المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله] - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

- ‌[حديث إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا]

- ‌ باب السير وحده

- ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

- ‌ باب الجهاد بإذن الأبوين

- ‌[حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك]

- ‌ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

- ‌[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]

- ‌ بَابُ الجَاسُوسِ

- ‌[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]

- ‌ بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

- ‌[حديث عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

- ‌ بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

- ‌[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ

- ‌[حديث إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان]

- ‌ باب لا يعذب بعذاب الله

- ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

- ‌ بَابٌ

- ‌[حديث أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله]

- ‌ باب حرق الدور والنخيل

- ‌[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]

- ‌ بَابُ قَتْلِ النَّائِمِ المُشْرِكِ

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع]

- ‌ باب لا تمنوا لقاء العدو

- ‌[حديث لا تمنوا لقاء العدو]

- ‌ باب الحرب خدعة

- ‌[حديث هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده]

- ‌[حديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة]

- ‌[حديث الحرب خدعة]

- ‌ باب من لا يثبت على الخيل

- ‌[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]

- ‌ باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

- ‌[حديث أخذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]

- ‌[حديث حكم سعد في بني قريظة]

- ‌ بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]

- ‌ باب فكاك الأسير

- ‌[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]

- ‌ باب الحربِي إِذَا دخَل دار الإسْلامِ بغَيْرِ أمَانٍ

- ‌[حديث أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر]

- ‌ بَابُ كيفَ يُعرَض الإسلامُ على الصّبيّ

- ‌[حديث ذكر الدجال وقوله فيه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور]

- ‌ باب إذا أسلم قوم في دَارِ الحرب ولهُمْ مال وأَرَضُونَ فَهي لهمْ

- ‌[حديث استعمال عمر بن الخطاب مولى له يدعى هنيا ونصيحته له]

- ‌ باب كتابة الإمام الناس

- ‌[حديث اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس]

- ‌ بَاب إِن الله يُؤيِّدُ الدِّين بالرجُل الفاجر

- ‌[حديث قال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار]

- ‌ باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

- ‌[حديث أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال]

- ‌ باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

- ‌[حديث أن ابن عمر ذهب فرس له فأخذه العدو]

- ‌ باب من تكلم بالفارسية والرطنة

- ‌[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]

- ‌[حديث أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي]

- ‌ باب القليل من الغلول

- ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

- ‌ باب لا هجرة بعد الفتح

- ‌[حديث انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة]

- ‌ باب استقبال الغزاة

- ‌[حديث قول ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع]

- ‌الفصل الثالث: كتاب الفرائض

- ‌ باب فرض الخمس

- ‌[حديث أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها]

- ‌[حديث لا نورث ما تركنا صدقة]

- ‌ باب نفقة نساء النّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

- ‌[حديث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيته من شيء]

- ‌ باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ

- ‌[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]

- ‌ باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، ممّا تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

- ‌[حديث إخراج أنس نعلين جرداوين لهما قبالان]

- ‌[حديث إخراج عائشة كساء ملبدا وقولها في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]

- ‌[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس

- ‌ باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

- ‌[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]

- ‌ باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [

- ‌[حديث إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي]

- ‌[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]

- ‌[حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق]

- ‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلّت لكم الغنائم»

- ‌[حديث أحلت لكم الغنائم]

- ‌[حديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة]

- ‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

- ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

- ‌ باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له

- ‌[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]

- ‌ باب ومن الدّليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين

- ‌[حديث والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

- ‌[حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش]

- ‌[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]

- ‌[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]

- ‌ بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ

- ‌[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]

- ‌ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِلإِمَامِ، وأَنهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتِهِ دُونَ بعض

- ‌[حديث إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد]

- ‌ باب مَنْ لم يخَمِّس الأَسلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَله سَلبه من غَير أن يخَمّسَ، وحكم الإمَامِ فيهِ

- ‌[حديث قتل إبي جهل]

- ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

- ‌[حديث أسماء كنت أنقل النوى من أرض الزبير

- ‌ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

- ‌[حديث استحياء عبد الله بن مغفل من رسول الله]

- ‌[حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه]

- ‌[حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية]

- ‌[الفصل الرابع كتاب الجزية والموادعة]

- ‌ باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب

- ‌[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]

- ‌[حديث بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها]

- ‌[حديث بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين]

- ‌[حديث كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات]

- ‌ بابُ إثم من قتل معاهدا بغير جرم

- ‌[حديث من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة]

- ‌ بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب

- ‌[حديث أقركم ما أقركم الله]

- ‌ بابُ إِذا غدر الْمُشْركُون بِالْمُسْلمين هلْ يُعْفى عنْهمْ

- ‌[حديث لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم]

- ‌ بَاب هَل يُعفَى عنِ الذِّمِّيِّ إذا سَحَر

- ‌[حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه]

- ‌ باب ما يحذر من الغدر

- ‌[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]

- ‌ باب إثم من عاهد ثم غدر

- ‌[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]

- ‌ باب

- ‌[حديث قول سهل بن حنيف اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته]

- ‌ باب إثم الغادر للبر والفاجر

- ‌[حديث لكل غادر لواء يوم القيامة]

- ‌[حديث لكل غادر لواء ينصب لغدرته]

- ‌القسم الثانيالمنهج الدعوي المستخلص من الدراسة

- ‌الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية

- ‌[الفصل الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو]

- ‌[الفصل الثالث المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة]

- ‌الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب

- ‌المبحث الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل

- ‌[المبحث الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالأساليب]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[التوصيات والمقترحات]

الفصل: ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

13 -

‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

161 -

[3129] حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي أسامة: أحدّثكم هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزّبير؟ (1) قال: "لمّا وقف الزّبير (2) يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بنيّ إنّه لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ، بع ما لنا، فاقض ديني. وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه - يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثلث - فإن فضل من مالنا بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك. قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير - خبيب وعبّاد - وله يومئذ تسعة بنين وبنات. قال عبد الله فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله. قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج، ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم قال عبد الله بن الزّبير: فحسبت ما عليه من الدّين فوجدتة ألفي ألف ومائتي ألف قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزّبير فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؛ فكتمه فقال مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي

(1) عبد الله الزبير رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 145.

(2)

الزبير بن العوام رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 52.

ص: 896

ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. قال: وكان الزّبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف. فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف. ثمّ قام فقال: من كان له على الزّبير حقّ فليوافنا بالغابة. فأتاه عبد الله بن جعفر - وكان له على الزّبير أربعمائة ألف - فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم. قال عبد الله: لا. قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخّرون إن أخّرتم. فقال عبد الله: لا. قال: قال: فاقطعوا لي قطعة. فقال عبد الله: لك من هاهنا إلى هاهنا. قال فباع منها فقضى دينه فأوفاه. وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية - وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزّبير، وابن زمعة - فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة: قال: كلّ سهم مائة ألف. قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. فقال المنذر بن الزّبير: قد أخذت سهما بمائة ألف. قال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف. وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف. فقال معاوية كم بقي؛ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته بخمسين ومائة ألف. قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستّمائة ألف. فلمّا فرغ ابن الزّبير من قضاء دينه قال بنو الزّبير: اقسم بيننا ميراثنا. قال: لا والله لا أقسم بينكم حتّى أنادي بالموسم أربع سنين. ألا من كان له على الزّبير دين فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كلّ سنة ينادي بالموسم. فلمّا قضى أربع سنين قسم بينهم. قال: فكان للزّبير أربع نسوة، ورفع الثّلث فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائتا ألف". فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.

* شرح غريب الحديث: * "الغابة " الغابة قرب المدينة من عواليها، والغابة الأجمة ذات الشجر المتكاثف، وسمّيت غابة؛ لأنها تغيّب ما فيها، وجمعها غابات، وغابة المدينة من ناحية الشام، كان فيها أموال لأهل المدينة وقيل: إن الغابة بريد من المدينة

ص: 897

على طريق الشام، وقد صنع منبر النبي صلى الله عليه وسلم من طرفاء الغابة (1).

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

1 -

من صفات الداعية: الاستعداد للقاء الله عز وجل.

2 -

من صفات الداعية: الثقة بالله عز وجل.

3 -

أهمية الالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء.

4 -

أهمية الحرص على أداء الأمانة.

5 -

من صفات الداعية: الجود والكرم.

6 -

من صفات الداعية: العفة وقوة النفس.

7 -

أهمية النية الصالحة.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولا: من صفات الداعية: الاستعداد للقاء الله عز وجل: الاستعداد للقاء الله عز وجل من أهم المهمات وأعظم الواجبات، ومما ينبغي لكل مسلم أن يعتني به وخاصة الداعية إلى الله عز وجل، وقد دل هذا الحديث على هذه الصفة العظيمة؛ لقول الزبير بن العوام رضي الله عنه لابنه عبد الله: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل مظلوما، وإن من أكبر همي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ يا بني بع ما لنا فاقض ديني، وأوصى بالثلث". وهذا يؤكد ويبين للداعية أهمية الاستعداد للقاء الله عز وجل، فيقوم بجميع الواجبات، ويبتعد عن جميع المحرمات، ويوصي بما يريد أن يوصي به من دين وغيره، والله المستعان (2).

ثانيا: من صفات الداعية: الثقة بالله عز وجل: إن من الصفات العظيمة المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم وخاصة

(1) انظر شرح غريب الحديث رقم 130، ص 746، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، باب الغين، 4/ 182.

(2)

انظر: الحديث رقم 1، الدرس الثالث.

ص: 898

الداعية إلى الله عز وجل: الثقة بالله عز وجل "ولهذه الثقة قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه عن أبيه: "فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي، قال عبد الله: فوالله ما دريت مما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربة إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه"، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه منزلة الزبير عند نفسه، وأنه في تلك الحالة كان في غاية الوثوق بالله والإقبال عليه والرضا بحكمه والاستعانة به" (1) وهذا دليل على ثقة الزبير العظيمة بالله عز وجل، وقد كان سبحانه عند ظنه به؛ قال صلى الله عليه وسلم:«يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني» (2) وهذا يؤكد على الداعية أن يثق بربه عز وجل ويحسن الظن به.

ثالثا: أهمية الالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء: إن الالتجاء إلى الله عز وجل من أعظم الصفات الحميدة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها؛ لأن الله عز وجل يجيب دعاء السائلين ويكشف كرب المكروبين؛ ولهذا التجأ عبد الله بن الزبير إلى الله فأجابه في قضاء دين والده، قال رضي الله عنه:"فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه، فيقضيه"، قال الله عز وجل:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62](3) وهذا يؤكد أهمية الالتجاء إلى الله عز وجل عند الشدائد والكرب (4).

رابعا: أهمية الحرص على أداء الأمانة: ظهر في هذا الحديث الحرص على أداء الأمانة؛ لأن الزبير بن العوام رضي الله عنه إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير:"لا، ولكنه سلف، فإنّي أخشى عليه الضيعة"، وهذا يبين عظم أمانته رضي الله عنه؛

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 235.

(2)

متفق عليه: البخاري 8/ 216، برقم 7405، ومسلم، 4/ 2061، برقم 2675، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 73، الدرس الثامن، ص 449.

(3)

سورة النمل، الآية:62.

(4)

انظر: الحديث رقم 36، الدرس السادس.

ص: 899

لأنه يريد أن يضمن للناس أموالهم لو تلفت بدون تفريط منه. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه مبالغة الزبير في الإحسان لأصدقائه؛ لأنه رضي الله عنه يحفظ لهم ودائعهم في غيبتهم، ويقوم بوصاياهم على أولادهم بعد موتهم، ولم يكتف بذلك حتى احتاط لأموالهم وديعة أو وصية بأن يتوصل إلى تصييرها في ذمته مع عدم احتياجه لها غالبا، وإنما ينقلها من اليد للذمة مبالغة في حفظها لهم"(1) فينبغي للداعية أن يكون حريصا على أداء الأمانة وحفظها (2).

خامسا: من صفات الداعية: الجود والكرم: الكرم والجود من الصفات الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، وخاصة الداعية إلى الله عز وجل، وقد ظهرت هذه الصفة في هذا الحديث من وجهين: الأول: كرم حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في دين والده: "فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف أي مليونان ومائتا ألف، فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال حكيم: يا ابن أخي كم على أخي من الدين؟ فكتمه فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه، فقال له عبد الله: أفرأيت إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي. وهذا يدل على كرم حكيم رضي الله عنه.

الثاني: كرم عبد الله بن جعفر رضي الله عنه؛ فإنه كان يطلب الزبير أربعمائة ألف فقال لعبد الله بن الزبير: إن شئتم تركتها لكم، فامتنع عبد الله بن الزبير من ذلك وأعطاه من الغابة. وهذا يدل على كرم عبد الله بن جعفر رضي الله عنه؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وفيه بيان جود ابن جعفر لسماحته بهذا المال العظيم"(3) وهذا يبين للداعية أهمية الكرم والجود وأثره في الدعوة إلى الله عز وجل (4).

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 234.

(2)

انظر: الحديث رقم 29، الدرس الثالث، ورقم 132، الدرس الرابع، ورقم 143، الدرس الثاني.

(3)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 234.

(4)

انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثالث.

ص: 900

سادسا: من صفات الداعية: العفة وقوة النفس: مما يدل على قوة النفس وعفتها ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنه مع حكيم ابن حزام وعبد الله بن جعفر؛ فإن حكيم بن حزام رضي الله عنه طلب عبد الله بن الزبير أن يعينه على قضاء دين الزبير فامتنع ابن الزبير من ذلك، وسأله عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن يضع الدين عن الزبير - وكان أربعمائة ألف - فامتنع عبد الله بن الزبير عن ذلك، وهذا يدل على عفة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وقوة نفسه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وفيه قوة نفس عبد الله بن الزبير لعدم قبوله ما سأله حكيم بن حزام من المعاونة، وما سأله عبد الله بن جعفر من المحاللة"(1).

سابعا: أهمية النية الصالحة: إن النية الصالحة من الصفات العظيمة التي يفوز صاحبها بسعادة الدنيا والآخرة، وهي من أسباب البركة، ومما يدل على ذلك ما وقع في هذا الحديث في قصة دين الزبير بن العوام، وأن دينه بلغ ألفي ألف ومائتي ألف، ولم يكن له في الظاهر من المال إلا الغابة اشتراها بمائة وسبعين ألفا، ثم باعها ابنه عبد الله بأموال طائلة عظيمة فاجتمعت تركته فكان جميع المال خمسين ألف ألف ومائتى ألف:[أي خمسين مليونا ومائتي ألف] قضى منها الدين وأخرجت الوصية ووزّع الباقي على الورثة، وهذا يدل على أن الله عز وجل بارك في مال الزبير؛ لنيته الصالحة رضي الله عنه. وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول في فوائد هذا الحديث إنه:"بركة من الله؛ لحسن النية، فبارك الله له، وهذا من ثمرات النية الصالحة"(2) وهذا يؤكد أهمية النية الصالحة وأثرها وثمراتها، والله المستعان. (3).

(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 235.

(2)

سمعته من سماحته أثناء شرح الحديث رقم 3129، من صحيح البخاري. [ثم بكى سماحة الشيخ حفظه الله].

(3)

انظر: الحديث رقم 122، الدرس السادس.

ص: 901