الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كفالة الرجلين
وإذا
كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه
، كما إذا اشتريا عبدا بألف درهم، وكفل كل واحد منهما عن صاحبه، فما أدى أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة؛ لأن كل واحد منهما في النصف أصيل، وفي النصف الآخر كفيل، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وبحق الكفالة؛ لأن الأول دين والثاني مطالبة، ثم هو تابع للأول فيقع عن الأول، وفي الزيادة لا معارضة فيقع عن الكفالة ولأنه لو وقع في النصف عن صاحبه فيرجع عليه فلصاحبه أن يرجع عليه.
ــ
[البناية]
[باب كفالة الرجلين]
[كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه]
م: (باب كفالة الرجلين) ش: أي هذا باب في بيان حكم كفالة الرجلين، ولما ذكر كفالة الواحد عقبه بكفالة الاثنين، إذ الاثنان بعد الواحد وجودا، وكذا ذكرا.
م: (وإذا كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه) ش: أي لرب الدين، وهذا لفظ القدوري في "مختصره" وذكر المصنف نظير الدين الكائن على اثنين من " الجامع الصغير " بقوله م:(كما إذا اشتريا) ش: أي الاثنان م: (عبدا بألف درهم وكفل كل واحد منهما عن صاحبه) ش: لما ذكر هذا من " الجامع " أتم لفظ القدوري بقوله م: (فما أدى أحدهما لم يرجع على شريكه حتى يزيد ما يؤديه على النصف فيرجع بالزيادة) ش: هذا جواب المسألتين، ثم عللهما بقوله م:(لأن كل واحد منهما في النصف أصيل، وفي النصف الآخر كفيل، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وبحق الكفالة؛ لأن الأول دين) ش: الأول هو الأصالة وهو دين، لأنه أداء بحقيقة الدين.
م: (الثاني) ش: هو حق الكفالة م: (مطالبة) ش: لأن ما عليه بطريق الكفالة من ثمرات الدين وهو المطالبة م: (ثم هو) ش: أي الثاني وهو المطالبة بالدين بالكفالة م: (تابع للأول) ش: أي الدين، وفي " المحيط ": الدين أقوى من المطالبة، ألا ترى أن الطالب يمكن إخراجه عن المطالبة ولا يملك في حق ما لزم الأصيل، فلما لم يستويا في القوة لم تثبت المعارضة م:(فيقع عن الأول) ش: أي عن حق الأصالة لأنه أقوى، لأن الأصل فرق التبع.
م: (وفي الزيادة) ش: أي على النصف م: (لا معارضة) ش: لأنه لم يبق معارضة الأصل م: (فيقع عن الكفالة) ش: فيرجع فيما أدى فيما وراءه النصف م: (ولأنه) ش: دليل آخر على ذلك أورده بقياس الخلف، فإنه جعل نقيض المدعي وهو الرجوع على صاحبه مستلزما لمحال وهو رجوع صاحبه المستلزم للدور فإنه قال م:(لو وقع في النصف عن صاحبه فيرجع عليه فلصاحبه أن يرجع عليه) ش: لكن ليس لصاحبه أن يرجع عليه لأنه يؤدي إلى الدور، فلم يرجع في النصف عن صاحبه ليرجع عليه.
لأن أداء نائبه كأدائه فيؤدي إلى الدور، وإذا كفل رجلان عن رجل بمال على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه قليلا كان أو كثيرا. ومعنى المسألة في الصحيح أن تكون الكفالة بالكل عن الأصيل وبالكل عن الشريك، والمطالبة متعددة فيجتمع الكفالتان على ما مر، وموجبها التزام المطالبة فتصح الكفالة عن الكفيل كما تصح الكفالة عن الأصيل، وكما تصح الحوالة من المحتال عليه. وإذا عرف هذا فما أداه أحدهما وقع شائعا عنهما، إذ الكل كفالة.
ــ
[البناية]
وقوله م: (لأن أداء نائبه كأدائه) ش: بيان للملازمة، وتقريره أن صاحب المؤدي يقول له: أنت أديت عني بأمري فيكون ذلك كأدائه، ولو أديت بنفسي كان لي أن أجعل المؤدي عنك فإن رجعت علي وأنا كفيل عنك قائما أجعله عنك فأرجع عليك، لأن ذلك الذي أديته عني فهو كأدائي في التقدير.
ولو أديت حقيقة رجعت عليك ففي تقدير أدائي كذلك، والشريك الآخر يقول مثل ما قال، م:(فيؤدي إلى الدور) ش: ولم يكن في الرجوع فائدة فجعلنا المؤدي عن نصيبه خاصة إلى تمام النصف لينقطع الدور، بخلاف الزيادة على النصف، فإنه لو رجع على شريكه بذلك لم يكن لشريكه أن يرجع عليه، إذ ليس على شريك بحكم الأصالة إلا النصف، فيفيد الرجوع.
م: (وإذا كفل رجلان عن رجل بمال على أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه، فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه قليلا كان أو كثيرا، ومعنى المسألة في الصحيح) ش: قال تاج الشريعة: قوله في الصحيح، أي كفل كل واحد منهما مجموع الدين لرب الدين ثم صار كل واحد كفيلا عن صاحبه بجميع المال. وقال الأكمل: وإنما قال في الصحيح لتتأتى الفروع المبينة على ذلك، فإنه قال على الأصيل.... إلى آخره، على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.
وقال الكاكي: إنما قال في الصحيح لأنه لو جعل كل واحد منهما كفيلا بالنصف لما صح النصف الذي يأتي م: (أن تكون الكفالة بالكل عن الأصيل وبالكل عن الشريك والمطالبة متعددة) ش: لأن كل واحد من الكفيلين مطالب بالكل من جهة الأصيل، ومطالبة بالكل أيضا من جهة الكفيل م:(فيجتمع الكفالتان) ش: فتعددت المطالبتان لتعدد الكفالتين م: (على ما مر) ش: إشارة إلى أن الكفالة التوثق، وعند اجتماع الكفالتين يزداد التوثق م:(وموجبها) ش: أي موجب الكفالة، م:(التزام المطالبة فتصح الكفالة عن الكفيل، كما تصح الكفالة عن الأصيل، وكما تصح الحوالة من المحتال عليه) ش: أي كما تصح حوالة المحتال عليه بما جعل ما عليه على آخر، والجامع بينهما التزام ما وجب.
م: (وإذا عرف هذا) ش: أي الذي ذكرناه م: (فما أداه أحدهما وقع شائعا عنهما إذ الكل كفالة)
فلا ترجيح للبعض على البعض، بخلاف ما تقدم فيرجع على شريكه بنصفه، ولا يؤدي إلى الدور؛ لأن قضيته الاستواء، وقد حصل برجوع أحدهما بنصف ما أدى، فلا ينقض برجوع الآخر عليه، بخلاف ما تقدم، ثم يرجعان على الأصيل؛ لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه، وإن شاء رجع بالجميع على المكفول عنه لأنه كفل بجميع المال عنه بأمره. قال: وإذا أبرأ رب المال أحدهما أخذ الآخر بالجميع؛ لأن إبراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل، فبقي المال كله على الأصيل، والآخر كفيل عنه بكله على ما بيناه، ولهذا يأخذه به.
ــ
[البناية]
ش: فيقع شائعا م: (فلا ترجيح للبعض على البعض) ش: لأن الكل كفالة م: (بخلاف ما تقدم) ش: أي في المسألة الأولى حيث لا يرجع على صاحبه ما لم يزد على النصف، لأن أداء النصف كان بحق الأصالة، والنصف الآخر بحق الكفالة م:(فيرجع على شريكه بنصفه ولا يؤدي إلى الدور، لأن قضيته الاستواء) ش: الاستواء بهما في العلة وهي ضمان الكفالة، فلما كان كذلك كان لمن أدى ولاية الرجوع على صاحبه بنصف ما أدى، لأنه مستو لصاحبه في التزام بجهة، فوجب أن يستويا في العزم بسببه.
م: (وقد حصل) ش: أي الاستواء م: (برجوع أحدهما بنصف ما أدى فلا ينقض برجوع الآخر عليه) ش: لأنه لو رجع الشريك على هذا المؤدي ما بقيت المساواة م: (بخلاف ما تقدم) ش: لأن كل واحد منهما لم يلتزم جميع المال بحكم الكفالة بل التزم نصف المال بشرائه بنفسه بكفالة ولو لم يكن عن شريكه وجعل المؤدي عن الكفالة يؤدي إلى الدور كما تقدم.
م: (ثم يرجعان على الأصيل لأنهما أديا عنه أحدهما بنفسه والآخر بنائبه) ش: وهو صاحبه الذي كفل عنه م: (وإن شاء رجع) ش: عطف على قوله رجع شريكه بنصفه قليلا كان أو كثيرا، أي وإن شاء من أدى فيهما شيئا رجع م:(بالجميع) ش: أي بجميع ما أدى م: (على المكفول عنه لأنه كفل بجميع المال عنه بأمره) ش: ولو كان أحدهما كفيلا عن المكفول فقط لم يكن له رجوع على الأصيل.
م: (قال) ش: قيل: الظاهر أن قائله محمد. قلت: الظاهر أن قائله المصنف لأن المسألة ما ذكرها إلا شرح الجامع الصغير، وقال الأترازي: قالوا في شروح الجامع الصغير م: (وإذا أبرأ رب المال أحدهما) ش: أي أحد الكفيلين م: (أخذ الآخر) ش: أي الكفيل الآخر م: (بالجميع) ش: أي بجميع الدين م: (لأن إبراء الكفيل لا يوجب براءة الأصيل، فبقي المال كله على الأصيل، والآخر كفيل عنه بكله) ش: أي بكل الدين فيطالب بذلك م: (على ما بيناه) ش: إشارة إلى قوله: وبالكل عن الشريك.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل بقاء المال كله على الأصيل م: (يأخذه به) ش: أي يأخذ رب
قال: وإذا افترق المتفاوضان فلأصحاب الديون أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين، لأن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه على ما عرف في الشركة، ولا يرجع أحدهما على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف؛ لما مر من الوجهين في كفالة الرجلين. قال: وإذا كوتب العبدان كتابة واحدة وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه. ووجهه: أن هذا العقد جائز استحسانا، وطريقه: أن يجعل كل واحد منهما أصيلا في حق وجوب الألف عليه، فيكون عتقهما معلقا بأدائه ويجعل كفيلا بالألف في حق صاحبه، وسنذكره في المكاتب إن شاء الله تعالى، وإذا عرف ذلك فما أداه أحدهما رجع بنصفه على صاحبه لاستوائهما، ولو رجع بالكل لا تتحقق المساواة.
ــ
[البناية]
المال الكفيل الذي لم يبرأ به بجميع الدين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: وإذا افترق المتفاوضان) ش: أي شريكا المفاوضة وعليهما دين م: (فلأصحاب الديون أن يأخذوا أيهما شاءوا بجميع الدين، لأن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه على ما عرف في الشركة) ش: أي المفاوضة شركة عامة تُبتنى على التوكيل من كل واحد منهما صاحبه فيما كان من أعمال التجارة، وعلى الكفالة بما كان من ضمان التجارة م:(ولا يرجع أحدهما) ش: أي أحد المتفاوضين م: (على صاحبه حتى يؤدي أكثر من النصف لما مر من الوجهين في كفالة الرجلين) ش: في مسألة أول الباب.
م: (قال) ش: أي قال محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كوتب العبدان كتابة واحدة) ش: بأن قال: كاتبتكما على ألف إلى سنة قيد بالكفالة الواحدة، لأن المولى إذا كاتب كل واحد منهما على حدة وكفل أحدهما عن الآخر لا يصح ذلك قياسا واستحسانا، إذ الكفالة ببدل الكتابة لا تصح بإجماع الأئمة الأربعة، أما لو كانت الكتابة واحدة تصح استحسانا عندنا ولا يصح قياسا، وبه قالت الأئمة الثلاثة، م:(وكل واحد منهما) ش: أي من العبدين م: (كفيل عن صاحبه فكل شيء أداه أحدهما رجع على صاحبه بنصفه ووجهه) ش: أي وجه هذا المذكور، م:(أن هذا العقد جائز استحسانا) ش: لا قياسا لأنه باطل قياسا؛ لأن الكفالة تبرع، والمكاتب لا يملك التبرع، م:(وطريقه) ش: أي طريق جوازه استحسانا م: (أن يجعل كل واحد منهما أصيلا في حق وجوب الألف عليه، فيكون عتقهما معلقا بأدائه) ش: أي بأداء كل واحد منهما كأنه قال لكل واحد منهما: إن أديت الألف فأنت حر، م:(ويجعل كفيلا بالألف في حق صاحبه، وسنذكره في المكاتب) ش: أي في كتاب المكاتب، م:(إن شاء الله تعالى، وإذا عرف ذلك) ش: أي ما ذكره، م:(فما أداه أحدهما رجع بنصفه على صاحبه لاستوائهما) ش: في العلة وهي أن كل البدل مضمون على أحدهما بعقد الكتابة، ولهذا لا يعتق واحد منهما ما لم يؤد جميع البدل.
م: (ولو رجع بالكل) ش: أي بكل الألف الذي هو البدل م: (لا تتحقق المساواة) ش: وكذا إذا
قال: ولو لم يؤديا شيئا حتى أعتق المولى أحدهما جاز العتق لمصادفته ملكه، وبرئ عن النصف لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون المال وسيلة إلى العتق، وما بقي وسيلة فيسقط ويبقى النصف على الآخر، لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتهما، وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان، وإذا جاء العتق استغنى عنه فاعتبر مقابلا برقبتهما، فلهذا يتنصف، وللمولى أن يأخذ بحصة الذي لم يعتق أيهما شاء المعتق بالكفالة وصاحبه بالأصالة، فإن أخذ الذي أعتق رجع على صاحبه بما يؤدي، لأنه مؤد عنه بأمره، وإن أخذ الآخر لم يرجع على المعتق بشيء، لأنه أدى عن نفسه، والله أعلم.
ــ
[البناية]
لم يرجع بشيء، م:(قال: ولو لم يؤديا شيئا حتى أعتق المولى أحدهما جاز العتق لمصادفته ملكه) ش: أي لمصادفة العتق المولى م: (وبرئ عن النصف) ش: أي وبرئ العتق عن نصف البدل م: (لأنه ما رضي بالتزام المال إلا ليكون المال وسيلة إلى العتق، وما بقي وسيلة فيسقط) ش: أي النصف م: (ويبقى النصف على الآخر) ش: أي يبقى النصف الآخر على العبد الآخر م: (لأن المال في الحقيقة مقابل برقبتهما) ش: حتى يكون موزعا منقسما عليهما م: (وإنما جعل على كل واحد منهما احتيالا لتصحيح الضمان) ش: بأن يجعل كأن كل البدل على كل واحد منهما بحكم الأصالة لا الكفالة، فكان ضروريا لا يتعدى غير موضعهما.
م: (وإذا جاء العتق استغنى عنه) ش: أي عن الاحتمال، م:(فاعتبر مقابلا برقبتهما، فلهذا يتنصف) ش: وعورض بأنه إذا كان مقابلا بهما كان على كل واحد منهما بعضه فيجب أن لا يصح الرجوع ما لم يزد المؤدي على النصف لئلا يلزم الدور كما مر.
وأجيب: بأن الرجوع بنصف ما أدى إنما هو للتحرز عن تفرق الصفقة على المولى، لأن المؤدي لو وقع عن المؤدي على الخصوص برئ بأدائه عن نصيبه وعتق، لأن المكاتب إذا أدى ما عليه من بدل الكتاب عتق والمولى شرط عليهما أن يؤديا جميعا ويعتقا جميعا، فكان كالتخصيص إضرار للمولى بتفريق الصفقة، فأوقعنا المؤدى عنهما جميعا، وإذا بقي النصف على الآخر.
م: (وللمولى أن يأخذ بحصة الذي لم يعتق أيهما شاء) ش: أي العبدين المكاتبين م: (المعتق) ش: بفتح التاء أي يأخذ المعتق م: (بالكفالة وصاحبه بالأصالة فإن أخذ الذي أعتق رجع على صاحبه بما يؤدي لأنه مؤد عنه بأمره، وإن أخذ الآخر لم يرجع) ش: أي الآخر م: (على المعتق بشيء، لأنه أدى عن نفسه، والله أعلم) ش: قال الأترازي: ولنا فيه نظر، لأن مطالبة المولى المعتق بحكم الكفالة، والكفالة ببدل الكتابة لا تجوز، وإذا سقط النصف بالعتق سقط مطالبة بالأصالة وبقي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
المطالبة بالكفالة وهي باطلة، فينبغي أن لا يطالبه المعتق أصلا، انتهى.
والجواب عنه: أن الكفالة ببدل الكتابة ابتداء لا تجوز، ولهذا جعلنا البدل على كل واحد منهما تصحيحا للكتابة على هذا الوجه بقدر الإمكان، أما بعد عتق أحدهما صار كفيلا عن العتق ببدل الكتابة بقاء، فيجوز ذلك بقاء، وإن لم يجز ابتداء، والله أعلم.