الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس
. . .]
154 -
[3111] حدّثنا قتيبة بن سعيد: حدّثنا سفيان، عن محمّد بن سوقة، عن منذر، عن ابن الحنفيّة (1) قال: "لو كان عليّ رضي الله عنه ذاكرا عثمان رضي الله عنه ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان، فقال لي عليّ: اذهب إلى عثمان فأخبره إنها صدقة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمر سعاتك يعملون فيها (2).
فأتيته بها فقال: أغنها عنّا. فأتيت بها عليّا فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها" (3) وفي رواية: "وقال الحميديّ: حدّثنا سفيان: حدّثنا محمّد بن سوقة قال: سمعت منذرا الثّوريّ، عن ابن الحنفيّة قال: أرسلني أبي: خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإنّ فيه أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصّدقة". (4).
* شرح غريب الحديث: * " سعاة عثمان " الساعي هو الذي يستعمل على الصدقات ويتولىّ استخراجها من أربابها، وبه سمي عامل الزكاة: الساعي (5).
* " أغنها عنا " أي اصرفها وكفها، كقوله تعالى {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37] (6) أي يكفيه ويكفيه (7).
(1) محمد بن علي بن أبي طالب أبو القاسم المدني المعروف بابن الحنفية، وهي خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة، سبيت في الردة من اليمامة، روى عن أبيه، وعثمان، وعمار، ومعاوية، وأبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهم، ودخل على عمر، وكان رجلا صالحا، وتسميه الشيعة المهدى، وكانت شيعته تزعم أنه لم يمت لضعف عقولهم وجهلهم، قيل ولد في خلافة أبي بكر، وقيل: في خلافة عمر، مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل: سنة ثمانين، وقيل: غير ذلك. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر، 9/ 315.
(2)
في النسخة السلفية المطبوعة مع فتح الباري "يعملون بها" 6/ 213، وفي نسخة استانبول 4/ 48 كما في النسخة المعتمدة.
(3)
[الحديث 3111] طرفه في كتاب: فرض الخمس، باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته، 4/ 58، برقم 3112.
(4)
من الطرف رقم: 3112.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع العين، مادة:"سعى" 2/ 369.
(6)
سورة عبس، الآية:37.
(7)
النهابة في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الغين مع النون، مادة:"غنا" 3/ 392.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: سلامة القلب وحفظ اللسان.
2 -
من موضوعات الدعوة: الحض على النصيحة بالحكمة.
3 -
من صفات الداعية: التثبت.
4 -
من وسائل الدعوة: إرسال الكتب والرسائل.
5 -
أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية.
6 -
أهمية تربية الأبناء وتدريبهم على الأمور المهمة.
7 -
من أصناف المدعوين: أهل العلم والتقوى.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: سلامة القلب وحفظ اللسان: إن سلامة القلب وحفظ اللسان من الصفات الكريمة الجميلة التي يتأكد على كل مسلم الاتصاف بها، وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل، وقد دل قول محمد بن علي ابن الحنفية على ذلك حين قال في هذا الحديث:"لو كان عليّ رضي الله عنه ذاكرا عثمان رضي الله عنه ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان "، والمقصود لو كان عليّ رضي الله عنه ذاكرا عثمان رضي الله عنه بما لا يليق ولا يحسن لذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان، ولكن، لسلامة قلبه أرسل إليه بالكتاب الذي فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة (1) وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل ومكانة صاحب القلب السالم من الحقد والبغضاء والحسد، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؛ قال:«كلّ مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي، النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غلّ، ولا حسد» (2).
(1) انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 89.
(2)
أخرجه ابن ماجه، في كتاب الزهد، باب الورع والتقوى، 4/ 149، برقم 4216، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة، 2/ 411.
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة الرجل الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام فتابعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ليقتدي به فبقي معه ثلاثة أيام فلم ير عملا زائدا على عمله، ولم يقم من الليل شيئا إلا أنه إذا استيقظ من الليل وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبره حتى يقوم لصلاة الفجر، ولم يسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال كاد أن يحتقر عبد الله عمل الرجل، فسأله وقال: ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ما هو إلا ما رأيت غير أنى لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطّاه الله إياه"، فقال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق (1).
وهذا كله يؤكد على كل مسلم أن يسأل الله عز وجل أن يطهر قلبه من الحقد، والحسد، والبغضاء للمسلمين، وأن يطهر لسانه من قول الزور، ومن كل ما يغضب الله عز وجل، والله المستعان.
ثانيا: من موضوعات الدعوة: الحض على النصيحة بالحكمة: النصيحة لله وكتابه، ورسوله، وأئمة المسلمين، وعامتهم من أعظم القربات، وأهم الواجبات؛ ولهذه الأهمية نصح عليّ رضي الله عنه لعثمان بن عفان رضي الله عنه، كما في هذا الحديث، فأرسل إليه كتاب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"ويستفاد من هذا الحديث: بذل النصيحة للأمراء، وكشف أحوال من يقع منه الفساد من أتباعهم، وللإمام التنقيب عن ذلك"(2) وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على النصيحة بالحكمة، فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؛ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» (3).
(1) أحمد في المسند، 3/ 166، وإسناده جيد.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 215.
(3)
أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة 1/ 74، برقم 55.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنّصح لكلّ مسلم» (1).
، والنصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له، وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبّهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبّهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط. فينبغي للمسلم أن يلمّ شعث أخيه كما يلم الخياط خرق الثوب ويخلص النصيحة لأخيه صافية كما يصفو العسل (2) ومما يؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم» (3) وهذه الثلاث تستصلح بها الثوب فمن تمسك بها سلم قلبه من الحقد والحسد، والخيانة، والشحناء، ولا يبقى فيه شيء من ذلك (4).
فينبغي لكل مسلم النصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم، ويحث الناس على ذلك، والله المستعان (5).
ثالثا: من صفات الداعية: التثبت: لا شك أن التثبت في الأمور وعدم العجلة من الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها؛ ولهذا تثبّت عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في هذا الحديث - فلم يعجل على عقاب سعاته ولم يعزلهم في الحال، وهذا يدل على تثبته رضي الله عنه؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يحتمل أن عثمان رضي الله عنه لم يثبت عنده ما طعن به
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، 8/ 154، برقم 7204، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، 1/ 75، برقم 56.
(2)
انظر: المعلم بفوائد مسلم، لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري، 1/ 197، وشرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 397، ومفتاح دار السعادة لابن القيم 1/ 274.
(3)
الترمذي، 5/ 34، برقم 2658، وأحمد في المسند، 1/ 437، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 6، الدرس الأول، ص 74.
(4)
انظر: مفتاح دار السعادة، لابن القيم، 1/ 277.
(5)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 397.
على سعاته، أو ثبت عنده وكان التدبير يقتضي تأخير الإنكار، أو كان الذي أنكره من المستحبات لا من الواجبات؛ ولذلك عذره عليّ ولم يذكره بسوء" فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 215، وقيل: إن عثمان رضي الله عنه لم يرد الصحيفة إلا لأن عنده علما من ذلك، فاستغنى به، ورد الصحيفة بحكمة ورفق (1) وكل ما تقدم يوضح للداعية أهمية التثبت والأناة في الأمور؛ لما في ذلك من الصلاح والإصلاح، وسلامة القلوب واجتماع الكلمة (2).
رابعا: من وسائل الدعوة: إرسال الكتب والرسائل: إن إرسال الكتب والرسائل من الوسائل النافعة التي ينبغي أن تستخدم في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذه الأهمية أرسل عليّ رضي الله عنه بكتاب فيه الأمر بالزكاة إلى عثمان رضي الله عنه، كما قال محمد ابن الحنفية في هذا الحديث:"أرسلني أبي: خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان؛ فإن فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة"، وهذا يؤكد أهمية إرسال الرسائل والكتب؛ للدعوة إلى الله وتبليغ العلم النافع للناس (3).
خامسا: أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية: الاستدلال بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أو من أحدهما من أهم الأمور وأعظم الطاعات، وقد دل على ذلك في هذا الحديث قول علي رضي الله عنه لابنه محمد:"خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان؛ فإن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة". فينبغي للداعية أن يعتني بذكر الأدلة على ما يقول، وعلى ما يدعو الناس إليه؛ لما في ذلك من إيجاد الثقة بما يقول في قلوب المدعوين، وحصول اليقين بصدقه، ومن ثم قبول قوله ودعوته (4).
(1) انظر: جامع الأصول، لابن الأثير، 4/ 652.
(2)
انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثاني، ورقم 92، الدرس الخامس، ورقم 116، الدرس الخامس.
(3)
انظر: الحديث رقم 90، الدرس الثاني، ورقم 115، الدرس الثاني.
(4)
انظر: الحديث رقم 94، الدرس الثامن، ورقم 120، الدرس الثاني.
سادسا: أهمية تربية الأبناء وتدريبهم على الأمور المهمة: ظهر في هذا الحديث أهمية التربية والتدريب للأبناء على الأمور المهمة، والدعوة إلى الله عز وجل، ففيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أرسل ابنه محمد ابن الحنفية بكتاب الصدقة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤخذ من ذلك أنه ينبغي للداعية أن يربي أبناءه ويدربهم على تحمل المسؤولية، والقيام بالأمور المهمة؛ ليتعودوا على ذلك؛ ويشعروا بالثقة بالله ثم بأنفسهم، وحمل مصالح المسلمين، والله عز وجل المستعان.
سابعا: من أصناف المدعوين: أهل العلم والتقوى: المدعوّون أصناف على حسب الأحوال، وقد يكون المدعو من أهل العلم والتقوى؛ لأن المسلم مرآة أخيه، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث من إرسال علي رضي الله عنه إلى عثمان بكتاب الصدقة؛ ليبلغه سعاته؛ لأن فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، وهذا يوضح ويدل على أن كل إنسان يحتاج إلى توجيه إخوانه وتذكيرهم له، فلا يأنف، ولا يرد الحق، بل عليه أن يقبل الحق بدليله (1).
(1) انظر: الحديث رقم 71، الدرس السابع، ورقم؛ 76 الدرس الرابع، ورقم 77 الدرس السابع عشر.