الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
170 -
بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل
[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]
132 -
[3045] حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرني عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيد بْنِ جَارِيةَ الثَّقَفيُّ - وَهُوَ حَلِيف لِبَنِي زُهْرةَ، وكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَة - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ (1) رضي الله عنه قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنا، وأَمَّرَ عَلِيْهمْ عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنصَارِيَّ (2) - جَدَّ عاصِمٍ بنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ - فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدْأَةِ - وَهُوَ بَيْنَ عُسْفانَ ومَكَّةَ - ذُكِروا لِحيّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لِحْيَانَ، فنَفَروا لَهُمْ قَرِيبا مِنْ مِائتي رجُلٍ كُلُهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِيَنة، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا آثارَهُمْ، فَلَمَّا رآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَؤُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمْ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمْ الْعَهدُ وَالميثاقُ وَلا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدا. قَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّة: أَمَّا أنا فوالله لا أَنزِلُ الْيَوْمَ فِيِ ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللهمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبيَّكَ، فَرمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِما في سَبْعَةٍ. فنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاثةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاق، مِنْهُمْ خبيب الأنصَارِيُّ (3) وابْنُ دَثِنَة (4) وَرَجُل آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِم فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَالله لا أَصْحَبُكُم، إنَّ لِي فِي هَؤُلاءِ لأسْوَةً - يُرِيدُ الْقَتْلَى - فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصحَبَهُمْ
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 7.
(2)
عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري، جد عاصم بن عمر بنٍ الخطاب لأمه، من السابقين الأولين من الأنصار، رضي الله عنه قيل: شهد العقبة، وشهد بدرا، وقتل شهيدا حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية عينا. انظر: معالم السنن للخطابي 4/ 8، والإِصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 2/ 244.
(3)
خبيب بن عدي بن مالك بن عامر، الأنصاري، الأوسي، شهد بدرا واستشهد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هو الذي سن صلاة ركعتين لمن قتل صبرا، قتل شهيدا صبرا بمكة، رضي الله عنه. انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 1/ 246، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 418.
(4)
زيد بن الدثِنَة بن معاوية، بن عبيد بن عامر بن بياضة الأنصاري، البياضي، شهد بدرا وأحدا، وكان في غزوة بئر معونة فأسره المشركون وقتلته قريش بالتنعيم، كما قتلت خبيبا؛ لأنه في سريته. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 565 - 566.
فَأَبَى، فَقَتَلوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْن دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقِيعَةِ بَدْر، فَابتَاع خُبَيْبا بَنُو الحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْن نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَان خُبَيْبٌ هُوَ قتل الحارِثَ بْنَ عَامرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرا فَأَخْبَرَني عُبَيْدُ الله بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الحَارِثِ أَخْبَرتْهُ أنهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنا لِي وأَنا غَافِلَة حِينَ أَتاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِه وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزعْتُ فَزْعَةً عَرَفَها خُبَيْبٌ فِي وَجْهي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؛ مَا كُنْتُ لأِفْعَل ذَلِكَ. وَالله مَا رَأَيْتُ أَسِيرا قَطُّ خَيْرا مِنْ خُبَيْبٍ، والله لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْما يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وإنَّهُ مُوثَق فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِن ثَمَرٍ. وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لرِزقٌ مِنَ الله رَزَقَهُ خُبَيْبا. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقتُلوهُ في الحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُوني أَرْكَع رَكْعَتَينِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلا أَنْ تَظُنُّوا أَنْ مَا بِي جَزع لَطَوَّلتُها، اللهمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدا.
وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِما
…
عَلَى أَيِّ شِق كَانَ لله مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلهِ ، وَإِنْ يَشَأْ
…
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
فَقَتَلَهُ ابْنُ الحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْب هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرا. فاسْتَجابَ الله لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخبرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوِا أَنَّه قُتِلَ ليؤتَوا بِشَيءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قتلَ رَجُلا مِنْ عُظَمائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فبُعِثَ على عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أنْ يقطعُوا مِنْ لحْمِهِ شَيْئا» (1).
وفي رواية: «اللهمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدا، وَلا تَبْقِ مِنْهُمْ أَحدا، ثُمَّ أَنشَأَ يَقُولُ:
(1)[الحديث 3045]، أطرافه في: كتاب المغازي، باب، 5/ 15، برقم 3989. وكتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورِعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة، وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه، 5/ 48، برقم 4086. وكتاب التوحيد، باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامى الله، 8/ 215، برقم 7402.
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقتَلُ مُسْلِما
…
عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لله مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلهِ وَإنْ يَشَأْ
…
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صبرا الصَّلاةَ. وَأَخْبَرَ - يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيشٍ إِلَى عَاصِم بْنِ ثابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّه قُتِلَ أَنْ يؤتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ - وَكَانَ قَتَلَ رَجُلا عَظِيما مِنْ عُظَمَائِهمْ - فَبَعَثَ الله لِعَاصِم مِثْلَ الظُّلَّة مِن الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئا»، وقَال كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ (1)" ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبيعِ الْعَمْرِي (2) وَهِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ (3) رَجُليْنِ صَالِحيْنِ "(4).
* شرح غريب الحديث: * " الرهط " الرهط من الناس: العصابة دون العشرة، وقيل إلى الأربعين، ولا تكون فيهم امرأة، ولا واحد له من لفظه. وأصل كلمة من الرهط: وهم عشيرة الرجل وأهله (5).
* " عينا " العين: الجاسوس، يقال: اعتان له: إذا أتاه بالخبر. (6).
* " فدفد " الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع. (7).
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 9.
(2)
مرارة بن الربيع الأنصاري الأوسي من بني عمرو بن عوف، ويقال إن أصله من قضاعة حالف بني عمرو بن عوف، صحابي جليل مشهور، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم. انظر: الإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 396.
(3)
هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلم، بن عامر بن كعب، بن واقف، الأنصاري الواقفي، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وهو الذي نزلت قصة اللعان من أجله، رضي الله عنه. انظر: الإِصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 606.
(4)
من الطرف رقم 3989.
(5)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 160، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الراء مع الهاء، مادة:" رهط " 2/ 283، وانظر: شرح غريب الحديث رقم 123، ص 722.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب العين مع الياء، مادة:" عين " 3/ 331.
(7)
المرجع السابق، باب الفاء مع الدال، مادة:" فدفد " 3/ 420.
* " ليستحد بها " الاستحداد: استعمال الحديد في الْحَلْقِ بِهِ، ثم استُعْملَ في حلق العانة (1).
* " قطف " القطف: العنقود، وجمعه قطوف، وهو اسم لكل ما قطف، كالذبح لكل ما ذبح، والطحن لكل ما طحن (2).
* " صبرا " القتل صبرا: هو أن يمسك شيء من ذوات الأرواح حيّا ثم يُرمَى بشيءٍ حتى يموت (3).
* " الظُّلَّة " السحاب وكل شيء أظلك فهو ظلة، سواء من السحاب أو الجبال أو غير ذلك. (4).
* " الدَّبْرُ " هو بسكون الباء: النحل، وقيل: الزنابير، والظلة: السحاب (5).
* " شلْوٍ ممزع " الشَّلْو: العضو، وممزع: أي مقطع، يقال: يتمزع أي: يتقطع ويتشقق (6).
* " أحصهم عددا " دعاءٌ عليهم بالهلاك استئصالًا: أي لا تبقِ منهم أحدا (7).
* " اقتلهم بددا " يروى بكسر الباء، جمع بُدَّة، وهي الحصة والنصيب: أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد منهم حصته ونصيبه، ويروى بالفتح: أي متفرقين في القتل (8).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
(1) تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 208.
(2)
المرجع السابق ص568.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الصاد مع الباء، مادة. " صبر " 3/ 8.
(4)
المرجع السابق، باب الظاء مع اللام، مادة:" ظلل " 3/ 160.
(5)
المرجع السابق، باب الدال مع الباء، مادة:"دبر" 2/ 99.
(6)
المرجع السابق، باب الشين مع اللام، مادة:" شلا " 2/ 498، وباب الميم مع الزاي، مادة:" مزع " 4/ 325.
(7)
أعلام الحديث للخطابي، 2/ 1436، وشرح صحيح البخاري للكرماني 13/ 46.
(8)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع الدال، مادة:"بد" 1/ 105.
1 -
من وسائل الدعوة: إرسال الدعاة وبعث البعوث.
2 -
من وسائل الدعوة: تأمير الأمير على السرايا والبعوث، أو الرسل أو المسافرين.
3 -
أهمية أخذ الداعية بالشدة والقوة عند الحاجة أو المصلحة.
4 -
من صفات الداعية: الأمانة.
5 -
من صفات الداعية: قوة اليقين.
6 -
من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء والامتحان.
7 -
من وسائل الدعوة: إغاظة الأعداء بالامتداح بالشعر وغيره وإظهار القوة.
8 -
من أساليب الدعوة: تخويف الأعداء بالدعاء عليهم بالتعميم عند الحاجة.
9 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: ظهور الكرامات على أيدي أتباعه.
10 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإِخبار بالمغيبات.
11 -
من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة.
12 -
من صفات الداعية: النظافة والاستعداد للقاء الله عز وجل.
13 -
استجابة الله عز وجل للداعية المخلص وإكرامه حيّا وميتا.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولاٌ: من وسائل الدعوة: إرسال الدعاة وبعث البعوث: دل هذا الحديث على أن من وسائل الدعوة إرسال الدعاة وبعث البعوث؛ ولهذا جاء في هذا الحديث: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري» وقد كان صلى الله عليه وسلم يبعث البعوث ويرسل السرايا والرسل والدعاة إلى الله عز وجل؛ ليبلغوا الناس الإسلام قولًا وفعلا، وهذا من أعظم الوسائل النافعة في الدعوة إلى الله عز وجل (1).
ثانيا: من وسائل الدعوة: تأمير الأمير على السرايا والبعوث أو الرسل والمسافرين: دل هذا الحديث على أهمية تأمير الأمير على السرايا أو البعوث أو الرسل، أو المسافرين إذا كانوا ثلاثة فأكثر؛ لما في ذلك من اجتماع الكلمة والاعتصام بالله
(1) انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 90، الدرس الثاني.
وحده ثم باتحاد الرأي وعدم التفرقة؛ ولهذا أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت على الرهط الذين بعثهم وفيهم خبيب رضي الله عنهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم» (1).
ولا شك أن تأمير الأمير على المسافرين والسرايا والبعوث يكون أجمع لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم (2).
ثالثا: أهمية أخذ الداعية بالشدة والقوة عند الحاجة أو المصلحة: لا شك أن من الأعمال الجليلة للداعية الأخذ بالقوة والشدة عند الحاجة أو المصلحة الراجحة؛ ولهذا قال عاصم بن ثابت أمير السرية: " أمَّا أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك " فرماه المشركون ومن معه بالنبل حتى قتلوا عاصما وسبعة معه، ونزل إليهم خبيب وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق الظفري بالعهد والميثاق، فلما استمكن المشركون من الثلاثة أوثقوهم، فقال عبد الله بن طارق (3)" هذا أول الغدر والله لا أصحبكم " فقتلوه رضي الله عنه، وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة رضي الله عنهما. وهذا يؤكد على أهمية الأخذ بالشدة والقوة عند الحاجة أو المصلحة كما أخذ بها عاصم رضي الله عنه.
رابعا: من صفات الداعية: الأمانة: ظهر في هذا الحديث أهمية صفة الأمانة للداعية؛ لأن الداعية الصادق لا يغدر، ولا ينقض عهده؛ ولهذه الصفة الكريمة قالت بنت الحارث عن خبيب رضي الله عنه:" فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قطَّ خيرا من خبيب ".
وهذا يدل على أمانة خبيب؛ ولهذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه
(1) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، 3/ 36، برقم 2608، 2609 من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/ 494، 495:"حسن صحيح ".
(2)
انظر: معالم السنن للخطابي 3/ 414، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، للعلامة محمد شمس الحق العظيم أبادي، 7/ 267.
(3)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 16/ 17.
الوفاء للمشركين بالعهد والتورع عن قتل أولادهم " (1) وقال العلامة العيني رحمه الله: " وفيه أداء الأمانة إلى المشرك وغيره، وفيه التورع من قتل أطفال المشركين رجاء أن يكونوا مؤمنين " (2).
فينبغي للمؤمن، وخاصة الداعية إلى الله عز وجل، أن يلتزم بالعهد، وأداء الأمانة والابتعاد عن الخيانة؛ قال الله عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58](3) وقال عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72](4) وهذا يؤكد أهمية الأمانة وأنها تشمل القيام بحقوق الله عز وجل وحقوق عباده، والقيام بالواجبات والابتعاد عن المحرمات على علم وبصيرة، ورغبة فيما عند الله من الثواب وخوفا من عقابه وانتقامه، والله المستعان (5).
خامسا: من صفات الداعية: قوة اليقين: ظهر في هذا الحديث أن قوة اليقين من صفات الداعية؛ ولهذا قال خبيب رضي الله عنه:
فلست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أيِّ جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإن يشأ
…
يُبارك على أوصالِ شِلْوٍ مُمزَّعِ
وهذا يؤكد أهمية قوة اليقين عند الداعية، ويبين مكانة خبيب وقوة يقينه، وقوته في دين الله عز وجل وثباته عليه رضي الله عنه (6).
سادسا: من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء والامتحان: دل الحديث على أهمية الصبر على الابتلاء والامتحان والاختبار؛ لأن هؤلاء العشرة من الصحابة صبروا على ذلك، فعاصم بن ثابت صبر مع سبعة من
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 14 / 3، وانظر: معالم السنن للخطابي، 4/ 9.
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14/ 294.
(3)
سورة الأنفال، الآية:58.
(4)
سورة الأحزاب، الآية:72.
(5)
انظر: الحديث رقم 29، الدرس الثالث.
(6)
انظر: الحديث رقم 28، الدرس الرابع، وفتح الباري لابن حجر، 7/ 385.
الصحابة رضي الله عنهم على مجاهدة الأعداء وعدم النزول على عهد الكفار حتى قتلوا، وخبيب وابن الدثنة وعبد الله بن طارق صبروا على أسر الأعداء وتعذيبهم وقتلهم صبرا؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: " وفيه أن الله يبتلي عبده المسلم بما شاء كما سبق في علمه ليثيبه، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] (1).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول: " وهذه قدرة الله تعالى؛ ليكون المؤمنون قدوة لغيرهم "(2) وهذا كله يؤكد أهمية الصبر على الابتلاء واحتساب الثواب عند الله عز وجل، والله المستعان (3).
سابعا: من وسائل الدعوة: إغاظة الأعداء بالامتداح بالشعر وغيره وإظهار القوة: دل هذا الحديث على أهمية إغاظة أعداء الإِسلام بالامتداح بالشعر وغيره مما يغيظهم، وإظهار القوة والشجاعة أمامهم؛ ولهذا قال خبيب رضي الله عنه:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أيِّ شق كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزع
وهذا فيه إظهار القوة والشجاعة والرغبة فيما عند الله عز وجل أمام أعداء الإِسلام؛ قال العلامة العيني رحمه الله: " وفيه الامتداح بالشعر حين ينزل بالمرء هوان في دينٍ، أو ذلة القتل، يرغم بذلك أنف عدوِّه، ويجدِّد في نفسه صبرا وأنفة "(4).
فينبغي إظهار القوة والنشاط، وعدم المبالاة بالأعداء؛ ليكون ذلك من أسباب إذلال الأعداء وإدخال الرعب في قلوبهم. (5).
ثامنا: من أساليب الدعوة: تخويف الأعداء بالدعاء عليهم بالتعميم عند الحاجة: ظهر في الحديث أن من أساليب الدعوة الدعاء على المشركين بالتعميم عند إعراضهم وعنادهم واستكبارهم ومحادتهم لله ورسوله، تخويفا لهم،
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 385، والآية 112 من سورة الأنعام.
(2)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4086 من صحيح البخاري.
(3)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
(4)
عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 14/ 294.
(5)
انظر: الحديث رقم 103، الدرس الأول.
وإذلالًا، وإهانة، وانتصارا للإِسلام؛ ولهذا قال خبيب رضي الله عنه في دعوته على الكفار:" اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبقِ منهم أحدا " وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلك طريق الحكمة في الدعاء للمشركين والدعاء عليهم فيعمل الأنسب والأصلح، وسار الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنهج (1).
تاسعا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ظهور الكرامات على أيدي أتباعه: دل هذا الحديث على أن من معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم ظهور الكرامات (2) على أيدي أتباعه، وقد ظهرت هذه الكرامات على أنواع كثيرة منها ما جاء على يد خبيب، حيث قالت بنت الحارث:" والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر "، وكانت تقول:" إنه لرزق من الله رزقه خبيبا " وهذه الكرامة لخبيب رضي الله عنه تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وهي معجزة له، ويمكن أن الله جعلها آية للكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته (3) وقد جزم الإمام ابن تيمية رحمه الله أن كرامات الأولياء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وأوضح أن الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته نوعان:
(أ) ما صار معلوما بالخبر الصادق كمعجزات موسى وعيسى عليهما السلام.
(ب) ما هو باقٍ إلى اليوم، كالقرآن الذي هو من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكالعلم والإِيمان الذي في أتباعه؛ فإنه من أعلام نبوته، وكشريعته التي أتى بها؛ فإنه من أعلام نبوته، وكالآيات التي يظهرها الله وقتا بعد وقت من كرامات الصالحين من أمته، وظهور دينه بالحجة والبرهان، واليد والسنان، والعقوبات
(1) انظر: الحديث رقم 21، الدرس الخامس، وفتح الباري لابن حجر 6/ 106.
(2)
الفرق بين المعجزة والكرامة: هو أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النبوة والتحدي للعباد. أما الكرامة: فهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا التحدي، ولا تكون الكرامة إلا لعبد ظاهره الصلاح، مصحوبا بصحة الاعتقاد والعمل الصالح. أما إذا ظهر الأمر الخارق على أيدي المنحرفين فهو من الأحوال الشيطانية، وإذا ظهر الأمر الخارق على يد إنسان مجهول الحال، فإن حاله يعرض على الكتاب والسنة كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:" إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة "، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 10/ 23، وشرح العقيدة الطحاوية لعلي بن أبي العز، ص 510.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 283.
التي تحيق بأعدائه، وصفاته صلى الله عليه وسلم الموجودة في كتب الأنبياء قبله، كل هذا وغيره من معجزاته التي تدل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم (1).
عاشرا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالمغيبات: دل هذا الحديث على أن من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الإِخبار بالمغيبات؛ ولهذا أخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بما حدث لعاصم وأصحابه وما أصابهم، وهذا يؤكد صدقه صلى الله عليه وسلم وما جعل الله على يديه من الخوارق (2).
الحادي عشر: من وسائل الدعوة: القدوة الحسنة: ظهر في هذا الحديث أن القدوة الحسنة من وسائل الدعوة النافعة؛ لأنه جاء فيه: " فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا "، لأنه قال رضي الله عنه عندما أراد المشركون قتله:" ذروني أركع ركعتين ".
وهذا يؤكد أهمية القدوة الحسنة وما لها من الأثر العظيم (3).
الثاني عشر: من صفات الداعية: النظافة والاستعداد للقاء الله عز وجل: دل هذا الحديث على أن من صفات الداعية النظافة؛ ولهذا استحد خبيب رضي الله عنه عندما أراد المشركون قتله، قال الإمام الكرماني رحمه الله:" وإنما أراد بالاستحداد التنظف استعدادا للقاء ربه؛ لأن ذلك كان حين فهم إجماعهم على القتل "(4).
وهذا يؤكد أهمية النظافة والاستعداد للقاء الله عز وجل (5).
الثالث عشر: استجابة الله عز وجل للداعية المخلص وإكرامه حيّا وميِّتا: إن الله عز وجل يكرم عباده المؤمنين بإجابة دعواتهم وخاصة الدعاة المخلصين
(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 5/ 420 - 421.
(2)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(3)
انظر: الحديث رقم 3، الدرس الثالث، ورقم 8، الدرس الخامس.
(4)
شرح الكرماني على صحيح البخاري، 15/ 175.
(5)
انظر: الحديث رقم 1، الدرس الثالث، ورقم 51، الدرس الثالث، ورقم 103، الدرس الثالث.
الصادقين؛ ولهذا استجاب الله دعاء عاصم بن ثابت رضي الله عنه حينما لم ينزل في ذمة المشركين حيث قال: " أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك " فاستجاب الله دعاءه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبر عاصم وأصحابه وما أصيبوا. وهذا فيه إكرام لعاصم، وأكرمه الله كرامة أخرى وهو أنه سبحانه حمى لحمه من المشركين ففي هذا الحديث:" وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حُدِّثوِا أنه قُتِلَ ليُؤتوا بشيء منه يُعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبُعِث على عاصم مثل الظلة من الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه استجابة دعاء المسلم وإكرامه حيّا وميتا ". (1).
وهذا يؤكد إكرام الله عز وجل للداعية المخلص حيّا وميتا، والله المستعان وعليه التكلان.
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 385.