الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا إذا شرط فيه البراءة، فحينئذ تنعقد حوالة اعتبارا للمعنى كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل يكون كفالة. ولو طالب أحدهما له أن يطالب الآخر وله أن يطالبهما؛ لأن مقتضاه الضم، بخلاف المالك إذا اختار تضمين أحد الغاصبين، لأن اختياره أحدهما يتضمن التمليك منه فلا يمكنه التمليك من الثاني، أما المطالبة بالكفالة فلا يتضمن التمليك فوضح الفرق.
قال: ويجوز
تعليق الكفالة بالشروط
، مثل أن يقول: ما بايعت فلانا فعلي أو ما ذاب لك
ــ
[البناية]
أبي ليلى: إن الكفالة توجب براءة الأصيل. وقال الكاكي: قوله وإن شاء طالب الكفيل. قاله أكثر العلماء، وعن مالك في رواية عنه أنه لا يطالب الكفيل إلا إذا تعذر المطالبة عن الأصيل م:(إلا إذا شرط فيه البراءة) ش: أي إلا إذا شرط عقد الكفالة براءة الأصيل م: (فحينئذ تنعقد) ش: أي الكفالة م: (حوالة اعتبارا للمعنى) ش: وهو أنه أتى بخاصية الحوالة.
فإن نوى على ما في الكفيل يرجع على الأصيل عندنا خلافا للشافعي والثوري بأحد الأمور الثلاثة، وسيجيء بيانه في "كتاب الحوالة" إن شاء الله تعالى.
م: (كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها) ش: أي بالكفالة م: (المحيل يكون كفالة، ولو طالب أحدهما) ش: أي ولو طالب المكفول له أحد الاثنين وهما الكفيل والأصيل م: (له أن يطالب الآخر) ش: لأن مطالبة أحدهما لا تسقط مطالبة الآخر م: (وله أن يطالبهما) ش: أي الكفيل والأصيل جميعا م: (لأن مقتضاه) ش: أي مقتضى عقد الكفالة م: (الضم) ش: أي ضم الذمة إلى الذمة.
م: (بخلاف المالك) ش: أي مالك الشيء الذي غصب منه غاصب وغصب من الغاصب غاصب آخر م: (إذا اختار تضمين أحد الغاصبين) ش: وهما الغاصب وغاصب الغاصب فليس له أن يضمن الآخر بعد ذلك م: (لأن اختياره) ش: أي اختيار المالك تضمين م: (أحدهما) ش: أي أحد الغاصبين م: (يتضمن التمليك منه) ش: أي من الذي اختار تضمينه يعني إذا قضى القاضي بذلك، كذا في " المبسوط " م:(فلا يمكنه التمليك من الثاني) ش: أي من الغاصب الثاني، لأنه من المحال أن يملك العين الواحدة جميعا لاثنين في زمان واحد. م:(أما المطالبة بالكفالة فلا يتضمن التمليك) ش: ما لم يوجد الاستيفاء حقيقة فلا يمنع مطالبة أحدهما مطالبة الآخر. م: (فوضح الفرق) ش: بين المسألتين.
[تعليق الكفالة بالشروط]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز تعليق الكفالة بالشروط مثل أن يقول: ما بايعت فلانا فعلي) ش: قيد بقوله: فلانا ليصير المكفول له معلوما، إذ جهالته تمنع صحة الكفالة، حتى لو قال: ما بايعت من الناس فأنا لذلك ضامن، لا يجوز لجهالة المكفول عنه والمكفول به فتفاحشت الجهالة، بخلاف الأول، لأن الجهالة فهي يسيرة متحملة، كذا في " الإيضاح " م:(أو ما ذاب لك)
عليه فعلي، أو ما غصبك فعلي، والأصل فيه قَوْله تَعَالَى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72](يوسف: الآية 72) . والإجماع منعقد على صحة ضمان الدرك. ثم الأصل أنه يصح تعليقها بشرط ملائم لها مثل أن يكون شرطا لوجوب الحق كقوله: إذا استحق المبيع أو لإمكان الاستيفاء مثل قوله: إذا قدم زيد وهو مكفول عنه، أو لتعذر الاستيفاء مثل قوله: إذا غاب عن البلدة، وما ذكر من الشروط في معنى ما ذكرناه، فأما لا يصح التعليق بمجرد الشرط كقوله: إن هبت الريح أو جاء المطر، وكذا إذا جعل واحدا منهما آجلا إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا؛ لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة
ــ
[البناية]
ش: أي أو يقول ما ذاب لك أي ما وجب وثبت لك م: (عليه) ش: أي على فلان فهو م: (فعلي) ش: ولفظ ذاب مستعار من ذوب الشحم، كذا في " المغرب ".
م: (أو ما غصبك) ش: أي أو يقول: ما غصبك فلان أي ما غصب منك م: (فعلي) ش: أي فهو علي، والياء مشددة في لفظة علي في ثلاثة مواضع م:(والأصل فيه) ش: أي في باب تعليق الكفالة بالشروط الملائمة م: (قَوْله تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] (يوسف: الآية 72)) ش: فإنه يدل على أن جهالة المكفول به لا تمنع صحة الكفالة، إذ حمل البعير مجهول، وقد مر بيانه.
والأصل فيه أن شرائع من قبلنا تلزمنا ما لم ينص الله تعالى على إنكاره م: (والإجماع منعقد على صحة ضمان الدرك) ش: أي الإجماع انعقد على صحة ضمان الدرك، وقد مر الكلام فيه عن قريب.
م: (ثم الأصل) ش: في هذا الباب م: (أنه يصح تعليقها) ش: أي تعليق عقد الكفالة م: (بشرط ملائم لها) ش: لمقتضى العقد م: (مثل أن يكون شرطا لوجوب الحق كقوله: إذا استحق المبيع) ش: فأنا ضامن لذلك م: (أو لإمكان الاستيفاء مثل قوله: إذا قدم زيد وهو مكفول عنه أو لتعذر الاستيفاء مثل قوله: إذا غاب عن البلدة) ش: أي إذا غاب المكفول عنه عن البلدة فأنا ضامن لك بما عليه م: (وما ذكر من الشروط) ش: أي في أصل المسألة مثل: ما بايعت، وما ذاب، وما غصب م:(في معنى ما ذكرناه) ش: أي بمعنى الأصل الذي ذكرناه وهو أن كل شرط ملائم لعقد الكفالة يصح تعليقها به.
م: (فأما لا يصح التعليق بمجرد الشرط) ش: يعني غير ملائم م: (كقوله إن هبت الريح) ش: فأنا كفيل لك بما عليه م: (أو جاء المطر) ش: أي إن جاء المطر فأنا كفيل م: (وكذا) ش: أي وكذا لا يصح م: (إذا جعل واحدا منهما آجلا) ش: يعني إذا جعل هبوب الريح أو مجيء المطر آجلا لكفالة يبطل الأجل م: (إلا أنه تصح الكفالة ويجب المال حالا؛ لأن الكفالة لما صح تعليقها بالشروط لا تبطل بالشروط الفاسدة) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وقال الكاكي: قوله إلا أن تصح الكفالة إلى آخره، اعلم أن في هذا اللفظ نوع اشتباه، لأنه إن أراد بقوله لما يصح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة ابتداء تعليق الكفالة بالشرط، فإن هناك لا يصير كفيلا أصلا، ذكره في " المبسوط "، وإن أراد بهذا اللفظ تأجيل الكفالة إلى هذه الشروط الفاسدة فهذا تأجيل.
والتأجيل غير التعليق ذكره في " فتاوى قاضي خان "، فكيف يصح تعليله بقوله: لما صح تعليقها بالشرط لا تبطل بالشروط الفاسدة، إلا إن أراد بالتعليق التأجيل بجامع أن في كل منهما عدم ثبوت الحكم في الحال فحينئذ يصح، وقلد المصنف في هذا الاستعمال لفظ " المبسوط "، فإنه ذكرها هكذا وذكر التعليق وأراد التأجيل.
وقال الأكمل هنا: وفي كلامه نظر من أوجه:
الأول: أن قوله: لا يصح التعليق يقتضي نفي جواز التعليق لا نفي جواز الكفالة، مع أن الكفالة لا تجوز.
الثاني: أن قوله: وكذا إذا جعل معطوفا على قوله: فأما لا يصح فيكون تقديره وكذا لا يصح إذا جعل ولا يخلو، إما أن يكون فاعل يصح هو التعليق أو الكفالة، إذ لم يذكر المصنف ثالثا. والأول: لا يجوز، إذ لا معنى لقوله وكذا لا يصح التعليق إذا جعل كل واحد منهما آجلا.
والثاني: كذلك لقوله بعده: إلا أنه تصح الكفالة.
والثالث: أن الدليل لا يطابق المدلول؛ لأن المدلول بطلان الأجل مع صحة الكفالة والدليل صحة تعليقها بالشرط، وعدم بطلانها بالشروط الفاسدة، ومع ذلك فليس بمستقيم، لأنها تبطل بالشرط المحض وهو أول المسألة.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن حاصل الكلام ينفي جواز الكفالة المعلقة بهما، والمجموع ينتفي بانتفاء جزئه، لا يقال نفي الكفالة المؤجلة كنفي المعلقة، ولا تنتفي الكفالة بانتفاء الأجل، لأن الإيجاب المعلق نوع، إذ التعليق يخرج العلة عن العلية، كما عرف في موضعه، والأجل عارض بعد العقد، فلا يلزم من انتفائه انتفاء معروضه.
وعن الثاني بأن فاعل يصح المقدر وهو الأجل، وتقديره: وكما لا يصح الأجل إذا جعل كل واحد منهما آجلا.
وعن الثالث بأن الراد بالتعليق بالشرط الأجل مجازا بقرينة قوله، ويجب المال حالا، وتقديره لأن الكفالة لما صح تأجيلها بأجل متعارف لم تبطل بالأجل الفاسد كالطلاق والعتاق، ويجوز المجاز وعدم الثبوت في الحال في كل واحد منهما.
كالطلاق والعتاق. فإن قال: تكفلت بما لك عليه فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيتحقق ما عليه فيصح الضمان به. وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به؛ لأنه منكر للزيادة، فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك لم يصدق على كفيله؛ لأنه إقرار على الغير ولا ولاية له عليه. ويصدق في حق نفسه لولايته عليها.
ــ
[البناية]
م: (كالطلاق والعتاق) ش: أي كما أن الشرط المجهول في الطلاق والعتاق يبطل ويصح الطلاق والعتاق بأن قال: أعتقت عبدي، أو قال: طلقت امرأتي إلى قدوم الحاج أو الحاصد أو القطاف م: (فإن قال: تكفلت عنه بما لك عليه) ش: فإن قال شخص لآخر: تكفلت عنه بما لك عليه من المال م: (فقامت البينة بألف عليه ضمنه الكفيل) ش: أي ضمن الألف الكفيل م: (لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة فيتحقق ما عليه) ش: أي ما على الكفيل م: (فيصح الضمان به) ش: فصار كأنه ضمن بالألف الذي عليه فلزمه ذلك م: (وإن لم تقم البينة فالقول قول الكفيل مع يمينه في مقدار ما يعترف به) ش: لأنه مال مجهول لزمه بقوله فالقول قوله، كما لو أقر بشيء مجهول م:(لأنه منكر للزيادة) ش: فالقول قول المنكر مع يمينه كالمدعى عليه بالمال م: (فإن اعترف المكفول عنه بأكثر من ذلك) ش: أي مما يعترف به الكفيل م: (لم يصدق على كفيله؛ لأنه إقرار على الغير ولا ولاية له عليه ويصدق في حق نفسه لولايته عليها) ش: أي على نفسه.
والحاصل أن إقرار المكفول عنه تضمن شيئين، أحدهما على نفسه، والآخر على الكفيل، فيصدق في إقراره على نفسه، لأن له ولاية على نفسه، ولا يصدق على الكفيل لعدم ولايته عليه.
وفي " الشامل ": ما ذاب لك على فلان فهو علي أو ثبت، أو ما قضي عليه فأقر المطلوب يلزم الكفيل، إلا قوله: ما قضي عليه، لم يلزمه إلا أن يقضي القاضي. ولو أبى المطلوب اليمين فألزمه القاضي لم يلزمه الكفيل؛ لأن النكول ليس بإقرار بل بدل، وقال الكاكي: قوله ولا ولاية له عليه.
فإن قيل: يشكل هذا بما يكفل بما ذاب له على فلان ثم بعد ذلك قال الطالب: هو ألفان وقال المطلوب ألف، وقال الكفيل: لا شيء لك عليه فيلزم هناك على الكفيل ألف التي أقر بها الطالب، مع أنه لا ولاية له على الكفيل، ذكره في " المبسوط ".
قلنا: هذا إيجاب المال على الكفيل بكفالته، لا بقوله المطلوب؛ لأنه لما قيد الكفالة بالذوب، مع علمه أن الذوب قد يحصل عليه بإقراره، وقد صار ملتزما ذلك لكفالته، وهذا استحسان، وفي القياس لا يجب على الكفيل شيء كما في مسألتنا لإنكاره الوجوب على المطلوب، كذا في