الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بيع الفضولي
قال: ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع وإن شاء فسخ. وقال الشافعي: لا ينعقد لأنه لم يصدر عن ولاية شرعية؛ لأنها بالملك أو بإذن المالك، وقد فقدا ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية.
ــ
[البناية]
[فصل في بيع الفضولي]
[حكم بيع الفضولي]
م: (فصل في بيع الفضولي)
ش: أي هذا فصل في بيان حكم بيع الفضولي وهو نسبة إلى الفضول جمع الفضل، يعني الزيادة. وفي " المغرب " وقد غلب جمعه على ما لا خير فيه، حتى قيل فضول بلا فضل وسنا بلا سن وطولا بلا طول وعرضا بلا عرض ثم قيل: لمن يشتغل بما لا يعنيه فضولي وهو في اصطلاح الفقهاء من ليس بوكيل وبفتح الفاء خطأ، انتهى كلامه.
وقيل: الفضولي من يتصرف في حق الغير بلا إذن شرعي كالأجنبي يزوج أو يبيع ولم يرد في النسبة إلى الواحد، وإن كان هو القياس لأنه صار بالغلبة كالعلم بهذا المعنى، فصار كالأنصاري والأعرابي. وقال الأكمل: مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق ظاهرة، لأن بيع الفضولي صورة من صور الاستحقاق، لأن المستحق يقول عند الدعوى. هذا ملكي. ومن باعك فإنما باعك بغير إذني فهو عين بيع الفضولي.
قلت: لا يقال مناسبة هذا الفصل بباب الاستحقاق، وإنما يقال: هذا الفصل داخل في هذا الباب الذي قبله، لأن الباب عند المصنفين إذا ذكروا فصلا أو فصلين أو أكثر عقيب باب يقولون هذا داخل في الباب الذي قبله، وإنما يفردونه بالذكر لأنه ليس بداخل فيه من كل وجه فافهم.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ومن باع ملك غيره بغير أمره فالمالك بالخيار إن شاء أجاز البيع، وإن شاء فسخ) ش: وبه قال مالك وأحمد في رواية م: (وقال الشافعي لا ينعقد) ش: أي بيع الفضولي لا ينعقد أصلا وعنده تصرفات الفضولي كلها باطلة في الجديد، وبه قال أحمد: في رواية، وفي القديم كمذهبنا م:(لأنه) ش: أي لأن بيع ملك غيره م: (لم يصدر عن ولاية شرعية) ش: قال الكاكي، احترز به عن الولاية الحسية، فإنها تثبت بمجرد اليد، سواء كانت اليد حقا أو لا.
وقال غيره: يعني لم يصدر عن ولاية شرعية أنه أضاف التصرف إلى محل ليس له ولاية عليه فيلغو م: (لأنها) ش: أي لأن الولاية الشرعية تثبت م: (بالملك) ش: المطلق للتصرفات م: (أو بإذن المالك) ش: الذي له ولاية التصرف م: (وقد فقدا) ش: على صيغة المجهول، أي فقد فقد الملك والمالك، يعني لم يوجدا م:(ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية) ش: أي بالولاية الشرعية وقد عدمت، ولقوله عليه الصلاة والسلام لحكيم بن حزام:«لا تبع ما ليس عندك» .
ولنا أنه تصرف تمليك وقد صدر من أهله في محله، فوجب القول بانعقاده إذ لا ضرر فيه للمالك مع تخييره، بل فيه نفعه حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره، وفيه نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء، وفيه نفع المشتري فثبت القدرة الشرعية تحصيلا لهذه الوجوه، كيف وأن الإذن ثابت دلالة؛ لأن العاقل يأذن في
ــ
[البناية]
م: (ولنا أنه) ش: أي أن بيع الفضولي م: (تصرف تمليك) ش: إلا أنه فيه من قبيل إضافة العام إلى الخاص كعلم الفقه، فلا نزاع في ذلك، وإنما قال تصرف تمليك ولم يقل تمليك، لأن التمليك من غير المالك لا يتصرف، وأما كونه تصرف تمليك فلأن كون المبيع تمليك مال بمال وهو قصد إيقاعه تمليكا في محل قابل للملك.
ولكن لا ينفذ في الحال قبل الإجازة لئلا يتضرر المالك. وقال الكاكي: وقيد التصرف بالتمليك احترازا عن تصرف هو إسقاط كالطلاق والعتاق بمال أو بغير مال من الصبي والمجنون.
فإن هذه التصرفات منهما لا تصح ولا تتوقف على إجازة الولي ولا على إجازة نفسهما بعد البلوغ والإفاقة، بخلاف ما إذا اشترى الصبي شيئا أو تزوج امرأة أو زوج أمته، فإن هذه التصرفات منه تتوقف على إجازة الولي أو إجازة نفسه بعد البلوغ، ولا يجوز بنفس البلوغ بغير إجازة بعده.
م: (وقد صدر) ش: أي والحال أن هذا العقد قد صدر م: (من أهله) ش: وهو كونه عاقلا بالغا م: (في محله) ش: أي في محل العقد وهو كونه مالا متقوما م: (فوجب القول بانعقاده، إذ لا ضرر فيه) ش: أي في هذا العقد م: (للمالك مع تخييره) ش: أي مع كونه مخيرا بين الإجازة والفسخ م: (بل في) ش: أي في هذا العقد م: (نفعه) ش: أي نفع للمالك م: (حيث يكفي مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن وغيره) ش: وهو حقوق العبد، فإنها لا ترجع إلى المالك م:(وفيه) ش: أي في هذا العقد م: (نفع العاقد لصون كلامه عن الإلغاء وفيه نفع المشتري) ش: لأنه أقدم عليه طائعا ولولا النفع لما أقدم م: (فثبت القدرة الشرعية) ش: وهو التصرف الذي ينعقد به العقد.
وهذا جواب عن قول الشافعي رضي الله عنه: ولا انعقاد إلا بالقدرة الشرعية م: (تحصيلا لهذه الوجوه) ش: أي لأجل تحصيل هذه الوجوه، وهي كفاية مؤنة طلب المشتري وقرار الثمن ونفع العاقدين لصون كلامهما عن الإلغاء.
م: (كيف وأن الإذن ثابت دلالة) ش: فهذا جواب عن قول الشافعي رضي الله عنه لأن الولاية الشرعية بإذن المالك وقد فقد الإذن فقال كيف لا ينعقد بيع الفضولي لعدم الإذن من المالك والحال أن الإذن ثابت دلالة، أي في حق انعقاد العقد لاشتماله على النفع م: (لأن العاقل يأذن في
التصرف النافع
ــ
[البناية]
التصرف النافع) ش: وقيل قوله: وكيف لا إلى آخره جواب عما يقال القدرة بالملك أو بالإذن ولم يوجد، فأجاب عن ذلك منكرا بقوله: وكيف لا إلى آخره.
فإن قيل: لو كان الإذن ثابتا دلالة فيما هو نافع يكون الرضا من المالك متحققا دلالة، فينبغي أن لا يثبت له الخيار.
قلنا: الإذن ثابت دلالة فيما هو نافع لا فيما هو ضار، وفي الانعقاد نفع فيثبت من وجه في انعقاده بغير اختياره ضرر فلا يثبت الإذن في حقه فلذلك يخير.
والجواب عن حديث حكيم بن حزام الذي استدل به الشافعي رضي الله عنه وهو نهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع ما ليس عنده لأن مطلق النهي يوجب فساد النهي عنه أنه كان يبيعه ثم يشتريه ويزيد تسليمه بحكم ذلك العقد.
والدليل عليه أن قال: «يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل يأتيني فيطلب مني سلعة ليست عندي فأبيعها منه ثم أدخل السوق فأشتريها فأسلمها، فقال عليه الصلاة والسلام "لا تبع ما ليس عندك» .
وقال الأترازي في استدلال أصحابنا: ولنا ما روى أصحابنا في كتبهم " كالأسرار " وغيره في «حديث عروة البارقي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى له دينارا يشتري به أضحية، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاء بالشاة والدينار الآخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "بارك الله في صفقتك، فأما الشاة فضح بها وأما الدينار فتصدق به» فقد باع ما اشترى له عليه الصلاة والسلام بغير أمره. وأجاز عليه الصلاة والسلام بيعه، ثم قال: وفي كتب الحديث وإن عروة البارقي وحكيم بن حزام يعني روى الحديث عن الاثنين.
قلت: أما حديث عروة البارقي فرواه الترمذي: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي ثنا حبان ثنا هارون بن موسى ثنا الزبير بن الحر عن أبي لبيد «عن عروة البارقي قال دفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا لأشتري له شاة فاشتريت له شاتين، فبعت أحدهما بدينار وجئت بالشاة والدينار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما كان من أمره فقال: "بارك الله لك في صفقة يمينك"، فكان يخرج بعد ذلك إلى كناسة الكوفة فيربح الربح العظيم فكان من أكثر أهل الكوفة مالا» . وأخرجه ابن ماجه عن أحمد بن سعيد.
وأما حديث حكيم بن حزام فرواه الترمذي أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت «عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار قال فاشترى أضحية فربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء
قال: وله الإجازة إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد، فلا بد من قيامه وذلك بقيام العاقدين والمعقود عليه، وإذا أجاز المالك كان الثمن مملوكا له أمانة في يده بمنزلة الوكيل؛ لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة،
ــ
[البناية]
بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح بالشاة وتصدق بالدينار» .
ورواه أبو داود أيضا عن محمد بن كثير. ولما أخرج الترمذي الحديثين لم يسكت عنهما، بل قال: وحبيب بن ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام، وأبو لبيد اسمه لمازة، وفي إسناد أبي داود مبهم.
وقيل: حديث حكيم لا يصح لأنه إما منقطع أو في إسناده مجهول.
قلت: الانقطاع في إسناد الترمذي والمجهول في إسناد أبي داود، وقال ابن العربي: حديث عروة صحيح.
وأما الإبهام الذي في إسناد أبي داود فإنه روى عن شبيب عن فرقدة حدثني الحي عن عروة البارقي الحديث.
وقال الخطابي: يعني الحي حدثوه وما كان سبيله هذا من الرواة لم تقم به الحجة، ووقع في رواية الكرخي عن شبيب عن فرقدة يسمعه من قومه عن عروة البارقي، وروي أيضا من حديث سفيان عن شبيب بن فرقدة قال: أخبرنا الحسن عن عروة البارقي الحديث، وهذا الإسناد ما فيه إبهام وهو صحيح كما قاله ابن العربي.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وله الإجازة) ش: أي وللمالك إجازة البيع الذي عقد الفضولي م: (إذا كان المعقود عليه باقيا والمتعاقدان بحالهما؛ لأن الإجازة تصرف في العقد فلا بد من قيامه) ش: أي من قيام العقد م: (وذلك) ش: أي قيام العقد م: (بقيام العاقدين والمعقود عليه) ش: كما في الإنشاء وبقاء الفضولي إنما يشترط لصحة الإجازة في البيع إلا في النكاح حتى لو زوج رجل ابنته الصغيرة من رجل غائب ثم مات الأب وبلغ الزوج النكاح فأجاز ذلك فهو جائز وهذا نص أن بموت الأب لا ينقطع نكاح الصغيرة، كذا في " فصول الأستروشي " رحمه الله.
م: (وإذا أجاز المالك) ش: البيع م: (كان الثمن مملوكا له) ش: أي للمالك م: (أمانة في يده) ش: أي في يد الفضولي م: (بمنزلة الوكيل) ش: بالبيع إذا باع وقبض الثمن فإنه أمانة في يده م: (لأن الإجازة اللاحقة) ش: في بيع الفضولي م: (بمنزلة الوكالة السابقة) ش: في البيع بالوكالة من حيث إن كلا منهما يثبت الحكم ويرفع المانع، والمال في يد الوكيل أمانة، فكذا في يد الفضولي.
فإن قلت: ليس كذلك، فإن المشتري من الفضولي إذا باع ثم أجاز المالك المبيع بطل البيع الثاني، ولو كان البيع الأول صدر من الوكيل لا يبطل البيع الثاني.