الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له
؟
[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]
162 -
[3130] حدّثنا موسى: حدّثنا أبو عوانة: حدّثنا عثمان بن موهب، عن ابن عمر (1) رضي الله عنه قال: إنّما تغيّب عثمان عن بدر فإنّه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» (2).
وفي رواية: "كنّا في زمن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثمّ عمر، ثم عثمان، ثمّ نترك أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم"(3).
وفي رواية: عن عبيدة قال: "جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان، فذكر عن محاسن عمله، قال: لعلّ ذاك يسوءك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثمّ سأله عن عليّ، فذكر محاسن عمله قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النّبيّ صلى الله عليه وسلم. ثمّ قال: لعلّ ذاك يسوءك؛ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فاجهد عليّ جهدك"(4).
وفي رواية: عن عثمان بن موهب قال: "جاء رجل حجّ البيت فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القعود؛ قال: هؤلاء قريش، قال: من الشّيخ؟ قالوا: ابن عمر فأتاه فقال: إنّي سائلك عن شيء أتحدّثني؟ قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أنّ عثمان بن عفّان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم، قال:
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 1.
(2)
[الحديث 3130] أطرافه في: كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه، 4/ 244، برقم 3698. وكتاب فضائل أصحاب النبي رضي الله عنه، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمى أبي الحسن رضي الله عنه، 4/ 247، برقم 3704 وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ 5/ 41، برقم 4066 وكتاب تفسير القرآن، باب: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ 5/ 184 و185، برقم 4513 و4514 و4515 وكتاب تفسير القرآن، باب وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، 5/ 238؛ و 239، برقم 4650 و4651. وكتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الفتنة من قبل المشرق"، 8/ 122، برقم 7095.
(3)
الطرف رقم: 3698.
(4)
الطرف رقم: 3704.
فتعلمه تغيّب عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال فكبّر، قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبيّن لك عمّا سألتني عنه أمّا فراره يوم أحد فأشهد أنّ الله عفا عنه، وأمّا تغيّبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«إنّ لك أجر رجل ممّن شهد بدرا وسهمه» . وأمّا تغيّبه عن بيعة الرّضوان فإنّه لو كان أحد أعز ببطن مكّة من عثمان بن عفّان لبعثه مكانه، فبعث عثمان وكانت (1) بيعة الرّضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكّة فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى:«هذه يد عثمان» ، فضرب بها على يده فقال:"هذه لعثمان " اذهب بهذا الآن معك" (2).
وفي رواية: عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أتاه رجلان في فتنة ابن الزّبير فقالا: إنّ النّاس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أنّ الله حرّم دم أخي فقالا: ألم يقل الله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193](3) فقال: قاتلنا حتّى لم تكن فتنة، وكان الدّين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتّى تكون فتنة ويكون الدّين لغير الله (4).
وفي رواية: عن بكير عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رجلا جاءه فقال: يا أبا عبد الرّحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي أغترّ بهذه الآية ولا أقاتل أحبّ إليّ من أن أغترّ بهذه الآية الّتي يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93](5) إلى آخرها قال: فإنّ الله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
(1) هكذا في النسخة السلفية المطبوعة مع فتح الباري، 7/ 363، وفي النسخة المعتمدة " وكان بيعة الرضوان" وكذا في نسخة استانبول، 5/ 34.
(2)
من الطرف رقم: 4066.
(3)
سورة البقرة، الآية:193.
(4)
من الطرف رقم: 4513.
(5)
سورة النساء، الآية:93.
كان الإسلام قليلا، فكان الرّجل يفتن في دينه إمّا يقتلوه، وإمّا يوثقوه، حتّى كثر الإسلام فلم تكن فتنة فلمّا رأى أنه لا يوافقه فيما يريد قال: فما قولك في عليّ وعثمان؟ قال " ابن عمر: ما قولي في عليّ وعثمان؟ أمّا عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن تعفوا عنه، وأمّا عليّ فابن عمّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأشار بيده وهذه ابنته أو بنته حيث ترون (1).
وفي رواية: عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمّد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدّخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك (2).
وفي رواية: قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدّثنا حديثا حسنا قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرّحمن حدّثنا عن القتال في الفتنة والله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمّك؟ إنّما كان محمّد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدّخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك (3).
* شرح غريب الحديث: * " فأرغم الله أنفك" أي ألصقه بالرّغام وهو التراب، هذا هو الأصل، ثم استعمل في الذّلّ والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره (4).
* "وختنه" أي زوج ابنته، والأختان من قبل المرأة، والإحماء من قبل الرجل، والصهر يجمعهما، وخاتن الرجل الرجل إذا تزوج إليه (5).
* "ثكلتك أمك" أي فقدتك، والثكل: فقد الولد، ويجوز أن تكون من
(1) الطرف رقم 4650.
(2)
الطرف رقم: 4651.
(3)
من الطرف رقم: 7095.
(4)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الغين، مادة:"رغم"، 2/ 238.
(5)
انظر: المرجع السابق، باب الخاء مع التاء، مادة:"ختن"، 2/ 10.
الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها الدعاء، كقولهم تربت يداك، وقاتلك الله (1).
* "اجهد عليّ جهدك" أي ابلغ غايتك في هذا الأمر واعمل في حقي ما تستطيع وتقدر عليه (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية النية الصالحة.
2 -
من صفات الداعية: العدل.
3 -
من وظائف الداعية الدفاع عن أئمة الهدى والتماس العذر لهم.
4 -
من أساليب الدعوة: استخدام الشدة مع بعض المدعوين.
5 -
أهمية الكف عما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم.
6 -
من أساليب الدعوة: الجدل.
7 -
أهمية اعتزال الفتن المضلة.
8 -
أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: أهمية النية الصالحة: النية الصالحة من أهم الأعمال القلبية التي ينبغي أن يتصف بها كل مسلم؛ لما في ذلك من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة (3) وفي هذا الحديث دلالة على النية الصالحة، وأنه يكتب للعبد الصالح ما نوى ولم يقدر على عمله؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان حينما لم يشهد بدرا:«إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه» ؛ لأنه رضي الله عنه كان مشغولا بتمريض بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الثاء مع الكاف، مادة:"ثكل"، 1/ 217.
(2)
انظر: المرجع السابق، باب الجيم مع الهاء، مادة:"جهد"، 1/ 319، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 14/ 244.
(3)
انظر: بستان العارفين، للإمام محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ص 22 - 27.
زوجته، ولو لم يشغل بذلك لكان من المجاهدين فأعطاه الله عز وجل ما نوى (1).
ثانيا: من صفات الداعية: العدل: العدل من أهم الصفات الحميدة التي ينبغي لكل مسلم أن يتصف بها وخاصة الداعية إلى الله عز وجل، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ لقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه:"كنا لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان " ولم يقدم أباه على أبي بكر حمية، ولكن حمله إيمانه على الصدق، وهذا هو العدل، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وأنهم يرتبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على حسب فضلهم وسبقهم للإسلام وجهادهم رضي الله عنهم، فأفضل الصحابة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:"ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله"(2) وقد استقر إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ترتيب هؤلاء الأربعة في الفضل وفي الخلافة، وهذا هو العدل الذي أخذ به أهل السنة والجماعة (3) أهل الصراط المستقيم (4) وهذا يؤكد أهمية العدل، وأن الداعية ينبغي له أن يبتعد عن طرق أهل البدع (5) ويلتزم بصفة العدل في جميع أحواله (6).
ثالثا: من وظائف الداعية: الدفاع عن أئمة الهدى والتماس العذر لهم: لاشك أن من الأعمال المباركة: الدفاع عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى من الصحابة، والتابعين، ومن سلك طريقهم من أهل العلم والإيمان؛ ولهذا دافع عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب وعن عثمان رضي الله عنهما، فقال لهذا الرجل الضال الذي يظهر عداوته لعلي رضي الله عنه: "فأرغم الله بأنفك انطلق
(1) انظر: الحديث رقم 22، الدرس السادس.
(2)
العقيدة الواسطية، ص 42.
(3)
انظر: شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة، للحافظ أبي القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي، 7/ 1310 - 1425، ومختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه العشرة، للحافظ أبي محمد عبد الغنى بن عبد الواحد المقدسي، ص 74 - 118.
(4)
انظر: الاعتصام، لأبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، 2/ 801 - 808.
(5)
انظر: المرجع السابق، 2/ 718 - 732.
(6)
انظر: الحديث رقم 60، الدرس الثاني، ورقم 64، الدرس الأول، ورقم 96، الدرس الرابع.
فاجهد علي جهدك! "، وقال رضي الله عنه في الدفاع عن عثمان حين سأل هذا الضال: "أما عثمان فكان الله قد عفا عنه وكرهتم أن تعفوا عنه، وأما عليّ فابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه"، ثم أخذ يذكر من محاسن علي وعثمان رضي الله عنهما حتى أفحم هذا الضال فذهب خائبا، وقال له ابن عمر رضي الله عنه: "اذهب بهذا الآن معك"، قال العيني رحمه الله: أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقد"(1) فينبغي للداعية أن يدافع عن الصحابة رضي الله عنهم وعن أئمة الهدى من علماء أهل السنة والجماعة، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالحسنى.
رابعا: من أساليب الدعوة: استخدام الشدة مع بعض المدعوين: الأصل في الأساليب في الدعوة إلى الله عز وجل الرفق واللين، ولكن من المدعوين من لا يجدي ولا ينفع فيه ومعه إلا الشدة والقوة؛ ولهذا استخدم عبد الله بن عمر رضي الله عنه أسلوب الشدة مع الرجل الضال الذي يطعن في علي وعثمان رضي الله عنهما، فقال:"أرغم الله بأنفك"، وقال رضي الله عنه:"قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله"، وهذا فيه قوة في الأسلوب، ولكن لا يفعل ذلك إلا مع الأمن من الوقوع في المفاسد، والله المستعان (2).
خامسا: أهمية الكف عما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم: إن من الأمور المهمة التي ينبغي للداعية أن يعرض عنها ولا يخوض فيها ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، وما حصل لبعضهم؛ لأن الكف عن ذلك مذهب أهل الحق والاعتدال (3)؛ ولهذا قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث:"أما عثمان فكان الله قد عفا عنه فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما عليّ فابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مذهب أهل
(1) عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 16/ 207.
(2)
انظر: الحديث رقم 116، الدرس العاشر.
(3)
انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، تأليف محمد خليل الهراس، ص 250.
السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم: "ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم، منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص، وغيّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه +مُعذرون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهلا إن وجد. . "، ثم قال رحمه الله:"هذا في الذنوب المحققة فكيف بالذنوب التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور"(1).
سادسا: من أساليب الدعوة: الجدل: إن أسلوب الجدل من الأساليب النافعة عند الحاجة إليه في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا استخدمه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مع الرجل الضال الذي يطعن في علي وعثمان رضي الله عنه في هذا الحديث، فسأله أولا عن عثمان وعن تخلفه، فرد عليه ابن عمر بقوله: أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم. «إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه» ، وسأل هذا الرجل الضال عن علي رضي الله عنه وطعن فيه فقال له عبد الله:"وأما علي فابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه. . . " وجادله رضي الله عنه حتى أفحمه، فينبغي للداعية أن يستخدم أسلوب الجدل عند الحاجة إليه، ولكن بالحسنى (2).
سابعا: أهمية اعتزال الفتن المضلة: ظهر في هذا الحديث أهمية اعتزال الفتن المضلة؛ ولهذا اعتزل عبد الله بن
(1) العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص 43، وانظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد بن شعيب النسائي، ص 15 - 217، والعواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، للإمام القاضي أبي بكر بن العربي المالكي، ص 77، وص 155، وص 260.
(2)
انظر: الحديث رقم 129، الدرس الرابع.
عمر رضي الله عنهما الفتن كما جاء في هذا الحديث، فجادله بعض الناس في ذلك قال:"قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله"، وهذا يؤكد اعتزال الفتن المضلة، أسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة (1).
ثامنا: أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية: الاستدلال بالأدلة الشرعية من الأمور المهمة التي ينبغي للداعية أن يعتني بها في دعوته إلى الله عز وجل؛ لما لها من التأثير على المدعوين وإقناعهم؛ ولهذا استخدمها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث، فرد على الرجل الضال الذي طعن في عثمان، وبين له بالدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان:«إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه» ، واستدل رضي الله عنه على عدم الدخول في القتال في الفتنة بقوله عز وجل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93](2) وهذا فيه تخويف من الدخول في الفتن العمياء المضلة (3).
(1) انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثاني، ورقم 150، الدرس الثالث.
(2)
سورة النساء، الآية:93.
(3)
انظر: الحديث رقم 77، الدرس الحادي عشر، ورقم 94، الدرس الثامن.