الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحوالة
قال: وهي جائزة بالديون،
ــ
[البناية]
[كتاب الحوالة]
[تعريف الحوالة]
م: (كتاب الحوالة) ش: أي هذا الكتاب في بيان أحكام الحوالة، وجه المناسبة بين الحوالة والكفالة ظاهرة لما في كل منهما التزام ما على الأصيل، ولهذا يجوز استعارة إحداهما للأخرى، حتى كانت الحوالة بشرط عدم براءة الأصيل كفالة، والكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة اعتبارا للمعنى. وأما وجه تأخير الحوالة لأنها مبرئة عندنا، والكفالة غير مبرئة، والأصل عدم البراءة بعد ثبوت المطالبة، والحوالة في اللغة النقل.
وفي " المغرب " أصل تركيب الحوالة يدل على الزوال والنقل، ومنه التحويل وهو نقل الشيء من محل إلى محل، يقال أحلت زيدا بما على رجل فاحتال، أي قبل الحوالة، وهنا أربعة أشياء: المحيل وهو الذي عليه الدين، والمحتال له وهو الدائن، والمحتال عليه وهو الذي قبل الحوالة، والمحتال به وهو المال.
وأصل محتال محتول بكسر الواو في الفاعل وبفتحها في المفعول، وفي اصطلاح الفقهاء: تحويل الدين من ذمة الأصيل إلى ذمة المحتال عليه على سبيل التوثق به.
واختلف المتأخرون من مشايخنا أن الحوالة توجب البراءة عن الديون والمطالبة جميعا، أو عن المطالبة دون الدين، فقال بعضهم: عن المطالبة والدين جميعا، حتى إن المحتال له لو أبرأ المحتال عليه عن دين الحوالة أو وهب منه صح. ولو أبرأ المحيل أو وهب منه لم يصح، ولو بقي الدين على المحيل صح.
وقال بعضهم: توجب البراءة عن المطالبة دون الدين، حتى إن المحتال له متى أبرأ المحتال عليه عن الدين فالمحتال عليه لا يرجع على المحيل بشيء وإن كانت الحوالة بأمر المحيل. ولو وهب الدين من المحتال عليه رجع إن لم يكن للمحيل عليه دين كالجواب في الكفيل.
وكذا لو أبرأ المحتال عليه لا يرتد برده، ولو وهب يرتد برده كالجواب في الكفيل.
ولو كان على المحتال عليه المطالبة والدين جميعا كان الإبراء والهبة في حقه سواء، فيرتد برده كما في حق الأصيل. ولو وكل المحتال له المحيل بقبض ما على المحتال عليه لا يصح، ولو لم يكن عليه الدين صح.
م: (قال: وهي) ش: أي الحوالة م: (جائزة بالديون) ش: لأنها مأخوذة من التحويل وتحويل
لقوله عليه السلام: «من أحيل على مليء فليتبع» ولأنه التزم ما يقدر على تسليمه فتصبح كالكفالة، وإنما اختص بالديون لأنها تنبئ عن النقل والتحويل، والتحويل في الدين لا في العين. قال: وتصح الحوالة برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه. أما المحتال فلأن الدين حقه، وهو الذي ينتقل بها، والذمم متفاوتة فلا بد من رضاه، وأما المحتال عليه فلأنه يلزمه الدين ولا لزوم بدون التزامه.
ــ
[البناية]
الدين من ذمة إلى ذمة ممكن، فأما الأعيان فالحق المتعلق بها التسليم وذلك لا يكون تحويله إلى غيره، فلهذا لم تصح الكفالة فيها، م:(لقوله عليه السلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «من أحيل على مليء فليتبع» ش: الحديث رواه أحمد في مسنده عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليحتل» .
ورواه البخاري ومسلم عن أبي الزناد به بلفظ: «وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» ، وبلفظ المصنف رواه الطبراني في "معجمه الأوسط" مع زيادة في أوله عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم، ومن أحيل على مليء فليتبع» . وكذلك رواه الترمذي، ومعناه: إذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل، وكذا فسره الترمذي.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن المحتال عليه م: (التزم ما يقدر على تسليمه) ش: أي على إيفاء ما التزمه م: (فتصح كالكفالة) ش: لأن كل واحد منهما التزم بما على الأصيل فيصح دفعا للحاجة م: (وإنما اختص) ش: أي عقد الحوالة أو الحوالة باعتبار التحويل، م:(بالديون لأنها) ش: أي لأن الحوالة م: (تنبئ عن النقل والتحويل، والتحويل) ش: الشرعي م: (في الدين لا في العين) ش: في التحويل في العين الحسي.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (وتصح الحوالة برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه، أما المحتال) ش: وهو الدائن م: (فلأن الدين حقه وهو الذي ينتقل بها) ش: أي الدين الذي ينتقل بالحوالة م: (والذمم متفاوتة) ش: في المطالبة م: (فلا بد من رضاه) ش: أي رضا المحتال له، ولا خلاف في اشتراط رضاه لأهل العلم.
م: (وأما المحتال عليه) ش: أي وأما رضا المحتال عليه م: (فلأنه يلزمه الدين ولا لزوم بدون التزامه) ش: وبه قال الشافعي في وجه، وقيل: إنه منصوص في الإمام، وأصحهما عنده أنه لا حاجة إلى رضاه إذا كان عليه دين للمحيل، وبه قال مالك وأحمد، لأنه محل التصرف فلا
وأما المحيل فالحوالة تصح بدون رضاه، ذكره في الزيادات؛ لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه، وهو لا يتضرر به، بل فيه نفعه؛ لأنه لا يرجع عليه إذا لم يكن بأمره. قال: وإذا تمت الحوالة برئ المحيل من الدين بالقبول. وقال زفر: لا يبرأ اعتبارا بالكفالة؛ إذ كل واحد منهما عقد توثق. ولنا أن الحوالة: النقل لغة، ومنه حوالة الغراس، والدين متى انتقل عن الذمة لا يبقى فيها، أما الكفالة فللضم،
ــ
[البناية]
يشترط رضاه كما لو باع عبدا لا يشترط رضا العبد. وأما إذا لم يكن للمحيل عليه دين فيشترط رضاه بالإجماع.
م: (وأما المحيل) ش: أي المديون م: (فالحوالة تصح بدون رضاه، ذكره في الزيادات) ش: والقدوري شرط رضاه كما نقل المصنف عنه بقوله: ويصح برضا المحيل والمحتال والمحتال عليه، قيد بشرط رضا الثلاثة. قال الأكمل: عسى يعلل القدوري بأن ذوي المروءات قد يأنفون بتحمل غيرهم ما عليهم من الدين فلا بد من رضاهم.
ثم قال: ولعل موضع ما ذكر أن يكون المحيل على المحتال عليه دين بقدر ما يقبل الحوالة، فإنها حينئذ تكون إسقاط مطالبة المحيل على المحتال عليه فلا تصح إلا برضاه، م:(لأن التزام الدين من المحتال عليه تصرف في حق نفسه، وهو) ش: أي المحيل وهو المديون، م:(لا يتضرر به) ش: أي بتصرف المحتال عليه في حق نفسه م: (بل فيه نفعه) ش: أي نفع المحيل م: (لأنه لا يرجع عليه إذا لم يكن بأمره) ش: هذا فائدة عدم اشتراط رضا المحيل أنه إذا كان له عليه دين لا يرجع المحتال عليه بما أدى، بل يتقاصان.
م: (قال) ش: أي القدوري م: وإذا تمت الحوالة) ش: بقبول المحتال له والمحتال عليه والمحيل م: (برئ المحيل من الدين بالقبول) ش: ولا يرجع الطالب بالدين عليه أبدا إلا بالتوى، وهذا عند عامة الفقهاء. وعن الحسن: أنه لا يرى الحوالة براءة إلا أن يبرئه، م:(وقال زفر: لا يبرأ اعتبارا بالكفالة، إذ كل واحد منهما عقد توثق) ش: أي لأن كل واحد من الحوالة والكفالة عقد توثق بحق الكفالة.
م: (ولنا أن الحوالة النقل لغة) ش: أي معناها من حيث اللغة بدل كما مر، والكفالة الضم لغة، ويختص كل اسم بموجب معنى ذلك الاسم، م:(ومنه حوالة الغراس) ش: جمع غرس بالفتح. وفي " العباب ": الغرس الشجر الذي يغرس، والجمع غراس وأغراس، م:(والدين متى انتقل عن الذمة لا يبقى فيها) ش: أي في الذمة، وتبقى الذمة الأولى فارغة، لأنك إذا حولت الشيء من موضع إلى موضع بقي مكان الأول فارغا لا محالة.
م: (أما الكفالة فللضم) ش: لأنها مشتقة من الكفل وهو ضم الشيء إلى الشيء، وضم
والأحكام الشرعية على وفاق المعاني اللغوية، والتوثق باختيار الأملأ والأحسن في القضاء، وإنما يجبر على القبول إذا فقد المحيل؛ لأنه يحتمل عود المطالبة إليه بالتوى فلم يكن متبرعا، قال: ولا يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه، وقال الشافعي رحمه الله: لا يرجع وإن توى؛ لأن البراءة قد حصلت مطلقة فلا يعود إلا بسبب جديد.
ــ
[البناية]
الشيء إلى الشيء لا يوجب فراغ الأول إلا أن يكون بشرط براءة الأصيل فتصير حوالة، لأنها في معنى الحوالة م:(والأحكام الشرعية على وفاق المعاني اللغوية) ش: يعني أن العمل بمعاني اللغات واجب في الأحكام الشرعية، فلما كان كذلك قلنا: إن الكفالة هي الضم لغة وهو لا يقتضي البراءة، والحوالة والنقل وهو يقتضي البراءة. واعترض بالحوالة بغير أمر المحيل، فإنها حوالة صحيحة كما مر ولا نقل فيها ولا تحويل، وهذا نقض إجمالي.
والجواب: أنا لا نسلم أن لا نقل فيها، فإنه بسداد الدين ظاهر متحقق، ولهذا لا يبقي على المحيل شيء.
م: (والتوثق) ش: جواب عن قول زفر أن الحوالة ليست مبرئة لأنها للتوثق. وتقرير الجواب: أن معنى التوثق ليس كما ذكره، بل معناه م:(باختيار الأملأ) ش: أي الأقدر على الإيفاء م: (والأحسن في القضاء) ش: حتى لا يماطل في قضاء الدين ويؤديه أجدر وأرجح مما كان، وهذا لا يدل على أن الحوالة ليست بمبرئة م:(وإنما يجبر على القبول) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، وهو أن في الحوالة لو كانت نقل كما أخبر الطالب المحيل إذا نقد المحيل لأنه حينئذ يكون متبرعا في قضاء الدين، والمتبرع لو قضى دين غيره لا يجبر الدائن على القبول، وتقرير الجواب أن يقال: إنما يجبر المحتال له على القبول، م:(إذا فقد المحيل، لأنه يحتمل عود المطالبة إليه) ش: أي إلى الدائن م: (بالتوى) ش: وسيجيء معناه عن قريب، لأنه إنما ينتقل إلى ذمة أخرى بشرط السلامة، فإذا توى يرجع، م:(فلم يكن) ش: أي المحيل م: (متبرعا) ش: يعني في القضاء.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولم يرجع المحتال على المحيل إلا أن يتوي حقه) ش: هذا عطف على قوله برئ المحيل، يعني إذا تمت الحوالة بالقبول يرى المحيل ولم يرجع المحتال على المحيل بشيء إلا أن يتوى حقه على ما يأتي في معنى التوى، م:(وقال الشافعي رحمه الله: لا يرجع وإن توى) ش: بموت أو إفلاس أو غير ذلك، وبه قال أحمد والليث وأبو عبيد وابن المنذر.
وعن أحمد: إذا كان المحتال عليه مفلسا ولم يعلم المطالب بذلك فله الرجوع إلا أن يرضى به بعد العلم، وبه قال مالك، م:(لأن البراءة قد حصلت مطلقة) ش: أي لأن البراءة للمحيل قد حصلت مطلقة عن قيد الرجوع على المحيل عند التوى، م:(فلا يعود إلا بسبب جديد) ش: كما في
ولنا: أنها مقيدة بسلامة حقه له إذ هو المقصود، أو تفسخ الحوالة لفواته لأنه قابل للفسخ، فصار كوصف السلامة في المبيع. قال: والتوى عند أبي حنيفة أحد الأمرين، وهو: إما أن يجحد الحوالة ويحلف، ولا بينة له عليه، أو يموت مفلسا؛ لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد منهما، وهو التوى في الحقيقة. وقالا هذان الوجهان، ووجه ثالث: وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه حال حياته، وهذا الاختلاف بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده خلافا لهما؛ لأن المال غاد ورائح
ــ
[البناية]
الإبراء. وقال تاج الشريعة: قوله إلا بسبب جديد وذلك أن يحيل المحتال عليه المحتال على المحيل.
م: (ولنا أنها) ش: أي البراءة م: (مقيدة بسلامة حقه له) ش: يعني أنها مقيدة بشرط السلامة، يعني وإن كانت مطلقة لفظا بدلالة الحال م:(إذ هو المقصود) ش: أي وصول الحق إلى المحتال له سالما هو المقصود من الحوالة م: (أو تفسخ الحوالة لفواته) ش: أي لفوات المقصود م: (لأنه) ش: أي لأن عقد الحوالة م: (قابل للفسخ) ش: لأنهما لو تفاسخا عقد الحوالة ينفسخ ولو لم يكن قابلا للفسخ لما انفسخ م: (فصار كوصف السلامة في المبيع) ش: يعني أن المشتري إذا وجد بالمبيع عيبا رجع بنقصان العيب، وإن لم يشترط الرجوع فكذلك هاهنا لما حصل التوى فات المقصود وهو سلامة الحق في البيع؛ لأنه سلامة المبيع فيرجع بالدين على المحيل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والتوى عند أبي حنيفة أحد الأمرين، وهو إما أن يجحد) ش: أي المحتال عليه م: (الحوالة ويحلف ولا بينة له) ش: أي للمحتال له م: (عليه) ش: أي على المحتال عليه م: (أو يموت) ش: أي المحتال عليه حال كونه (مفلسا) ولم يترك كفيلا على نفسه للمحتال عليه ولا مالا معينا ولا دينا، وفي الطلبة يقال: ذا فلس أي صار أفلس بعد أن كان صاحب دراهم أو دنانير، فاستعمل مكان افتقر، وفلسه القاضي أي قضي بإفلاسه حين ظهر له حاله م:(لأن العجز عن الوصول يتحقق بكل واحد منهما) ش: أي من الوجهين المذكورين م: (وهو التوى في الحقيقة) ش: أي هذا المذكور هو التوى، وهو من تَوِيَ الشيء يَتْوَى تَوًى إذا تلف، مقصور غير مهموز، وهو توى وقا، وكذا في "الجمهرة" لابن دريد.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد م: (هذان الوجهان) ش: أي التوى م: (ووجه ثالث وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه حال حياته) ش: بالشهود م: (وهذا الاختلاف) ش: بين أبي حنيفة وصاحبيه م: (بناء على أن الإفلاس لا يتحقق بحكم القاضي عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (خلافا لهما) ش: فإن عندهما يتحقق بحكم القاضي، وبه قالت الأئمة الثلاثة رحمهم الله حتى يعتبر في حق إخراجه من السجن، وكذا في حق غيره م:(لأن المال غاد ورائح) ش: هذا دليل أبي حنيفة.