الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب خيار الرؤية
قال: ومن
اشترى شيئا لم يره
فالبيع جائز وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده. وقال: الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول. ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه» .
ــ
[البناية]
[باب خيار الرؤية]
[اشترى شيئا لم يره]
م: (باب خيار الرؤية) ش: أي هذا باب في بيان خيار الرؤية والإضافة فيه من قبيل إضافة المسمى إلى شرطه، وقال تاج الشريعة: من إضافة الحكم إلى سببه.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (ومن اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز) ش: صورته أن يقول الرجل لغيره: بعتك الثوب الذي في كمي هذا وصفته كذا، أو الدرة التي في كمي هذا وصفتها كذا ولم يذكر الصفة أو يقول: بعت منك هذه الجارية المتنقبة، أما إذا قال: بعت ما في كمي أو ما في كمي هذه من شيء هل يجوز البيع؟ لم يذكره في المبسوط قال عامة مشايخنا رحمهم الله: إطلاق الجواب يدل على جوازه عندنا وبعضهم قال: لا يجوز لجهالة المبيع.
وفي " المبسوط " الإشارة إليه وإلى مكانه شرط الجواز حتى لو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع، وفي " الأسرار " صورته عبدا أو أمة متنقبة مشارا إليها حاضرة، له الخيار إذا كشف ثم خيار الرؤية لا يثبت إلا في أربعة أشياء: في الشراء، والإجارة، والقسمة، والصلح في دعوى المال على شيء بعينه.
م: (وله الخيار إذا رآه، إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده، وقال الشافعي: لا يصح العقد أصلا؛ لأن المبيع مجهول) ش: لأنه لم يعرف من المعقود عليه إلا الاسم، وفي " الدراية " وعند الشافعي رضي الله عنه إن كان جنس المبيع معلوما بأن قال: بعتك ما في هذه الجواليق من الثياب فله قولان، وإن لم يكن معلوما بأن قال: بعت ما في هذه الجواليق. فالمبيع باطل عنده قولا واحدا.
وفي " شرح الوجيز، والحلية ": بيع ما لم يره البائع والمشتري يصح في القديم وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله وفي الجديد لا يصح؛ لأن المبيع مجهول، وفي " الحلية " يجوز بيع الغائب في القول المختار، وهو قول عثمان وطلحة رضي الله عنهما واختاره القفال وكثير من أصحابنا.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه» ش: الحديث روي مرسلا ومسندا، فالمسند أخرجه الدارقطني في سننه، عن داهر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
بن نوح، حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي، حدثنا وهب اليشكري، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه» .
قال عمر الكردي: وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، قال عمر أيضا: وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة رحمه الله عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وأما المرسل فرواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والدارقطني -رحمهما الله- ثم البيهقي رحمه الله في سننيهما، حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن مكحول رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اشترى.... إلى آخره، وزاد «إن شاء أخذه وإن شاء تركه» . فإن قلت: استدل الشافعي رضي الله عنه بأحاديث صحاح منها: ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر» .
ومنها، ما رواه الأربعة عن حكيم بن حزام قال عليه الصلاة والسلام:«لا تبع ما ليس عندك» . وقال الترمذي رحمه الله: هذا حديث حسن.
ومنها: ما رواه الأربعة أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك» . وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقالوا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي احتججتم به فيه عمر بن إبراهيم الكردي.
ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه يرده فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه
ــ
[البناية]
قال الدارقطني رحمه الله: هو يضع الأحاديث، وهذا باطل لا يصح؛ لأنه لم يروه غيره، وإنما يروى عن ابن سيرين رحمه الله من قوله، وقال ابن القطان رحمه الله في كتابه: والراوي عن الكردي داهر بن نوح، وهو لا يعرف، وفي المرسل أبو بكر بن أبي مريم. قال الدارقطني: ضعيف.
قلت: أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإن أبا حنيفة ومحمد -رحمهما الله- روياه بإسنادهما ذكره صاحب " المبسوط " وغيره من أصحابنا وهم ثقات، وذكر في " المبسوط ": أيضا أن ابن عباس رضي الله عنهما والحسن البصري وسلمة بن الحسين رووه مرسلا وهو حجة عندنا، والحديث الذي رواه العلماء الكبار إذا كان في طريق منها لا يترك مع أن الطعن المبهم لا يقبل، وعمل بهذا الحديث كثير من العلماء، مثل مالك وأحمد وغيرهما.
وفي " نوادر الفقهاء " لابن بنت نعيم: أجمع الصحابة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - على جواز بيع الغائب المقدور على تسليمه وأن لمشتريه خيار الرؤية إذا رآه، فإن قيل: بيع الآبق متفق على منعه فكذا الغائب. قلنا: لم يمتنع بيع الآبق لغيبته، بل لتعذر تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء، والجواب عن النهي عن بيع الغرر أنه لا يدري أيكون أم لا؟ وعلى ما لا يقدر على تسليمه كذا قال أهل اللغة.
وقال ابن حزم في " المحلى ": إذا وصف الغائب عن رد دينه وخير ملكه المشتري فأين الغرر ولم يزل المسلمون يتبايعون الضياع في البلاد البعيدة بالصفة، باع عثمان لطلحة رضي الله عنهما أرضا بالكوفة لم يرياه، فقضى جبير بن مطعم رضي الله عنه أن الخيار لطلحة رضي الله عنه وما نرى للشافعي رضي الله عنه سلفا في منع بيع الغائب الموصوف، ولا خلاف في اللسان ما في ملك بائع ما هو عنده، وما ليس في ملكه فليس عنده، وإن كان في يده، والجواب عن حديث حكيم بن حزام أن المراد من قوله:"ما ليس عندك" عدم الملك؛ لأن تمام الحديث يدل على ذلك، وتمامه قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك» هكذا رواه الترمذي وغيره، وفي رواية النسائي: أبيعه منه ثم أبتاعه له من السوق؟ فقال «لا تبع ما ليس عندك» .
م: (ولأن الجهالة بعدم الرؤية لا تفضي به إلى المنازعة؛ لأنه لو لم يوافقه يرده) ش: لأنه لو لم يوافقه بعد الرؤية يرده على بائعه بلا نزاع وإنما يفضي إلى المنازعة لو قلنا بانبرام العقد ولم نقل به م: (فصار كجهالة الوصف في المعاين المشار إليه) ش: بأن اشترى ثوبا مشارا إليه غير معلوم عدد
وكذا إذا قال: رضيت، ثم رآه، له أن يرده؛ لأن الخيار معلق بالرؤية؛ لما روينا، فلا يثبت قبلها، وحق الفسخ بحكم أنه عقد غير لازم لا بمقتضى الحديث، ولأن الرضا بالشيء قبل العلم بأوصافه
ــ
[البناية]
وزعاته يجوز لكونه معلوم العين وإن لم يكن ثمة جهالة لا يفضي إلى النزاع.
م: (وكذا إذا قال: رضيت) ش: وفي بعض النسخ قال: وكذا إذا رضيت ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، يعني قال المشتري بعد تمام البيع: رضيت بذلك البيع على أي وصف كان م: (ثم رآه، له أن يرده) ش: وهو ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه، وحكي في تتمتهم وجها آخر أنه ينفذ كما إذا اشترى على أن لا خيار م:(لأن الخيار معلق بالرؤية لما روينا) ش: والحديث الذي ذكره م: (فلا يثبت قبلها) ش: أي فلا يثبت الخيار قبل الرؤية على تأويل المذكور؛ لأن المعلق بالشيء لا يثبت قبله؛ لئلا يلزم وجود المشروط بدون الشرط، فإن قيل: المذهب عندنا أن المعلق بالشرط يوجد عند وجوده.
ولا يلزم عدمه عند عدمه لجواز أن يوجد بعلة أخرى فكيف يصح قوله: فلا يثبت قبله؛ لأنه دعوى بلا دليل؟ قلنا: هذه وصية متلقاة من جهة صاحب الشرع فتنتهي إلى ما نهانا إليه، والشرع أثبت الخيار بالرؤية فلا يثبت قبلها، ولو يثبت إنما يثبت بدليل آخر، فمن ادعاه فعليه البيان كذا قيل، فإن قيل: يشكل بخيار العيب فإنه إذا قال رضيت به، قيل: إذا أراده فلا خيار له. قلنا: سبب الخيار هناك العيب وهو موجود قبل العلم فيكون الخيار ثابتا، ولا كذلك هاهنا كما بينا فافترقا.
م: (وحق الفسخ) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر يرد على قوله: لأن الخيار معلق بالرؤية فلا يثبت قبله بأن يقال: لما لم يثبت قبل الرؤية لما كان له حق الفسخ قبل الرؤية؛ لأنه من نتائج ثبوت الخيار له كالقبول فكان معلقا بها فلا يوجد قبلها.
فأجاب بقوله: وحق الفسخ يعني يمكنه من الفسخ م: (بحكم أنه) ش: أي أن العقد بخيار الرؤية م: (عقد غير لازم) ش: لأنه لم يقع منبرما فجاز فسخه لهؤلاء فيه، ألا ترى أن كل واحد من العاقدين في عقد الوديعة والعارية والوكالة يملك الفسخ باعتبار عدم لزوم العقد وإن لم يكن له خيار لا شرطا ولا شرعا.
م: (لا بمقتضى الحديث) ش: أي لا للبناء على الخيار الذي اقتضاه الحديث.
قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن عدم لزوم هذا العقد باعتبار الخيار ملزوم للخيار، والخيار معلق بالرؤية لا يوجد بدونها فكذا ملزومه؛ لأن ما هو شرط اللازم فهو شرط الملزوم م:(ولأن الرضا بشيء) ش: جواب آخر وتحقيقه أن رضا الشخص بالشيء م: (قبل العلم بأوصافه) ش: