الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب
وَقَالَ عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أُقركم مَا أَقَرَّكُم الله» .
[حديث أقركم ما أقركم الله]
184 -
[3167] حَدَّثَنَا عبد الله بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ (1) رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجدِ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "انْطلِقُوا إِلَى يَهُودَ" فَخَرَجْنا حَتَى جِئْنَا بَيْتَ المِدْرَاسِ فَقَال: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرض، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئا فَلْيَبِعْهُ، وإِلَّا فَاعلَمُوا أَنَّ الأَرْض لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . (2).
* شرح غريب الحديث: * " بيت المدراس "المدراس: صاحب دراسة كتب اليهود، وبيت المدراس: البيت الذي يدرسون فيه (4).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من ميادين الدعوة: المسجد.
2 -
من وسائل الدعوة: إرسال الدعاة.
3 -
من موضوعات الدعوة: الحض على الدخول في الإِسلام.
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 7.
(2)
[الحديث 3167] طرفاه في: كتاب الإكراه، باب في بيع المكره ونحوه في الحق وغيره، 8/ 71، برقم 6944، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46]، 8/ 197، برقم 7348، وأخرجه مسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب إجلاء اليهود من الحجاز 3/ 1387، برقم 1765.
(3)
الطرف رقم: 6944.
(4)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الدال مع الراء، مادة:"درس " 2/ 113.
4 -
من أساليب الدعوة: الجدل بالتي هي أحسن.
5 -
من موضوعات الدعوة: الحض على إخراج المشركين من جزيرة العرب.
6 -
من صفات الداعية: الفصاحة والبلاغة.
7 -
من أساليب الدعوة: الترغيب.
8 -
أهمية أسلوب التأكيد بالتكرار.
9 -
من أصناف المدعوين: اليهود.
10 -
من صفات اليهود: المكر والخديعة.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من ميادين الدعوة: المسجد: دل هذا الحديث على أن من ميادين الدعوة إلى الله عز وجل المسجد؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه: بينما نحن في المسجد خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "انطلقوا إلى يهود"، وهذا يؤكد أهمية الدعوة إلى الله في المسجد؛ لأنه من أعظم الميادين النافعة، لما جعل الله في المساجد من البركة، والاستفادة من العلم، وغير ذلك مما يختص بالدين ونشره وتعلمه وتعليمه، والله ولى التوفيق (1).
ثانيا: من وسائل الدعوة: إرسال الدعاة: ظهر في هذا الحديث أن إرسال الدعاة من وسائل الدعوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة: "انطلقوا إلى يهود"، فينبغي العناية بإرسال الدعاة إلى الله عز وجل؛ لنشر العلم بين الناس، وتبليغ الإِسلام إلى كافة الناس، والله المستعان (2).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: الحض على الدخول في الإسلام:
إن دعوة غير المسلمين وحضهم على الدخول في الإِسلام من أعظم الواجبات، وأعلى الثواب في رفع الدرجات؛ ولهذا حض النبي صلى الله عليه وسلم جميع البشر على الدخول في الإسلام، ومن ذلك حض اليهود وأمرهم بالدخول في دين الله عز وجل فقال:
(1) انظر: الحديث رقم 76، الدرس الثاني.
(2)
انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 90، الدرس الثاني.
«يا معشر يهود أسلموا تسلموا، واعلموا أن الأرض لله ورسوله» ، وهذا فيه بيان واضح على أن الحض على الدخول في الإِسلام من أهم المهمات.
فينبغي للداعية أن يعتني بدعوة الناس إلى الإِسلام، وبيان محاسنه وخصائصه؛ لترغيب الناس فيه، ولا شك أن أول ما يبدأ الداعية به لدعوة الناس إلى الدخول في الإِسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإن هم انقادوا لذلك فحينئذٍ يبدأ معهم بالتدرج في تعليم شرائع الإِسلام وأخلاقه (1).
رابعا: من أساليب الدعوة: الجدل بالتي هي أحسن: إن من أهم الأساليب مع المعاندين المجادلة بالتي هي أحسن؛ ولهذا جادل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود فقال: «يا معشر يهود أسلموا تسلموا"، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال "ذلك أريد» ، ثم قالها الثانية، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قالها الثالثة، وهذا فيه مجادلة بالتي هي أحسن؛ وقد ذكر ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ اليهود، ودعاهم إلى الإِسلام والاعتصام به، فقالوا بلغت ولم يذعنوا لطاعته، فبالغ في تبليغهم وكرره، وهذه مجادلة بالتي هي أحسن "(2) وهذا يؤكد أهمية الجدل بالتي هي أحسن (3).
خامسا: من موضوعات الدعوة: الحض علي إخراج المشركين من جزيرة العرب: إخراج المشركين من جزيرة العرب أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته، وقد ظهر في هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود:«إني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن يجد " (4) منكم بماله شيئا فليبعه وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله» ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل موته بثلاثة أيام:«أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم»
(1) انظر: الحديث رقم 90، الدرس الأول، والدرس الثاني، ورقم 92، الدرس السابع والدرس الثامن.
(2)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 13/ 315.
(3)
انظر: الحديث رقم 129، الدرس الرابع، ورقم 162، الدرس السادس.
(4)
فمن يجد منكم بماله " من الوجدان: أي يجد مشتريا، أو من الوجد: أي المحبة: أي يحبه، والغرض "أن منهم من يشق عليه فراق شيءٍ من ماله، مما يعسر تحويله فقد أذن له في بيعه "، فتح الباري لابن حجر، 6/ 271.
وسكت عن الثالثة أو أنسِيهَا (1) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما» (2) وجزيرة العرب التي يُخْرَجُ منها المشركون هي: ما بين أقصى عدن اليمن إلى ريف العراق في الطول، وأما في العرض فمن جدة وما والاها إلى أطراف الشام، وقيل لها جزيرة العرب؛ لأن بحر الحبش، وبحر فارس، ودجلة والفرات قد أحاطت بها، وأضيفت إلى العرب؛ لأنها الأرض التي كانت بأيديهم قبل الإِسلام (3).
فينبغي إنفاذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنفذها عمر رضي الله عنه في خلافته (4) ولا يمنع الكفار من التردد مسافرين في جزيرة العرب، ولا يمكنوا من الإِقامة فيها أكثر من ثلاثة أيام إلا لضرورة رآها ولي أمر المسلمين بدون إقامة دائمة، وإنما مؤقتة ثم يُخرجون بعد زوال الضرورة المحددة (5).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "الواجب إخراج الكفرة من هذه الجزيرة، إلا إذا دخل لحاجة، كرسول لدولته، أو لبيع شيء وليس معه إقامة، فيبقى ثلاثة أيام أو نحوها ثم يخرج"(6) وسمعته حفظه الله يقول: "فعلى المسلمين أن لا يستقدموا الكفار، بل يستقدموا المسلمين، إلا إذا احتاج ولي الأمر لاستقدامهم للضرورة لبعض الأعمال، فليكن ذلك وقت الضرورة ثم يرجعوا إلى بلادهم "(7) وهذا وما قبله يؤكد أهمية التحريض على إخراج المشركين من جزيرة العرب، إنفاذا لوصية
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 4/ 78، برقم 3168، ومسلم كتاب الوصية، 3/ 257، برقم 1637.
(2)
مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، 3/ 1388، برقم 1767.
(3)
انظر: معالم السنن للخطابي 4/ 246، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي 3/ 589، وشرح النووي على صحيح مسلم، 11/ 102.
(4)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 171.
(5)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 103، وفتح الباري لابن حجر 6/ 271 - 272، 8/ 134.
(6)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3167 من صحيح البخاري، في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض.
(7)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4431 من صحيح البخاري، في فجر يوم الخميس 19/ 10 / 1416 هـ، في جامع الإِمام تركي بن عبد الله "الجامع الكبير" بالرياض.
رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله المستعان وعليه التكلان (1).
سادسا: من صفات الداعية: الفصاحة والبلاغة: الفصاحة والبلاغة من الصفات الجميلة التي يجمل أن يتصف بها الداعية، وقد ظهر هذا الأسلوب في الحديث، لقوله صلى الله عليه وسلم لليهود:"أسلموا تسلموا" قال الإِمام النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث استحباب تجنيس الكلام، وهو من بديع الكلام، وأنواع الفصاحة"(2) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: «أسلموا تسلموا» من الجناس الحسن؛ لسهولة لفظه وعدم تكلفه" (3) وهذا يبيِّن أهمية الفصاحة للداعية في الدعوة إلى الله عز وجل (4).
سابعا: من أساليب الدعوة: الترغيب: الترغيب في الدخول في الإِسلام بالوعد بالخير والسلامة من الشر من أساليب الدعوة الناجحة، وقد استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقال لليهود:«أسلموا تسلموا» ، قال الإِمام القرطبي رحمه الله:"أي: ادخلوا في دين الإِسلام طائعين تسلموا من القتل والسباء مأجورين "(5) وهذا يؤكد أهمية أسلوب الترغيب (6).
ثامنا: أهمية أسلوب التأكيد بالتكرار: إن التكرار من الأساليب الجميلة التي ينبغي للداعية أن يستخدمها في دعوته إلى الله عز وجل، وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود:«أسلموا تسلموا» ، ثم كرر ذلك ثلاث مرات؛ قال الحافظ ابن حجر
(1) انظر: معالم السنن للخطابي 4/ 246، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 587 - 589، وشرح النووي على صحيح مسلم 11/ 102 - 203 و 12/ 335، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 170 - 171 و 6/ 270 - 272، و 8/ 132 - 135.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 333.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 271، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 587.
(4)
انظر: الحديث رقم 53، 54، 55، الدرس الثاني، ورقم 58، الدرس السابع عشر.
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/ 587.
(6)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الرابع عشر، ورقم 8، الدرس الرابع.
رحمه الله: "بَلّغ اليهود ودعاهم إلى الإِسلام والاعتصام به، فقالوا: بلغت، ولم يذعنوا لطاعته، فبالغ في تبليغهم وكرره "(1) وهذا يدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم، ولكن الله يهدي من يشاء (2).
تاسعا: من أصناف المدعوين: اليهود: دل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلموا تسلموا» على أن اليهود من أمة الدعوة، فينبغي العناية بدعوتهم على حسب الطرق الحكيمة في دعوتهم، والله الهادي إلى سواء السبيل (3).
عاشرا: من صفات اليهود: المكر والخديعة: ظهر في هذا الحديث مكر اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال لهم: "أسلموا تسلموا"، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال:"ذلك أريد"، فكرر فكرروا، حتى قال ذلك ثلاث مرات. وقولهم:"قد بلغت يا أبا القاسم " كلمة مكر وخديعة تحمل العداوة المستترة؛ قال الإِمام القرطبي رحمه الله: "قولهم: قد بلغت يا أبا القاسم: كلمة مكر وخديعة، ومداجاة؛ (4) ليُدافعوه بما يوهمه ظاهرها، وذلك: أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلغ رسالة ربه تعالى؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك أريد"، أي التبليغ، قالوا ذلك وقلوبهم منكرة، مكذبة"(5) وهذا فيه تحذير من مكر اليهود وغدرهم؛ قال الله عز وجل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82](6) * * * *
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 13/ 315.
(2)
انظر: الحديث رقم 4، الدرس الخامس، ورقم 7، الدرس الثاني عشر.
(3)
انظر: الحديث رقم 89، الدرس العاشر، ورقم 92، الدرس الرابع عشر.
(4)
المداجاة: المداراة، يقال: داجيته: أي داريته وكأنك ساترته العداوة، ويقال: داجى الرجل: ساتره بالعداوة وأخفاها عنه، فكأنه أتاه في الظلمة. لسان العرب لابن منظور، باب الواو، فصل الدال، 14/ 250.
(5)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 3/ 588، وانظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 271.
(6)
سورة المائدة، الآية:82.