الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
141 -
بَابُ الجَاسُوسِ
وقول الله عز وجل: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ} [الممتحنة: 1](1). التجسس: التبحث.
[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]
116 -
[3007] حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان: حدثنا عمرو بن دينار سمعت منه مرتين قال: أخبرني حسن بن محمد قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافع قال: «سمعت عليا " (2) رضي الله عنه يقول: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير (3) والمقداد (4) وقال: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينةً ومعها كتاب فخذوه منها". فانطلقنا تعادى بنا خيلنا، حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لنلقين الثياب. فأخرجته من عقاصها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة (5) إلى أناس من المشركين من أهل مكة
(1) سورة الممتحنة، الآية:1.
(2)
علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث رقم 78.
(3)
الزبير بن العوام تقدمت ترجمته في الحديث رقم 52.
(4)
المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك القضاعي، الكندي البهراني، وقيل: الحضرمي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصاب عمرو بن ثعلبة دما في قومه في بهراء فلحق بحضر موت فحالف كندة، وتزوج هناك فولد له المقداد، فلما كبر المقداد أصاب دمًا فهرب إلى مكة فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري وكتب إلى أبيه فقدم عليه، وتبناه الأسود فنسب إليه، وهو من السابقين الأولين؛ لأنه من السبعة الذين سبقوا إلى إظهار إسلامهم، وهاجر إلى الحبشة، ثم عاد إلى المدينة، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا وسائر المشاهد، وقيل: لم يثبت أنه شهد بدرًا فارس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير المقداد، وقيل: كان الزبير فارسا أيضا. روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وأربعون حديثًا، اتفق البخاري ومسلم على حديث واحد، ولمسلم ثلاثة ومن حكمته وشجاعته أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: يا رسول الله إنا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى صلى الله عليه وسلم: " فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24]، ولكن امض ونحن معك "فكأنه سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مات رضي الله عنه سنة ثلاث وثلاثين بالمدينة وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 111، وسير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 385، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 454، وتقريب التهذيب له، ص 968.
(5)
حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير اللخمي حليف بني أسد، قيل: كان مولى عبيد الله بن حميد بن زهير فكاتبه فأدى كتابته، شهد بدرا والحديبية رضي الله عنه، وقيل: كان حليفا للزبير وهو من أهل اليمن، قيل: وأرسله رسول الله إلى المقوقس صاحب الإسكندرية سنة ست من الهجرة، وبعث معه مارية القبطية، وأختها سيرين وجارية أخرى. مات حاطب رضي الله عنه سنة ثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان عمره خمسا وستين سنة. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 151، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر 1/ 300.
يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما هذا؟ " قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأً ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد صدقكم". فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق. قال: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». قال سفيان: وأي إسناد هذا؟ (1).
وفي رواية: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن فلان قال: تنازع أبو عبد الرحمن، وحبان بن عطية فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي (2) جرأ صاحبك على الدماء - يعني عليا - قال: ما هو لا أبا لك؟ قال شيء سمعته يقوله: قال: ما هو؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير وأبا مرثد (3) وكلنا فارس قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة
(1)[الحديث 3007] أطرافه في: كتاب الجهاد والسير، باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين الله وتجريدهن، 4/ 48، برقم 3081. وكتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرا، 5/ 13، برقم 3983. وكتاب المغازي، باب غزوة الفتح وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي صلى الله عليه وسلم، 5/ 105، برقم 4274. وكتاب تفسير القرآن، 60 سورة الممتحنة، باب لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ 6/ 71، برقم 4890. وكتاب الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره، 7/ 173، برقم 6259. وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين، 8/ 69، برقم 6939. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم، وقصة حاطب بن أبي بلتعة، 4/ 1941، برقم 2494.
(2)
في نسخة البخاري مع الفتح الطبعة السلفية 12/ 306 "لقد علمت ما الذي جرأ" قال الحافظ ابن حجر: "كذا للكشميهني وكذا في أكثر الطرق".
(3)
أبو مرثد الغنوي: قيل اسمه: كناز بن الحصين، وقيل: حصين بن كناز، قيل: والمشهور الأول، شهد بدرا، وذكر في إسناد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الظعينة مع علي والزبير، وفي الروايات السابقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب والزبير والمقداد رضي الله عنهم، قال الكرماني رحمه الله:"ذكر القليل لا ينافي الكثير" وقال: "ولا منافاة بينهما بل بعث الأربعة" شرح الكرماني على صحيح البخاري 13/ 19، 24/ 58، وسكن الشام. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث:"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها"[مسلم برقم 197] انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 24/ 58، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر 4/ 177.
حاج (1)" قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة حاج "فإن فيها امرأةً معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فائتوني بها" فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسير على بعير لها وكان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب، فأنخنا بها بعيرها فابتغينا في رحلها فما وجدنا شيئًا فقال صاحبي (2) ما نرى معها كتابا قال: فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حلف علي: والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك، فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء، فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: "يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ " قال: يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله، ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي، وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله. قال: "صدق لا تقولوا له إلا خيرًا" قال: فعاد عمر فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه، قال: "أوليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة" فاغرورقت عيناه فقال: الله ورسوله أعلم. قال أبو عبد الله: خاخ أصح، ولكن كذلك قال أبو عوانة: حاج وحاج تصحيف، وهو موضع وهشيم يقول: خاخ» (3).
وفي رواية: «ما حملك يا حاطب على ما صنعت؟ " قال: ما بي إلا أن أكون
(1) هكذا في نسخة الفتح 12/ 306، ونسخة استانبول 8/ 54، قال الحافظ:"بمهملة ثم جيم" وفي النسخة المعتمدة بالخاء المكررة، والصواب ما قرره البخاري في آخر هذه الرواية "خاخ ".
(2)
في نسخة البخاري المطبوعة مع فتح الباري 12/ 304 "صاحباي" قال الكرماني 24/ 58 "في بعضها صاحبي وهو بلفظ المفرد ظاهر، وبالمثنى صحيح على مذهب من يقلب الألف ياء".
(3)
الطرف رقم 6939.
مؤمنا بالله ورسوله، وما غيرت ولا بدلت». . . " (1).
وفي رواية: ". . . «فأنزل الله السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]» (2). وفي رواية: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأةً من المشركين معها كتاب من حاطب». . . "(3). وفي رواية: «ما هذا يا حاطب؟ " قال: لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأً من قريش» . . . " (4).
شرح غريب الحديث: * " روضة خاخ " هي بخاءين معجمتين: موضع بين مكة والمدينة (5).
* " ظعينة " جمعها: ظعن، وأصل الظعينة؛ الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، أي: يسار عليها، وقيل للمرأة ظعينة؛ لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن (6).
* " عقاصها " ضفائرها، وقيل: هو الخيط الذي تعقص به أطراف الذوائب ويقال: عقص الشعر: ضفره وفتله، وأصل العقص اللي والعقد (7).
* " حجزتها " أصل الحجزة موضع شد الإزار ومعقده في الوسط عند السرة، ثم قيل للإزار: حجزة للمجاورة (8).
(1) من الطرف رقم 6259.
(2)
من الطرف رقم 4274.
(3)
من الطرف رقم 3983.
(4)
من الطرف رقم 4890.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع الواو، مادة:"خوخ" 2/ 86.
(6)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 54، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير "باب الظاء مع العين، مادة: "ظعن" 3/ 157.
(7)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 54، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير "باب العين مع القاف، مادة: "عقص" 3/ 276.
(8)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 99، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الجيم، مادة: "حجز، 1/ 344.
* " ملصقا في قريش " الملصق. هو الرجل المقيم في الحي وليس منهم بنسب (1).
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من وسائل الدعوة: إرسال الرسل وبعث البعوث.
2 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من الخيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
3 -
من صفات الداعية: المسارعة في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
4 -
من صفات الداعية: الشجاعة.
5 -
من صفات الداعية: الأناة والتثبت.
6 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالأمور الغيبية.
7 -
أهمية هتك أستار الجواسيس والمفسدين.
8 -
أهمية الشورى مع الإمام والعالم والحاكم.
9 -
من صفات الداعية: اليقين بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
10 -
من أساليب الدعوة: الشدة على بعض أهل المعاصي بالقول والفعل عند الحاجة تأديبًا.
11 -
أهمية صدق المدعو.
12 -
أهمية قول الداعية لما لا يعلمه: الله أعلم.
13 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
14 -
من صفات الداعية: العفو والصفح.
15 -
من موضوعات الدعوة: الولاء والبراء.
16 -
من أساليب الدعوة: الحوار.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: من وسائل الدعوة: إرسال الرسل وبعث البعوث. دل هذا الحديث على أهمية وسيلة إرسال الرسل، ولهذا بعث صلى الله عليه وسلم علي بن
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب اللام مع الصاد، مادة "لصق" 4/ 249.
أبي طالب والزبير بن العوام، والمقداد، وفي رواية وأبا مرثد الغنوي رضي الله عنهم وقال لهم:«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها» وهذا يؤكد أهمية إرسال الرسل وبعثهم لنصرة الإسلام والدعوة إليه (1).
ثانيًا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الخيانة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: ظهر في مفهوم هذا الحديث أن من موضوعات الدعوة تحذير الناس من الخيانة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أرسل كتابًا إلى قريش يخبرهم فيه بغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ابن حجر رحمه الله أن لفظ الكتاب:"أما بعد يا معشر قريش؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام"(2). وهذا فيه إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيانته، وقد حذر الله عز وجل من الخيانة لله ورسوله فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ - وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 27 - 28](3). فينبغي للداعية أن يحذر الناس من الخيانة عامة، وخاصة من خيانة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: من صفات الداعية: المسارعة في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم: دل هذا الحديث على أن المسارعة في الاستجابة لله ورسوله من أهم المهمات، وأعظم القربات؛ ولهذا سارع هؤلاء الأربعة: علي، والزبير، والمقداد، وأبو مرثد رضي الله عنهم، في الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال علي رضي الله عنه:". . . فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة. . . " وهذا فيه دلالة ظاهرة على استجابتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسارعة في ذلك، قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24](4).
(1) انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 95، الدرس الثاني.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 521.
(3)
سورة الأنفال، الآيتان: 27 - 28.
(4)
سورة الأنفال، الآية:24.
فينبغي لكل مسلم وخاصة الداعية إلى الله أن يكون مسارعًا في الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم (1).
رابعًا: من صفات الداعية: الشجاعة: إن الشجاعة القلبية والعقلية من أهم الصفات التي يتأكد على الداعية أن يتصف بها؛ لأنها من أجمل وأكمل الصفات الحميدة، وقد ظهرت صفة الشجاعة في هذا الحديث في قول علي رضي الله عنه للظعينة:"أخرجي الكتاب" فقالت: ما معي من كتاب. فقال: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها" وفي رواية: "فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة. . . " وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذين اللفظين؛ قال الإمام الكرماني رحمه الله: "لعلها أخرجتها من حجزتها أولًا وأخفتها في الشعر ثم اضطرت إلى الإخراج منها أو بالعكس" (2) وذكر الحافظ ابن حجر هذا الجمع ثم قال: "أو بأن تكون عقيصتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته حجزتها وهذا الاحتمال أرجح" (3) وعلى كل حال فقد وفق الله عز وجل عليًا وأصحابه رضي الله عنهم للشجاعة العقلية والحكمة فاستخرجوا الكتاب وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
خامسًا: من صفات الداعية: الأناة والتثبت: دل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله مع حاطب رضي الله عنه إلى أهمية التثبت وعدم العجلة؛ ولهذا لم يبادر إلى قتله، بل سأله عن مقصده وعمله فقال:«يا حاطب ما هذا؟ " قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأً ملصقا في قريش، ولم أكن من أنفسها» . . . " ثم ذكر عذره للنبي صلى الله عليه وسلم فقبله ولم يعاقبه.
فينبغي للداعية التثبت والتأني، والله المستعان (5).
(1) انظر: الحديث رقم 45، الدرس التاسع عشر.
(2)
شرح الكرماني على صحيح البخاري، 24/ 59.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 191.
(4)
انظر: الحديث رقم 35، الدرس الخامس، ورقم 61، الدرس الثاني.
(5)
انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثاني، ورقم 92، الدرس الخامس.
سادسًا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالأمور الغيبية: ظهر في هذا الحديث معجزة عظيمة تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله عز وجل أرسله؛ ولهذا قال العلامة العيني رحمه الله: "وفيه البيان عن بعض أعلام النبوة، وذلك إعلام الله تعالى نبيه بخبر المرأة، الحاملة كتاب حاطب إلى قريش ومكانها الذي هي به، وذلك كله بالوحي"(1) وهذا يؤكد على الدعاة أن يبينوا للناس أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم عند الحاجة لذل (2).
سابعًا: أهمية هتك أستار الجواسيس والمفسدين: إن الستر الذي رغب الشرع فيه هو الذي لا يترتب عليه مفسدة، ولا يفوت به مصلحة؛ ولهذا لم يستر على المرأة حاملة كتاب حاطب ولم يستر أيضًا على حاطب رضي الله عنه، بل وبخ وأدب بالكلام القوي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا حاطب ما هذا؟» وفي رواية: «يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟» وقال علي رضي الله عنه وأصحابه رضي الله عنهم للمرأة: "لتخرجن الكتاب أو لأجردنك"؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه هتك أستار الجواسيس بقراءة كتبهم سواء كان رجلًا أو امرأة، وفيه هتك ستر المفسدة إذا كان فيه مصلحة، أو كان في الستر مفسدة، وإنما يندب الستر إذا لم يكن فيه مفسدة ولا يفوت به مصلحة، وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في الندب إلى الستر"(3) وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "هذا الحديث عظيم وفيه مسألتان: 1 - جواز التجسس إذا كان فيه نفع للمسلمين، كما فعل علي والزبير والمقداد رضي الله عنهم.
2 -
تحريم التجسس إذا كان فيه ضرر للمسلمين، أو لم يكن فيه مصلحة للمسلمين، والتجسس فيما يضر المسلمين يوجب القتل، لكن هذا الرجل له شبهة؛ ولهذا قبل النبي صلى الله عليه وسلم عذره؛ لأمرين؛ كونه شبه عليه الأمر، [و] كونه
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14/ 257.
(2)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 288، وانظر: عمدة القاري للعيني 14/ 257.
من أهل بدر، أما من فعل ذلك من المسلمين. . . فيقتل لأن هذا ردة" (1) "إلا في حق حاطب رضي الله عنه" (2).
ثامنًا: أهمية الشورى. مع الإمام، والعالم، والحاكم: ظهر في هذا الحديث أن الشورى من الأمور المهمة مع الإمام أو العالم أو الحاكم في الأمور العظيمة؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق» وفي رواية قال: «يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه» قال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه إشارة جلساء الإمام والحاكم بما يرونه، كما أشار عمر بضرب عنق حاطب "(3) وهذا يبين أهمية الشورى ومكانتها؛ لأن عمر لم يقدم على قتل حاطب بل استشار النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه من ذل (4).
تاسعًا: من صفات الداعية: اليقين بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم: إن من الصفات العظيمة للداعية أن يتيقن صدق النبي فيما صح عنه مما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا اليقين قال علي رضي الله عنه للمرأة حينما أنكرت أن يكون معها كتاب حاطب: «لقد علمنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حلف علي: والذي يحلف به لتخرجن الكتاب أو لأجردنك فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجت الصحيفة» وهذا يدل على أهمية اليقين الصادق بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما صح عنه مما أخبر ب (5).
عاشرًا: من أساليب الدعوة: الشدة على بعض أهل المعاصي بالقول والفعل عند الحاجة: دل هذا الحديث على أن من أساليب الدعوة: الشدة على بعض المدعوين
(1) سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3007، و4274 من صحيع البخاري.
(2)
سمعت ذلك من العلامة السابق أثناء شرحه لحديث رقم 4890 من صحيح البخاري.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 289.
(4)
انظر: الحديث رقم 11، الدرس الرابع، و 64، الدرس الثالث.
(5)
انظر: الحديث رقم 73، الدرس التاسع.
العصاة بالقول، والفعل عند الحاجة إلى ذلك؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه في شأن حاطب رضي الله عنه:«يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه» فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على توبيخه وتأديبه لحاطب بهذا القول القوي، ولم يوافقه على قتله؛ قال الإمام الْأُبِّيّ رحمه الله:"وفيه الشدة على أهل المعاصي بالقول والفعل، وبالسب تأديبا لهم"(1).
الحادي عشر: أهمية صدق المدعو: إن الصدق يهدي إلى البر، ولا يأتي إلا بخير، فإذا صدق العبد دل ذلك على إيمانه ونجاه الله بالصدق، وقد دل هذا الحديث على أهمية صدق المدعو وأن نجاته بذلك؛ ولهذا أنجى الله حاطبًا؛ ولأنه من أهل بدر. قال صلى الله عليه وسلم:«يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟ " قل يا رسول الله ما بي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يدًا يدفع الله بها عن أهلي ومالي» وفي الرواية الأخرى: «وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد صدقكم» ؛ قال الإمام ابن هبيرة رحمه الله: "وفيه أن المؤمن إذا أخطأ واستبان له الخطأ أن لا يتبع خطأه بأن يجحده ويناكر عليه بل يعترف بذلك ولا يجمع بين معصيتين: في الخطأ، والجحد، كما أنه يتعين على كل مخطئ إذا تيقن خطأه في شيء أن يقلع عنه حالة تيقنه ذلك، فإن الله يغفر له خطأه إذا رجع إلى الصواب، إن شاء الله تعالى"(2).
فينبغي لكل مسلم أن يقول الحق ولو على نفسه إلا فيما شرع الله الستر فيه مع التوبة ورد المظالم لأهله (3).
الثاني عشر: أهمية قول الداعية لما لا يعلمه: الله أعلم: دل هذا الحديث على أنه ينبغي للداعية إذا لم يعلم شيئًا مما حصل النقاش أو الحوار فيه والأسئلة أن يقول: الله أعلم؛ ولهذا قال عمر رضي الله عنه عندما عفا
(1) إكمال إكمال المعلم للأبي، 8/ 415.
(2)
الإفصاح عن معاني الصحاح، 1/ 211، وانظر: 1/ 250.
(3)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الرابع.
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حاطب ولم يوافقه على قتله: "الله ورسوله أعلم" وانتهى رضي الله عنه عن المراجعة واغرورقت عيناه رضي الله عنه (1).
الثالث عشر: من أساليب الدعوة: الترغيب: إن في هذا الحديث الدلالة على أن من أساليب الدعوة الترغيب؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة حاطب رضي الله عنه: «إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وفي لفظ: "أوليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة" قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال العلماء إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم للوقوع"(2) وقال رحمه الله: "واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة، لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها"(3).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "إن الله تعالى أظهر صدق رسوله صلى الله عليه وسلم للعيان في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك؛ فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة من أمور الدين ومراعاة أحواله والتمسك بأعمال البر والخير إلى أن توفوا على ذلك، ومن وقع منهم في معصية أو مخالفة لجأ إلى التوبة ولازمها حتى لقي الله تعالى عليها، يعلم ذلك قطعًا من أحوالهم من طالع سيرهم وأخبارهم"(4).
وهذا يبين أهمية ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في كل خير وأنه واقع لا محال (5).
الرابع عشر: من صفات الداعية: العفو والصفح: لا ريب أن العفو والصفح من الأخلاق الكريمة التي ينبغي لكل مسلم أن يتخلق بها، ولكن لا بد أن يكون العفو في محله، ولا يحصل به مفسدة، ولا يفوت
(1) انظر: الحديث رقم 8، الدرس الثامن عشر، ورقم 58، الدرس الحادي عشر.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 7/ 305، 8/ 635.
(3)
المرجع السابق 5/ 356، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 289.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 442، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 8/ 635.
(5)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 8، الدرس الرابع.
به مصلحة أعظم؛ ولهذا عفا صلى الله عليه وسلم عن حاطب رضي الله عنه، وصفح، وبين أن أهل بدر قد أوجب الله لهم الجنة. فينبغي أن يكون عفو الداعية عن حكمة، ومؤاخذته عن حكمة كحال النبي صلى الله عليه وسلم (1).
الخامس عشر: من موضوعات الدعوة: الولاء والبراء: لا شك أن الولاء والبراء من موضوعات الدعوة، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث بعد ذكر قصة حاطب رضي الله عنه: "فأنزل الله السورة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1](2) وقد أمر الله المؤمنين بموالاة الله ورسوله والمؤمنين، ونهاهم عن موالاة أعداء الله ورسوله، قال عز وجل:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22](3).
وقد بين العلماء رحمهم الله حقيقة الولاية والعداوة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"الولاية ضد العداوة، وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد"(5)؛ ولأهمية الولاء والبراء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال، «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان» (6)
(1) انظر الحديث رقم 85، الدرس الثالث، ورقم 155، الدرس الرابع.
(2)
من الطرف رقم 4274، وتقدم تخريجه في أصل الحديث، والآية من سورة الممتحنة الآية:1.
(3)
سورة المجادلة، الآية:22.
(4)
سورة المائدة، الآيات: 55 - 57.
(5)
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 53.
(6)
أبو داود، 4/ 220، برقم 4681، والترمذي، 4/ 670، برقم 2521، وأحمد في المسند، 3/ 438، 440، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 68، الدرس الرابع، ص 413.
وعن ابن عباس رضي الله عنه يرفعه: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» وله شواهد منها حديث عبد الله بن مسعود والبراء (1) رضي الله عنهما ومن أعظم الأحاديث في الولاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» . . . " (2) وقد بين الله عز وجل أولياءه الكمل فقال: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ - لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64](3) وأولياء الله درجات في الكمال الإيماني قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32](4).
ولا شك أن الولاء والبراء مبنيان على قاعدة: الحب والبغض، فينبغي للداعية أن يوضح للناس ويحضهم على الموالاة والمعاداة وتكون على ثلاثة أوجه: 1 - من يحب محبة كاملة: وهذه المحبة للمؤمنين المتقين: من الأنبياء والمرسلين وعباد الله المحسنين القائمين بجميع ما أمر الله به، المبتعدين عن جميع ما نهى الله عنه.
2 -
من يحب من وجه ويكره من وجه؛ لأنه قد يجتمع في المؤمن ولاية من وجه وعداوة من وجه آخر وهذا هو المسلم الذي خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيحب ويوالى على قدر ما معه من الخير، ويبغض ويعادى على قدر ما معه من الشر.
(1) أما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 11/ 215، برقم 1157، وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأخرجه الطبراني أيضًا في المعجم الكبير، 10/ 171، برقم 10357 و10/ 220، برقم 10531، والحاكم 2/ 480، وأما حديث البراء رضي الله عنه، فأخرجه أحمد في المسند، 4/ 286، وقال الألباني "قلت: فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل، والله أعلم" انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 307، برقم 728، و 2/ 734. برقم 998.
(2)
البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، 7/ 243، برقم 6502.
(3)
سورة يونس، الآيات: 62 - 63.
(4)
سورة فاطر، الآية:32.
3 -
من يبغض من كل وجه: وهو من كفر بالله عز وجل، فيجب بغضه بالقلب كاملًا لازمًا لا نقص فيه، أما بالبدن والأعمال فعلى حسب القدرة ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة لا نقص فيها، وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفعل الكامل إن شاء الله تعال (1).
السادس عشر: من أساليب الدعوة: الحوار: ظهر أسلوب الحوار في هذا الحديث؛ لما دار فيه من الحوار بين حبان بن عطية وأبي عبد الرحمن في شأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2).
(1) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 10/ 752 - 754، و 11/ 159، و 28/ 208 - 210، والفرقان ببن أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، لابن تيمية، ص 50 - 250، ومختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية ص 509، وجامع الرسائل لابن تيمية المجموعة الثانية ص 193، وشرح العقيدة الطحاوية لعلي بن أبي العز، ص 404، والفتاوى السعدية لعبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 98، وأوثق عرى الإيمان لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص 28 - 40.
(2)
انظر: الحديث رقم 29، الدرس السادس، ورقم 77، الدرس السابع.