المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البيع عند أذان الجمعة - البناية شرح الهداية - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب البيوع

- ‌[أركان البيع]

- ‌[الإيجاب والقبول في البيع]

- ‌ خيار القبول

- ‌[خيار المجلس]

- ‌[الجهالة في الأثمان المطلقة]

- ‌ باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم

- ‌[فصل في بيان ما يدخل تحت البيع من غير ذكره]

- ‌ باع نخلا أو شجرا فيه ثمر

- ‌ باع ثمرة لم يبد صلاحها

- ‌ يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة

- ‌ بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره

- ‌ باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن

- ‌باب خيار الشرط

- ‌[تعريف خيار الشرط]

- ‌خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه

- ‌ اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام

- ‌[من شرط له الخيار له أن يفسخ العقد]

- ‌ مات من له الخيار

- ‌ اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره

- ‌ اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما

- ‌ باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وكان بخلافه

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌ اشترى شيئا لم يره

- ‌ باع ما لم يره

- ‌ خيار الرؤية غير مؤقت

- ‌[نظر إلى وجه الصبرة أو إلى وجه الجارية فلا خيار له]

- ‌[نظر الوكيل كنظر المشتري في خيار الرؤية]

- ‌بيع الأعمى وشراؤه

- ‌ مات وله خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌ اطلع المشتري على عيب في المبيع

- ‌[العيب في الصغير]

- ‌[العيوب في الجارية]

- ‌ حدث عند المشتري عيب واطلع على عيب كان عند البائع

- ‌ اشترى عبدا فأعتقه أو مات عنده ثم اطلع على عيب

- ‌ باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب

- ‌ اشترى عبدا، فقبضه، فادعى عيبا

- ‌ اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا

- ‌ اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا

- ‌ باع عبدا وشرط البراءة من كل عيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌[تعريف البيع الفاسد]

- ‌البيع بالخمر والخنزير

- ‌ بيع الميتة والدم والحر

- ‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب

- ‌ بيع السمك قبل أن يصطاد

- ‌[بيع ما يخرج من ضربة القانص]

- ‌ البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة

- ‌ بيع دود القز

- ‌ بيع لبن الأمة

- ‌بيع الطريق وهبته

- ‌[شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن]

- ‌[أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو بشرائها ففعل]

- ‌ باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه

- ‌ اشترى جارية إلا حملها

- ‌[جمع بين حر وعبد في البيع]

- ‌ قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد

- ‌[فصل في بيان أحكام البيع الفاسد]

- ‌[فسخ البيع الفاسد]

- ‌ اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه

- ‌ باع دارا بيعا فاسدا، فبناها المشتري

- ‌[فصل في بيان ما يكره في باب البيوع]

- ‌[المكروه أدنى درجة من الفاسد]

- ‌ تلقي الجلب

- ‌البيع عند أذان الجمعة

- ‌باب الإقالة

- ‌[تعريف الإقالة]

- ‌[حكم الإقالة]

- ‌هلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة

- ‌باب المرابحة والتولية

- ‌[تعريف المرابحة]

- ‌ اطلع على خيانة في التولية

- ‌ اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة، وعليه دين يحيط برقبته

- ‌ اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين

- ‌ الخيانة في التولية

- ‌ بيع ما لم يقبض

- ‌كيل البائع قبل البيع

- ‌[الزيادة في الثمن]

- ‌ حكم الالتحاق في التولية والمرابحة

- ‌باب الربا

- ‌[تعريف الربا]

- ‌[ما يجري فيه الربا]

- ‌[بيع الذهب وزنا بوزن]

- ‌ بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله

- ‌[بيع الجوزة بالجوزتين]

- ‌ بيع الحنطة بالدقيق

- ‌ بيع الرطب بالتمر

- ‌[بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا]

- ‌ بيع الخبز بالحنطة والدقيق

- ‌[الربا بين المولى وعبده]

- ‌باب الحقوق

- ‌ اشترى منزلا فوقه منزل

- ‌باب الاستحقاق

- ‌[حكم الاستحقاق]

- ‌ اشترى عبدا فإذا هو حر

- ‌[ادعى حقا في دار فصالحه الذي هو في يده]

- ‌فصل في بيع الفضولي

- ‌[حكم بيع الفضولي]

- ‌[للفضولي أن يفسخ قبل إجارة المالك البيع]

- ‌[الإجازة في بيع المقايضة]

- ‌[إعتاق المشتري من الغاصب]

- ‌ باع عبد غيره بغير أمره

- ‌باب السلم

- ‌[تعريف السلم]

- ‌[مشروعية السلم]

- ‌[السلم في الدراهم والدنانير]

- ‌ السلم في الحيوان

- ‌[وجود المسلم فيه زمان العقد وزمان المحل وفيما بينهما]

- ‌السلم في اللحم

- ‌[السلم بغير أجل]

- ‌[شروط صحة السلم]

- ‌ اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة

- ‌ التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض

- ‌[أمر المشتري البائع في الشراء أن يكيله في غرائر البائع]

- ‌ اشترى جارية بألف درهم ثم تقايلا فماتت في يد المشتري

- ‌ السلم في الثياب

- ‌ السلم في الجواهر

- ‌كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه

- ‌مسائل منثورة

- ‌ بيع الكلب والفهد والسباع

- ‌ بيع الخمر والخنزير

- ‌[اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج]

- ‌ اشترى عبدا فغاب والعبد في يد البائع

- ‌ اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة

- ‌ له على آخر عشرة دراهم جياد، فقضاه زيوفا

- ‌كتاب الصرف

- ‌[تعريف الصرف]

- ‌ باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب

- ‌ بيع الكالئ بالكالئ

- ‌ باع الذهب بالفضة

- ‌ افترقا في الصرف قبل قبض العوضين

- ‌ التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه

- ‌[لم يتقابضا حتى افترقا بالأبدان]

- ‌ باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين

- ‌ البيع بالفلوس

- ‌كتاب الكفالة

- ‌[تعريف الكفالة]

- ‌ شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه

- ‌ الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص

- ‌ أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب وأخذ منه كفيلا آخر

- ‌ تعليق الكفالة بالشروط

- ‌ الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره

- ‌ تعليق البراءة من الكفالة بالشرط

- ‌[الكفالة بالحمل]

- ‌ مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا فتكفل عنه رجل للغرماء

- ‌فصل في الضمان

- ‌ باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن

- ‌ اشترى عبدا فضمن له رجل بالعهدة

- ‌باب كفالة الرجلين

- ‌ كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه

- ‌باب كفالة العبد وعنه

- ‌ ضمن عن عبد مالا

- ‌كتاب الحوالة

- ‌[تعريف الحوالة]

- ‌ طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة

- ‌ الحوالة مقيدة بالدين

الفصل: ‌البيع عند أذان الجمعة

فقد قال عليه الصلاة والسلام: لا يبيع الحاضر للبادي، وهذا إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز، وهو أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي لما فيه من الإضرار بهم، أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر،

قال: و‌

‌البيع عند أذان الجمعة

، قال الله تعالى:{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9](الجمعة: الآية: 9) ،

ــ

[البناية]

عباس رحمه الله بقوله: لا يكون له سمادا وبينه الحلواني حيث قال: صورته أن يجيء القروي بالطعام إلى المصر فلا بد للسمسار الحاضر أن يبيع القروي بنفسه، بل يقول له: لا تفعل شيئا فلا أعلم، فيتوكل هذا السمسار الحاضر من البادي ويبيعه ويعلي على الناس السعر، فلو تركه يبيعه بنفسه ربما يرخص، وهذا مبني لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يبيع حاضر لباد وذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه كان يقول: "لا يبيع حاضر لباد" وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا، وقال ابن سيرين رحمه الله: هي كلمة جامعة للبيع والشراء ويجيء الآن تفسير المصنف رحمه الله لقوله: لا يبيع حاضر لباد م: (فقد قال عليه الصلاة والسلام) ش: أي فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: م: «لا يبيع الحاضر للبادي» ش: وقد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظ الحديث في كتب الحديث بلفظ النكرة في الحاضر والبادي.

م: (وهذا) ش: أي كراهة بيع الحاضر للبادي م: (إذا كان أهل البلدة في قحط وعوز) ش: أي ضيق م: (وهو) ش: أي الحاضر م: (أن يبيع من أهل البدو طمعا في الثمن الغالي) ش: ويبيعه من أهل البادية بثمن غال، وأهل المصر يتضررون بذلك فلا يجوز م:(لما فيه من الإضرار بهم) ش: أي بأهل البلد م: (أما إذا لم يكن كذلك فلا بأس به لانعدام الضرر) ش: وهكذا قال في " شرح الطحاوي " رحمه الله.

[البيع عند أذان الجمعة]

م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (والبيع عند أذان الجمعة) ش: أي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع عند أذان الجمعة هكذا فسره الأكمل رحمه الله وقال الأترازي رحمه الله: وهو بالجر معطوف على قوله عن النجش، وهو أيضا يؤدي معنى ما قاله الأكمل رحمه الله ولكن المصنف رحمه الله لم يذكر فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك صريحا، وإنما قال: م: قال الله تعالى: {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9](الجمعة: الآية: 9)، ش: ولكن ما نهى الله عز وجل عن شيء وهو أيضا نهي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذروا: اتركوا أمرا للجماعة من يذرون ما أتوا ما فيه وأصله اذروا أو ذروا حذفت الواو تبعا لفعله واستغني عن الهمزة فحذفت فصار ذروا، وأقل أحوال النهي الكراهة، ولأن السعي إلى الجمعة واجب بالنص.

وفي الاشتغال بالبيع والشراء أو بالنوم ونحو ذلك ترك السعي الواجب، وقد مر الكلام

ص: 213

ثم فيه إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه، وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة.

قال: وكل ذلك يكره لما ذكرنا، ولا يفسد به البيع لأن الفساد في معنى خارج زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة،

قال: ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد..

ــ

[البناية]

فيه مستقصى في باب الجمعة م: (ثم فيه) ش: أي في الاشتغال بالبيع م: (إخلال بواجب السعي على بعض الوجوه) ش: بأن عقدا ووقفا ولم يسعيا، وأما إذا كانا يمشيان ويبيعان فلا بأس به، ذكره أبو الليث في أصوله م:(وقد ذكرنا الأذان المعتبر في كتاب الصلاة) ش: أراد به ما ذكره في باب الجمعة، والأصح أن المعتبر هو الأول أي الأذان الأول إذا كان بعد الزوال، لحصول الإعلام به.

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وكل ذلك يكره) ش: أي كل ما ذكرنا من أول الفصل إلى هنا مكروه وهو النجش والسوم على سوم غيره، وتلقي الجلب، وبيع الحاضر للباد، والبيع عند أذان الجمعة م:(لما ذكرنا) ش: أي لما ذكرنا من الدلائل في كل واحد منهما بمفرده.

م: (ولا يفسد به البيع) ش: أي بالنهي المذكور حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض، وبه قال الشافعي رضي الله عنه ولكن يثبت الخيار في وجه في صورة تلقي الركبان، إذ ليس السعر عليهم، وقال مالك رحمه الله: بيع التناجش باطل، وبه قال أحمد رحمه الله في رواية ضعيفة، وفي صورة تلقي الركبان البيع باطل عند مالك رحمه الله وكذا بيع الحاضر للبادي وبه قال أحمد رحمه الله م:(لأن الفساد في معنى خارج زائد) ش: أي مجاور م: (لا في صلب العقد) ش: أي لا متصل به م: (ولا في شرائط الصحة) ش: من الحرية والعقل والبلوغ، قال الكاكي رحمه الله: وأراد بقوله: خارج مجاور لا مطلق الخارج بدليل قوله: زائد لا في صلب العقد ولا في شرائط الصحة، وإلا يشكل بالبيوع الفاسدة بالشرط، فإن الفساد لمعنى خارج لكن ليس مجاورا، لهذا قال الكاكي رحمه الله قوله: لمعنى خارج مشكل إلا أن يؤول خارج بالمجاور.

م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (ولا بأس ببيع من يزيد، وتفسيره ما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله: فإذا لم يركن أحدهما إلى الآخر فهو بيع من يزيد م: (وقد صح «أن النبي صلى الله عليه وسلم باع قدحا وحلسا ببيع من يزيد» .

ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة فأخرجه أبو داود في "الزكاة"، وابن ماجه في "التجارات" عن عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر عبد الله الحنفي عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله، فقال له:" أما في بيتك شيء؟ "

ص: 214

..

....

....

....

....

....

....

....

....

....

ــ

[البناية]

قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال:"ائتني بهما" فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: "من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهم بدرهم، قال:"من يزيد على درهم؟ " مرتين أو ثلاثا، فقال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر فأسا فائتني به". فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال:"اذهب واحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» وأخرجه الترمذي مختصرا «أن النبي صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا فيمن يزيد» وكذلك أخرجه النسائي مختصرا.

فإن قلت: كيف يقول المصنف رحمه الله: وقد صح، وضعفه العقيلي في كتابه والأخضر بن عجلان ذكره الأزدي في الضعفاء وأبو بكر الحنفي، قال ابن القطان: فيه مجهول لا أعرف أحدا نقل عدالته.

قلت: هذا الحديث لما رواه الترمذي حسنه، وعند البعض: الحسن من الصحيح والأخضر ابن عجلان وثقه البخاري، وأبو بكر الحنفي روى عنه جماعة وحسن الترمذي حديثه، ولولا أنه ثقة عنده لما حسن حديثه.

فإن قلت: كيف باع النبي صلى الله عليه وسلم الحلس والقدح بغير إذن صاحبهما؟

قلت: قيل: يجوز للحاكم أن يبيع على المعسر.

فإن قلت: قال الترمذي: لم ينقل أنه كان معسرا.

قلت: كانت نفقة أهله واجبة عليه فهي كالدين، قلت: لا يحتاج إلى هذه التكلفات، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء فيتصرف على وجه المصلحة.

فإن قلت: قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، لم يروا بما شاء ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث [بأسا] .

قلت: قال ابن العربي: والباب واحد والمعنى مشترك لا يختص به غنيمة ولا ميراث والحلس بكسر الحاء المهملة كساء يطرح على ظهر البعير أو الحمار، والجمع أحلاس وحلوس كذا في الجمهرة، ويقال: فلان حلس بيته إذا لم ينزح منه.

ص: 215

ولأنه بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه نوع منه. قال: ومن ملك مملوكين صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر لم يفرق بينهما، وكذلك إن كان أحدهما كبيرا، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام:

ــ

[البناية]

قوله: مدقع من الدقعاء وهو التراب، ومعنى فقر مدقع أي شديد يفضي بصاحبه إلى التراب.

وقيل: وهو سواء احتمال الفقر، قوله: أو لذي غرم مفظع أي لذي خلعة لازمة من غرامة مثقلة، وقال ابن الأثير: المفظع الشديد الشنيع، وقد أقطع يقطع فهو مقطع وقطع الأمر فهو قطيع، قوله: لذي دم موجع: هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤدها قبل التحمل عنه فيوجعه قتله.

م: (ولأنه) ش: أي ولأن بيع من يزيد م: (بيع الفقراء والحاجة ماسة إليه) ش: أي الحاجة داعية إلى ذلك، وتوارثها الناس في الأسواق م:(نوع منه) ش: أي من البيع المكروه، وإنما فصل هذا لما أن الكراهة في الدين تذكر بعد لمعنى راجع إلى المعقود عليه، والكراهة فيما ذكر قبل لمعنى يرجع إلى غير المعقود عليه، أو لأن الذي يذكر بعد مسائل مختلفة يجمعها معنى واحد وهو التفريق بخلاف الأول؛ لأن فيها مسائل شتى ولها أصول مختلفة.

وقال الأترازي رحمه الله: ولأن المصنف رحمه الله فصل هذا عما تقدم لأن هذا النوع له باب على حدة في الأصل والزيادات، ولهذا ذكره الكرخي رحمه الله في مختصره في باب على حدة، قلت: على ما ذكره كان ينبغي أن يذكر له بابا على حدة.

م: (قال: ومن ملك مملوكين) ش: إنما قال: ملك، ولم يقل: اشترى لتناول وجوه سبب الملك من قبول الهبة والوصية والإرث والشراء م: (صغيرين أحدهما ذو رحم محرم من الآخر) ش: وقيد بالصغيرين لأنه يكره في الكبيرين م: (لم يفرق بينهما) ش: ومراده بالتفريق أن يكون ذلك في ملك واحد، لأنه إذا كان أحدهما في ملك رجل والآخر في ملك الآخر لم يكره التفريق، ألا ترى إلى ما قال في " الشامل ": ولو كان أحدهما مملوكا له، والآخر لولده الصغير أو مكاتبه أو مضاربه جاز التفريق.

قال في " شرح الطحاوي ": إذا كان له ولدان صغيران فدخل أحدهما في ملك أحدهما الآخر فلا بأس ببيع أحدهما، وإن كان يملك بيعهما جميعا، وقال فيه أيضا: وكما يكره التفريق في البيع فكذلك يكره التفريق في القسمة في الميراث والغنائم.

م: (وكذلك) ش: أي لم يفرق م: (إن كان أحدهما) ش: أي أحد المملوكين م: (كبيرا) ش: وإلا صغيرا م: (الأصل فيه) ش: أي في هذا النوع م: (قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي

ص: 216

«من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» «ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه غلامين أخوين صغيرين، ثم قال له:"ما فعل الغلامان؟ "

ــ

[البناية]

صلى الله عليه وسلم: م: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» .

ش: هذا الحديث رواه الترمذي عن حسين بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرق.... " إلخ نحوه، وقال: حديث حسن غريب.

وقال الأترازي رحمه الله: وقال الكرخي رحمه الله في "مختصره": روينا عن أبي أيوب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته» قال: وهكذا ذكر لفظ الحديث شمس الأئمة البيهقي رحمه الله في " الشامل " و" الكفاية "، وكذا ذكره في "شرح الأقطع " و" الإيضاح "، ولكن ذكر صاحب " الهداية " بلفظ الأحبة.

قلت: المحدثون رووه بلفظ الأحبة، منهم الترمذي كما ذكرنا، والحاكم، والبيهقي، والدارمي، والدارقطني، وأحمد في مسنده بعضه، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله في شرح الترمذي: استدل أحمد رحمه الله بعموم الحديث على أنه لا يصح التفريق بين الأم وولدها الكبير في البيع ونحوه وهو رواية ابن الحكم عن مالك، وقال أيضا: هل يحصل الحكم بالوالدة أو يدخل فيه الجدة للأب، وكذلك الولد الصغير مع الولد هل يجوز التفريق بينهما بالبيع ونحوه. كذلك الجدة للأب والجد للأب صرح أصحابنا بأن الجدة كالأم عند عدم الأم، وكذلك الجد كالأب عند عدم الأب، فإن كان له أم أو أب رقيقان حرم التفريق بينه وبين الأم، وجاز التفريق بينه وبين الأب، وكذلك لو كان له أم وجدة لم يجز التفريق بينه وبين الأم، فإن بيع مع جدته دون أمه فالأصح أنه حرام.

وقال أيضا: فيه حجة للصحيح من الوجهين عند أصحاب الشافعي رضي الله عنه أنه لا يزول تحريم التفريق بإذن الأم في أن يفرق بينها وبين ولدها، وبناه بعض العلماء على أن الحق في هذا هل هو لحق الوالدة أو لحق الله تعالى؟ فإن كان لحق الوالدة جاز التفريق بإذنها، وإن كان لحق الولد أو لحق الله تعالى فلا يجوز التفريق وإن أذنت، وجوز مالك التفريق بإذنها.

م: «ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه غلامين صغيرين ثم قال له: "ما فعل الغلامان؟ "،

ص: 217

فقال: بعت أحدهما فقال عليه السلام: "أدرك أدرك"، ويروى: "اردد، اردد» ، ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير، والكبير يتعاهده فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس، والمنع من التعاهد، وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه.

ــ

[البناية]

فقال: بعت أحدهما، فقال عليه السلام:"أدرك أدرك"، ويروى:"اردد، اردد") » ش: هذا رواه الترمذي وابن ماجه عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب «عن علي رضي الله عنه قال: وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماك أخوين فبعت أحدهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي ما فعل غلاماك" فأخبرته، فقال: "رده".» ثم قال: هذا حديث حسن غريب، وقال أبو داود في "سننه": ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عليا فإنه قتل في الجماجم في سنة ثلاث وثمانين.

وأخرج الدارقطني في "سننه"، والحاكم في "مستدركه" عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى «عن علي رضي الله عنه قال: قدم علي النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأمرني ببيع أخوين فبعتهما وفرقت بينهما، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "أدركهما وارتجعهما وهما جميعا، ولا تفرق بينهما» وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

م: (ولأن الصغير يستأنس بالصغير وبالكبير) ش: أي ويستأنس بالكبير أيضا، ففي التفريق زوال الأنس وزيادة الإيحاش فيكره ما لم يبلغ الغلام، أو تحض الجارية، فإذا بلغا لا يكره التفريق م:(والكبير يتعاهده) ش: أي يتعاهد الصغير أي يقوم بحوائجه باعتبار الشفقة الناشئة من قرب القرابة م: (فكان في بيع أحدهما قطع الاستئناس والمنع من التعاهد وفيه ترك الرحمة على الصغار وقد أوعد عليه) ش: أي على ترك المرحمة، وفيه أحاديث:

منها: ما رواه أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا".»

ص: 218

ثم المنع معلول بالقرابة المحرمة للنكاح حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب ولا قريب غير محرم، ولا يدخل فيه الزوجان حتى جاز التفريق بينهما، لأن النص ورد بخلاف القياس فيقتصر على مورده،

ــ

[البناية]

ومنها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما رواه الترمذي عن عكرمة رضي الله عنه مرفوعا.

ومنها: حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الترمذي أيضا مرفوعا نحوه.

ومنها: حديث رواه أبو يعلى الموصلي رحمه الله في مسنده عن أنس مرفوعا: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".»

م: (ثم المنع) ش: أي المنع من التفريق م: (معلول بالقرابة المحرمة للنكاح) ش: بأن يكون أحدهما ذا رحم محرم من الآخر م: (حتى لا يدخل فيه محرم غير قريب) ش: كأولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات.

م: (ولا قريب غير محرم) ش: أي ولا يدخل فيه محرم كالأخت من الرضاع وكامرأة الأب م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في المبيع من التفريق م: (الزوجان حتى جاز التفريق بينهما لأن النص ورد بخلاف القياس) ش: فإن القياس أن يتصرف المالك في ملكه كيف شاء م: (فيقتصر على مورده) ش: أي مورد النص وهو القرابة المحرمة للنكاح.

فإن قلت: كيف يكون على خلاف القياس، والمعنى هو قطع المعاهدة بالتفريق موجود؟

قلنا: وجود المعنى يدل على أنه لا يكون على خلاف القياس، فإن السلم شرع لحاجة المفاليس، ومع ذلك شرع على خلاف القياس، كذا قيل: لو كان منع التفريق معلوما بالقرابة المحرمة للنكاح لما جاز التفريق عند وجود هذه العلة، وقد جاز في مواضع مع وجودها.

أحدها: ما إذا كان أحد المملوكين بحال لا يمكن للمولى أن يبيعه بأن دبره، ولا بأس ببيع الذي هو محل البيع هنا وإن حصل التفريق.

والثاني: ما إذا جنى أحدهما، فلا بأس أن يدفعه المولى إلى ولي الجناية مع أن له منع البيع باختيار الفداء.

ص: 219

ولا بد من اجتماعهما في ملكه لما ذكرنا، حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره

ــ

[البناية]

والثالث: ما لو استهلك مال أمان يباع فيه مع أن للمولى ولاية المنع بأداء قيمته.

والرابع: ما لو كانا مملوكين لحربي مستأمن فإنه يجوز للمسلم أن يشتري أحدهما مع أن كل موضع يكره التفريق بالبيع يكره التفريق بالشراء، وهاهنا لا يكره.

والخامس: أنه لو كان ثلاثة إخوة في يد رجل وأحدهم صغير فللمالك أن يبيع أحد الكبيرين استحسانا مع وجود التفريق.

والسادس: ما إذا اشتراهما ووجد بأحدهما عيبا فله أن يرده ويمسك الثاني في ظاهر الرواية.

والسابع: ما لو كان أحدهما أعتقه على مال أو غير مال فيقع التفريق باعتبار الإخراج عن الملك.

الثامن: أنه لو كان في يد رجل أمة، ولها ولد صغير مراهق يجوز بيعه باختياره ورضى أمه، والمسائل من المبسوط والإيضاح وشرح الطحاوي.

قلنا: أما الجواب عن الأول: أنه إنما لم يجوز التفريق باعتبار ضرر المملوك، فلو منعناه من بيع الآخر لحق الضرر للمولى فيه، وتعارض الضررين، فنفي الضرر عن المولى أولى لئلا يلزم الحجر عن التصرف في ملكه، وكذلك الجواب في الثاني والثالث.

وعن الرابع: أنه لو لم يجز شراء المسلم منه لذهب الحربي بينهما إلى دار الحرب، وضرر فساده في دار الحرب ثابت في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلعرضية الأمن والقتل إذ الظاهر من حال من يشأ في دارهم كان على دينهم، وأما ضرر الآخر فظاهر.

وأما الخامس: بأن المنع لحق الصغير وجه مرعي إذا كان معه أحد الكبيرين ليستأنس به ويقوم بحوائجه، مع أن فيه رواية عن أبي يوسف رحمه الله أنه يكره أيضا.

وعن السادس: بالجواب عن الثاني.

وعن السابع: أن الكتابة والإعتاق هو عين الجمع بأكمل الوجوه، إذ المكاتب أو المعتق صار أحق بنفسه، فيدور هو حيث ما دار أخوه فيتعاهد أموره.

وعن الثامن: أنه لما رضيا بالتفريق لم يبق الضرر فيجوز.

م: (ولا بد من اجتماعهما) ش: أي اجتماع المملوكين الصغيرين م: (في ملكه لما ذكرنا) ش: أشار به إلى قوله عليه السلام: «من فرق بين والدة وولدها» م: (حتى لو كان أحد الصغيرين له والآخر لغيره) ش: وفي بعض النسخ، والآخر لغيره وهو الأظهر، لأن لفظ الغير مطلقا يتناول

ص: 220

لا بأس ببيع واحد منهما، ولو كان التفريق بحق مستحق لا بأس به كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ورده بالعيب؛ لأن المنظور إليه دفع الضرر عن غيره لا الإضرار به.

قال: فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد، وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يجوز في قرابة الولادة ويجوز في غيرها. وعنه أنه لا يجوز في جميع ذلك لما روينا، فإن الأمر بالإدراك والرد لا يكون إلا في البيع الفاسد.

ــ

[البناية]

كل من هو غير المالك م: (لا بأس ببيع واحد منهما) ش: أي من الاثنين المذكورين لأن التفريق إنما يتحقق في ملك واحد لا في ملك اثنين.

م: (ولو كان التفريق بحق) ش: أي بسبب حق م: (مستحق لا بأس به) ش: أي بالتفريق ومثل لذلك بقوله: م: (كدفع أحدهما بالجناية) ش: بأن جنى أحدهما فدفعه م: (وبيعه بالدين) ش: بأن كان مأذونا وأحاط به دينه أو وجب الدين على المالك ولا مال له م: (ورده بالعيب) ش: بأن اشتراهما وكان بأحدهما عيب لم يظهر عند العقد، وعلل بقوله: م: (لأن المنظور إليه) ش: في منع التفريق م: (دفع الضرر عن غيره) ش: أي عن غير الصغير م: (لا الإضرار به) ش: أي بالصغير.

وحاصل الكلام: أن التفريق إنما نهي عنه لدفع الضرر عن الصغير وليس من شرط دفع الضرر عن شخص إلحاق الضرر بغيره، فإذا تعلق بأحدهما حق فالمنع من إيفاء الحق الضرار بصاحب الحق، وإنما حصل الإضرار بالصغير ضمنا لحق مستحق فلا يلتفت إليه لأنه كم من شيء يثبت ضمنا ولا يثبت قصدا.

م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (فإن فرق كره له ذلك وجاز العقد) ش: الكراهة بالإجماع وفي الجواز خلاف، فعند أبي حنيفة، ومحمد - رحمهما الله - يجوز وبه قال الشافعي رضي الله عنه في قول م:(وعن أبي يوسف رحمه الله أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في قرابة الولادة) ش: أي في الولدين والمولودين، وبه قال الشافعي رضي الله عنه في الأصح م:(ويجوز في غيرها) ش: أي غير الوالدين والمولودين م: (وعنه) ش: أي عن أبي يوسف رحمه الله م: (أنه) ش: أي أن التفريق م: (لا يجوز في جميع ذلك) ش: أي في قرابة الولادة وغيرها، وبه قال زفر والحسن وأحمد رحمهم الله م:(لما روينا) ش: أشار به إلى قول علي رضي الله عنه في الحديث: بعت أحدهما وقد مر م: (فإن الأمر بالإدراك) ش: وهو قوله عليه السلام في الحديث المذكور: أدرك.

م: (والرد) ش: أي القول بالرد في قوله: ويروى اردد، اردد م:(لا يكون إلا في البيع الفاسد) ش: وقال الطحاوي رحمه الله: ولا ينبغي لأحد أن يفرق بين ذي رحم محرم فيهما صغير، فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يكره ذلك، ولا يفسخ البيع، وكان أبو يوسف ومحمد

ص: 221

ولهما أن ركن البيع صدر من أهله في محله، وإنما الكراهة لمعنى مجاور فشبه كراهة الاستيام، وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما؛ لأنه ليس في معنى ما ورد به النص، وقد صح أنه فرق بين مارية وسيرين، وكانتا أمتين أختين

ــ

[البناية]

رحمه الله يكرهان ذلك ولا يفسخان البيع.

وكذلك الحكم فيه حتى يبلغ الصغير غير أن محمدا رحمه الله قال في الصبي: إذا كان أخوان أو أختان أو عمتان أو خالتان فإنه لا بأس ببيع واحد من ذلك واحتباس الصغير مع الآخر، هذا لفظ الطحاوي، وقد ذكر قول محمد رحمه الله مع أبي يوسف كما ترى، وقد ذكر الكرخي رحمه الله في مختصره قول محمد مع أبي حنيفة كما ذكره المصنف.

م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - م: (أن ركن البيع صدر من أهله) ش: وهو العاقل البالغ حال كونه مضافا م: (في محله) ش: وهو المالية م: (وإنما الكراهة لمعنى مجاور) ش: وهو للرخصة الحاصلة بالتفريق م: (فشابه كراهة الاستيام) ش: أي السوم على سوم أخيه فإنه مكروه لا فاسد، والحديث محمول على طلب الإقالة أو بيع آخر ممن باع من أحدهما م:(وإن كانا كبيرين فلا بأس بالتفريق بينهما لأنه ليس في معنى ما ورد به النص) ش: لأن معنى ما ورد به الشرع هو أن التفريق قطع الاستئناس.

وترك التعاهد وليس هذا في الكبيرين م: (وقد صح أنه) ش: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم م: (فرق بين مارية وسيرين وكانتا أمتين أختين) ش: بيان هذا ما رواه البزار في مسنده من «حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أهدى المقوقس القبطي لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة كان يركبها، فأما إحدى الجاريتين فتسراها فولدت له إبراهيم رحمه الله وهي مارية أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه وهي أم عبد الرحمن بن حسان» .

وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق في " دلائل النبوة " عن الزهري «عن عبد الرحمن بن عبد القادر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية بكتاب، فقبل الكتاب وأكرم حاطبا، وأحسن نزله ومخرجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى له مع حاطب كسوة، وبغلة مسروجة وجاريتين، إحداهما أم إبراهيم، وأما الأخرى فوهبها

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

رسول الله صلى الله عليه وسلم لجهم بن قيس العقدي، وهي أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر،» انتهى، وهذا مرسل ومخالف لما رواه البزار كما تراه.

ولكن الجمع بينهما بحديث آخر رواه البيهقي أيضا بإسناده إلى «حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله فأقمت عنده ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته إلى أن قال: وهذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد، فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن: أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواحدة وهبها عليه الصلاة والسلام لأبي جهم بن حذيفة العدوي، وواحدة وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري:» انتهى.

قلت: أبو جهم ذكره أبو عمر في " الاستيعاب " وقال: قيل اسمه عامر بن حذيفة، وقيل: عبيد بن حذيفة أسلم عام الفتح وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، توفي آخر خلافة معاوية رضي الله عنه. وأما جهم بن قيس فذكره أيضا في الاستيعاب، وقال: جهم بن قيس بن عبد بن شراحبيل بن عبد مناف بن عبد الدار. وقال: هاجر إلى الأرض الحبشة مع امرأته، وتوفيت امرأته هناك.

ولم يتعرض إلى قضية هبة النبي عليه الصلاة والسلام إياه الجارية، ولا في أبي جهم، وأما سيرين فقد ذكرها أبو عمر رحمه الله في الاستيعاب في باب السين المهملة، وكذا ذكرها الذهبي في تجريد الصحابة وذكرها الأترازي بثلاث نقط على السين، والظاهر أنه سهو.

ص: 223