الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي، مثل أن يقول أحدهما: بعت، والآخر: اشتريت؛ لأن البيع إنشاء تصرف والإنشاء يعرف بالشرع، والموضوع للإخبار قد استعمل فيه فينعقد البيع به
ــ
[البناية]
وبيع التولية، وبيع الوضيعة، وبيع الاستبضاع، والبيع بالخيار.
فإن قلت: ما المناسبة بين كتاب البيع وبين كتاب الوقف حتى ذكره عقيب الوقف.
قلت: المناسبة من حيث إن في كل منهما معنى إزالة الملك، ففي الوقف يزول الملك عن الواقف بعد حكم الحاكم، من غير أن يدخل في ملك الموقوف عليه، وفي البيع يزول الملك عن البائع، ويدخل في ملك المشتري، فكان الوقف كالمفرد والبيع كالمركب والمفرد سابق على المركب، فلذلك أخر ذكر البيع عنه.
[أركان البيع]
[الإيجاب والقبول في البيع]
م: (قال) ش: أي القدوري في "مختصره ": م: (البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي) ش: هذا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (مثل أن يقول أحدهما: بعت، والآخر: اشتريت) ش: والمراد من الانعقاد انضمام كلام أحد المتعاقدين إلى الآخر على وجه يظهر أثره في المحل شرعا، والإيجاب: عبارة عما صدر عن أحد العاقدين أولا، سمي به؛ لأن الإيجاب نقيض السلب، وهو الإثبات، والمتكلم منهما أولا بقوله: بعت أو اشتريت يريد إثبات العقد بشرط أن ينضم إليه قبول الآخر.
وسمي به؛ لأن قوله: بعت أو اشتريت فعل، والفعل صرف، والتمكن من الإمكان إلى الوجوب، وكان قوله بعت أو اشتريت إيجابا؛ لأنه قبل التلفظ به كان في حيز الإمكان، فصار بعد التلفظ به واجب الوجود لغيره، ثم سمي كلام الآخر قبولا لما أوجبه الآخر، وإن كان هو أيضا إيجابا في الحقيقة حتى يمتاز السابق من كلام العاقدين من اللاحق.
م: (لأن البيع إنشاء تصرف) ش: الإنشاء إثبات أمر لم يكن، ويراد به الإيجاد للحال، ومعنى قوله: إنشاء أن هذا التصرف إنشاء؛ لأن المبادلة ما كانت ثابتة وقد ثبتت بعد صدور اللفظين، فيكون إنشاء م:(والإنشاء يعرف بالشرع) ش: لا من حيث الحقيقة كالأكل وغيره، فإنه إنشاء حقيقة، فإذا احتاج المكلف إليه لا بد من استعمال لفظ يدل عليه.
والشرع قد استعمل الموضوع للإخبار لغة في الإنشاء والواضع ما وضع للإنشاء لفظا خاصا، فيجوز بالشرع استعمال اللفظ الذي وضع للإخبار عن الماضي للإنشاء؛ دفعا لحاجته، وهو معنى قوله: م: (والموضوع للإخبار) ش: وهو لفظ بعت واشتريت م: (قد استعمل فيه) ش: أي في الإنشاء، فإذا كان كذلك م:(فينعقد البيع به) ش: أي بهذا اللفظ الموضوع للإخبار الذي استعمل في الإنشاء، وإنما خص بهذه اللفظة المناسبة بين الإنشاء والإخبار؛ لأن الإنشاء تحقيق
ولا ينعقد بلفظين: أحدهما لفظ المستقبل والآخر بلفظ الماضي بخلاف النكاح، وقد مر الفرق هناك، وقوله: رضيت بكذا، أو أعطيتك بكذا، أو خذه بكذا في معنى قوله: بعت واشتريت؛ لأنه يؤدي معناه، والمعنى هو المعتبر في هذه العقود
ــ
[البناية]
الشيء.
والإخبار يستدعي تحقيق المخبر به سابقا؛ ليصح الكلام حكمة وعقلا، فصار الوجود حقا له بمقتضى الحكمة، فإذا وجد الإنشاء والإيجاد يختار اللفظ الذي يلزمه الوجود، يعني لفظ الإخبار عن الماضي، وهو أن يقول أحدهما: بعت والآخر يقول اشتريت، أما إذا قال: أبيع منك أو قال المشتري: بعني لم ينعقد البيع؛ لأن الأول عده مساومة وإليه أشار المصنف بقوله:
م: (ولا ينعقد بلفظين أحدهما لفظ المستقبل والآخر بلفظ الماضي) ش: أي أحد اللفظين لفظ المستقبل، مثل أبيع منك، أو لفظ بعني كما ذكرنا، وقيل: هذا إذا كان اللفظان أو أحدهما مستقبلا بدون نية الإيجاب في الحال، وأما إذا كان المراد ذلك فينعقد البيع، كذا ذكر الطحاوي؛ لأن قوله: أبيع منك أو بعني وضع للحال، وفي وقوعه للاستقبال ضرب تجوز، كذا أورده السيرافي في شرح الكتاب.
م: (بخلاف النكاح) ش: يعني أنه ينعقد بذلك فإن أحدهما إذا قال: زوجني فقال الآخر: زوجتك فقد انعقد م: (وقد مر الفرق هناك) ش: أي مر الفرق بين البيع والنكاح في كتاب النكاح، وأشار به إلى ما قال ثمة بقوله: لأن هذا توكيل بالنكاح، والواحد يتولى طرفي النكاح.
م: (وقوله) ش: أي قول المشتري م: (رضيت بكذا) ش: في قول البائع بعت م: (أو أعطيتك بكذا) ش: أي قول البائع أيضا في جواب قول المشتري: اشتريت بكذا من الدراهم م: (أو خذه بكذا، في معنى قوله: بعت واشتريت) ش: فيقول في بعني: بعت يرجع إلى قول المشتري أخذت، وقوله اشتريته يرجع إلى قول المشتري في جواب قوله للبائع: أعطيتك بكذا، أو أخذت بكذا وكذا لو قال المشتري: قبلت أو رضيت أو أجزت، وما أشبه ذلك.
ولا فرق بين أو يكون البادئ البائع أو المشتري، والحاصل أن انعقاد البيع لا ينحصر في لفظ بعت أو اشتريت، بل كل ما دل على ذلك ينعقد به م:(لأنه يؤدي معناه) ش: أي؛ لأن قوله رضيت إلى آخره يؤدي معنى قوله بعت واشتريت، فإن معنى الإعطاء والأخذ يتضمن معنى البيع؛ لأن الأمر بالأخذ بالبدل يستدعي سبق البيع م:(والمعنى هو المعتبر في هذه العقود) ش: أي في هذه العقود الشرعية.
ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس والخسيس وهو الصحيح لتحقق المراضاة.
ــ
[البناية]
واحترز به عن الطلاق والعتاق، فإن اللفظ فيهما يقام مقام المعنى، ولا خلاف فيه للأئمة الأربعة، وفي " الإيضاح " هذا أصل لنا في جميع العقود، إلا ما روي عن أبي حنيفة أن المفاوضة لا تنعقد إلا بلفظ المفاوضة؛ لأن هذا العقد يشتمل على معان وشروط، والعوام لا يمكنهم استيفاء ذلك حتى لو استوفى بلفظ آخر جاز.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل أن المعنى هو المعتبر في العقود م: (ينعقد) ش: أي البيع م: (بالتعاطي) ش: وهو أن البائع يعطي المبيع، ولا يتلفظ بشيء، والمشتري يعطي الثمن كذلك م:(في النفيس والخسيس) ش: قال الأترازي: النفيس هو الذي يكثر ثمنه كالعبد ونحوه، و [الخسيس] ما يقل ثمنه كالبقل والرمانة والخبز واللحم ونحو ذلك.
وقال الكاكي: الخسيس ما يكون قيمته دون نصاب السرقة، والنفيس ما يكون قيمته مثله أو فوقه م:(وهو الصحيح) ش: احترز به عن ما روي عن الكرخي: أن البيع بالتعاطي إنما ينعقد بالأشياء الخسيسة دون النفيسة، وعامة المشايخ لم يفرقوا بينهما والمشهور من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن البيع لا ينعقد بالتعاطي.
وقال مالك: ينعقد البيع بكل ما يعده الناس بيعا، وبه قال بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه م:(لتحقق المراضاة) ش: يعني من الجانبين.
وفي " الإيضاح " انعقاد البيع يكون بالألفاظ وبالتعاطي، فالألفاظ كل لفظين ينبئان عن معنى التمليك بصيغة الماضي أو الحال، دون الأمر والمستقبل، وفي جميع النوازل قال: أتبيعني عبدك بألف؟ باستفهام، فقال: نعم، فقال: أخذته، فهو بيع لازم.
وفي " شرح الإسبيجابي " لو قال: أبيع منك هذا، أو أعطيتكه، فقال: اشتريته بكذا ونوى الإيجاب للحال، ينعقد البيع.
وفي " فتاوى قاضي خان " اشتريت منك بألف، فقال: فعلت، أو نعم، أو هات الثمن، صح وإلا فلا، وكذا الإقالة، وفي المحيط: سماع المتعاقدين الإيجاب والقبول شرط للانعقاد، ولو سمع أهل المجلس وقال البائع: لم أسمعه وليس به وقر لم يصدق. ولو قال: كل هذا الطعام بدرهم لي عليك، فأكل تم البيع، وأكله حلال، والأكل والركوب واللبس بعد قول البائع بعت -رضى بالبيع، ولو قال: وهبت لك هذه الدار أو هذا العبد بثوبك هذا فبيع بالإجماع، ولو قال: إن أديت ثمنه فقد بعته منك فأداه ثمنه في المجلس صح استحسانا، ولو قال: هو لك بكذا إن وافقك، أو قال: إن أعجبك أو إن أردت، فقال: وافقني أو أعجبني، أو أردت جاز، ولو قال: وبعته من فلان غائب فحضر الغائب في المجلس وقال: