الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
باب ما يحذر من الغدر
وقوله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 62](1).
[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]
187 -
[3176] حدثنا الحميدي: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر قال: سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك (2) قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - وهو في قبة من أدم فقال: «اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا» .
* شرح غريب الحديث: * " قبة من أدم " القبة تطلق على البيت الصغير المدوَّر والقبة من الأدم كذلك (3).
* " قعاص الغنم " القعاص: داء يأخذ الغنم لا يلبثها أن تموت (4).
* " بني الأصفر " يعني الروم لأن أباهم كان أصفر اللون، وهو روم بن عيصون بن إسحاق بن إبراهيم (5).
* " غاية " الغاية والراية سواء: فالغاية: الراية (6).
(1) سورة الأنفال، الآية:62.
(2)
عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني، أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه راية أشجع، نزل الشام وسكن دمشق، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثا، انفرد البخاري عن مسلم بواحد، وانفرد مسلم بخمسة، وأخذ العلم عنه جماعات من التابعين، توفي سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان، وذلك بدمشق رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات للنووي 2/ 40، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 3/ 43.
(3)
انظر: شرح غريب الحديث رقم: 171، ص 952.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع العين، مادة:"قعص"، 4/ 88.
(5)
المرجع السابق، باب الصاد مع الفاء، مادة:"صفر" 3/ 37.
(6)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 437، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الغين مع الياء، مادة:"غيا" 4/ 404.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة تبوك.
2 -
من أسباب تحصيل العلم: زيارة العلماء.
3 -
من أساليب الدعوة: استخدام العدد إجمالا ثم تفصيلا.
4 -
من موضوعات الدعوة: بيان علامات الساعة.
5 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم الإخبار بالمغيبات.
6 -
من أساليب الدعوة: الموعظة الحسنة.
7 -
من أصناف المدعوين: النصارى.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة تبوك: ظهر في الحديث ذكر غزة تبوك؛ لقول عوف بن مالك رضي الله عنه: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم"، وغزوة تبوك غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة، وقد أمر أصحابه قبل الغزو بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، فالناس يحبون المقام في ثمارهم، ويكرهون مفارقتها، وهذا فيه امتحان وابتلاء، فقد أظهر الله المنافقين لرسوله صلى الله عليه وسلم، وظهر صدق أهل الإيمان والتقوى، فتخلف خلق كثير من المنافقين، وغزى بشر كثير من المؤمنين، ثم أعز الله أهل الإيمان وكفاهم القتال، وأخزى الله المنافقين وفضحهم، أسأل الله لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة (1).
ثانيا: من أسباب تحصيل العلم: زيارة العلماء: دل هذا الحديث على أن من أسباب تحصيل العلم زيارة العلماء، للأخذ
(1) انظر: تاريخ الأمم والملوك، للطبري، 2/ 180، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/ 189، والبداية والنهاية لابن كثير، 5/ 3 - 18، وانظر: الحديث رقم 163 والدرس العاشر.
عنهم؛ لأن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة. .» ، ثم عد له النبي صلى الله عليه وسلم علامات الساعة المذكورة في هذا الحديث، فلو لم يزر النبي صلى الله عليه وسلم ويذهب إليه ما حصل على هذا العلم، وهذا يؤكد على طالب العلم أن يعتني بزيارة العلماء في الأوقات المناسبة، ويلازمهم للاستفادة من علمهم؛ ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله:
أخي لن تنال العلم إلا بستة
…
سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء ، وحرص ، واجتهاد ، وبلغة
…
وصحبة أستاذ ، وطول زمان (1)
/ 50 ثالثا: من أساليب الدعوة: استخدام العدد إجمالا ثم تفصيلا: ظهر في هذا الحديث أسلوب ذكر العدد إجمالا ثم تفصيلا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعوف بن مالك رضي الله عنه: «اعدد ستا بين يدي الساعة» ، وهذا فيه إجمال يشد الانتباه؛ للتشوق إلى ذكر هذه الست تفصيلا، ثم قال صلى الله عليه وسلم:«موتي ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا» . . . " فينبغي العناية بهذا الأسلوب عند الحاجة لذكره في الدعوة إلى الله صلى الله عليه وسلم (2).
رابعا: من موضوعات الدعوة: بيان علامات الساعة: إن بيان علامات الساعة من الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يعتني بها في دعوته إلى الله عز وجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لعوف بن مالك رضي الله عنه: «اعدد ستا بين يدي الساعة» فدل ذلك على أهمية بيان علامات الساعة للناس اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وعلامات الساعة تدل على اقتراب القيامة، فإذا ذكر الداعية بعض هذه العلامات؛ فإن فيها التحذير من الغفلة والحض على الإقبال علي الله عز وجل؛ قال الله عز وجل:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: 18](3).
(1) ديوان الإمام الشافعي، جمعه محمد عفيف ص 81.
(2)
انظر الحديث رقم 12، الدرس الرابع.
(3)
سورة محمد، الآية:18.
وقد قسم العلماء أشراط الساعة إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما وقع وانقضى على وفق ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقسم الثاني: ما وقعت مباديه ولا يزال يزداد ويتتابع ويكثر. والقسم الثالث: ما لم يظهر إلى الآن وهي العلامات الكبرى (1) فأما القسمان الأولان فهما من أشراط الساعة الصغرى، ومن ذلك بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وموته، وفتح بيت المقدس، وطاعون عمواس، واستفاضة المال وكثرته، وظهور الفتن، وظهور مدعي النبوة، وظهور نار الحجاز، وقتال الترك والعجم، وضياع الأمانة، وقبض العلم وظهور الجهل، وانتشار الزنا والربا، وظهور المعازف وشرب الخمر، والتطاول في البنيان، وكثرة القتل، وتقارب الزمان، وتقارب الأسواق، وظهور الفحش وقطيعة الرحم وكثرة الشح، وكثرة الزلازل، وأن تكون التحية للمعرفة، وظهور الكاسيات العاريات، وكثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأخبار، وكلام الجماد والسباع للإنس. . . وغير ذلك من العلامات.
وأما القسم الثالث الذي لم يظهر منها: فالدخان، وخروج المسيح الدجال وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وظهور المهدي، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوفات: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم (2).
فينبغي للداعية أن يبين للناس علامات الساعة في الأوقات المناسبة؛ لما في ذلك من الحث على الاستقامة، والتخويف الجالب للمسارعة إلى الخيرات.
خامسا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: الإخبار بالمغيبات: دل هذا الحديث على صدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر بأمور غيبية وقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم، قال لعوف بن مالك:«اعدد ستا بين يدي الساعة» ، ثم ذكر موته؛
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 83.
(2)
والأدلة على علامات الساعة كثيرة جدا ذكر منها الإمام ابن الأثير مائة وسبعة أحاديث في جامع الأصول 10/ 327 - 419، من الحديث رقم 7831 - 7938، وهذا يدل على عناية النبي صلى الله عليه وسلم بذكر علامات الساعة وبيانها للناس.
وفتح بيت المقدس، والموتان: وهو طاعون عمواس، واستفاضة المال وفتنة لا يبقى بيت إلا دخلته - وهي ما وقع من قتل عثمان رضي الله عنه، وغدر الروم. وقد ذكر ابن حجر رحمه الله:"أن هذه العلامات قد خرجت كلها إلا قصة الروم فلم تقع إلى الآن"(1) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "هذا من علامات النبوة؛ فإن هذا كله قد وقع، أما الخمس الأولى فقد وقعت، وأما السادسة، وهي تجمعات الروم فيحتمل أن يكون ما حصل في عهد عمر وعثمان من تجمعات، ويحتمل أن يكون ذلك هو الذي في آخر الزمان"(2) وهذا كله يؤكد صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على معجزاته العظيمة التي جعلها الله من علامات نبوته (3).
سادسا: من أساليب الدعوة: الموعظة الحسنة: ظهر في هذا الحديث ترغيب وترهيب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هدنة تكون بين المسلمين والروم، فيغدر الروم ويأتون تحت ثمانين راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فيكون عددهم تسعمائة وستين ألفا، وهذا جيش عظيم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:"وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد جيوش المسلمين سيكون أضعاف ما هو عليه"(4) ولا شك أن الموعظة الحسنة: هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والقول الحق الذي يلين القلوب، ويؤثر في النفوس، ويكبح جماح النفوس المتمردة، ويزيد النفوس المهذبة إيمانا وهداية (5).
فينبغي للداعية أن يستخدم هذا الأسلوب النافع مع المدعوين؛ ليحصل
(1) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6/ 278.
(2)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3176 من صحيح البخاري.
(3)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 278.
(5)
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 19/ 164، ومفتاح دار السعادة لابن القيم، 1/ 474، والتفسير القيم لابن القيم، ص 344، وهداية المرشدين لعلي بن محفوظ ص 71.
النفع التام بإذن الله عز وجل؛ ولأهمية الموعظة الحسنة قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66](1) وينبغي للداعية يكون وعظه للناس على نوعين:
وعظ التعليم: ويكون ببيان عقائد التوحيد، وبيان الأحكام الشرعية الخمسة: من الواجب، والحرام، والمسنون، والمكروه، والمباح، ويراعي ذلك كله ما يناسب كل طبقة، ويسوق إلى الناس التعليم مساق الوعظ الذي يلين القلوب، ويبعثها على العمل، ولا يسرد سردا خاليا من وسائل التأثير (2).
وعظ التأديب: ويكون بتحديد الأخلاق الحسنة: كالحلم، والأناة، والكرم، والصبر، وبيان آثارها ومنافعها في المجتمع، والحث على التخلق بها، والتزامها، وتحديد الأخلاق السيئة: كالغضب، والعجلة، والغدر، والجزع، والبخل. . والتحذير عن الاتصاف بها عن طريق: الترغيب والترهيب، ويتأكد على الداعية أن يستشهد في ذلك كله بما جاء فيه من الكتاب والسنة الثابتة، وآثار الصحابة رضي الله عنه، والتابعين والأئمة المجتهدين، وأحوالهم في ذلك فإن لهذا شأنا عظيما يوصل إلى الغاية المقصودة متى صدر من قلب سليم متخلق بما يدعو إليه. والله المستعان (3).
سابعا: من أصناف المدعوين: النصارى: إن هذا الحديث دل على أن من أصناف المدعوين النصارى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقتال المسلمين لهم، ولهم طرق في دعوتهم ينبغي للداعية أن يلتزمها مراعاة لعقيدتهم وأحوالهم (4).
(1) سورة النساء، الآية:66.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير، 1/ 266، 462، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي 1/ 278، 2/ 35، وهداية المرشدين لعلي بن محفوظ ص 143.
(3)
انظر: مفتاح دار السعادة لابن القيم، 474 - 475، وهداية المرشدين لعلي بن محفوظ ص 145، 192.
(4)
انظر: الحديث رقم 90، الدرس الرابع.