وَقْتِهِ وَالسَّبْعَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الصَّوْمِ فِي شَوَّالٍ أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ صَوْمِهَا إلَى السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِرَجَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْهَدْيُ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ سَوْقَ الْهَدْيِ أَحْرَمَ وَسَاقَ وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ بِمَزَادَةٍ أَوْ نَعْلٍ وَلَا يُشْعِرُ) بَيَانٌ لِأَفْضَلِ التَّمَتُّعِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالسَّوْقِ وَالتَّوَجُّهِ بَلْ يُحْرِمَ بِالتَّلْبِيَةِ وَالنِّيَّةِ، ثُمَّ يَسُوقَ وَأَفَادَ بِالتَّقْلِيدِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَبِالسَّوْقِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَوَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْسَاقُ فَيَقُودُهَا، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَرَادَ عَائِدٌ إلَى الْمُتَمَتِّعِ بِمَعْنَى مُرِيدِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ وَقَيَّدَ بِالْبَدَنَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُهَا وَالْإِشْعَارُ فِي اللُّغَةِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ هَدْيٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنْ يَشُقَّ سَنَامَهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا وَالْأَشْبَهُ هُوَ الْأَيْسَرُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَسَنٌ عِنْدَهُمَا لِلِاتِّبَاعِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَأُجِيبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ فَتَعَارَضَا فَرَجَّحْنَا الْمَنْعَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ نَهْيٌ وَهُوَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُبِيحِ وَرَدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مَا يَكُونُ تَشْوِيهًا كَقَطْعِ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ فَلَيْسَ كُلُّ جَرْحٍ مُثْلَةً وَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْهَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَفَعَلَ الْإِشْعَارَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَوْ كَانَ مِنْهَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَبَانَ إشْعَارُهُ عليه السلام لِصِيَانَةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارَ الْمُحْدَثَ الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَيُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ إلَى الْمَوْتِ لَا مُطْلَقَ الْإِشْعَارِ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَلَا يَتَحَلَّلُ بَعْدَ عُمْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنِّي لَبَّدْت رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عُمْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ لَزِمَهُ دَمٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُوجَبُ كُلِّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ كَأَنَّهُ مُحْرِمٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ تَأْثِيرًا فِي إثْبَاتِ الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي اسْتِدَامَةِ الْإِحْرَامِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مُتَمَتِّعٍ لَا يَسُوقُ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَعَقَّبُ الْإِحْرَامَ.
ــ
[منحة الخالق]
الْحَجِّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ ثُمَّ سَعَى بَعْدَهُ سَقَطَ عَنْهُ سَعْيُ الْحَجِّ وَمَنْ قَيَّدَ إجْزَاءَهُ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الْمُقَدَّمِ طَوَافَ تَحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُنْشَأَ تَوَهُّمِهِ حَمْلُهُ الطَّوَافَ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَا شَيْءَ يُفِيدُ تَقْيِيدَهُ بِهِ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا) هَذَا التَّعْمِيمُ لَا يَصِحُّ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَسَاقَ بِمَعْنَى ثُمَّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي كَلَامِهِ بِتَقْدِيرِ إبْقَاءِ الْوَاوِ عَلَى بَابِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْنَى أَحْرَمَ أَتَى بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّلْبِيَةِ لَا أَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ.
قُلْت وَحَيْثُ أَقَرَّ بِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ يَصْدُقُ بِأَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِالنِّيَّةِ مَعَ السَّوْقِ أَوْ مَعَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ بِكُلِّ آتٍ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُصُوصِيَّةِ كَمَا مَرَّ فَالْحَصْرُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ إلَخْ مَدْفُوعٌ وَالْقَوْلُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَمْنُوعٌ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ إذَا لَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ حَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ صَنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ هَدْيَهُ وَيَحُجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَحَرَهُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ رَجَعَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ الْآفَاقِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَعَلَيْهِ هَدَيَانِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ وَهَدْيُ الْحَلْقِ قَبْلَ الْوَقْتِ اهـ.
وَفِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ فَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزِيمَةِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ
(قَوْلُهُ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) أَيْ مِنْ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِبَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْحَلْقِ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتَانِ، وَأَجَابَ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ كَأَحْكَامِ الْحَجِّ تَنْتَهِي بِالْحَلْقِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يَبْقَى إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ خَاصَّةً وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلِلْعُمْرَةِ شَاةٌ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ اهـ.
لَكِنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ إنَّمَا عَزَاهُ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ قَضَاءُ الْأَعْمَالِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْإِحْرَامِ، وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْجِمَاعِ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِي جِمَاعِ الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ شَاتَيْنِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ تُوجِبُ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَوْ لَا فَإِنْ أَوْجَبَتْ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا فَشُمُولُ الْعَدَمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَلْقِ، وَيَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي حَقِّ النِّسَاءِ إذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا سَاقَ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ مِنْ التَّحَلُّلِ سَوْقُهُ وَقَدْ زَالَ بِذَبْحِهِ وَفِي الْقَارِنِ يَحِلُّ مِنْهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي النِّسَاءِ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ وَبَيْنَ الْقَارِنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي الْمُحِيطِ قَارِنٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ، ثُمَّ حَلَّ فَعَلَيْهِ دَمَانِ وَلَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحَلْقِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَطَافَ لَهَا ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهَا حِجَّةً ثُمَّ حَلَقَ يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحِجَّةِ بَعْدَمَا حَلَقَ مِنْ الْعُمْرَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ وَمَنْ حَوْلَهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] بِنَاءً عَلَى عَوْدِ اسْمِ الْإِشَارَةِ إلَى التَّمَتُّعِ لَا إلَى الْهَدْيِ بِقَرِينَةٍ وَصَلَهَا بِاللَّامِ وَهِيَ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَنَا أَنْ نَفْعَلَهُ بِخِلَافِ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ عَلَيْنَا فَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلِكَوْنِهَا اسْمَ إشَارَةٍ لِلْبَعِيدِ وَالتَّمَتُّعُ أَبْعَدُ مِنْ الْهَدْيِ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ لِقَوْلِهِمْ وَإِذَا عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى أَهْلِهِ وَلَمْ
ــ
[منحة الخالق]
فَإِنْ فَعَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ، وَلَوْ حَلَّ بِمَكَّةَ فَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَاسْتَبْعَدَهُ) أَيْ اسْتَبْعَدَ مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ إلَخْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ أَيْ إذَا أُطْلِقَ الشَّارِحُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَالْمُرَادُ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ) أَقُولُ: بَلْ هُوَ الْمُرَادُ مَتَى أُطْلِقَ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي عِبَارَاتِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِشَارِحِ الْهِدَايَةِ مَتَى أُطْلِقَ هُوَ الْإِمَامُ السِّغْنَاقِيُّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلِلْعُمْرَةِ شَاةٌ) أَيْ اتِّفَاقًا وَقَوْلُهُ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ فِيهِ خِلَافٌ وَقِيلَ بَدَنَةٌ وَشَاةٌ، وَقَالَ الْوَبَرِيُّ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعُمْرَةِ وَاسْتَصْوَبَهُ فِي الْفَتْحِ كَمَا سَيَأْتِي مُعَلَّلًا فِي الْجِنَايَاتِ بِمَا ظَاهِرُهُ بَقَاءُ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَقَطْ لَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ.
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ عِبَارَاتِ الْأَصْحَابِ) أَكْثَرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِانْتِهَائِهِ بِالْوُقُوفِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي لَوْ جَامَعَ الْقَارِنُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ يَتَحَلَّلُ مِنْ إحْرَامَيْنِ بِالْحَلْقِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَهُوَ مُحْرِمٌ بِهِمَا فِي حَقِّهِنَّ أَيْضًا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَشُرُوحِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَاجِّ شَاةً بَعْدَ الْحَلْقِ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إيجَابَ الشَّاتَيْنِ لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ. اهـ
قُلْت لَكِنَّ قَوْلَ النِّهَايَةِ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ يُفِيدُ انْتِهَاءَهُ بِالْوُقُوفِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيٌّ إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ (قَوْله فَإِنْ أَوْجَبَتْ) أَيْ الْجِنَايَةُ لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ أَيْ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوجِبْ شَيْئًا لَزِمَ شُمُولُ الْعَدَمِ أَيْ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْإِيجَابُ فِي الْجِمَاعِ وَعَدَمِهِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ الْمَذْهَبَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّيْدِ لُزُومُ دَمَيْنِ وَأَنَّ لُزُومَ دَمٍ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ ظَاهِرُ الْكُتُبِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْآفَاقِيَّ الْمُتَمَتِّعَ لَوْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ، وَأَنَّ شَرْطَ التَّمَتُّعِ مُطْلَقًا عَدَمُ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ قَالُوا بِوُجُودِ الْفَاسِدِ مَعَ الْإِثْمِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُودِ الْبَاطِلِ شَرْعًا مَعَ ارْتِكَابِ النَّهْيِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا، وَاخْتَارَ مَنْعَهَا أَيْ الْعُمْرَةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَحَقُّقِهَا مِنْهُ بَلْ عَدَمَ
يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ.
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَمْ يَصِحَّ تَمَتُّعُ الْمَكِّيِّ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لَكِنْ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ، وَأَسَاءُوا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الْأَكْلُ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ وَلَا يُجْزِئُهُمْ الصَّوْمُ إنْ كَانُوا مُعْسِرِينَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ فِي قَوْلِهِمْ لَا تَمَتُّعَ وَلَا قِرَانَ لِمَكِّيٍّ نَفْيُ الْحِلِّ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ، وَلِذَا وَجَبَ دَمُ جَبْرٍ لَوْ فَعَلُوا، وَهُوَ فَرْعُ الصِّحَّةِ وَاشْتِرَاطُهُمْ عَدَمَ الْإِلْمَامِ فِيمَا بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ لِلتَّمَتُّعِ الْمُنْتَهِضِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وُجُوبُ دَمِ الشُّكْرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِنْ كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ التَّمَتُّعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَهُمْ فَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمُ جِنَايَةٍ لَا دَمُ شُكْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ نِيَّتِهِ الْحَجُّ مِنْ عَامِهِ وَلَمْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا بِالِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُمْ وَغَيْرَهُمْ سَوَاءٌ فِي رُخْصَةِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِلْمَكِّيِّ مَعْصِيَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ، وَإِذَا قَرَنَ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ حَيْثُ تَصِحُّ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ.
قَالَ الشَّارِحُونَ قَيَّدَ بِالْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَتَّعَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ دَمُ جِنَايَةٍ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ
ــ
[منحة الخالق]
كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا سَيَأْتِي فِي إفَاضَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا أَوْ لَمْ يَطُفْ وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَالِهَا كَمَا لَزِمَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَرْجَمُ لَهُ فِي الْبَابِ الْآتِي اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعْنِي بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ كَمَا يَأْتِي رَدُّهُ فِي الشرنبلالية بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مُتُونًا وَشُرُوحًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ لَوْ أَدْخَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ، وَأَنَّ الْكَمَالَ نَاقَضَ نَفْسَهُ فِيمَا يَأْتِي وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا وَرَدَّهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مُرَادَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِمْ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ أَيْ الْمَسْنُونُ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ الصِّحَّةِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ هَذَا التَّوْفِيقَ قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلِهَذَا قُلْنَا إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ عَدَمِ صِحَّةِ الْقِرَانِ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ الْحَرَمُ وَفِي الْعُمْرَةِ الْحِلُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ الْقِرَانُ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ) هَذَا خَاصٌّ فِيمَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَحَلَقَ أَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَدَعْوَى صَاحِبِ الْبَدَائِعِ عَدَمَ تَصَوُّرِ وُجُودِ تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ، وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشرنبلالية وَكَانَ مَبْنَى مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرُ الْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ بِمَا مَرَّ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَبْنَى الْمَسْأَلَةِ تَفْسِيرُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ بِأَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ عَنْ الْعُمْرَةِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَعَنْ هَذَا قُلْنَا لَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِلْمَامُ الصَّحِيحُ مَوْجُودٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْدِ هُوَ مَا يَكُونُ عَنْ الْوَطَنِ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى مَكَّةَ وَلَيْسَ هَاهُنَا بِمَوْجُودٍ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي مَكَّةَ وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ التَّصَوُّرِ فِي الثَّلَاثِ مُسَلَّمٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ فَاشٍ بَيْنَ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَنَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْآفَاقِيِّينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ قَرِيبٍ، وَمُعْتَمَدُ أَهْلِ مَكَّةَ مَا وَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ خِلَافُهُ اهـ. مُلَخَّصًا.
فَقَدْ مَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ إلَى الْجَوَازِ لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَمَا حَقَّقَ الْمَقَامَ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنَّ الْوَجْهَ مَنْعُ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَوْ لَا ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَهُ وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، وَكَذَا رَدَّهُ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَنَقَلَ التَّصْرِيحَ بِالْجَوَازِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ وَمَيْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا ثُمَّ أَوَّلُ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، وَقَدْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ وَكَثُرَتْ فِيهَا الرَّسَائِلُ وَالتَّصَانِيفُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ وَذَكَرَ حَاصِلَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يَعْتَمِرُ قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ شَارِحُهُ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَمْنُوعٌ مِنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ أَيْضًا، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَهَذَا الْمُتَمَتِّعُ آفَاقِيٌّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ الْعُمْرَةِ فَجَازَ لَهُ تَكْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَيْضًا كَالطَّوَافِ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَنَّ مَا فِي اللُّبَابِ مُسَلَّمٌ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ السَّائِقِ لِلْهَدْيِ، أَمَّا غَيْرُ السَّائِقِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَّا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْبَحْرِ وَأَخِي زَادَهْ وَالْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَغَيْرُهُمْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ إلَخْ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ
بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَشَرَطُوا فِي التَّمَتُّعِ عَدَمَ الْإِلْمَامِ دُونَ الْقِرَانِ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَأَنَّ الْمَكِّيَّ يَأْثَمُ إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِهِمَا أَوْ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ يَعُمُّهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ مُقْتَضٍ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْآفَاقِيِّ إذَا تَمَتَّعَ، وَقَدْ أَلَمَّ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَالْمُرَادُ بِمَنْ حَوْلَهَا مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَإِنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسِيرَةُ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُمْ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْقِرَانُ مِنْ الْمَكِّيِّ فَيُكْرَهُ وَيَلْزَمُهُ الرَّفْضُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا تُكْرَهُ وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ قَطَعَ تَمَتُّعَهُ اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَرْفُوضَ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ مَكِّيٌّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَحِجَّةٍ رَفَضَ الْعُمْرَةَ وَمَضَى فِي الْحِجَّةِ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ فَإِنْ مَضَى فِي الْعُمْرَةِ لَزِمَهُ دَمٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فَإِذَا جَمَعَ فَقَدْ احْتَمَلَ وِزْرًا فَارْتَكَبَ مَحْظُورًا فَلَزِمَ دَمُ كَفَّارَةٍ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَفْضِ أَحَدِهِمَا خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَرَفْضُ الْعُمْرَةِ أَوْلَى فَإِنْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَعِنْدَهُمَا بِرَفْضِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَتَمَّهُمَا وَعَلَيْهِ دَمٌ لِارْتِكَابِهِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا وَذَكَرَ الْإِمَامَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّ هَذَا الْمَكِّيَّ الَّذِي خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ إنَّمَا يُبِيحُ قِرَانَهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَأَمَّا إذَا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ ثُمَّ قَدِمَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَهُوَ بِمَكَّةَ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الْقِرَانِ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَلَّ بِمَكَانٍ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَإِنْ سَاقَ لَا) أَيْ لَا يَبْطُلُ يَعْنِي إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ الشُّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَبْطَلَ التَّمَتُّعَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا بِسُفْرَتَيْنِ وَالْمُتَمَتِّعُ مَنْ يُؤَدِّيهِمَا بِسَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا جَعَلَا اسْتِحْقَاقَ الْعَوْدِ كَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ
ــ
[منحة الخالق]
وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ وَلَا قِرَانٌ كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ (قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا) اعْتَرَضَهُ السِّنْدِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْإِلْمَامَ الصَّحِيحَ الْمُبْطِلَ لِلْحُكْمِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْقَارِنِ، وَأَمَّا الْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ مَعَ بَقَاءِ الْإِحْرَامِ فَهُوَ لَا يُبْطِلُ التَّمَتُّعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ عَدَمُ الْإِلْمَامِ فَلَا يُبْطِلُ الْقِرَانَ بِالْأَوْلَى اهـ. مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يَأْثَمُ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مِيقَاتِيَّانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ بَعْدَمَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ آفَاقِيًّا لَكِنَّ إحْرَامَهُ لِلْحَجِّ مَكِّيٌّ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا لِمَا عَلِمْت فَلَمْ تَشْمَلْ الْآيَةُ هَذَا الْمَكِّيَّ الْقَارِنَ؛ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ صَارَ آفَاقِيًّا، وَإِنَّمَا تَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَإِيجَابُهُمْ دَمَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَكِّيِّ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ وَتَمَتَّعَ لَمْ يَصِرْ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ حِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ، وَيَصِيرُ آثِمًا كَمَا قَدَّمَهُ وَالدَّمُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَمُ جِنَايَةٍ لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ النَّهْيِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْآفَاقِيِّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا ثُمَّ إنَّ وُجُوبَ الدَّمِ عَلَى الْمَكِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ تَمَتُّعِهِ كَمَا مَرَّ وَالْآفَاقِيُّ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إذَا لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَقَوْلُهُ إذَا تَمَتَّعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِيجَابُ الدَّمِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِمُخَالَفَةِ النَّهْيِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مَكِّيًّا بَلْ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ إلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي فِي الصَّفْحَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ الْهَدْيَ وَتَعَجَّلَ ذَبْحَهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ لَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا تُكْرَهُ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ وَبَيَّنَهُ فِي الْمُحِيطِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ أَنَّ الْمَرْفُوضَ الْحَجُّ.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ وَدَمٌ) أَيْ دَمٌ لِلرَّفْضِ وَهُوَ دَمُ جَبْرٍ كَذَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ إلَخْ) أَقُولُ: نَقَلَ فِي الشرنبلالية كَلَامَ الْمَحْبُوبِيِّ عَنْ الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ اهـ، وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ تَجَوُّزٌ ظَاهِرٌ إذْ بُطْلَانُ الشَّيْءِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ مَعَ فَقْدِ شَرْطِهِ فَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا لَكَانَ أَوْلَى. اهـ.
قُلْت: إنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَهُوَ تَجَوُّزٌ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ مِثْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفَسَدَ صَوْمُهُ وَاعْتِكَافُهُ وَحَجُّهُ تَسْمِيَةٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ شُرُوعِهِ فِيهِ أَوْ وُجُودِهِ الصُّورِيِّ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّهُ بِالْهَدْيِ اسْتَدَامَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَخْ.
وَيَحِلَّ مِنْهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ وَأَنَّهُ الْتِزَامٌ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ مِنْ عَامِهِ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا اهـ.
وَكَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي دَلِيلِ مُحَمَّدٍ لِكَوْنِ الْعَوْدِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ هَدْيَهُ لِيُنْحَرَ عَنْهُ وَلَمْ يَحُجَّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَقَوْلُهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِسَوْقِ الْهَدْيِ مَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْمُتْعَةَ لَا مُطْلَقًا وَفِي الْمُحِيطِ فَإِنْ ذَبَحَ الْهَدْيَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ لَا يَحُجَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي حَقِّ الْحَجِّ إلَّا مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَبِمُجَرَّدِهَا لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فَإِذَا نَوَى أَنْ لَا يَحُجَّ ارْتَفَعَتْ نِيَّةُ الْحَجِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَيَحِلَّ وَلَا يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى عَزْمِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُهُ الْهَدْيُ مِنْ الْإِحْلَالِ فَإِنْ فَعَلَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَلَوْ حَلَّ بِمَكَّةَ وَنَحَرَ هَدْيَهُ ثُمَّ حَجَّ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَعَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ لَا فَإِنْ تَرَكَهُ إلَيْهِ فَتَمَتُّعُهُ صَحِيحٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ سَوَاءٌ عَادَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ تَعَجَّلَ ذَبْحَهُ فِإِمَّا أَنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ لَا فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَا وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَجَّ مِنْهُ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْحِلِّ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ عَدَمَ الْإِلْمَامِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي التَّمَتُّعِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ بِعَوْدِهِ إلَى أَهْلِهِ سَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا مَنَعَتْ التَّمَتُّعَ لِمَنْ كَانَ حَاضِرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا لِأَجْلِ إلْمَامِهِمْ بِأَهْلِهِمْ بَيْنَهُمَا بَلْ لِتَيَسُّرِ الْعُمْرَةِ لَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْغَيْرِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا طَافَ لَهَا الْأَقَلَّ لَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ الْأَكْثَرَ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ الْحَلْقُ فَلَا بُدَّ لِلْبُطْلَانِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَبِهِ التَّحَلُّلُ فَلَوْ عَادَ بَعْدَ طَوَافِهَا قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ طَافَ أَقَلَّ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَمَّهَا فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ لَوْ طَافَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِهَا قَبْلَهَا وَأَتَمَّهَا فِيهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ كُلَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَحُكْمُ أَكْثَرِهِ حُكْمُ جَمِيعِهِ فِي بَابِ الْجَوَازِ وَمَنَعَ وُرُودَ الْفَسَادِ عَلَيْهِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ إحْرَامِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ طَافَ كُلَّهُ فِي رَمَضَانَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْمُحْدِثِ لَا يُرْتَفَضُ بِالْإِعَادَةِ فَلَمْ تَقَعْ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْجُنُبِ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ فَكَانَ الْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يُوجَدْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ يَرْتَفِعُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الطَّوَافِ فِي رَمَضَانَ الْمَنْعُ عَنْ الْعُمْرَةِ لِهَذَا السَّفَرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَتَمَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ ثُمَّ ابْتَدَأَ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ اعْتَمَرَ عُمْرَةً جَدِيدَةً وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَا يُرْتَفَضُ هَذَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَنْعٌ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُنْتَقَضَ بِالْإِعَادَةِ اهـ.
وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الِاعْتِمَارَ فِي سَنَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَانِعٌ مِنْ التَّمَتُّعِ فِي سَنَتِهِ سَوَاءٌ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً وَتَمَتُّعًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ أَيْضًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ) هُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالْحِيلَةُ لِمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ أَوْ الْقِرَانَ أَنْ لَا يَطُوفَ بَلْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفَ، فَإِنَّهُ مَتَى طَافَ طَوَافًا مَا وَقَعَ عَنْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ طَافَ الْكُلَّ أَوْ أَكْثَرَهُ ثُمَّ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى دَاخِلَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَارَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَهُمْ. قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ مِيقَاتِ نَفْسِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ يَرْجِعَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآفَاقِيِّ الَّذِي صَارَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْآفَاقِ فِي الْأَشْهُرِ لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا مَسْنُونًا لِمَا سَبَقَ مِنْ اشْتِرَاطِ عَدَمِ الْإِلْمَامِ فِي التَّمَتُّعِ هَذَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعُمْرَةِ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ إتْيَانِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ
أَنْ يَفْعَلَ أَكْثَرَ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَكَأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ فِي ذَلِكَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ. .
(قَوْلُهُ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ الْمُرَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ، وَبَعْضُ الثَّالِثِ وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ كَانَ الشَّهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَشْهُرًا قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذَنْ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضِعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٌ اهـ.
وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أَخَصَّ الْخُصُوصِ فِي الْعَامِّ إذَا كَانَ جَمْعًا ثَلَاثَةٌ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بَعْدَهُ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا حَتَّى إذَا صَامَ الْمُتَمَتِّعُ أَوْ الْقَارِنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَتَى بِأَفْعَالِهَا ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ مُحْرِمًا إلَى قَابِلٍ فَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيُوجِبُ أَنْ يَضَعَ مَكَانَ قَوْلِهِمْ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي تَصْوِيرِ التَّمَتُّعِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ. اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّفْضُ وَالتَّحَلُّلُ لِارْتِكَابِهِ النَّهْيَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ وَعُمْرَتَهُ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ وَالْمُتَمَتِّعَ مَنْ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةٌ وَحِجَّتُهُ مَكِّيَّةٌ وَالْقَعْدَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَلَمْ يُسْمَعْ فِي الْحِجَّةِ إلَّا الْكَسْرُ.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَهَا وَكُرِهَ) أَيْ صَحَّ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْأَفْعَالِ بِهِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الزَّمَانِ كَالتَّقْدِيمِ عَلَى الْمَكَانِ وَكَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ شَرْطًا عِنْدَنَا لِمَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ وَالتَّعْقِيبِ بِلَا تَرَاخٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ الْمُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ
ــ
[منحة الخالق]
زِيَادَةُ عِبَادَةٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمَكِّيِّ إلَّا أَنَّ الْمَكِّيَّ لَيْسَ مَمْنُوعًا عَنْ الْعُمْرَةِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْ التَّمَتُّعِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مَا فِي اللُّبَابِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَخَلَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَعَنْ الثَّانِي لَا بِدَلِيلِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُوضَعَ لِأَدَاءِ رُكْنِ عِبَادَةٍ وَقْتٌ لَيْسَ وَقْتَهَا وَلَا هُوَ مِنْهُ، وَقَدْ وُضِعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ عَلَى أَنَّهُ وَقْتٌ لِلْوُقُوفِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ مَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ أَجْزَأَهُمْ لَا إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ الْحَادِيَ عَشَرَ.
(قَوْلُهُ قُلْت اسْمُ الْجَمْعِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ اسْمٌ هُوَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَهُوَ جَمْعٌ حَقِيقَةً عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ أَحَدِ الصِّيَغِ الْأَرْبَعَةِ لِجَمْعِ الْقِلَّةِ هَذَا وَقَدْ اعْتَرَضَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ مُخْرِجٌ لِلْعَشْرِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ، وَاخْتَارَ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُرَادَ بِهِ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا تَسَامُحًا أَوْ مَجَازًا، وَهَذَا الْجَوَابُ نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشَّافِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ أَوْ نَزَلَ بَعْضُ الشَّهْرِ مَنْزِلَةَ كُلِّهِ وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ أَيْضًا بِأَنَّ فِيهِ إلْبَاسًا بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ثُمَّ قَالَ وَأَقُولُ: هُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ وَقَرِينَةُ الْمَجَازِ سِيَاقُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْحَجُّ أَشْهُرٌ وَالْحَجُّ نَفْسُهُ لَيْسَ بِأَشْهُرٍ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَجُّ فِي أَشْهُرٍ، وَالظَّرْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِفْرَاقَ فَكَانَ الْبَعْضُ مُرَادًا وَعَيْنُهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الَّذِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا لَفْظُهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الْعَامِّ الْخَاصُّ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ، وَقَدْ دَلَّ نَقْلًا وَعَقْلًا اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَالْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ خَاصٌّ لَا يَخْفَى اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهَا وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا بِإِخْرَاجِ بَعْضِ كُلِّ فَرْدٍ اهـ.
وَهَذَا وَارِدٌ (قَوْلُهُ وَفَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيهَا) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ بَعْدَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِلَا كَرَاهَةٍ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلطُّولِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كُرِهَ التَّقْدِيمُ فَكَانَ ابْنُ شُجَاعٍ يَقُولُ لِأَنَّهُ إحْرَامٌ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ فَإِذَا أَمِنَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِيهَا لَا يُكْرَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقُولُ: فِيهِ إفَادَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْحَجِّ وَلَوْ لِعَامٍ مَضَى إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ إذْ لَا مَعْنَى لِكَرَاهَةِ فِعْلِ شَرْطٍ قَبْلَ وَقْتٍ مَشْرُوطٍ إلَّا كَمَا قَالَ وَلِذَا لَمْ يُعَرِّجْ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِحْرَامُهُ يَوْمَ النَّحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَمْ يَأْمَنْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا فِي الْكِتَابِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ بِإِسَاءَتِهِ اهـ.
أَيْ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَقَدْ شَاعَ فِي كَلَامِهِمْ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
شَبِيهٌ بِالرُّكْنِ وَلِذَا إذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَمَا أَحْرَمَ لَا يَتَمَكَّنُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ لِلْفَرْضِ فَالصِّحَّةُ لِلشَّرْطِ وَالْكَرَاهَةُ لِلشَّبَهِ وَأَطْلَقُوا الْكَرَاهَةَ فَهِيَ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ لَهَا.
(قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا وَأَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ وَحَجَّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ) أَرَادَ بِالْكُوفِيِّ الْآفَاقِيَّ الَّذِي يُشْرَعُ لَهُ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَصْرَةِ مَكَانٌ لِأَهْلِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَصْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا أَمَّا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ خَارِجَهَا دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَلِأَنَّ عُمْرَتَهُ آفَاقِيَّةٌ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ، فَلِذَا كَانَ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ إلَى مَكَان لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَلَيْسَ وَطَنَهُ فَلِأَنَّ السَّفْرَةَ الْأُولَى قَائِمَةٌ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ نُسُكَانِ فِيهَا فَوَجَبَ دَمُ التَّمَتُّعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الطَّحَاوِيُّ وَالْجَصَّاصُ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَأَنَّ قَوْلَ صَاحِبَيْهِ بُطْلَانَ التَّمَتُّعِ لِمَا أَنَّ نُسُكَيْهِ هَذَيْنِ مِيقَاتِيَّانِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ أَنْ تَكُونَ حِجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَنَقَلَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ اتِّفَاقًا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ الصَّوَابُ وَقَوَّى الْأَوَّلَ الشَّارِحُ وَأَطْلَقَ فِي إقَامَةِ مَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ فَشَمِلَ مَا إذَا اتَّخَذَهُمَا دَارًا أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَالْكَيْسَانِيُّ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاتِّخَاذِهِمَا دَارًا اتِّفَاقِيٌّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إذْ لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِالْكُوفِيِّ لِأَنَّ الْمَكِّيَّ لَا تَمَتُّعَ لَهُ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ رَجَعَ إلَى غَيْرِ وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ وَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْإِقَامَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ مَحِلُّ الْخِلَافِ وَفِي الثَّانِي يَكُونُ مُتَمَتِّعًا اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُصَفَّى.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْسَدَهَا فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى وَحَجَّ لَا إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ) أَيْ لَوْ أَفْسَدَ الْكُوفِيُّ عُمْرَتَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَقَضَى الْعُمْرَةَ مِنْ عَامِهِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ إحْرَامِ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ يَعُودَ مُحْرِمًا مِنْ الْمِيقَاتِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ سَفَرَهُ انْتَهَى بِالْفَسَادِ فَلَمَّا قَضَاهَا صَارَتْ عُمْرَتُهُ مَكِّيَّةً وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ عُمْرَتَهُ مِيقَاتِيَّةٌ وَحِجَّتَهُ مَكِّيَّةٌ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ الْعُمْرَةِ قَضَاءً عَمَّا أَفْسَدَهُ إنْ كَانَتْ قَضَاءً وَفِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ الْإِقَامَةُ بِمَكَانٍ غَيْرِ وَطَنِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَكَّةَ أَوْ غَيْرَهَا وَلَا خِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا إذَا أَقَامَ بِغَيْرِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَقَالَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ سَفَرٍ فَهُوَ كَالْعَوْدِ إلَى وَطَنِهِ، وَلَهُ أَنَّ سَفَرَهُ الْأَوَّلَ بَاقٍ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَقَدْ انْتَهَى بِالْفَاسِدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيَّدَتْ نَقْلَ الطَّحَاوِيِّ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنْ يُجَاوِزَ الْمَوَاقِيتَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا جَاوَزَهَا قَبْلَهَا ثُمَّ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِيهَا كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ صَارَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ إنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَتْ وَهُوَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّمَتُّعُ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَا تَنْقَطِعُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْمَكِّيِّ.
(قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ) يَعْنِي الْكُوفِيَّ إذَا قَدِمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَأَيَّ النُّسُكَيْنِ أَفْسَدَهُ مَضَى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِأَدَاءِ نُسُكَيْنِ صَحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الدَّمِ فِي عِبَارَتِهِ، وَإِلَّا فَمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ لَزِمَهُ دَمٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَمَتَّعَ وَضَحَّى لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْمُتْعَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَمُ التَّمَتُّعِ وَإِلَّا الْأُضْحِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَإِنَّمَا وَضَعَ مُحَمَّدٌ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَرْأَةِ إمَّا لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ امْرَأَةٍ، وَإِمَّا لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَشْتَبِهُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ فِيهَا أَغْلَبُ فَإِذَا لَمْ يُجْزِ عَنْ الْمُتْعَةِ فَإِنْ كَانَ تَحَلَّلَ بِنَاءً عَلَى جَهْلِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمُ التَّمَتُّعِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ
ــ
[منحة الخالق]
إطْلَاقُ الْإِسَاءَةِ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، وَقَالَ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَنَقَلْنَا هُنَاكَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا فَرَاجِعْهُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ اعْتَمَرَ كُوفِيٌّ فِيهَا) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ الصَّوَابُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ إنَّهُ الْأَصَحُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْحَقَائِقِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الصَّفَّارُ كَثِيرًا مَا جَرَّبْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ غَالِطًا وَكَثِيرًا مَا جَرَّبْنَا الْجَصَّاصَ فَوَجَدْنَاهُ غَالِطًا.
(قَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ تَمَتُّعُهُ بِالْإِقَامَةِ فَبِعَدَمِهَا أَوْلَى، وَالتَّقْيِيدُ بِالْخُرُوجِ لَا يُفْهِمُ الْحُكْمَ فِيمَا لَوْ أَقَامَ فَمَا هُنَا أَوْلَى.
وَإِلَّا فَدَمُ التَّمَتُّعِ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَا مِثْلَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الرُّكْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَاضَتْ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَتَتْ بِغَيْرِ الطَّوَافِ)«لِقَوْلِهِ عليه السلام لِعَائِشَةَ حِينَ حَاضَتْ بِسَرِفَ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» فَأَفَادَ أَنَّ طَوَافَهَا حَرَامٌ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ وَتَرْكُ وَاجِبِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ حَتَّى تَطْهُرَ فَإِنْ طَافَتْ كَانَتْ عَاصِيَةً مُسْتَحِقَّةً لِعِقَابِ اللَّهِ وَلَزِمَهَا الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ تُعِدْ كَانَ عَلَيْهَا بَدَنَةٌ، وَتَمَّ حَجُّهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ تَرَكَتْهُ كَمَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ) يَعْنِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ عُذْرٌ وَكَذَا إذَا أَخَّرَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إلَى وَقْتِ طُهْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِلْعُذْرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي طَوَافِ الصَّدْرِ وَأَطْلَقَ فِي سُقُوطِهِ عَمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَامَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تُجْزِهِ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ التَّصْرِيحَ بِهَذَا الْمُسْتَفَادِ عَنْ الدِّرَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الشرنبلالية مِثْلَهُ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ قَالَ لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ طَوَافُ الرُّكْنِ مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّةُ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ غَيْرِهَا اهـ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُتَمَتِّعِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَلَا يُسَلَّمُ إذْ هِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا، أَمَّا الْمُتْعَةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ عَلَيْهِ فَسَاوَتْ الطَّوَافَ اهـ.
فَالْأَوْلَى مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ طَوَافَ الرُّكْنِ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ بِخِلَافِ دَمِ التَّمَتُّعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَا فِي الشرنبلالية وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ الْمَارُّ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا أَخَّرَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) أَيْ إذَا حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتٍ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فَلَمْ تَطُفْ لَزِمَهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي وَقْتٍ تَقْدِرُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ فَقَوْلهمْ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَائِضِ وَكَذَا النُّفَسَاءُ لِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا حَاضَتْ فِي وَقْتٍ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرِ الطَّوَافِ، أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ تَطْهُرْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ اهـ.
لِمَا ذَكَرَهُ فِي اللُّبَابِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُمْكِنُهَا طَوَافُ الزِّيَارَةِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَمْ تَطُفْ فَعَلَيْهَا دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ، وَإِنْ أَمْكَنَهَا أَقَلُّهُ فَلَمْ تَطُفْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.