المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

- ‌[حديث إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا]

- ‌ باب السير وحده

- ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

- ‌ باب الجهاد بإذن الأبوين

- ‌[حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك]

- ‌ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

- ‌[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]

- ‌ بَابُ الجَاسُوسِ

- ‌[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]

- ‌ بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

- ‌[حديث عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

- ‌ بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

- ‌[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ

- ‌[حديث إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان]

- ‌ باب لا يعذب بعذاب الله

- ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

- ‌ بَابٌ

- ‌[حديث أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله]

- ‌ باب حرق الدور والنخيل

- ‌[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]

- ‌ بَابُ قَتْلِ النَّائِمِ المُشْرِكِ

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع]

- ‌ باب لا تمنوا لقاء العدو

- ‌[حديث لا تمنوا لقاء العدو]

- ‌ باب الحرب خدعة

- ‌[حديث هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده]

- ‌[حديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة]

- ‌[حديث الحرب خدعة]

- ‌ باب من لا يثبت على الخيل

- ‌[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]

- ‌ باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

- ‌[حديث أخذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]

- ‌[حديث حكم سعد في بني قريظة]

- ‌ بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]

- ‌ باب فكاك الأسير

- ‌[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]

- ‌ باب الحربِي إِذَا دخَل دار الإسْلامِ بغَيْرِ أمَانٍ

- ‌[حديث أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر]

- ‌ بَابُ كيفَ يُعرَض الإسلامُ على الصّبيّ

- ‌[حديث ذكر الدجال وقوله فيه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور]

- ‌ باب إذا أسلم قوم في دَارِ الحرب ولهُمْ مال وأَرَضُونَ فَهي لهمْ

- ‌[حديث استعمال عمر بن الخطاب مولى له يدعى هنيا ونصيحته له]

- ‌ باب كتابة الإمام الناس

- ‌[حديث اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس]

- ‌ بَاب إِن الله يُؤيِّدُ الدِّين بالرجُل الفاجر

- ‌[حديث قال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار]

- ‌ باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

- ‌[حديث أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال]

- ‌ باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

- ‌[حديث أن ابن عمر ذهب فرس له فأخذه العدو]

- ‌ باب من تكلم بالفارسية والرطنة

- ‌[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]

- ‌[حديث أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي]

- ‌ باب القليل من الغلول

- ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

- ‌ باب لا هجرة بعد الفتح

- ‌[حديث انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة]

- ‌ باب استقبال الغزاة

- ‌[حديث قول ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع]

- ‌الفصل الثالث: كتاب الفرائض

- ‌ باب فرض الخمس

- ‌[حديث أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها]

- ‌[حديث لا نورث ما تركنا صدقة]

- ‌ باب نفقة نساء النّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

- ‌[حديث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيته من شيء]

- ‌ باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ

- ‌[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]

- ‌ باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، ممّا تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

- ‌[حديث إخراج أنس نعلين جرداوين لهما قبالان]

- ‌[حديث إخراج عائشة كساء ملبدا وقولها في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]

- ‌[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس

- ‌ باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

- ‌[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]

- ‌ باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [

- ‌[حديث إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي]

- ‌[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]

- ‌[حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق]

- ‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلّت لكم الغنائم»

- ‌[حديث أحلت لكم الغنائم]

- ‌[حديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة]

- ‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

- ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

- ‌ باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له

- ‌[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]

- ‌ باب ومن الدّليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين

- ‌[حديث والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

- ‌[حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش]

- ‌[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]

- ‌[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]

- ‌ بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ

- ‌[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]

- ‌ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِلإِمَامِ، وأَنهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتِهِ دُونَ بعض

- ‌[حديث إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد]

- ‌ باب مَنْ لم يخَمِّس الأَسلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَله سَلبه من غَير أن يخَمّسَ، وحكم الإمَامِ فيهِ

- ‌[حديث قتل إبي جهل]

- ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

- ‌[حديث أسماء كنت أنقل النوى من أرض الزبير

- ‌ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

- ‌[حديث استحياء عبد الله بن مغفل من رسول الله]

- ‌[حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه]

- ‌[حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية]

- ‌[الفصل الرابع كتاب الجزية والموادعة]

- ‌ باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب

- ‌[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]

- ‌[حديث بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها]

- ‌[حديث بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين]

- ‌[حديث كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات]

- ‌ بابُ إثم من قتل معاهدا بغير جرم

- ‌[حديث من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة]

- ‌ بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب

- ‌[حديث أقركم ما أقركم الله]

- ‌ بابُ إِذا غدر الْمُشْركُون بِالْمُسْلمين هلْ يُعْفى عنْهمْ

- ‌[حديث لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم]

- ‌ بَاب هَل يُعفَى عنِ الذِّمِّيِّ إذا سَحَر

- ‌[حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه]

- ‌ باب ما يحذر من الغدر

- ‌[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]

- ‌ باب إثم من عاهد ثم غدر

- ‌[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]

- ‌ باب

- ‌[حديث قول سهل بن حنيف اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته]

- ‌ باب إثم الغادر للبر والفاجر

- ‌[حديث لكل غادر لواء يوم القيامة]

- ‌[حديث لكل غادر لواء ينصب لغدرته]

- ‌القسم الثانيالمنهج الدعوي المستخلص من الدراسة

- ‌الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية

- ‌[الفصل الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو]

- ‌[الفصل الثالث المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة]

- ‌الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب

- ‌المبحث الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل

- ‌[المبحث الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالأساليب]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[التوصيات والمقترحات]

الفصل: ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه

19 -

‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

ورَوَاهُ عبد الله بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

171 -

[3146] حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنسٍ (1) رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشا أتألفهم؛ لأنهم حَدِيثُ عَهْدٍ بجاهِلِيَّةٍ» (2).

وفي رواية: «أَنَّ نَاسا مِنَ الأنصارِ قَالُوا لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم منْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفقَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ الله لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُعْطِي قُريشا وَيَدَعنَا، وَسُيوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهمْ.

قَالَ أنسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بمَقالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأنصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قبّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدا غَيْرَهُم، فَلَمَّا اجْتَمعُوا جَاءَهم رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:" مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " قَال: لَه فُقَهَاؤُهُمْ: أَمَّا ذَوُو رَأْينَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئا، وَأَمَّا أناس مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفرُ اللهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشا ويَتْركُ الأنصَارَ، وَسُيوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِم. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:" إِنِّي لأُعْطِي رِجَالا حَدِيث عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أمَا تَرْضَوْنَ أنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأمْوَالِ، وَترجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَوالله مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ ". قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمْ:" إِنَكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبرُوا حَتَّى تَلْقَوُا الله وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحَوْضِ ". قَالَ أَنسٌ: فَلَمْ نَصْبِر ".» (3).

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 14.

(2)

[الحديث 3146] أطرافه في: كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، 4/ 71، برقم 3147. وكتاب المناقب، باب ابن أخت القوم منهم، ومولى القوم منهم، 4/ 195، برقم 3528. وكتاب مناقب الأنصار، باب مناقب الأنصار، 4/ 267، برقم 3778. وكتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض"، 4/ 272، برقم 3793. وكتاب المغازي، باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، 5/ 123، برقم 4331 و 4332 و 4333 و 4334 و 4337. وكتاب اللباس، باب القبة الحمراء من أدم، 7/ 64، برقم 5860. وكتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم وابن الأخت منهم، 8/ 14، برقم 6762. وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ 8/ 232، برقم 7441. وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام وتصبر من قوي إيمانه، 2/ 733، برقم 1059.

(3)

من الطرف: 3147.

ص: 950

وفي رواية:

«دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأنصَارَ فَقَالَ: "هَلْ فيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ " قَالُوْا: لا. إِلا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ابْنُ أخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ".» (1).

وفي رواية:

«لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيا أَوْ شِعْبا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ» (2).

وفي رواية:

«لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوازِنُ وَمَعَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلافٍ وَالطُلَقَاءُ فأَدْبروا، قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الأنصَارِ؟ " قَالُوا: لَبَّيْكَ يا رَسُولَ الله وَسَعْدَيْكَ، لَبَّيْكَ نحنُ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَنَا عبد الله وَرَسُولُهُ" فانْهَزَمَ الْمُشْرِكينَ فَأعطَى الطُلَقَاءَ وَالْمُهاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأنصَارَ شَيْئا، فَقَالُوا فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قبةٍ فَقَالَ: "أَمَا ترضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْبَعيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ" فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيا، وَسَلَكَتِ الأنصَارُ شِعْبا لاخْترتُ شِعْبَ الأنصَارِ» (3).

وفي رواية:

«جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسا مِنَ الأنصَار فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشا حَدِيثُ عَهْدٍ بجاهِليةٍ وَمُصِيبةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبرهُمْ، وَأتألفهم، أمَا ترضَوْنَ أَنْ يرجِعَ الناسُ بِالدُّنْيَا وَترجِعُونَ برَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى بُيوتكُم؟» (4).

وفي رواية:

«قَالَتِ الأنَصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ - وَأَعْطَى قُرَيْشا - والله إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سَيُوفَنَا لتقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا الأنصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: "مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ " - وَكَانُوا لا يَكْذِبُونَ - فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: "أَوَلَا تَرضَوْنَ أَنْ يَرجِعَ النَّاسُ بِالغَنائِم إِلى بُيوتهم وَترجِعُونَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلى بُيُوتكُمْ» (5).

وفي رواية:

«لما كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بنَعَمِهِم وَذَرَارِيِّهمْ وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلافٍ وَمِنَ الطُلَقَاءِ فَأَدْبروا عَنْهُ حَتَّى بقِيَ وَحْدَهُ، فنَادَى يَوْمَئِذٍ

(1) من الطرف: 3528.

(2)

من الطرف: 4332.

(3)

من الطرف: 4333.

(4)

من الطرف: 4334.

(5)

من الطرف: 3778.

ص: 951

نداءين لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال:"يا معشر الأنصار". قالوا: لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك وهو على بغلة بيضاء فنزل فقال: "أنا عبد الله ورسوله" فانهزم المشركون فأصاب يومئذ غنائم كثيرة فقسم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئا فقالت الأنصار: إذا كانت شديدة فنحن ندعى ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه ذلك فجمعهم في قبة فقال: "يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم؛ " فسكتوا فقال: "يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم تحوزونه إلى بيوتكم؟ " قالوا: بلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار" فقال هشام: يا أبا حمزة وأنت شاهد ذاك قال: وأين أغيب عنه؟.» (1).

* شرح غريب الحديث: * قبة من أدم: القبة من البنيان تطلق على البيت المدور وهو معروف عند التركمان والأكراد، والجمع قباب، وهي من الخيام، والأدم بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب (2).

* أدم: الأدم جمع أديم وهو الجلد (3).

* أفاء: الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد، وأصل الفيء الرجوع، يقال: فاء يفيء فئة، وفيوءا كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم، ومنه قيل للظل الذي يكون بعد الزوال: فيء لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق، ويكون الفيء: الرجوع من جهة إلى جهة أو من مفارقة إلى موافقة (4).

* أثرة: الأثرة: الاستئثار: أي يستأثرون عليكم فيفضل عليكم غيركم،

(1) من الطرف: 4337.

(2)

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع الباء، مادة:"قبب" 4/ 3، والمصباح المنير للفيومي، كتاب القاف 2/ 487، وانظر: شرح غريب الحديث رقم 81، ص 489.

(3)

تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 537.

(4)

انظر: المرجع السابق، ص 43، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الفاء مع الباء، مادة:"فيأ" 3/ 482.

ص: 952

أو ينفرد بالاستئثار من الفيء دونكم، والاستئثار: الانفراد بالشيء (1).

* فطفق: طفق: بمعنى أخذ في الفعل، وجعل يفعل، وهي من أفعال المقاربة (2).

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

1 -

من وسائل الدعوة: التأليف بالمال.

2 -

من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة الفتح وغزوة حنين.

3 -

أهمية الستر على أهل الصلاح والتقوى.

4 -

من صفات الداعية: التثبت.

5 -

من وسائل الدعوة: التأليف بالجاه.

6 -

من أساليب الدعوة: التأكيد بالقسم.

7 -

من أساليب الدعوة: التأليف بطيب الكلام.

8 -

من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالمغيبات.

9 -

من أساليب الدعوة: ذكر الداعية بعض فضائله أو مناقبه عند الحاجة انتصارا للحق.

10 -

من موضوعات الدعوة: الحض على الصبر.

11 -

عظم محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

12 -

حسن أدب الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

13 -

من صفات الداعية: الصدق.

14 -

من أسباب النصر: عدم الإعجاب بالكثرة والقوة.

15 -

من صفات الداعية: الشجاعة.

16 -

من أصناف المدعوين: المشركون.

17 -

من أصناف المدعوين: أهل الصلاح والتقوى.

18 -

من صفات الداعية: التواضع.

19 -

من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري.

(1) انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 108، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهمزة مع الثاء، مادة:"أثر" 1/ 22.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الطاء مع الفاء، مادة:"طفق" 3/ 129.

ص: 953

20 -

من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولا: من وسائل الدعوة: التأليف بالمال: تألف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قريشا بالمال فأعطى رجالا منهم المائة من الإبل، وقال صلى الله عليه وسلم:«إني أعطي قريشا أتألفهم؛ لأنهم حديث عهد بجاهلية» ، وهذا يؤكد أهمية التأليف بالمال في الدعوة إلى الله عز وجل (1).

ثانيا: من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة الفتح وغزة حنين: غزوة الفتح الأعظم ظهر ذكرها في هذا الحديث؛ لقول الراوي: «قالت الأنصار يوم فتح مكة: وأعطى قريشا؛ والله إن هذا لهو العجب» ، كما ظهر ذكر غزوة حنين في قوله:«لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم» . . . "، وهذا يبين أهمية ذكر الحوادث التاريخية التي نصر الله فيها الإسلام وأهله، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة فتح مكة في شهر رمضان ومعه عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، ففتح الله عليه، ونصره، وأعز الله الإسلام وأهله، وطهر مكة من دنس الجاهلية (2) وبعد فتح مكة سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة فاجتمعوا لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم في أصحابه الذين فتح الله بهم مكة، وخرج معه ألفان من أهل مكة، فحصل القتال العظيم، ثم نصر الله رسوله، والمؤمنين في معركة حنين، وأمدهم بالملائكة، وغنموا غنائم عظيمة، وأسلم بعد المعركة خلق كثير، والحمد لله (3).

ثالثا: أهمية الستر على أهل الصلاح والتقوى: إن من أهم الوسائل الدعوية التي ينبغي للداعية أن يعتني بها، الستر على الناس وعدم التشهير بهم، وقد دل هذا الحديث على هذه الوسيلة؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قول الأنصار رضي الله عنهم: " يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعطي قريشا ويدعنا؟

(1) انظر: الحديث رقم 7، الدرس التاسع، ورقم 166، الدرس الثاني.

(2)

انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 3/ 394 - 415.

(3)

انظر: المرجع السابق، 3/ 465 - 476، وانظر أيضا: الحديث رقم 101، الدرس العاشر.

ص: 954

وسيوفنا تقطر من دمائهم" دعاهم صلى الله عليه وسلم فجمعهم ولم يدع معهم أحدا غيرهم، وقال: " هل فيكم أحد من غيركم؟ " قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "ابن أخت القوم منهم»، وهذا يؤكد أهمية الستر على المدعو إذا وقع في زلة أو خطأ؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على الستر فقال:«من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه؛ ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (1) والشاهد في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة» .

رابعا: من صفات الداعية: التثبت: ظاهر في هذا الحديث أهمية التثبت في الأمور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخبر بمقالة الأنصار: «يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعطي قريشا ويدعنا» تثبت ولم يعجل، بل جمعهم وقال:«ما كان حديث بلغني عنكم» ثم بين لهم صلى الله عليه وسلم ما كان يخفى عليهم، فاقتنعوا رضي الله عنهم، فدل ذلك على أهمية التثبت والتأني وعدم العجلة (2).

خامسا: من وسائل الدعوة: التأليف بالجاه: دل هذا الحديث على أن التأليف بالجاه من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيه للأنصار: «إني لأعطي رجالا حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به؛ " قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا،» وقال صلى الله عليه وسلم لهم: «لو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم» ، وهذا يؤكد التأليف بالجاه، فقد تألفهم صلى الله عليه وسلم بجاهه دون ماله (3).

(1) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن والذكر، 4/ 2074، برقم 2699.

(2)

انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثاني.

(3)

انظر: الحديث رقم 9، الدرس التاسع.

ص: 955

سادسا: من أساليب الدعوة: التأكيد بالقسم: لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدم التأكيد بالقسم عند الحاجة إليه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث للأنصار: «فوالله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به» ، فأكد صلى الله عليه وسلم بالقسم تأكيدا على ما يقول، فاتضح بذلك أهمية التأكيد بالقسم عند الحاجة إليه (1).

سابعا: من أساليب الدعوة: التأليف بطيب الكلام: لا شك أن طيب الكلام، والتلطف فيه من أساليب الدعوة النافعة؛ ولهذا استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال في هذا الحديث للأنصار:«أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وهذا الكلام الطيب يظهر فيه التلطف، واللين الحكيم؛ قال الإمام الكرماني رحمه الله:" إنما أراد به صلى الله عليه وسلم تألف الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، ومذهبهم، حتى رضي أن يكون واحدا منهم، لولا ما يمنعه عنه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها "(2) وهذا يؤكد للداعية أهمية طيب الكلام والتلطف فيه (3).

ثامنا: من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالمغيبات: أخبر صلى الله عليه وسلم ببعض الغيوب ووقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أنه رسول الله حقا، ومن ذلك ما ثبت في هذا الحديث عندما قال للأنصار:" إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض "، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفيه علم من أعلام النبوة، فكان كما قال (4) صلى الله عليه وسلم "(5).

تاسعا: ذكر الداعية بعض فضائله أو مناقبه عند الحاجة انتصارا للحق: لا ريب أن ذكر الداعية بعض ما يتصف به من صفات حميدة عند الحاجة لا محذور فيه إذا لم يكن على وجه العجب أو الكبر، وقد ظهر في هذا الحديث

(1) انظر: الحديث رقم 10، الدرس الخامس، ورقم 14، الدرس الخامس.

(2)

شرح الكرماني على صحيح البخاري، 116/ 160.

(3)

انظر: الحديث رقم 10، الدرس الثالث، ورقم 51، الدرس الثاني.

(4)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 52.

(5)

انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.

ص: 956

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا عبد الله ورسوله» ، فإذا احتاج الداعية إلى ذلك؛ لكونه يؤثر على المدعوين، فإنه من الأمور النافعة (1) والله المستعان (2).

عاشرا: من موضوعات الدعوة: الحض على الصبر: إن الصبر من الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يحض الناس عليها؛ ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأنصار على الصبر فقال: «إنكم سترون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض» ، وهذا يؤكد أهمية الحث على الصبر. (3).

الحادي عشر: عظم محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: الصحابة رضي الله عنهم يحبون النبي صلى الله عليه وسلم حبا عظيما، ولهذا ثبت في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر الأنصار"، فقالوا: " لبيك يا رسول الله وسعديك، لبيك نحن بين يديك» ، وهذه الاستجابة بالتلبية تدل على حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

الثاني عشر: حسن أدب الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ظهر في هذا الحديث حسن أدب الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم قالوا: «يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم» عندما رأوه لم يقسم لهم؛ ولأنهم لم يجادلوه، ولم يماروه عندما جمعهم وبين لهم وجه الصواب، فأسلموا له قلوبهم وعقولهم؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:" فيه حسن أدب الأنصار في تركهم المماراة "(5) فيلزم كل داعية بل كل مسلم أن يلتزم الأدب مع رسول الله في حياته، وبعد موته باتباع سنته والسير على منهجه صلى الله عليه وسلم.

الثالث عشر: من صفات الداعية: الصدق: الصدق يهدي إلى البر؛ ولهذا كان من أهم الصفات التي ينبغي للداعية أن يتصف بها، وقد ظهر في هذا الحديث أن الأنصار صدقوا مع رسول الله ولم

(1) انظر: فتح الباري لابن حجر 6/ 254.

(2)

انظر: الحديث رقم 16، الدرس الرابع، ورقم 61، الدرس التاسع، ورقم 77، الدرس الثالث عشر.

(3)

انظر: الحديث رقم 27، الدرس الأول، ورقم 28، الدرس السادس.

(4)

انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثامن، ورقم 63، الدرس الثامن.

(5)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 52.

ص: 957

يكذبوا عليه عندما سألهم فقال: «ما الذي بلغني عنكم؟» ، قال الراوي: وكانوا لا يكذبون، فقالوا:«هو الذي بلغك» وأخبروه صلى الله عليه وسلم بما حصل، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بما عنده فرضوا رضي الله عنهم، وهذا يؤكد أهمية الصدق (1).

الرابع عشر: من أسباب النصر: عدم الإعجاب بالكثرة والقوة: إن الإعجاب بالكثرة والقوة من أسباب الهزيمة، وعدم ذلك من أسباب النصر، وقد ظهر في هذا الحديث ما يشير إلى ذلك، وهو قول الراوي:«لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم، بنعمهم، وذراريهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، ومن الطلقاء، فأدبروا عنه حتى بقي وحده» . . . "، وهذا في أول الأمر ثم أنزل الله سكينته وجنوده، فنصر رسوله والمؤمنين، والهزيمة في أول المعركة إنما كانت بسبب من قال:«لن نغلب اليوم من قلة» . (2).

الخامس عشر: من صفات الداعية: الشجاعة: تحقق في هذا الحديث أن الشجاعة من أهم الصفات التي يتأكد على الداعية أن يتصف بها عقليا وقلبيا، وقد ظهرت هذه الصفة في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي يقاتل يوم حنين وانهزم الناس، فقاتل قتالا عظيما حتى تراجع الناس وأنزل الله النصر والحمد لله (3).

السادس عشر: من أصناف المدعوين: المشركون: دل جهاد النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، وقتاله لهم في معركة حنين وغيرها على أن المشركين من أصناف المدعوين الذين ينبغي للداعية أن يدعوهم على حسب الطرق الحكيمة في دعوتهم إلى الله عز وجل. (4).

السابع عشر: من أصناف المدعوين: أهل الصلاح والتقوى: إن أهل الصلاح والتقوى من أصناف المدعوين، وقد ظهر في هذا الحديث ما حصل من الأنصار ثم أقنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضاهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعطي

(1) انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث، ورقم 9، الدرس الرابع، ورقم 35، الدرس الرابع.

(2)

انظر: الحديث رقم 61، الدرس الثالث.

(3)

انظر: الحديث رقم 35، الدرس الخامس، ورقم 61، الدرس الثاني.

(4)

انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثامن، ورقم 105، الدرس السابع.

ص: 958

رجالا حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم»، وهذا يؤكد أن أهل الصلاح والتقوى من أصناف المدعوين (1).

الثامن عشر: من صفات الداعية: التواضع: النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس تواضعا؛ ولهذا ركب على البغلة في معركة حنين ثم نزل إلى الأرض فقاتل ففتح الله عليه، وهذا يدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم، وتواضعه، فينبغي لكل مسلم أن يتواضع لله وخاصة الداعية إلى الله عز وجل؛ لما لذلك من الفوائد والتأثير على قلوب المدعوين (2).

التاسع عشر: من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري: إن الاستفهام الإنكاري من الأساليب الدعوية التي ينبغي للداعية أن يعتني بها؛ ولهذا استخدم هذا الأسلوب في هذا الحديث؛ لقول هشام: «يا أبا حمزة وأنت شاهد ذاك؟ قال: " وأين أغيب عنه» وهذا استفهام إنكاري (3).

العشرون: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: ظهر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى أحوال المدعوين، فمن كان منهم من أهل الإيمان الكامل الذي لا نقص فيه لم يقسم له من الغنائم في معركة حنين، ومن كان دون ذلك أعطاه العطاء العظيم؛ ليقوى إيمانه، ويجذب قلبه إلى الإسلام، وقد كان أصحاب الفضل العظيم في كمال الإيمان الأنصار رضي الله عنهم، وهذا يؤكد أهمية مراعاة أحوال المدعوين، والله المستعان (4).

(1) انظر: الحديث رقم 71، الدرس السابع، ورقم 76، الدرس الرابع.

(2)

انظر: الحديث رقم 33، الدرس الحادي عشر، والحديث رقم 62، الدرس الثالث.

(3)

انظر: الحديث رقم 4، الدرس الرابع.

(4)

انظر: الحديث رقم 173، الدرس التاسع، ثم انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثالث.

ص: 959

172 -

[3149] حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك (1) رضي الله عنه قال:«كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال: مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء» (2).

وفي رواية: "فجبذه بردائه جبذة شديدة"(3).

* شرح غريب الحديث: * برد: البرد: نوع من الثياب معروف والجمع أبراد، وبرود، والبردة: الشملة، المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صور تلبسه الأعراب، وجمعها برد (4).

* غليظ الحاشية: حاشية كل شيء: طرفه وجانبه. أي غليظ الجانب أو الطرف. (5).

* فجبذه: الجبذ لغة في الجذب، وقيل: هو مقلوب. (6).

* صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم: صفحة كل شيء: وجهه، وجانبه، وناحيته، والعاتق ما بين المنكب والعنق. (7).

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 14.

(2)

[الحديث 3149] طرفاه في: كتاب اللباس، باب البرود والحبر والشملة، 7/ 51، برقم 5809، وكتاب الأدب، باب التبسم والضحك، 7/ 123، برقم 6088. وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء من سأل بفحش وغلظة، 2/ 730، برقم 1057.

(3)

من الطرف رقم: 5809.

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع الراء، مادة:"برد" 1/ 116، وانظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 470.

(5)

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الشين، مادة:"حشا" 1/ 392.

(6)

المرجع السابق، باب الجيم مع الباء، مادة:"جبذ" 1/ 235.

(7)

النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الصاد مع الفاء، مادة:"صفح" 3/ 34.

ص: 960

1 -

من صفات الداعية: التواضع.

2 -

أهمية الزهد في حياة الداعية.

3 -

من صفات الداعية: الحلم.

4 -

من صفات الداعية: الكرم.

5 -

أهمية أدب المدعو مع العلماء والدعاة.

6 -

من صفات الداعية: حسن الخلق.

7 -

من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام.

8 -

أهمية التأليف بالمال.

9 -

من صفات الداعية: الصبر على الأذى.

10 -

من صفات الداعية: دفع السيئة بالحسنة.

11 -

أهمية إعراض الداعية عن الجاهلين.

12 -

من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.

13 -

من أصناف المدعوين: الأعراب.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولا: من صفات الداعية: التواضع: التواضع من الصفات الكريمة التي يتأكد على الداعية أن يتصف بها، وقد ظهرت هذه الصفة في هذا الحديث؛ لقول أنس رضي الله عنه: "كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مشى مع خادمه، والعظماء في الغالب لا يمشون مع الخدم، وإنما مع كبار القوم ومع القوات التي تحرسهم (1).

ثانيا: أهمية الزهد في حياة الداعية: دل هذا الحديث على زهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لبس البرد النجراني غليظ الحاشية، قال الإمام الكرماني رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث: "وفيه

(1) انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.

ص: 961

زهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحلمه، وكرمه، وأنه على خلق عظيم" (1) وهذا يؤكد زهده وغنى نفسه كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي"(2) فهو صلى الله عليه وسلم أولى بالزهد وغنى النفس؛ لمحبة الله له (3).

ثالثا: من صفات الداعية: الحلم: حلم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأعرابي الجافي الذي جبذه ببرده حتى أثر في صفحة عاتقه، وقال: مر لي من مال الله الذي عندك، فلم يعاقبه على هذه الأعمال التي تثير الغضب، بل حلم ولم يغضب صلى الله عليه وسلم، فينبغي للداعية: أن يكون حليما رفيقا، متأنيا (4).

رابعا: من صفات الداعية: الكرم: الكرم يدل على عظم الكريم وعلو مكانته؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأجودهم، ومما يؤكد ذلك ما فعله مع هذا الأعرابي الذي جبذه بردائه، وسأله من المال؛ فأمر له صلى الله عليه وسلم بعطاء، وهذا يؤكد غاية الكرم؛ فإن من يعطي عدوه بطيب نفس منه يدل على كرمه العظيم، وجوده المؤكد (5).

خامسا: أهمية أدب المدعو مع العلماء والدعاة: لا شك أن هذا الأعرابي قد أساء الأدب، وبالغ في الإساءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل أعمالا تدل على جهله: فجبذ النبي صلى الله عليه وسلم ببردته حتى أثر في صفحة عاتقه، ومع ذلك يأمره أن يعطيه! فلا ينبغي للمدعو أن يسيء الأدب بل يلزمه لزوما مؤكدا أن يتأدب مع العلماء والدعاة، ويناصرهم على الحق، ويدفع عنهم الأذى امتثالا لأمر الله عز وجل؛ وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم (6).

(1) شرح الكرماني على صحيح البخاري 13/ 120، 21/ 69.

(2)

مسلم، كتاب الزهد والرقائق، 4/ 2277، برقم 2965، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(3)

انظر: الحديث رقم 2، الدرس الأول، ورقم 15، الدرس الأول.

(4)

انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثالث، ورقم 89، الدرس الخامس.

(5)

انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثالث.

(6)

انظر: الحديث رقم 14، الدرس الثالث، ورقم 21، الدرس الأول، ورقم 35، الدرس الأول.

ص: 962

سادسا: من صفات الداعية حسن الخلق: حسن الخلق من الصفات العظيمة التي يتأكد على الداعية إلى الله عز وجل أن يتصف بها؛ وقد دل هذا الحديث على هذه الصفة الحميدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما جبذه الأعرابي ببردته، حتى أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته، وقال: مر لي من مال الله الذي عندك، لم يزد صلى الله عليه وسلم إلا أن التفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء، وهذا والله يؤكد حسن خلقه صلى الله عليه وسلم تأكيدا بالغا (1).

سابعا: من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام: العفو والصفح من الأمور العظيمة التي ينبغي العناية بها في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا عفا النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأعرابي، فلم يعاقبه، وصفح عنه فأزال ما في نفسه عليه فضحك صلى الله عليه وسلم، وإلا فجبذه النبي صلى الله عليه وسلم ببرده حتى أثرت في صفحة عاتقه، يؤكد عقوبته والغضب عليه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم تألفه بالعفو مكان الانتقام؛ لأن الله عز وجل أمره بالعفو فقال:{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 89](2) وقال عز وجل: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134](3) فينبغي للداعية أن يتألف المدعوين بالعفو، ويتصف به، حتى يجذب قلوب المدعوين، ويحبه الله عز وجل. (4).

ثامنا: أهمية التأليف بالمال: التأليف بالمال من أهم وسائل الدعوة التي تجذب بها قلوب المدعوين، وقد دل هذا الحديث على هذا الأسلوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تألف الأعرابي الذي جبذه ببرده وقال مر لي من مال الله، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بعطاء، وهذا يؤكد أهمية التأليف بالمال (5).

(1) انظر: الحديث رقم 14، الدرس الأول، ورقم 21، الدرس الثاني، وانظر: أخلاق العلماء، لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، ص 64.

(2)

سورة الزخرف، الآية:89.

(3)

سورة آل عمران، الآية:134.

(4)

انظر: الحديث رقم 80، الدرس الثالث.

(5)

انظر: الحديث رقم 7، الدرس التاسع، ورقم 166، الدرس الثاني.

ص: 963

تاسعا: من صفات الداعية: الصبر على الأذى: إن من الصفات الجميلة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها: الصبر على الأذى؛ لأن الصبر يحبس به الداعية نفسه ويضبطها عن الجزع؛ ولهذا صبر النبي صلى الله عليه وسلم، على أذى هذا الأعرابي الذي جبذه ببرده حتى انشق، وبقيت حاشيته في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وقد أمر الله عباده بالصبر ووعدهم عليه بالجزاء بغير حساب، قال عز وجل:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10](2) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي هذا الحديث بيان حلمه صلى الله عليه وسلم، وصبره على الأذى؛ في النفس، والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام؛ وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل: من الصفح، والإغضاء، والدفع بالتي هي أحسن"(3) وهذا يؤكد جملا من الأخلاق الكريمة، ومنها الصبر على الأذى (4).

عاشرا: من صفات الداعية: دفع السيئة بالحسنة: الدفع بالحسنى من الصفات الجميلة التي ينبغي أن يتخلق بها الداعية إلى الله عز وجل، وقد دل هذا الحديث على هذه الصفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قابل إساءة الأعرابي بالحلم، والعفو، والعطاء؛ قال الإمام النووي رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:"وفيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها، وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة، وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه"(5) والداعية قد جعل الله له مخرجا من أعدائه؛ فإن العدو عدوان: عدو يرى بالعين، وهو شيطان الإنس، والعدو الآخر شيطان الجن، وهو لا يرى، فالمخرج من شيطان الإنس: بالإعراض عنه، والعفو، والدفع بالتي هي أحسن، والمخرج من شيطان الجن: بالاستعاذة بالله منه. قال الله عز وجل: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34](6)

(1) هذه رواية لمسلم في صحيحه برقم 1057.

(2)

سورة الزمر، الآية:10.

(3)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 506.

(4)

انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 27، الدرس الأول، ورقم 28، الدرس السادس.

(5)

شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 153.

(6)

سورة فصلت، الآية 34.

ص: 964

وقال عن النجاة من العدو الثاني: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: 36](1) وما أحسن ما قاله القائل.

فما هو إلا الاستعاذة ضارعا

أو الدفع بالحسنى هما خير مطلوب

فهذا دواء الداء من شر ما يرى

وذاك دواء الداء من شر محجوب (2)

فينبغي للداعية: أن يدفع السيئة بالحسنة، ويحسن إلى من أساء إليه، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويبش في وجه من قل أدبه، حتى يحصل على الثواب العظيم، وينجو من شر أهل الشر، ويجذب قلوب العقلاء إلى دعوته، والله المستعان (3).

الحادي عشر: أهمية إعراض الداعية عن الجاهلين: الإعراض عن الجاهلين صفة من صفات الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولهذا أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأعرابي امتثالا لأمر الله عز وجل حيث قال عز وجل:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199](4) وقد مدح الله من فعل ذلك فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63](5) ومما يدل على التزام الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخلق العظيم، ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولا كانوا أو شيبا، فقال عيينة لابن أخيه:

يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر رضي الله عنه، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا

(1) سورة فصلت، الآية 36.

(2)

انظر: زاد المعاد لابن القيم، 2/ 462، وأضواء البيان للشنقيطي، 2/ 341 - 342.

(3)

انظر: إكمال إكمال المعلم للأبي 3/ 538.

(4)

سورة الأعراف الآية 199.

(5)

سورة الفرقان الآية 63.

ص: 965

بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله» (1) وهذا يؤكد للدعاة إلى الله عز وجل أهمية الإعراض عن الجاهلين.

الثاني عشر: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: الداعية الصادق مع الله عز وجل: هو الذي يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون قدوة لغيره، وقد دل هذا الحديث على هذه الوسيلة الجميلة؛ ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر رضي الله عنه في فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صبر على الأذى، وتجاوز على جفاء من يريد تألفه للإسلام؛ ليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل (2) فينبغي للداعية أن يكون كذلك، والله المستعان (3).

الثالث عشر: من أصناف المدعوين: الأعراب: ظهر في هذا الحديث أن من أصناف المدعوين الأعراب؛ ولهذا حلم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأعرابي الذي جبذه بردائه، وتألفه بالعفو، والعطاء، فدل ذلك على أن الأعراب من أصناف المدعوين الذين ينبغي أن يدعوا إلى الله عز وجل على حسب عقولهم، والأعراب لهم جفاء، وشدة، وقسوة، ومن كان منهم من أهل الكفر كان أشد من غيره في الإعراض، قال الله عز وجل:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ - وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 97 - 99] سورة التوبة الآيات 97 - 99.، ولا شك أن من سكن البادية يغلب عليه الجفاء في الغالب والغلظة، وقد يكون بعض أهل البادية على غير ذلك، ولكن هذا هو الأغلب، فعن

(1) البخاري، كتاب تفسير سورة الأعراف، باب خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ 5/ 235، برقم 4642.

(2)

انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 506.

(3)

انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس، ورقم 9، الدرس الثالث عشر.

ص: 966

أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا (1) ومن اتبع الصيد غفل (2) ومن أتى أبواب السلطان افتتن (3) وما ازداد عبد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا» (4) وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن» (5) وهذا الحديث يبين أحوال الأعراب، فليعتن الداعية بهم على حسب حالهم.

(1) من سكن البادية جفا: أي غلظ قلبه وقسا؛ لأن سكان البادية لا يخالطون العلماء إلا قليلا، فلا يتعلمون مكارم الأخلاق، ورأفة القلب على صلة الأرحام والبر، والغالب عليهم أن طباعهم كطباع الوحوش؛ لقلة علمهم ولبعدهم عن الناس. انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي للمباركفوري، 6/ 532، وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، لأمين محمود خطاب السبكي، 3/ 117.

(2)

من اتبع الصيد غفل: أي لازم اتباع الصيد والاشتغال به، غفل عن طاعة الله لأن قلبه يشتغل به ويستولي عليه حتى يصير فيه غفلة، وربما يغفل عن الجمعة والجماعة، أما من احتاج إلى ذلك ولم يشغله عن طاعة الله عز وجل فلا يدخل فيه والله أعلم. انظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد شمس الحق، 8/ 61، وتحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي للمباركفوري، 6/ 532، وفتح الملك المعبود، لأمين محمود 3/ 117.

(3)

من أتى أبواب السلطان افتتن: أي صار مفتونا في دينه؛ لأنه إن وافقه في كل ما يأتي ويذر فقد خاطر على دينه، وإن خالفه فقد خاطر على دنياه. ولا شك أن المحذور في ذلك الموافقة على ما لا يرضي الله عز وجل، أو الطمع الزائد في الدنيا، أما من دخل عليهم من باب النصح والتعاون على البر والتقوى، والحذر من كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهذا من أعظم القربات، ومن أفضل الجهاد لقوله صلى الله عليه وسلم:"الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله، قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" [مسلم برقم 55]، وانظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، لمحمد شمس الحق، 8/ 61، وتحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي للمباركفوري، 6/ 532، وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود، لأمين بن محمود بن خطاب السبكي، 3/ 117.

(4)

أخرجه أحمد في المسند، 2/ 371، 440، وأبو داود، كتاب الصيد، باب في اتباع الصيد، 3/ 111، برقم 2860، ومسند الشهاب، للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، 1/ 222، برقم 339، وحسن إسناده عند الإمام أحمد، العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 267، برقم 1272، وقال العجلوني:"وأخرجه أحمد والبيهقي بسند صحيح"، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، 2/ 309، برقم 2417 و 2/ 332، برقم 2499، وصحح إسناده أيضا محمود درويش الحوت فقال. رواه أحمد وإسناده صحيح. أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص 286.

(5)

أخرجه النسائي، في كتاب الصيد والذبائح، باب اتباع الصيد، 7/ 195، برقم 4309، وأبو داود بلفظه، في كتاب الصيد، باب في اتباع الصيد، 3/ 111، برقم 2859، والترمذي، كتاب الفتن، باب: حدثنا محمد بن بشار، 4/ 523، برقم 2256، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري، والطبراني في المعجم الكبير، 11/ 56، برقم 11030، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 552، وصحيح سنن النسائي 3/ 902، وصحيح سنن الترمذي، 2/ 255. وانظر: تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث للعلامة عبد الرحمن بن علي الشيباني الشافعي ص 115، وللحديث شاهد ثالث من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، في مسند الإمام أحمد 4/ 297، وفي مسند أبي يعلى، 3/ 215، برقم 1654، وانظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، للحافظ ابن حجر العسقلاني 3/ 404، برقم 3288.

ص: 967

173 -

[3150] حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله (1) رضي الله عنه قال:«لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك. وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال رجل (2) والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته فأخبرته. فقال: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى. قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» (3).

وفي رواية:

«قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسما فقال رجل: "إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله"، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال: "يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".» (4).

وفي رواية: «رحمة الله على موسى» . . . " (5).

وفي رواية: ". . . «فأخبرته فتمعر وجهه». . . "(6).

وفي رواية: ". . . «فأتيته وهو في أصحابه فساررته فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه حتى وددت أني لم أكن أخبرته» (7).

وفي رواية: ". . . «فغضب حتى احمر وجهه». . . "(8).

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 102.

(2)

رجح الحافظ ابن حجر في فتح الباري 8/ 56، أن هذا الرجل هو معتب بن قشير، من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين.

(3)

[الحديث 3150] أطرافه في: كتاب أحاديث الأنبياء، باب، 4/ 156، برقم 3405. وكتاب المغازي، باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان، 5/ 124، برقم 4335 و 4336. وكتاب الأدب، باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه 7/ 114، برقم 6059. وكتاب الأدب، باب الصبر على الأذى، 7/ 125، برقم 6100. وكتاب الاستئذان، باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة، 7/ 183، برقم 6291. وكتاب الدعوات، باب قول الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، 7/ 197، برقم 6336. وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه، 2/ 739، برقم 1562.

(4)

من الطرف رقم: 3405.

(5)

من الطرف رقم: 4335.

(6)

من الطرف رقم: 6059.

(7)

من الطرف رقم: 6100.

(8)

من الطرف رقم: 6291.

ص: 968

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

1 -

من وسائل الدعوة: نقل الكلام بقصد التحذير والإصلاح وإزالة المنكر.

2 -

من صفات الداعية: الصبر على الأذى.

3 -

أهمية الإعراض عن الجاهلين.

4 -

من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.

5 -

أهمية التأليف بالمال في الدعوة إلى الله عز وجل.

6 -

من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام.

7 -

من صفات الداعية: الحلم.

8 -

من أساليب الدعوة: الدعاء للقدوات الحسنة.

9 -

من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين.

10 -

من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري.

11 -

من أصناف المدعوين: أشراف الناس.

12 -

من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة حنين.

13 -

من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

* والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولا: من وسائل الدعوة: نقل الكلام بقصد التحذير والإصلاح وإزالة المنكر: إن نقل الكلام على جهة التحذير والإصلاح من وسائل الدعوة إلى الله عز وجل عند الحاجة، وقد دل هذا الحديث على ذلك؛ لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول من قال:"والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله "، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود على هذا الإخبار وقال:«فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟، رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ، وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذا الحديث فقال:"باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه"(1) وقال الحافظ

(1) انظر: صحيح البخاري، 7/ 114.

ص: 969

ابن حجر رحمه الله على هذه الترجمة: "المذموم من نقلة الأخبار من يقصد الإفساد، وأما من يقصد النصيحة، ويتحرى الصدق، ويجتنب الأذى فلا، وقل من يفرق بين البابين فطريق السلامة في ذلك لمن يخشى عدم الوقوف على ما يباح من ذلك مما لا يباح: الإمساك عن ذلك"(1) وقال رحمه الله في مراد البخاري رحمه الله بالترجمة: "وأراد البخاري بالترجمة بيان جواز النقل على جهة النصيحة؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن مسعود نقله ما نقل، بل غضب من مقول المنقول عنه، ثم حلم وصبر على أذاه، اتساء بموسى عليه السلام، وامتثالا (2) لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] سورة الأنعام، الآية: 90، وقال النووي رحمه الله في النميمة ونقل الكلام: "فإن دعت حاجة إليها فلا مانع منها، وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانا يريد الفتك به أو بأهله، أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولاية: بأن إنسانا يفعل كذا، ويسعى بما فيه مفسدة، ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك، وإزالته، فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام، وقد يكون بعضه واجبا وبعضه مستحبا على حسب المواطن والله أعلم" (3) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:"وفي هذا الحديث جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم؛ ليحذروا القائل، وفيه بيان ما يباح من النميمة، لأن صورتها موجودة في صنيع ابن مسعود هذا، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن قصد ابن مسعود رضي الله عنه كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه، ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه، وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن كيدهم"(4) وهذا يؤكد أهمية نقل الكلام عند الحاجة للتحذير والنصيحة الخالصة بشرط أن يكون الأمر واضحا لا شك فيه، وأن لا يحصل بذلك منكر أكبر، والله أعلم.

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 475.

(2)

المرجع السابق، 10/ 476.

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 473.

(4)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 512، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 21/ 198.

ص: 970

ثانيا: من صفات الداعية: الصبر على الأذى: الصبر على الأذى من الصفات المهمة التي يتأكد على الداعية الاتصاف بها، وقد دل هذا الحديث على ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صبر على أذى هذا الرجل الذي قال له:" إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله! "، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"قال بعض العلماء: الصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقد جبل الله الأنفس على التألم بما يفعل بها ويقال فيها؛ لهذا شق على النبي صلى الله عليه وسلم نسبتهم له إلى الجور في القسمة، لكنه حلم عن القائل؛ لما علم من جزيل ثواب الصابرين، وأن الله تعالى يأجره بغير حساب، والصابر أعظم أجرا من المنفق؛ لأن حسنته مضاعفة إلى سبعمائة أما الصابر فيجزى بغير حساب "(1) وقال رحمه الله: "وفيه أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم، ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى عليه السلام "(2) وهذا يبين للداعية أهمية الصبر على الأذى، والله المستعان (3).

ثالثا: أهمية الإعراض عن الجاهلين: الإعراض عن الجاهلين من الصفات الحميدة؛ ولهذا أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المنافق الذي قال: "إن هذه قسمة ما عدل فيها"، وهذا يوضح للداعية ويبين له أن الإعراض عن الجاهلين من صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام (4).

رابعا: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: لا شك أن القدوة الحسنة من أهم وسائل الدعوة؛ ولهذا اقتدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بموسى في صبره على الأذى، فصبر صلى الله عليه وسلم على قول من قال:"إن هذه قسمة ما عدل فيها"، وقال صلى الله عليه وسلم:«رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ، وهذا فيه استخدام قياس الأولى، فإذا كان موسى صلى الله عليه وسلم صبر على

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/ 511، بتصرف يسير، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 21/ 223.

(2)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/ 512.

(3)

انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 16، الدرس الخامس.

(4)

انظر: الحديث رقم 172، الدرس الحادي عشر.

ص: 971

الأذى الذي هو أكثر من هذا، فالصبر على الأذى القليل أولى بالتحمل (1).

خامسا: أهمية التأليف بالمال في الدعوة إلى الله عز وجل: التأليف بالمال له أهمية بالغة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا أعطى النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث- الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب فآثرهم في القسمة، وقد جاء التفصيل بأكثر من هذا في رواية الحديث عند مسلم، «فقد آثر صلى الله عليه وسلم يوم حنين أشرافا من العرب في القسمة: فأعطى صفوان بن أمية مائة من الإبل، وأعطى أبا سفيان مائة، وعيينة بن حصن مائة، والأقرع بن حابس مائة، وعلقمة بن علاثة مائة، وقيل: أعطى مالك بن عوف مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك فقال عباس بن مرداس:

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

فما كان بدر ولا حابس

يفوقان مرداس في المجمع

وما كنت دون امرئ منهما

ومن تخفض اليوم لا يرفع

فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائة من الإبل مثلهم» (2) وهذا يؤكد على أهمية التأليف بالمال وأثره على النفوس، وخاصة ضعفاء الإيمان (3).

سادسا: من وسائل الدعوة: التأليف بالعفو مكان الانتقام: إن التأليف بالعفو مكان الانتقام من أهم الوسائل الدعوية؛ ولهذا عفا صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل الجافي الجاهل الذي قال: "إن هذه قسمة ما عدل فيها"، وهذا يؤكد للداعية أهمية التأليف بالعفو مكان الانتقام، والله المستعان (4).

سابعا: من صفات الداعية: الحلم: حلم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل الذي قال فيه: "إن هذه قسمة ما عدل فيها

(1) انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس، ورقم 9، الدرس الثالث عشر.

(2)

صحيح مسلم برقم 1062، وتقدم تخريجه مع أصل الحديث، ص 968.

(3)

انظر: الحديث رقم 7، الدرس التاسع، ورقم 166، الدرس الثاني.

(4)

انظر: الحديث رقم؛ 8، الدرس الثامن، ورقم 172، الدرس السابع.

ص: 972

وما أريد بها وجه الله "، فلم يعاقبه على ذلك، فدل ذلك على كمال حلمه صلى الله عليه وسلم، فينبغي للداعية أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حلمه، وعفوه وصفحه، وفي جميع أحواله التي لا تختص به صلى الله عليه وسلم (1).

ثامنا: من أساليب الدعوة: الدعاء للقدوات الحسنة: إن من أساليب الدعوة النافعة الدعاء للقدوات الحسنة: من الأنبياء، والعلماء، والدعاة؛ لما في ذلك من لفت قلوب المدعوين إلى أعمالهم الطيبة، فيحبونهم ويقتدون بهم، وقد دل الحديث على هذا الأسلوب بقوله صلى الله عليه وسلم:"رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"؛ فإن هذا يشد قلوب المدعوين إلى الاقتداء بمن دعي له، فينبغي للداعية أن يدعو للعلماء عند ذكرهم ويترحم عليهم، ويثني عليهم بأعمالهم الطيبة بحضرة المدعوين؛ لما في ذلك من ترغيب في أعمالهم؛ ولحقهم على من استفاد من علمهم، والله عز وجل أعلم (2).

تاسعا: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: ظهر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال المدعوين؛ ولهذا أعطى أناسا من أشراف قريش وترك آخرين (3) قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه» (4) وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أمرنا أن ننزل الناس منازلهم» (5) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» (6).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله» (7)

(1) انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثاني، ورقم 89، الدرس الخامس.

(2)

انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 11/ 135، 137، وعمدة القاري للعيني، 22/ 132.

(3)

انظر: فتح الباري، لابن حجر، 8/ 53، وعمدة القاري للعيني، 15/ 69.

(4)

متفق عليه: البخاري، 1/ 14، برقم 27، ومسلم، 1/ 132، برقم 150، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 7، الدرس التاسع، ص 85.

(5)

مسلم في المقدمة، 1/ 6، وسنن أبي داود، كتاب الأدب، باب إنزال الناس منازلهم، 4/ 261، برقم 4842.

(6)

مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، 1/ 11.

(7)

البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، قي ترجمة الباب، 1/ 46، قبل حديث رقم 127.

ص: 973

وهذه الأحاديث وغيرها تؤكد مراعاة أحوال المدعوين على حسب عقولهم، وعقيدتهم، وأجناسهم، ومجتمعاتهم، وعلمهم، وغير ذلك (1).

عاشرا: من أساليب الدعوة: الاستفهام الإنكاري: إن الاستفهام الإنكاري من الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل، وقد دل هذا الحديث على هذا الأسلوب في قوله صلى الله عليه وسلم:«فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله» ؟ "، وهذا يؤكد أهمية أسلوب الاستفهام الإنكاري، فينبغي أن يعتني به الداعية عند الحاجة إليه والله الموفق. (2).

الحادي عشر: من أصناف المدعوين: أشراف الناس: إن أشراف الناس صنف من أصناف المدعوين؛ ولهذا تألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاهم- كما في هذا الحديث- عطاء خاصا، مراعاة لأحوالهم، وإنزالا لهم منازلهم، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة» ، وهم من الطلقاء الذين أسلموا يوم الفتح، ومنهم من هو من المهاجرين، وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بجماعة فأجزل لهم العطاء، منهم أبو سفيان، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف، والأقرع بن حابس، وعلقمة بن علاثة، والعباس بن مرداس، وغيرهم، وقد أعطى كل واحد من هؤلاء مائة من الإبل "، (3) فينبغي للداعية أن يعتني بدعوة أشراف الناس، ويخاطبهم على قدر مكانتهم، ومنازلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلك هذا المنهج الحكيم وأنزل كل إنسان منزلته.

الثاني عشر: من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة حنين: ظهر في هذا الحديث ذكر غزوة حنين؛ لقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لما

(1) انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثالث، ورقم 58، الدرس السابع.

(2)

انظر: الحديث رقم 4، الدرس الرابع، ورقم 31، الدرس الخامس.

(3)

انظر: صحيح مسلم، برقم 1062، وتقدم تخريجه في أصل الحديث، ص 968، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 53 و 55.

ص: 974

كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسا في القسمة»، وهذا فيه بيان لأهمية هذه الغزوة، والعناية بها، وبذكرها، وتاريخها (1).

الثالث عشر: من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: لا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ ولهذا والله أعلم لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الذي قال له في هذا الحديث: "إن هذه قسمة ما عدل فيها "؛ لأنه لو قتله، لقيل: إن محمدا يقتل أصحابه، وهذا فيه تنفير من الإسلام؛ لأن المنافقين من جملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبدو للناس، فإذا قتلهم كان في ذلك مفاسد عظيمة، والله أعلم (2).

(1) انظر: الحديث رقم 171، الدرس الثاني.

(2)

انظر: الحديث رقم 167، الدرس الخامس.

ص: 975