الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ
وقول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33](1) و {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53](2).
[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]
150 -
[3104] حدّثنا موسى بن إسماعيل: حدّثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله (3) رضي الله عنه، قال: " قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: «ها هنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشّيطان» (4).
وفي رواية: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: «ها إنّ الفتنة هاهنا، إنّ الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشّيطان» (5).
وفي رواية: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر. . . "(6).
وفي رواية: «الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشّيطان - أو قال - قرن الشّمس» (7).
وفي رواية: "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول. . . "(8).
* شرح غريب الحديث: * " الفتنة ": أصل الفتنة من قولك: "فتنت الذهب" إذا أحرقته بالنار ليتبين الجيد من الرديء، وهي الابتلاء والاختبار، والامتحان، وكثر استعمالها
(1) سورة الأحزاب، الآية:33.
(2)
سورة الأحزاب، الآية:53.
(3)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 4.].
(4)
[الحديث 3104] أطرافه في: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، 4/ 111، برقم 3279. وكتاب المناقب، باب، 4/ 190، برقم 3511. وكتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، 6/ 215، برقم 5296. وكتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفتنة من قبل المشرق"، 8/ 122، برقم 9207 و 7093. وأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان، 4/ 2228، برقم 2905.
(5)
من الطرف رقم 3279.
(6)
من الطرف رقم 3511.
(7)
من الطرف رقم 7092.
(8)
من الطرف رقم: 7093.
بمعنى: الإثم، والكفر، والضلال، والقتال، والفضيحة، والعذاب (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية؛ منها:
1 -
من وسائل الدعوة: الخطابة.
2 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار ببعض المغيبات.
3 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من الفتن.
4 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من وسائل الدعوة: الخطابة: دل الحديث على أن من وسائل الدعوة: الخطابة؛ لما فيها من إيصال الحق للناس؛ ولهذا قام النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث - خطيبا فأشار إلى مسكن عائشة رضي الله عنها، وحذر من الفتن، وهذا يؤكد أهمية الخطابة، ويؤكد أهمية القيام فيها؛ ليرى الناس الخطيب ويسمعوا كلامه، والله المستعان (2).
ثانيا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار ببعض المغيبات: لا شك أن من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم الإخبار ببعض المغيبات، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«هاهنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان» ، وقد تحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ فإن الفتن ظهرت من قبل المشرق كثيرا، والفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين هي قتل عثمان رضي الله عنه وهي سبب وقعة الجمل، وحروب صفين - كانت في ناحية المشرق، ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وأكثر البدع إنما ظهرت من المشرق فكانت سببا إلى افتراق كلمة المسلمين ومذهبهم، وفساد نيات كثير منهم إلى اليوم، وإلى قيام الساعة، وآخر الفتن خروج الدجال من قبل المشرق (3).
(1) انظر: غريب الحديث رقم 36، ص 255.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس السادس، ورقم 33، الدرس التاسع.
(3)
انظر: الاستذكار لابن عبد البر، 27/ 245 - 246.
وهذا كله يؤكد صدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لوقوع ما أخبر به على حقيقته (1).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الفتن: التحذير من الفتن من أهم الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يعتني بها، ويحذر الناس منها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«هاهنا الفتنة - ثلاثا - من حيث يطلع قرن الشيطان» ، وهذا فيه تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من الفتن، وبيان منه صلى الله عليه وسلم أن الفتن تأتي من قبل المشرق؛ ليحذر منها الناس وينتبهوا أشد الانتباه، قال العيني رحمه الله:"وكان صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه، وذلك من دلالات نبوته صلى الله عليه وسلم"(2) وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل الانشغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة والمتراكمة، المتكاثرة، فقال صلى الله عليه وسلم:«بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» (3).
قال القاضي عياض رحمه الله: "وفائدة المبادرة بالعمل: إمكانه قبل شغل البال والجسد بالفتن، وقطعها عن العمل"(4) ومما يؤكد التحذير من الفتن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؛ قال:"نعم". فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؛ قال: "نعم وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؛ قال:"تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ". فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة
(1) انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 24/ 199.
(3)
مسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، 1/ 110، برقم 118، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم كتاب الإيمان، 1/ 494.
ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (1).
وهذا فيه التحذير العظيم من الفتن وبيان المخرج منها، ولاشك أن الزمان كلما تأخر زادت الفتن في الغالب حتى قيام الساعة؛ ولهذا قال أنس بن مالك رضي الله عنه:«اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشر منه حتى تلقوا ربكم» ، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم (2) فأسأل الله لي ولجميع المسلمين العافية في الدنيا والآخرة، والله المستعان.
رابعا: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: ظهر في هذا الحديث أن من صفات الداعية الحرص على الدقة في نقل الحديث؛ ولهذا قال الراوي: «من حيث يطلع قرن الشيطان» ، أو قال:«قرن الشمس» ، شك أي اللفظين قال النبي صلى الله عليه وسلم (3) والمقصود بقرن الشيطان: هو التمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سوّل له ذلك، فإذا سجد لها كان كأن الشيطان مقترن بها (4).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بقرني شيطان» (5) قيل: المراد بقرني الشيطان: حزبه وأتباعه، وقيل: قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل: القرنان: ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره، وهذا هو الأقوى، قالوا: ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات؛ ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة، وحينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر وتمكن من أن يسلبوا على المصلين صلاتهم، فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها، كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان (6).
(1) البخاري، كتاب الفضائل، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، 8/ 119، برقم 7084، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، 3/ 1475، برقم 1847.
(2)
البخاري، كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، 8/ 115، برقم 7068.
(3)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس العاشر.
(4)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع الراء، 4/ 52.
(5)
صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، 1/ 568، برقم 828.
(6)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 361.