الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
239 -
باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل
[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]
115 -
[3005] حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم: أن أبا بشير الأنصاري (1) رضي الله عنه أخبر أنه كان مع رسول الله رضي الله عنه في بعض أسفاره، قال عبد الله: حسبت أنه قال: والناس في مبيتهم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا:«لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» (2).
شرح غريب الحديث: " قلادة من وتر " قيل: أراد بالأوتار: جمع: وتر القوس، أي: لا تجعلوا في أعناقها الأوتار فتختنق؛ لأن الخيل ربما رعت الأشجار فنشبت الأوتار ببعض شعبها فخنقتها. وقيل: إنما نهاهم عنها؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل بالأوتار يدفع عنها العين والأذى، فتكون كالعوذة لها، فنهاهم وأعلمهم أنها لا تدفع ضررا ولا تصرف حذرًا، ولا ترد من أمر الله شيئًا (3).
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها: 1 - من ميادين الدعوة: السفر وطرق السير.
(1) أبو بشير الأنصاري الساعدي، ويقال: المازني، ويقال: الحارثي، المدني، مخرج حديثه في الصحيحين من طريق عباد بن تميم، وروى عنه أيضًا ضمرة بن سعيد، وسعيد بن نافع، قيل: اسمه قيس بن عبيد، قال ابن عبد البر: ولا يصح ولا يوقف له على اسم صحيح، وليس في الصحابة أبو بشير غيره، قيل: شهد أحدا وهو غلام، وقيل: شهد الخندق، وقيل: مات سنة الحرة بعد أن عمر طويلًا، وقيل. مات سنة أربعين، قال ابن حجر والصحيح الأول، وأنه مات بعد سنة ستين من أثر جرح بالحرة. انظر. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 4/ 20، وتهذيب التهذيب له، 12/ 24، وفتح الباري له 6/ 141.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، 3/ 1672، برقم 2115.
(3)
انظر: تفسير غريب مما في الصحيحين للحميدي ص 125، ومشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الواو مع التاء، مادة:"وتر" 2/ 278، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع اللام، مادة:"قلد" 4/ 99، وباب الواو مع التاء، مادة:"وتر" 5/ 149".
2 -
من وسائل الدعوة: إرسال الرسل.
3 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من الشرك ووسائله.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: من ميادين الدعوة: السفر وطرق السير: إن السفر وطرق السير من ميادين الدعوة التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ ولهذا جاء في هذا الحديث عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري رضي الله عنه أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا:«لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت» فظهر أن السفر من ميادين الدعوة إلى الله عز وجل.
فينبغي للداعية أن يعتني بالدعوة إلى الله عز وجل في السفر كما يعتني بها في غيره (1).
ثانيًا: من وسائل الدعوة: إرسال الرسل: لا شك أن إرسال الرسل والدعاة إلى الله عز وجل من أهم وسائل الدعوة خارج البلاد أو في الأماكن البعيدة منها التي لا يصل إليها الدعاة في الغالب، أو في الجمع الكبير الذين لا يسمعون صوت الداعية؛ ولهذا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولًا يبلغ الناس أن:«لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "أن الرسول الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هو: زيد بن حارثة رضي الله عنه (2) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل الرسل، ويبعث البعوث للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. فينبغي العناية بهذه الوسيلة؛ لأهميتها (3).
ثالثًا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الشرك ووسائله: ظهر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع القلائد من الأوتار وغيرها سدًا
(1) انظر: الحديث رقم 47، الدرس الثالث.
(2)
انظر: الاستذكار، لابن عبد البر، 26/ 362، برقم 39962، والتمهيد له، 17/ 159.
(3)
انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 90، الدرس الثاني.
لأبواب الشرك وقطعا لوسائله؛ ولهذا قال: «لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» قوله: "أو قلادة" قيل: للتنويع (1) وقيل: للشك (2) ووقع في رواية أبي داود: «لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ولا قلادة إلا قطعت» (3) فدل ذلك على أنه من عطف العام على الخاص (4) وقد اختلف أهل العلم في المقصود بالأوتار: فقيل: إنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي؛ لئلا تصيبها العين، الواحد منه "وتر القوس" (5) فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا. وقيل: نهاهم عن ذلك لئلا تختنق الدابة بها عند الركض أو عند الرعي في الأشجار. وقيل: نهاهم عن ذلك، لأنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس» (6)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه الآخر:«الجرس مزامير الشيطان» (7) وقيل: إن الأوتار في هذا الحديث بمعنى طلب الدم والثأر، أي: لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية (8) وأنكر الإمام القرطبي وغيره هذا القول الرابع فقال: "يعني بالوتر: وتر القوس ولا معنى لقول من قال: إنه يعني بذلك: الوتر الذي هو الذحل: وهو طلب الثأر؛ لبعده لفظا ومعنى"(9) قلت: والصواب ما قاله الإمام مالك رحمه الله أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي؛ لئلا تصيبها العين، وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "والصواب أن ذلك النهي في باب الاعتقاد، وخشية العين،
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 5/ 436، وفتح الباري، لابن حجر، 6/ 341.
(2)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 5/ 436، وشرح النووي على صحيح مسلم 14/ 341.
(3)
سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في تقليد الخيل بالأوتار، 3/ 24، برقم 2552.
(4)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 6/ 141.
(5)
انظر: موطأ الإمام مالك، 2/ 937، وصحيح مسلم برقم 2115.
(6)
صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب كراهية الكلب والجرس في السفر، 3/ 1672، برقم 2113.
(7)
المرجع السابق في الكتاب والباب المشار إليهما، 3/ 1672 برقم 2114.
(8)
انظر: أعلام الحديث للخطابي 2/ 1425، والاستذكار لابن عبد البر، 26/ 362 - 365، وتفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 125، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 4/ 99، وشرح النووي على صحيح مسلم، 1/ 341، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 141، وعمدة القاري للعيني 14/ 252، وشرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/ 405.
(9)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 5/ 435.
أو المرض، أو الجن، أو غير ذلك من اعتقادات الجاهلية والقلادة من الأوتار: كالتمائم، سواء كانت على الإبل أو الخيل، أما للزينة فلا بأس بها" (1). فينبغي للداعية أن يحذر الناس من الشرك ووسائله؛ قال الله عز وجل:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38](2). وقال عز وجل: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106](3). وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا: «من تعلق شيئًا وكل إليه» (4) وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعًا: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة (5) فلا ودع الله له» (6) وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك» (7). فينبغي للداعية أن يبين للناس أن تعليق القلائد من الوتر وغيرها من الخيوط والتمائم من وسائل الشرك؛ لأن بعض الناس يظنون أن تعليق ذلك من أسباب السلامة، ولا بد للعبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور:
1 -
لا يجعل من الأسباب سببا إلا ما ثبت أنه من الأسباب المشروعة.
2 -
لا يعتمد على الأسباب بل يعتمد على مسببها ومقدرها مع قيام العبد بالمشروع منها وحرصه على النافع منها.
(1) سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3005 من صحيح البخاري.
(2)
سورة الزمر، الآية:38.
(3)
سورة يوسف، الآية:106.
(4)
الترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في كراهية التعليق، 4/ 403، برقم 3072، والحاكم 4/ 216، وأحمد في المسند 4/ 310، والبيهقي في السنن الكبرى، 9/ 351، وحسنه الألباني في غاية المرام تخريج أحاديث الحلال والحرام ص 181 برقم 297 لشاهده عن الحسن البصري، وأطال في تخريجه وذكر طرقه: الشيخ فريح بن صالح البهلال، في كتاب تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد لابن عبد الوهاب، وأقره العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز على التخريج وقدم له. انظر: ص 25.
(5)
الودع: جمع ودعة، وهي شيء أبيض يجلب من البحر يعلقه المشركون في حلوق الصبيان وغيرهم مخافة العين. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الواو مع الدال، مادة:"ودع" 5/ 168.
(6)
أحمد في المسند، 4/ 154، وأبو يعلى في المسند، 3/ 296، برقم 1759، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 4/ 417، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/ 103:"رواه أحمد والطبراني وأبو يعلى ورجالهم ثقات ".
(7)
أحمد في المسند، 4/ 156، والحاكم، 4/ 219 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 5/ 103:"رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات".
3 -
يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره ولا خروج لها عنه، والله يتصرف فيها كيف يشاء إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته؛ ليقوم بها العباد ويعرفوا بذلك مقتضى حكمته حيث ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها، وإن شاء غيرها كيف شاء، لئلا يعتمد عليها العباد؛ وليعلموا كمال قدرته.
إذا علم ذلك فمن علق شيئًا أو لبس حلقة أو خيط أو نحو ذلك، قاصدًا بها رفع البلاء بعد نزوله أو دفعه قبل نزوله فقد أشرك شركًا أكبر إذا اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة للبلاء. أما إذا اعتقد أن الله هو الدافع الرافع وحده ولكن اعتقدها سببا، يستدفع بها البلاء فقد جعل ما ليس سببا شرعيًا سببا وهذا كذب على الشرع والقدر: فأما الكذب على الشرع؛ فلأن الشرع نهى عن ذلك أشد النهي وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة، وأما القدر؛ فلأن هذا ليس من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود ولا من الأدوية المباحة النافعة، وهو من جملة وسائل الشرك؛ لأن قلبه لا بد أن يتعلق بها، وذلك نوع شرك ووسيلة إليه (1) وهذا كله يؤكد تعليم الناس التوحيد وتحذيرهم من الشرك ووسائله.
(1) انظر: القول السديد في مقاصد التوحيد، حاشية على كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 43.