المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره - البناية شرح الهداية - جـ ٨

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب البيوع

- ‌[أركان البيع]

- ‌[الإيجاب والقبول في البيع]

- ‌ خيار القبول

- ‌[خيار المجلس]

- ‌[الجهالة في الأثمان المطلقة]

- ‌ باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم

- ‌[فصل في بيان ما يدخل تحت البيع من غير ذكره]

- ‌ باع نخلا أو شجرا فيه ثمر

- ‌ باع ثمرة لم يبد صلاحها

- ‌ يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة

- ‌ بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره

- ‌ باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن

- ‌باب خيار الشرط

- ‌[تعريف خيار الشرط]

- ‌خيار البائع يمنع خروج المبيع عن ملكه

- ‌ اشترى امرأته على أنه بالخيار ثلاثة أيام

- ‌[من شرط له الخيار له أن يفسخ العقد]

- ‌ مات من له الخيار

- ‌ اشترى شيئا وشرط الخيار لغيره

- ‌ اشترى الرجلان غلاما على أنهما بالخيار فرضي أحدهما

- ‌ باع عبدا على أنه خباز أو كاتب وكان بخلافه

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌ اشترى شيئا لم يره

- ‌ باع ما لم يره

- ‌ خيار الرؤية غير مؤقت

- ‌[نظر إلى وجه الصبرة أو إلى وجه الجارية فلا خيار له]

- ‌[نظر الوكيل كنظر المشتري في خيار الرؤية]

- ‌بيع الأعمى وشراؤه

- ‌ مات وله خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌ اطلع المشتري على عيب في المبيع

- ‌[العيب في الصغير]

- ‌[العيوب في الجارية]

- ‌ حدث عند المشتري عيب واطلع على عيب كان عند البائع

- ‌ اشترى عبدا فأعتقه أو مات عنده ثم اطلع على عيب

- ‌ باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب

- ‌ اشترى عبدا، فقبضه، فادعى عيبا

- ‌ اشترى عبدين صفقة واحدة فقبض أحدهما ووجد بالآخر عيبا

- ‌ اشترى شيئا مما يكال أو يوزن فوجد ببعضه عيبا

- ‌ باع عبدا وشرط البراءة من كل عيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌[تعريف البيع الفاسد]

- ‌البيع بالخمر والخنزير

- ‌ بيع الميتة والدم والحر

- ‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب

- ‌ بيع السمك قبل أن يصطاد

- ‌[بيع ما يخرج من ضربة القانص]

- ‌ البيع بإلقاء الحجر والمنابذة والملامسة

- ‌ بيع دود القز

- ‌ بيع لبن الأمة

- ‌بيع الطريق وهبته

- ‌[شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن]

- ‌[أمر المسلم نصرانيا ببيع الخمر أو بشرائها ففعل]

- ‌ باع عبدا على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه

- ‌ اشترى جارية إلا حملها

- ‌[جمع بين حر وعبد في البيع]

- ‌ قبض المشتري المبيع في البيع الفاسد

- ‌[فصل في بيان أحكام البيع الفاسد]

- ‌[فسخ البيع الفاسد]

- ‌ اشترى عبدا بخمر أو خنزير فقبضه

- ‌ باع دارا بيعا فاسدا، فبناها المشتري

- ‌[فصل في بيان ما يكره في باب البيوع]

- ‌[المكروه أدنى درجة من الفاسد]

- ‌ تلقي الجلب

- ‌البيع عند أذان الجمعة

- ‌باب الإقالة

- ‌[تعريف الإقالة]

- ‌[حكم الإقالة]

- ‌هلاك الثمن لا يمنع صحة الإقالة

- ‌باب المرابحة والتولية

- ‌[تعريف المرابحة]

- ‌ اطلع على خيانة في التولية

- ‌ اشترى العبد المأذون له في التجارة ثوبا بعشرة، وعليه دين يحيط برقبته

- ‌ اشترى غلاما بألف درهم نسيئة فباعه بربح مائة ولم يبين

- ‌ الخيانة في التولية

- ‌ بيع ما لم يقبض

- ‌كيل البائع قبل البيع

- ‌[الزيادة في الثمن]

- ‌ حكم الالتحاق في التولية والمرابحة

- ‌باب الربا

- ‌[تعريف الربا]

- ‌[ما يجري فيه الربا]

- ‌[بيع الذهب وزنا بوزن]

- ‌ بيع بمكيال لا يعرف وزنه بمكيال مثله

- ‌[بيع الجوزة بالجوزتين]

- ‌ بيع الحنطة بالدقيق

- ‌ بيع الرطب بالتمر

- ‌[بيع القطن بغزل القطن متساويا وزنا]

- ‌ بيع الخبز بالحنطة والدقيق

- ‌[الربا بين المولى وعبده]

- ‌باب الحقوق

- ‌ اشترى منزلا فوقه منزل

- ‌باب الاستحقاق

- ‌[حكم الاستحقاق]

- ‌ اشترى عبدا فإذا هو حر

- ‌[ادعى حقا في دار فصالحه الذي هو في يده]

- ‌فصل في بيع الفضولي

- ‌[حكم بيع الفضولي]

- ‌[للفضولي أن يفسخ قبل إجارة المالك البيع]

- ‌[الإجازة في بيع المقايضة]

- ‌[إعتاق المشتري من الغاصب]

- ‌ باع عبد غيره بغير أمره

- ‌باب السلم

- ‌[تعريف السلم]

- ‌[مشروعية السلم]

- ‌[السلم في الدراهم والدنانير]

- ‌ السلم في الحيوان

- ‌[وجود المسلم فيه زمان العقد وزمان المحل وفيما بينهما]

- ‌السلم في اللحم

- ‌[السلم بغير أجل]

- ‌[شروط صحة السلم]

- ‌ اقتسما دارا وجعلا مع نصيب أحدهما شيئا له حمل ومؤنة

- ‌ التصرف في رأس مال السلم والمسلم فيه قبل القبض

- ‌[أمر المشتري البائع في الشراء أن يكيله في غرائر البائع]

- ‌ اشترى جارية بألف درهم ثم تقايلا فماتت في يد المشتري

- ‌ السلم في الثياب

- ‌ السلم في الجواهر

- ‌كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه

- ‌مسائل منثورة

- ‌ بيع الكلب والفهد والسباع

- ‌ بيع الخمر والخنزير

- ‌[اشترى جارية ولم يقبضها حتى زوجها فوطئها الزوج]

- ‌ اشترى عبدا فغاب والعبد في يد البائع

- ‌ اشترى جارية بألف مثقال ذهب وفضة

- ‌ له على آخر عشرة دراهم جياد، فقضاه زيوفا

- ‌كتاب الصرف

- ‌[تعريف الصرف]

- ‌ باع فضة بفضة أو ذهبا بذهب

- ‌ بيع الكالئ بالكالئ

- ‌ باع الذهب بالفضة

- ‌ افترقا في الصرف قبل قبض العوضين

- ‌ التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه

- ‌[لم يتقابضا حتى افترقا بالأبدان]

- ‌ باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين

- ‌ البيع بالفلوس

- ‌كتاب الكفالة

- ‌[تعريف الكفالة]

- ‌ شرط في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في وقت بعينه

- ‌ الكفالة بالنفس في الحدود والقصاص

- ‌ أخذ من رجل كفيلا بنفسه ثم ذهب وأخذ منه كفيلا آخر

- ‌ تعليق الكفالة بالشروط

- ‌ الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره

- ‌ تعليق البراءة من الكفالة بالشرط

- ‌[الكفالة بالحمل]

- ‌ مات الرجل وعليه ديون ولم يترك شيئا فتكفل عنه رجل للغرماء

- ‌فصل في الضمان

- ‌ باع لرجل ثوبا وضمن له الثمن

- ‌ اشترى عبدا فضمن له رجل بالعهدة

- ‌باب كفالة الرجلين

- ‌ كان الدين على اثنين وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه

- ‌باب كفالة العبد وعنه

- ‌ ضمن عن عبد مالا

- ‌كتاب الحوالة

- ‌[تعريف الحوالة]

- ‌ طالب المحتال عليه المحيل بمثل مال الحوالة

- ‌ الحوالة مقيدة بالدين

الفصل: ‌ الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره

قال: وتجوز‌

‌ الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره

لإطلاق ما روينا، ولأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه وفيه نفع الطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع إذ هو عند أمره وقد رضي به، فإن تكفل عنه بأمره رجع بما أدى عليه؛ لأنه قضى دينه بأمره. وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه لأنه متبرع بأدائه، وقوله: رجع بما أدى، معناه إذا أدى ما ضمنه. أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن؛

ــ

[البناية]

" المبسوط ".

[الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره]

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الكفالة بأمر المكفول عنه وبغير أمره لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله عليه السلام: «الزعيم غارم» . م: (ولأنه التزام المطالبة، وهو تصرف في حق نفسه، وفيه نفع الطالب، ولا ضرر فيه على المطلوب بثبوت الرجوع، إذ هو) ش: أي الرجوع م: (عند أمره) ش: أي أمر المطلوب م: (وقد رضي به) ش: أي رضي المكفول عنه بالرجوع عليه هذا جواب لإشكال يقال: لم قلتم إن في الكفالة نفعا للمكفول عنه أو لا ضرر عليه. ورجوع الكفيل عليه بما أدى ضرر فقال لا نسلم أنه ضرر مع وجود الرضا بالرجوع، م:(فإن تكفل عنه بأمره رجع بما أدى عليه) ش: أي: رجع بما أدى للمكفول له على المكفول عنه بالإجماع. وفي " النهاية " ليس على إطلاقه بل مقيد بما إذا كان الأمر وهو المطلوب ممن يجوز إقراره على نفسه بالديون ويملك المتبرع، حتى لو كان المطلوب صبيا محجورا وأمر رجلا بأن يكفل عنه فالكفالة صحيحة، ولكن لو أدى الكفيل ما أمره به لا يرجع على الصبي الآمر، وكذا الحكم في العبد المحجور، ذكره في " التحفة ".

وفي " أحكام الصغار " للإستروشني: لو كان الصبي مأذونا له صح أمره ويرجع الكفيل بما أدى عليه بصحة أمره بالإذن، وفي " شرح الأقطع " وهذا الذي ذكره المصنف إنما يصح إذا قال: اضمن عني لفلان كذا، فإن قال له: اضمن الألف التي لفلان علي لم يرجع عليه عند الأداء، لأن قوله اضمن يحتمل أن يكون على وجه التبرع وأن يكون غيره فلا يجوز إيجاب الضمان إلا بلفظ مختص به، فإذا قال: اضمن عني دل على الضمان فلزمه ولا يلزم غيره بالشك، ولكن هذا الذي ذكره مذهب أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- خلافا لأبي يوسف.

م: (لأنه قضى دينه بأمره) ش: أي لأن المأمور قضى دين الآمر بأمره فيرجع عليه م: (وإن كفل بغير أمره لم يرجع بما يؤديه لأنه متبرع بأدائه) ش: وبه قال الشافعي، وأحمد -رحمهما الله- في رواية. وقال مالك، وأحمد في رواية: يرجع كما لو كفل بأمره م: (وقوله رجع بما أدى معناه) ش: أي قول القدوري يرجع بما أدى معناه م: (إذا أدى ما ضمنه، أما إذا أدى خلافه رجع بما ضمن) ش: لا بما أدى، حتى لو كفل بالجياد وأدى الزيوف، ويجوز للطالب أن يرجع على المطلوب

ص: 442

لأنه ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب كما إذا ملكه بالهبة أو بالإرث، وكما إذا ملكه المحتال عليه بما ذكرنا في الحوالة، بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء، وبخلاف ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف على خمسمائة؛ لأنه إسقاط فصار كما إذا أبرأ الكفيل.

ــ

[البناية]

بالجياد. ولو كفل بالزيوف وأدى بالجياد رجع بالزيوف م: (لأنه) ش: أي لأن الكفيل م: (ملك الدين بالأداء فنزل منزلة الطالب كما إذا ملكه بالهبة) ش: يعني ملك إذن الكفيل المكفول به بأن يهبه المكفول له الكفيل، يرجع الكفيل على المكفول عنه بالمكفول.

فإن قيل: هبة الدين من غير من عليه الدين إنما لا يجوز إذا لم يأذنه بقبضه، وأما إذا أذنه بقبضه يجوز استحسانا، وهاهنا لما أدى الدين فقد سلطه الطالب على قبضه من المطلوب فيصح هبة أو يجعل ذلك نقل الدين إليه فيقضي الهبة فتصير هبة لمن عليه الدين م:(أو بالإرث) ش: بأن مات المكفول له فورثه الكفيل يرجع على المكفول عنه بالمكفول به كما لو ملك ذلك بالأداء.

م: (وكما إذا ملكه المحتال عليه) ش: يعني إذا أحال المديون غريمه على رجل ليس للمديون على رجل دين فتقبل الحوالة فأدى، يرجع المحتال عليه على المحيل بما يضمن لا بما أدى، لأنه ملك الدين بالأداء كالكفيل م:(بما ذكرنا في الحوالة) ش: أي في حوالة كفاية المنتهي م: (بخلاف المأمور بقضاء الدين حيث يرجع بما أدى لأنه لم يجب عليه شيء حتى يملك الدين بالأداء) ش: هذا جواب كفل تقديره الكفيل لا يرجع إلا إذا أدى بأمر المكفول عنه، وحينئذ لا فرق بينه وبين المأمور بقضاء الدين والمأمور يرجع بما أدى، فكذلك الكفيل، وتوجيهه أن يقال: المأمور بقضاء الدين لم يجب له على الآمر شيء، حيث لم يلزم بالكفالة فلا يملك الدين بالأداء حتى ينزل منزلة الطالب فيرجع بما ضمن، وإنما الرجوع بحكم الآمر بالأداء فلا بد من اعتبارهما.

فلو أدى الزيوف عن الجياد ويجوز له ذلك رجع بها دون الجياد، لأن أداء المأمور به لم يوجد، وإن عكس فكذلك لأن الآمر لم يوجد في حق الزيادة فكان متبرعا بها، فقوله: رجع بما أدى بإطلاقه، فيه تسامح.

م: (وبخلاف ما إذا صالح الكفيل الطالب عن الألف على خمسمائة) ش: حيث يرجع بما أدى وهو خمسمائة لا بما ضمن وهو الألف م: (لأنه إسقاط) ش: عن بعض الدين وليس مبادلة، إذ لو جعل مبادلة لكان ربا، وإن كان إسقاطا للبعض م:(فصار كما إذا أبرأ الكفيل) ش: أي أخذ من الكفيل خمسمائة وأبرأ نفسه بدفع خمسمائة لا يرجع الكفيل على المكفول عنه بما أدى وهو خمسمائة لا بما ضمن، وكذا إذا أبرأ الكفيل عن مجموع الدين لا يرجع على المكفول عنه، فكذا إذا صالح الكفيل إياه على بعض الدين لأنه جمع بالباقي مطلقًا باعتبار البعض بالكل.

ص: 443

قال: وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه؛ لأنه لا يملكه قبل الأداء بخلاف الوكيل بالشراء، حيث يرجع قبل الأداء؛ لأنه انعقد بينهما مبادلة حكمية. قال: فإن لوزم بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه، وكذا إذا حبس كان له أن يحبسه لأنه لحقه ما لحقه من جهته فيعامله بمثله. وإذا أبرأ الطالب المكفول عنه أو استوفى منه برئ الكفيل؛ لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل، لأن الدين عليه في الصحيح. وإن أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل عنه لأنه تبع، ولأن عليه المطالبة وبقاء الدين على الأصيل بدونه

ــ

[البناية]

م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وليس للكفيل أن يطالب المكفول عنه بالمال قبل أن يؤدي عنه، لأنه لا يملكه) ش: أي لأن الكفيل لا يملك الدين م: (قبل الأداء) ش: لأن الكفيل كالمقرض، يعني والمقرض لا يرجع على المستقرض ما لم يقرض م:(بخلاف الوكيل بالشراء، حيث يرجع قبل الأداء لأنه انعقد بينهما) ش: أي بين الوكيل والموكل م: (مبادلة حكمية) ش: ألا ترى أن الملك ينتقل إلى الموكل من جهة الوكيل، ولهذا يتحالفان إذا اختلفا في الثمن، وللوكيل بالشراء حبس المبيع بالثمن فلا تثبت المبادلة الحكمية وكان الوكيل مع الموكل كالبائع مع المشتري، فللبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن، فكذا الوكيل.

م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (فإن لوزم) ش: أي الكفيل م: (بالمال كان له أن يلازم المكفول عنه حتى يخلصه) ش: أي حتى يخلص المكفول عنه الكفيل؛ لأن الأصيل هو الذي أوقعه في هذه الورطة فعليه خلاصه عنها، م:(وكذا إذا حبس كان له) ش: أي الكفيل م: (أن يحبسه) ش: أي أن يحبس المكفول عنه م: (لأنه لحقه) ش: أي لحق الكفيل م: (ما لحقه من جهته) ش: أي من جهة المكفول عنه م: (فيعامله بمثله) ش: أي فيقابل الكفيل المكفول عنه بمثل ما قابله.

وبقولنا قال الشافعي رحمه الله في وجه، ومالك وأحمد -رحمهما الله- إذا كانت الكفالة بأمره، قال الشافعي في الأصح: لا يحبسه.

م: (وإذا أبرا الطالب المكفول عنه أو استوفى منه) ش: يعني أخذ الذي كان عليه م: (برئ الكفيل، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل) ش: بلا خلاف بين الفقهاء بخلاف ما إذا كفل بشرط الأصيل فبراءته لا توجب براءة الكفيل، لأنه في معنى الحوالة، والاعتبار للمعاني لا للعبارة.

م: (لأن الدين عليه) ش: أي على المكفول عنه م: (في الصحيح) ش: أي في القول الصحيح، وهو احتراز عن قول بعض المشايخ، حيث قالوا: الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في الدين، فوجب أصل الدين في ذمة الكفيل وقد مر هذا في أول الكتاب.

م: (وإن أبرأ الكفيل) ش: أي وإن أبرأ المكفول له الكفيل عن الدين م: (لم يبرأ الأصيل عنه لأنه تبع ولأن عليه المطالبة وبقاء الدين على الأصيل بدونه) ش: أي بدون المطالبة على تأويل الطلب

ص: 444

جائز. وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل فهو تأخير عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الذي عليه الأصل؛ لأن التأخير إبراء مؤقت فيعتبر بالإبراء المؤبد، بخلاف ما إذا كفل بالمال الحال مؤجلا إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل لأنه لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة، فصار

ــ

[البناية]

م: (جائز) ش: وفي " شرح الطحاوي ".

وإذا أبرأ المكفول له المطلوب عن الدين وقبل ذلك برئ الأصيل والكفيل جميعا، لأن براءة الأصيل توجب براءة الكفيل وبراءة الأصيل، إلا أنه اشترط في ذلك، قوله: أو بموت قبل القبول أو الرد فقام ذلك مقام القبول، ولو رده ارتد وأدين الطالب على حاله.

واختلف مشايخنا في ذلك: أن الدين هل يعود إلى الكفيل أم لا؟ قال بعضهم: يعود، وقال بعضهم: لا يعود، ولو أبرأ الكفيل صح الإبراء قبل أو لم يقبل، ولا يرجع على الأصيل. ولو وهب الدين أو تصدق عليه يحتاج إلى القبول.

فإن قيل: كان له أن يرجع على الأصيل، كما إذا أدى، وفي الكفيل حكم إبرائه والهبة تختلف، ففي الإبراء لا يحتاج إلى القبول.

وفي الهبة والصدقة يحتاج إلى القبول. وفي الأصل يتفق حكم إبرائه والهبة والصدقة فيحتاج إلى القبول في الكل. ولو كان الإبراء والهبة والصدقة بعد موته فقبل ورثته صح، وبرد ورثته ارتد وبطل الإبراء عند أبي يوسف، لأن الإبراء بعد الموت إبراء للورثة، وقال محمد: لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم في حال حياته ثم مات.

م: (وكذا إذا أخر الطالب عن الأصيل فهو تأخير عن الكفيل، ولو أخر عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الذي عليه الأصل) ش: وهو المكفول عنه ولا نعلم فيه خلافا.

م: (لأن التأخير إبراء مؤقت فيعتبر بالإبراء المؤبد) ش: فإن قيل: الإبراء المؤبد لا يرتد برد الكفيل والمؤقت يرتد برده، وبرد الأصيل يرتدان كلاهما، والرواية في التتمة، فكيف يعتبر المؤقت بالمؤبد؟

قلنا: كلامنا في السقوط والثبوت، أما قبول الارتداد وعدم قبوله حكم آخر سوى ما نحن فيه، فلا يلزم من اعتبارهما حكم اعتبارهما في جميع الأحكام، م:(بخلاف ما إذا كفل بالمال الحال مؤجلا) ش: نصب على الحال من قوله كفل.

م: (إلى شهر فإنه يتأجل عن الأصيل) ش: وقال الشافعي وأحمد ومحمد رحمهم الله في رواية: لا يتأجل على الأصيل، بل يتأجل على الكفيل، م:(لأنه) ش: أي لأن الطالب م: (لا حق له إلا الدين حال وجود الكفالة فصار

ص: 445

الأجل داخلا فيه، أما هاهنا فبخلافه. فإن صالح الكفيل رب المال عن الألف على خمسمائة فقد برئ الكفيل والذي عليه الأصل؛ لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين، وهي على الأصيل فبرئ عن خمسمائة لأنه إسقاط، وبراءته توجب براءة الكفيل، ثم برئا جميعا عن خمسمائة بأداء الكفيل، ويرجع الكفيل على الأصيل بخمسمائة إن كانت الكفالة بأمره، بخلاف ما إذا صالح على جنس آخر لأنه مبادلة حكمية فملكه فيرجع بجميع الألف. ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة لا يبرأ الأصيل؛ لأن هذا إبراء الكفيل عن المطالبة. قال: ومن قال لكفيل ضمن له مالا: قد برئت إلي من المال، رجع الكفيل على المكفول عنه، معناه بما ضمن له بأمره؛ لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا يكون إلا بالإيفاء فيكون هذا إقرارا بالأداء فيرجع

ــ

[البناية]

الأجل داخلا فيه) ش: لأنه أضاف الأجل إلى نفس الدين لأنه لا شيء سوى الدين حتى يصرف الأجل فيه فصار التأجيل وصفا لأجل الدين فيظهر الأجل في حقهما ضرورة. م: (أما هاهنا فبخلافه) ش: يعني فيما كفل حالا، ثم أخر عنه الطالب لم يكن ذلك تأخيرا عن الأصيل.

وفي " الفتاوى الصغرى ": الكفيل بالدين المؤجل إذا أدى قبل حلول الأجل لا يرجع على المكفول عنه حتى يحل الأجل. م: (فإن صالح الكفيل رب المال عن الألف على خمسمائة فقد برئ الكفيل والذي عليه الأصل) ش: وهو الدين م: (لأنه أضاف الصلح إلى الألف الدين، وهي على الأصيل فبرئ عن خمسمائة لأنه إسقاط، وبراءته توجب براءة الكفيل، ثم برئا جميعا عن خمسمائة بأداء الكفيل، ويرجع) ش: أي م: (الكفيل على الأصيل بخمسمائة إن كانت الكفالة بأمره) ش: وإن كانت بغير أمره لا يرجع وإن صالحه مطلقًا أو أبرأه بطلت المطالبة عن الكفيل وبقي الحق على الأصيل، وكذا قال فخر الإسلام وغيره.

م: (بخلاف ما إذا صالح على جنس آخر) ش: أي صالح عن ألف هي دراهم على ثوب مثلا حيث يرجع الكفيل إذا أدى بجميع الألف م: (لأنه مبادلة حكمية) ش: وهو جعل الثوب بدل الألف م: (فملكه) ش: أي فملك الألف م: (فيرجع بجميع الألف) ش: هذا نتيجة ملك الألف م: (ولو كان صالحه عما استوجب بالكفالة) ش: الذي استوجب بالكفالة هو المطالبة م: (لا يبرأ الأصيل لأن هذا إبراء الكفيل عن المطالبة) ش: لأن هذا فسخ الكفالة لا إسقاط لأصل الدين.

م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " م: (ومن قال لكفيل ضمن له مالا: قد برئت إلي من المال رجع الكفيل على المكفول عنه، معناه) ش: أي معنى ما قاله محمد رحمه الله من قوله: ضمن له مالا. م: (بما ضمن له بأمره؛ لأن البراءة التي ابتداؤها من المطلوب وانتهاؤها إلى الطالب لا يكون إلا بالإيفاء فيكون هذا) ش: أي قوله برئت إلي. م: (إقرارا بالأداء) ش: أي بالإيفاء م: (فيرجع) ش: فكأنه قال: استوفيت منك حقي فإذا أقر الطالب بالإيفاء يرجع

ص: 446

وإن قال: أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه؛ لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره وذلك بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء. ولو قال: برئت، قال محمد: هو مثل الثاني؛ لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء فيثبت الأدنى إذ لا يرجع الكفيل بالشك. وقال أبو يوسف: هو مثل الأول لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب، وإليه الإيفاء دون الإبراء.

ــ

[البناية]

الكفيل فكذا هذا.

م: (وإن قال) ش: أي الطالب م: (أبرأتك لم يرجع الكفيل على المكفول عنه لأنه براءة لا تنتهي إلى غيره، وذلك) ش: يكون م: (بالإسقاط فلم يكن إقرارا بالإيفاء) ش: لأن البراءة في هذه الصورة ابتداؤها من الطالب، وهذا لا يكون إلا بالإسقاط، فإذا أسقط من الكفيل لا يرجع؛ لأن براءة الكفيل لا توجب براءة الأصيل م:(ولو قال: برئت) ش: ولم يقل إلي م: (قال محمد: هو مثل الثاني) ش: أي مثل قوله: أبرأتك م: (لأنه يحتمل البراءة بالأداء إليه والإبراء) ش: ويحتمل البراءة بالإبراء، فإذا كان كذلك م:(فيثبت الأدنى) ش: وهو البراءة بالإبراء لا البراءة بالأداء وهو الإسقاط، وبقوله قالت الثلاثة م:(إذ لا يرجع الكفيل بالشك) ش: هذا نسخة بكلمة أو لا يرجع، والظاهر أن هذا دليل آخر وهو أنه لا يرجع بالشك لاحتمال الأمرين المذكورين فافهم فإن هذا موضع لا يتيقظ فيه كل أحد.

م: (وقال أبو يوسف: هو مثل الأول) ش: وهو قوله برئت إلي من المال م: (لأنه أقر ببراءة ابتداؤها من المطلوب) ش: فإنه ذكر حرف الخطاب وهو التاء، وذلك إنما يكون بفعل مضاف إليه على الخصوص كما إذا قيل قمت وقعدت مثلا م:(وإليه) ش: أي وإلى المطلوب م: (الإيفاء دون الإبراء) ش: تقرير هذا أنه أخبر على البراءة بفعل يتعدى عن المطلوب وهو الكفيل إلى الطالب، وذلك بالإيفاء يكون لأنه هو الذي يتعدى من المطلوب إلى الطالب دون الإبراء إذ الإبراء يتعدى من الطالب إلى المطلوب.

وقيل: أبو حنيفة مع أبي يوسف في هذه المسألة، وكان المصنف اختاره فأخره وهو أقرب الاحتمالين، فالمصير إليه أولى، وما قاله محمد إنما يستقيم إذا كان الاحتمالان على السواء وقد يرجح أحد الاحتمالين وهو البراءة بالقبض، لأنه كالحقيقة والآخر كالمجاز. وقيل: برئت مطاوع أبرأتك فتكون حقيقة أيضا.

واختلف مشايخنا المتأخرون فيما إذا قال المدعى عليه أبرأني المدعي من الدعوى التي يدعي علي يكون إقرارا، كما لو قال: أبرأني من هذا المال. وقيل: لا يكون إقراره لأن الدعوى قد تكون حقًّا وباطلا، ولو قال الطالب للكفيل: أنت في حل من المال فهو كقوله أبرأتك بإجماع الأئمة الأربعة، لأن لفظ الحل يستعمل في البراءة بالإبراء دون البراءة بالقبض، كذا ذكره المحبوبي.

ص: 447