الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب خيار الشرط
خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري. ولهما الخيار ثلاثة أيام فما دونها، والأصل فيه ما روي أن حبان بن منقذ بن عمرو
ــ
[البناية]
[باب خيار الشرط]
[تعريف خيار الشرط]
م: (باب خيار الشرط) ش: أي هذا باب في بيان أحكام خيار الشرط، ولما فرغ عن بيان البيع اللازم وهو الذي ليس فيه خيار بعد وجود شرائطه شرع في بيان البيع الغير اللازم، وهو ما فيه الخيار، ولكون اللازم أقوى قدمه على غيره، ثم قدم خيار الشرط؛ لأنه يمنع ابتداء الحكم على خيار الرؤية؛ لأنه يمنع تمام الحكم، ثم خيار العيب؛ لأنه يمنع لزوم الحكم.
والخيار في البيع على أربعة أنواع: خيار الشرط، وخيار الرؤية، وخيار العيب، وخيار التعيين، كما إذا اشترى أحد الثوبين وهو بالخيار على أن يأخذ أيهما شاء، وسيجيء في هذا الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: خيار الشرط أي خيار يثبت بالشرط، إذ لولا الشرط لما ثبت الخيار بخلاف خيار الرؤية والعيب، فإنهما يثبتان من غير شرط، وهذه الإضافة من باب إضافة الحكم إلى سببه، كصلاة الظهر، وكان من حقه ألا يدخل في البيع لكونه في معنى القمار، ولكن لما جاءت به السنة لم يكن هذا من العمل به فظهر عمله في منع الحكم دون السبب تقليلا لعمله بقدر الإمكان.
وشرط الخيار جائز بإجماع العلماء والفقهاء، ولكن اختلفوا في المدة، ويجوز للبائع وللمشتري أو لهما معا أو لغيرهما، وفي غيرهما اختلاف يجيء إن شاء الله تعالى.
وقال سفيان الثوري وابن شبرمة: يجوز للمشتري لا للبائع؛ لأنه ثبت بخلاف القياس فيقصر على مورد النص وهو المشتري، قلنا: النص هو قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا بايعت" يتناول البيع والشراء فيجوز لهما، وكان بالناس حاجة إليه ليدفع الغبن بالتردي، وفيه يستوي البائع والمشتري م:(خيار الشرط جائز في البيع للبائع والمشتري ولهما الخيار ثلاثة أيام) .
قال الأترازي: وقوله ثلاثة أيام يروى بالنصب على أنه ظرف، أي في ثلاثة أيام، وبالرفع على أنه خبر أو خبر مبتدأ محذوف، أي هو ثلاثة أيام.
قلت: في قوله خبر بعد خبر تأمل لا يخفى، والأولى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره مدة الخيار ثلاثة أيام م:(فما دونها) ش: أي فما دون ثلاثة أيام؛ لأنه إذا جاز في ثلاثة أيام ففيما دونها بطريق الأولى.
م: (والأصل فيه) ش: أي في جواز شرط الخيار م: (ما روي «أن حبان بن منقذ بن عمرو
الأنصاري رضي الله عنه كان يغبن في البياعات فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا بايعت فقل: لا خلابة، ولي الخيار ثلاثة أيام»
ــ
[البناية]
الأنصاري رضي الله عنه كان يغبن في البياعات، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:"إذا بايعت فقل: لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام» ") .
ش: هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان حبان بن منقذ رجلا ضعيفا وكان قد ثقل لسانه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بع وقل لا خلابة"، فكنت أسمعه يقول: لا خلابة لا خلابة، وكان يشتري الشيء ويجيء به إلى أهله فيقولون له: إن هذا غال، فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خيرني في بيعي» وسكت عنه الحاكم.
وكذلك رواه الشافعي رضي الله عنه: أخبرنا سفيان عن محمد بن إسحاق به، ومن طريق الشافعي رضي الله عنه رواه البيهقي في " المعرفة "، ورواه البخاري في "تاريخه الأوسط "، وقال: حدثنا العباس بن الوليد حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن ابن إسحاق، «حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: كان جدي منقذ بن عمرو أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه، ونازعت عقله، وكان لا يدع التجارة فلا يزال يغبن، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا بعت فقل: لا خلابة، وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال» .
وعاش مائة وثلاثين سنة، وكان في زمن عثمان رضي الله عنه يبتاع في السوق، فيصير إلى أهله فيلومونه، فيرده، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا، فيمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول صدق، ذكره في ترجمة منقذ.
فإن قلت: دل حديث الحاكم على أن القضية لحبان بن منقذ، وحديث البخاري في تاريخه دل على أنه لمنقذ بن عمرو والد حبان.
قلت: روى الترمذي حدثنا يوسف بن حماد البصري، حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه «أن رجلا كان في عقدته ضعف، وكان يبايع، وإن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله احجر عليه، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه، فقال يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع، فقال: "إذا بايعت فقل هاء وهاء ولا خلابة» ، ثم قال: وحديث أنس حديث حسن صحيح غريب، ورواه بقية أصحاب السنن.
وقال شيخنا في "شرحه للترمذي ": الرجل المبهم في هذا الحديث اختلف فيه هل هو
ولا يجوز أكثر منها عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والشافعي، وقالا: يجوز إذا سمى مدة معلومة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما «أنه أجاز الخيار إلى شهرين» ولأن الخيار إنما شرع للحاجة
ــ
[البناية]
حبان بن منقذ، أو والده منقذ بن عمرو، فصحح ابن العربي أنه منقذ بن عمرو، ورجح النووي أنه حبان بن منقذ، قوله: هاء روي بالمد والقصر، ومعناه الأخذ والعطاء، كقوله في حديث الربا: إلا هاء وهاء، والخلابة بكسر الخاء المعجمة وبالباء الموحدة، وهي الخديعة.
وروي لا خلانة بالنون مكان الموحدة، وهو تصحيف، وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة؛ ابن منقذ بضم الميم وسكون النون وكسر القاف وبالذال المعجمة، ابن عمرو بن مالك شهدا أحدا، ومن ولده يحيى وواسع، وأمه هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
كذا ذكره ابن شاهين في كتاب المعجم، وقال ابن ماكولا: ومنقذ بن عمرو المازني الأنصاري، مدني له صحبة، وهو جد محمد بن يحيى بن حبان م:(ولا يجوز أكثر منها) ش: أي من ثلاثة أيام م: (عند أبي حنيفة، وهو قول زفر والشافعي) ش: وقال مالك: شرط الخيار على حسب ما تدعو إليه الحاجة، وذلك يختلف باختلاف الأموال. فإن كان المبيع مما لا يبقى أكثر من يوم كالفاكهة مثلا لم يجز أن يشترط الخيار فيه أكثر من يوم، وإن كان ضيغة لا يمكن الوقوف عليها في ثلاثة أيام يجوز أن يشترط فيها أكثر من ثلاثة أيام.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (يجوز إذا سمى مدة معلومة) ش: سواء كان شهرا أو سنة أو أكثر، ولو شرط الخيار أبدا لا يجوز بالإجماع وبقولهما قال أحمد م:(لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه أجاز الخيار إلى شهرين) ش: هذا غريب جدا، والعجب من الأكمل أنه قال: ولهما حديث ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الخيار إلى شهرين» ونفس إسناده إلى ابن عمر لم يصح، فكيف يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الأترازي: وقد روى أصحابنا في شروح " الجامع الصغير ": أن ابن عمر شرط الخيار شهرين، كذا ذكر فخر الإسلام.
وقال العتابي: إن عبد الله بن عمر باع بشرط الخيار شهرا، وقال في " المختلف " روي عن ابن عمر أنه باع جارية وجعل للمشتري الخيار شهرا، وكل هذا لم يثبت، واستدل الكاكي لهما بقوله عليه الصلاة والسلام:«المسلمون عند شروطهم» م: (ولأن الخيار إنما شرع للحاجة
إلى التروي ليندفع الغبن، وقد تمس الحاجة إلى الأكثر، فصار كالتأجيل في الثمن، ولأبي حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما روينا من النص فيقتصر على المدة المذكورة فيه وانتفت الزيادة إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة خلافا لزفر، هو يقول: إنه انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا، وله أنه أسقط المفسد قبل تقرره فيعود جائزا كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس
ــ
[البناية]
إلى التروي) ش: أي التأمل والتفكر م: (ليندفع الغبن وقد تمس الحاجة إلى الأكثر فصار كالتأجيل في الثمن) ش: لأن التأجيل في الثمن يجوز في قليل المدة وكثيرها إن كان يخالف مقتضى العقد لأجل الحاجة، فكذا هذا م:(ولأبي حنيفة أن شرط الخيار يخالف مقتضى العقد، وهو اللزوم، وإنما جوزناه بخلاف القياس لما روينا من النص) ش: وهو حديث حبان بن المنقذ المذكور م: (فيقتصر على المدة المذكورة فيه) ش: أي في النص م: (وانتفت الزيادة) ش: على ثلاثة أيام م: (إلا أنه إذا أجاز في الثلاث جاز عند أبي حنيفة) ش: استثناء من قوله: ولا يجوز أكثر منها، ومعناه لا يجوز أكثر منها، لكن لو ذكر الأكثر منها وأجاز من له الخيار في الثلاث جاز.
ويجوز أن يكون استثناء من قوله: فيقتصر على المدة المذكورة بالتوجيه المذكور، والأول أولى لقوله: م: (خلافا لزفر) ش: تأمل م: (هو) ش: أي زفر رحمه الله م: (يقول: إنه) ش: أي إن العقد م: (انعقد فاسدا فلا ينقلب جائزا) ش: كما إذا باع الدرهم بالدرهمين، ثم أسقط الدرهم الزائد، كما لو نكح امرأة وتحته أربع نسوة ثم طلق الرابعة لا يحكم بصحة نكاح الخامسة، وكما لو اشترى عبدا بألف ورطل من خمر، ثم أسقط رطل الخمر، فإنه لا يعود إلى الجواز؛ لأن البقاء على وقف الثبوت.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه) ش: أي أن من له الخيار م: (أسقط المفسد) ش: وهو اشتراط اليوم الرابع م: (قبل تقرره) ش: أي لزومه وثبوته بمضي ثلاثة أيام.
م: (فيعود جائزا) ش: اعلم أن مشايخنا رحمهم الله اختلفوا في حكم هذا العقد في الابتداء على قول أبي حنيفة، فذهب العراقيون إلى أنه ينعقد فاسدا، ثم ينقلب صحيحا، بحذف خيار الشرط قبل اليوم الرابع، وذهب أهل خراسان - وإليه مال شمس الأئمة السرخسي - إلى أنه موقوف.
فإذا مضى جزء من اليوم الرابع فسد، فقول المصنف أنه أسقط المفسد قبل تقرره تعليل على الرواية الأولى، وذكر النظير لهذا بقوله: م: (كما إذا باع بالرقم وأعلمه في المجلس) ش: الرقم في الأصل الكتابة والختم.
وفي " المغرب " التاجر يرقم الثياب أي يعلمها بأن ثمنها كذا وكذا، والمقصود هاهنا أن
ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع، فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد، ولهذا قيل: إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع، وقيل: ينعقد فاسدا ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط، وهذا على الوجه الأول. ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما جاز، وإلى أربعة أيام لا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف
ــ
[البناية]
يعلم البائع على الثوب بعلامة كالكتابة يعلم بها الدلال أو غيره ثمن الثوب، ولا يعلم المشتري ذلك.
فإن قال: بعتك هذا الثوب برقمه، وقبل المشتري من غير أن يعلم المقدار انعقد البيع فاسدا، فإن علم المشتري قدر الرقم في المجلس، وقيل: انقلب جائزا بالاتفاق قوله: م: (ولأن الفساد باعتبار اليوم الرابع) ش: تعليل على الرواية الثانية.
وتقريره أن اشتراط الخيار غير مفسد للعقد، وإنما المفسد باعتبار اليوم الرابع بالأيام الثلاثة م:(فإذا أجاز قبل ذلك لم يتصل المفسد بالعقد) ش: فكان صحيحا م: (ولهذا قيل) ش: متصل بقوله، ولأن الفساد وهو الذي قرر على مذهب الخراسانيين وهو م:(إن العقد يفسد بمضي جزء من اليوم الرابع) ش: على ما تقرر آنفا.
م: (وقيل: ينعقد فاسدا) ش: هذا على مذهب العراقيين م: (ثم يرتفع الفساد بحذف الشرط) ش: على ما مر أيضا م: (وهذا) ش: أي القول بانعقاده فاسدا.
ثم ارتفاع الفساد بحذف الشرط إنما يستقيم م: (على الوجه الأول) ش: أي التعليل الأول، وهو قوله: أسقط المفسد إلى آخره، وأما على التعليل الثاني وهو قوله: لأن الفساد، إلى آخره فلا يستقيم؛ لأنه لم ينعقد فاسدا فلا يمكن ارتفاع الفساد بحذف الشرط، والجواب عما قاس عليه زفر من المسائل أن الفساد فيها في صلب العقد، وهو البدل، فلم يمكن دفعه، وفي مسألتنا في شرطه فأمكن م:(ولو اشترى على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينها جاز) ش: ويسمى هذا خيار النقد، والقياس يأبى جوازه، وبه أخذ زفر والشافعي ومالك وأحمد رضي الله عنهم؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد على ما يجيء.
م: (وإلى أربعة أيام) ش: يعني لو قال إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام فلا بيع بيننا م: (لا يجوز، عند أبي حنيفة وأبي يوسف) ش: قال الأترازي: ذكر المصنف قول أبي يوسف مع أبي حنيفة كما ترى، وكذلك ذكر الشهيد أيضا في شرح " الجامع الصغير "، ولم يذكر محمد خلاف أبي يوسف في أصل " الجامع الصغير ".
وهذا الذي ذكره قول أبي يوسف الأول، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف أنه رجع عن هذا القول، وقال: يجوز البيع كما هو قول محمد، كذا ذكر الفقيه أبو الليث في " شرح
وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر، فإن نقد في الثلاث جاز في قولهم جميعا. والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط الخيار، إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في الفسخ، فيكون ملحقا به، وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به، ونفى الزيادة على الثلاث
ــ
[البناية]
الجامع الصغير ".
ولهذا المعنى قال صاحب المنظومة:
واضطرب الأوسط فيه فاعقل
م: (وقال محمد: يجوز إلى أربعة أيام أو أكثر) ش: كما يجوز عند شرط الخيار أربعة أيام أو أكثر م: (فإن نقد) ش: أي المشتري الثمن م: (في الثلاث) ش: أي في ثلاثة أيام في المسألة المذكورة م: (جاز في قولهم جميعا) ش: أي في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى-.
م: (والأصل فيه) ش: أي في الشراء لشرط أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما م: (أن هذا) ش: أي الشراء بهذا الشرط م: (في معنى اشتراط الخيار) ش: لأن معنى الخيار نقد الثمن، على تقدير إجازة البيع، وعدم نقده على تقدير فسخ البيع، فكذا هاهنا إن شاء نقد الثمن فتم البيع، وإن شاء لم ينقد فانفسخ البيع.
م: (إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد تحرزا عن المماطلة) ش: أي عن المدافعة م: (في الفسخ) ش: وهذا تعليل لقوله: الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد، كأنه ذكر هذا جوابا لسؤال يرد عليه، بأن يقال: لا نسلم أن الحاجة ماسة إلى الانفساخ؛ لأن الحاجة تندفع بالشراء بشرط الخيار؛ لأنه إذا اشترى بالخيار إن شاء أجاز وإن شاء فسخ، ولا حاجة إلى تصحيح هذا العقد بلا حاجة.
فقال في جوابه هذا: إن الفسخ يكون بالشراء لشرط الخيار، لكن ليس لمن له الخيار أن يفسخ بغير حضرة صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد، فتحصل المماطلة حينئذ في الفسخ، فإذا كان كذلك م:(فيكون ملحقا به) ش: أي بخيار الشرط.
م: (وقد مر أبو حنيفة على أصله في الملحق به) ش: وهو خيار الشرط م: (ونفى الزيادة على الثلاث) ش: فكذا في الملحق، وهو خيار النقد، والحاصل أن أبا حنيفة مشى على أصله في شرط الخيار، حيث لا يجوز عنده أكثر من ثلاثة أيام.
فكذا ما هو في معناه إلا إذا نقد الثمن في الثلاث، فكان البيع جائزا لانقطاع المفسدة. م:
وكذا محمد في تجويز الزيادة، وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر، وفي هذا بالقياس وفي هذه المسألة قياس آخر، وإليه مال زفر، وهو أنه بيع شرط فيه إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط، واشتراط الصحيح منها فيه مفسد للعقد، فاشتراط الفاسد أولى، ووجه الاستحسان ما بينا.
ــ
[البناية]
(وكذا محمد) ش: أي وكذا مر محمد على أصله م: (في تجويز الزيادة) ش: في الأصل والملحق به؛ لأن عنده يجوز شرط الخيار أكثر من ثلاثة أيام إذا كانت المدة معلومة فكذا ما كان في معناه.
م: (وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر) ش: أي أخذ في ثلاثة أيام في قوله: إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا بالأثر، أي بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما نقله الفقيه أبو الليث في " شرح الجامع الصغير " عن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، عن سليمان مولى ابن البرصاء، قال: متى بعت من عبد الله بن عمر جارية على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا، فأجاز ابن عمر هذا البيع، ولم يرد عن أحد من نظرائه خلافه.
م: (وفي هذا بالقياس) ش: أي أخذ في الزائد على ثلاثة أيام في خيار النقد بالقياس، يعني النص مقيد بالثلاث في خيار النقد. وما ورد النص في خيار النقد في الزيادة، وقال الأترازي: أبو يوسف مر على أصله أيضا على قوله المرجوع إليه، ولكنه فرق، وهو بين هذا وبين شرط الخيار على قوله الأول، حيث جوز الزيادة على الثلاثة في شرط الخيار. ولم يجوز هاهنا؛ لأنه اتبع أثر ابن عمر وهو الذي ذكرناه، ولم يتجاوز حد الأثر، وفيما زاد على ذلك أخذ بالقياس؛ لأن القياس أن لا يصح هذا البيع أصلا كما قال زفر: لأنه بيع شرط فيه إقالة فاسدة، وهي إقالة معلقة بالشرط، والبيع بشرط الإقالة الصحيحة باطل فبشرط الإقالة الفاسدة أولى.
م: (وفي هذه المسألة) ش: المذكورة م: (قياس آخر، وإليه) ش: أي وإلى هذا القياس م: (مال زفر وهو) ش: أي هذا القياس م: (أنه بيع شرط فيه) ش: أي في البيع م: (إقالة فاسدة لتعلقها) ش: أي لتعلق الإقالة م: (بالشرط) ش: وهو عدم النقد م: (واشتراط الصحيح منها) ش: أي من الإقالة بأن قال: بعتك هذا بشرط أن يقبل البيع م: (فيه مفسد للعقد فاشتراط الفاسد) ش: وهو تعليق البيع بالإقالة المعلقة م: (أولى) ش: بأن يفسد البيع.
م: (ووجه الاستحسان ما بينا) ش: يعني أن هذا البيع لا يجوز إلى ثلاثة أيام أيضا قياسا، كما قال زفر ولكنا جوزناه استحسانا، ووجهه ما بينا، وهو أن الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد، كذا قاله الأترازي.
وقال الأكمل: وجه الاستحسان أن هذا في معنى شرط الخيار من حيث الحاجة، إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد؛ تحرزا عن المماطلة في الفسخ، وإذا كان في معناه كان ملحقا به، ورد بأنا لا نسلم أنه في معناه؛ لأن هناك لو سكت حتى مضت المدة تم العقد، وهاهنا لو سكت حتى مضت المدة بطل.