الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]
[حديث حكم سعد في بني قريظة]
131 -
[3043] حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم وعن أبي أمامة هو ابن سهل بن حنيف، عن أبي سعيد الخدري (1) رضي الله عنه قال:«لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد (2) بعث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وكان قريبا منه - فجاء على حمار، فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى سيدكم "، فجاء فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: " إن هؤلاء نزلوا على حكمك ". قال فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، قال: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك» (3).
وفي رواية: «نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 19.
(2)
هو سعد بن معاذ بن النعمان، بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، السيد الكبير، الشهيد أبو عمرو رضي الله عنه وهو سيد الأوس، أسلم على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله مهاجرا على المدينة يعلم المسلمين أمور دينهم، فلما أسلم سعد قال لبني عبد الأشهل: كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلا وأيمننا نقيبة، قال:" فإن كلامكم علي حرام: رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله " فلم يبق في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا أسلموا. وكان سعد رضي الله عنه من أعظم الناس نصرا للإسلام، ومن أنفعهم لقومه، شهد بدرا، وأحدا والخندق، وقريظة، ونزلوا على حكمه، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذرية فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" قضيت بحكم الله " في رواية: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك "، أصيب يوم الخندق بجرح في الأكحل، فقال:" اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها؛ فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك؛ آذوا نبيك، وكذبوه، وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة "[البخاري برقم 4122، وسيرة ابن هشام عن ابن إسحاق، 3/ 244، ومسند أحمد 6/ 141] فاستجاب الله دعوت وحكمه في بني قريظة، وجعلها له شهادة بعد حكمه فيهم حيث انفجر جرحه فمات شهيدا بعد شهر من غزوة الخندق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ "[البخاري برقم 3803، ومسلم برقم 2466] وأهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حرير فجعل الصحابة يعجبون من لينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا "[البخاري برقم 3248، 3249، ومسلم برقم 2468، 2469] رضي الله عن سعد بن معاذ ورحمه. انظر: سيرة بن هشام، 3/ 244، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1/ 214، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 1/ 279، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 37.
(3)
[الحديث 3043] أطرافه في: كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، 4/ 274، برقم 3804، وكتاب المغازي، باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم، 5/ 60، برقم 4121. وكتاب الاستئذان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى سيدكم "، 7/ 174، برقم 6262. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم، 3/ 1388، برقم 1768.
سَعْدٍ فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجدِ قَالَ لِلأنصَارِ: " قُومُوا إِلى سَيِّدِكُم أَوْ خَيْرِكُمْ - فَقَالَ: هَؤُلَاءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ " فَقَالَ: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَاريهمْ قَالَ: " قَضَيْتَ بِحُكْم الله "، وَرُبَّمَا قَالَ: " بِحُكْم المَلِكِ» (1).
* شرح غريب الحديث: * - " وتُسْبَى ذرَارِيهم " السَّبْي، والسَّبيَّة، والسَّبايا: النهبُ وأخذ الناس عبيدا وإماءً، والسَّبيَّة: المرأة المنهوبة، وجمعها: سبايا، والذرية: النساء والصبيانَ (2).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
أهمية حكم العالم برضى الخصمين.
2 -
من وسائل الدعوة: القيام للمقابلة بالسلام والمصافحة والتهنئة.
3 -
من صفات الداعية: التواضع.
4 -
من صفات الداعية: وضع كل شيء في موضعه.
5 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
6 -
من أصناف المدعوين: اليهود.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: أهمية حكم العالم برضى الخصمين: لا شك أن حكم العالم برضى الخصمين له أهمية بالغة؛ لما يفصل وينهي من المنازعات، والأصل في ذلك قصة سعد بن معاذ مع بني قريظة حينما نزلوا على حكمه فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما وصل قال صلى الله عليه وسلم له:" إن هؤلاء نزلوا على حكمك " فقال رضي الله عنه: فإنِّي أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية. فقال النبي
(1) الطرف رقم 4121.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع الباء، مادة:"سبا" 2/ 340، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 42.
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " لقد حكمّت فيهم بحكم المَلِكِ ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " يستفاد منه لزوم حكم المحكم برضى الخصمين "(1) وقال العلامة العيني رحمه الله: " فيه لزوم حكم المحكم برضى الخصمين، سواء كان في أمور الحرب أو غيرها، وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على علي رضي الله عنه "(2) وقد تكلم الإمام النووي رحمه الله كلاما جامعا قال فيه: " فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين، وفي مهماتهم العظام، وقد أجمع العلماء عليه، ولم يخالف فيه إلا الخوارج، فإنهم أنكروا على عليٍّ التحكيم، وأقام الحجة عليهم، وفيه جواز مصالحة أهل قرية أو حصن على حكم حاكم مسلم، عدل، صالح للحكم، أمين على هذا الأمر، وعليه الحكم بما فيه مصلحة للمسلمين، وإذا حكم بشيء لزم حكمه، ولا يجوز للإِمام ولا لهم الرجوع عنه، ولهم الرجوع قبل الحكم، والله أعلم "(3) وحاصل ذلك أن الإمام إذا وافق على التحكيم لحَكَمٍ من أهل العلم والفقه، والديانة، فحكم بما فيه مصلحة المسلمين: من قتل، أو سباء، أو إقرار على الجزية، أو إجلاء، نفذ حكمه إذا لم يكن فيه مخالفة للشرع بأي وجه من الوجوه (4).
ثانيا: من وسائل الدعوة: القيام للمقابلة بالسلام والمصافحة أو التهنئة: ظهر في هذا الحديث أن القيام للقادم لمقابلته بالسلام والمصافحة أو التهنئة، أو إجلاسه في مكانه، أو إنزاله من على دابته إذا كان مريضا من وسائل الدعوة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:" قوموا إلى سيدكم " وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم للمقابلة بالسلام لبعض أصحابه عند القدوم عليه (5) ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 165.
(2)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14/ 288.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 336، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 592.
(4)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/ 592.
(5)
كما قام لفاطمة وقبلها وأجلسها مكانه، وكانت تفعل ذلك له، وذكر أن أخاه من الرضاعة أقبل عليه فقام فأجلسه بين يديه؛ للتوسيع له في الجلوس، وقام لعكرمة حينما جاء من اليمن مسلما، فرحا بإسلامه، وقام لجعفر بن أبي طالب عندما قدم من الحبشة فرحا بقدومه ومقابلة له بالسلام، وقدم إليه زيد بن حارثة فقام إليه فاعتنقه وقبله، وغير ذلك وهذا كله للاستقبال بالسلام، أو المصافحة أو التقبيل أو إجلاس القادم في مكانه، أما للتعظيم فلا. انظر: فتح الباري 11/ 52.
قالت: «ما رأيت أحدا أشبه سمتا، ودلّا (1) وهديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم» قالت: «وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجَلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها» (2) ومن ذلك ما فعله طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قام إلى كعب بن مالك رضي الله عنه قال كعب: «فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وَهَنَّاني» (3).
وهذا كله يدل على أهمية المقابلة بالسلام، والتهنئة، والمعانقة، للقادم من السفر، والمصافحة عند المقابلة، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا» (4) وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذُنُوبُهُمَا، كما تتحات الورق من الشجرة اليابسة في يومِ ريحٍ عاصفٍ، وإلا غُفِرَ لَهُمَا ولو كانت ذنوبهما مِثْلَ زبَدِ البحر» (5) وعن أنس رضي الله عنه قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا» (6).
(1) سمتا، ودلا، وهديا، قيل: هذه الألفاظ متقاربة المعاني، فمعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال، ونحو ذلك. انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، للمباركفوري، 10/ 373.
(2)
أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في القيام، 4/ 355، برقم 5217، والترمذي، وحسنه، في كتاب المناقب، باب فضل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، 5/ 700، برقم 3872، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/ 241، وصحيح سنن أبي داود، 3/ 979.
(3)
البخاري برقم 4418، ومسلم برقم 2769، وتقدم تخريجه في الحديث رقم [9 - 2757] ص 94.
(4)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في المصافحة، 4/ 354، برقم 5211، والترمذي، وحسنه، في كتاب الاستئذان، باب ما جاء في المصافحة، 5/ 74، برقم 2727، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب المصافحة 2/ 1220، برقم 3703، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/ 979، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 525، وذكر له طرقا كثيرة.
(5)
الطبراني في المعجم الكبير، 6/ 256، برقم 6150، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 37: ورجاله رجال الصحيح غير سالم ابن غيلان وهو ثقة. وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله أثناء كلامه على تفسير الآية رقم 63 من سورة الأنفال وعلى الحديث الذي أورده ابن كثبر في تفسير هذه الآية، بتاريخ 12/ 10 / 1417 هـ في جامع الأميرة سارة، في البديعة في الرياض، يقول:" سند الطبراني صحيح وقد فات الألباني في السلسلة الصحيحة، لكن جميع ما ذكره شواهد لهذا ".
(6)
الطبراني في الأوسط، [مجمع البحرين في زوائد المعجمين] 5/ 262، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 36:" ورجاله رجال الصحيح ".
وما تقدم يؤكد أن القيام للقادم - من أجل المقابلة بالسلام والمصافحة أو المعانقة، أو التهنئة، أو إجلاسه في مكان القائم - كل ذلك من وسائل الدعوة. وأما القيام للقادم أو القائم من المجلس بدون سلام ولا مصافحة أو معانقة أو تهنئة؛ أو لإِجلاسه في مجلس القائم فلا يجوز؛ لأن ذلك من فعل العجم لعظمائهم.
ولا ينبغي للمسلم وخاصة الداعية أن يقوم الناس لتعظيمه واحترامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحب أن يقوم له أحد من أصحابه، فكانوا لا يقومون له، إِلا للسلام والمقابلة، أو إجلاسه مكان أحدهم (1) وقد قال صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أحبَّ أنْ يُمثَّل له الرجال قياما فليتبوَّأْ مقعده من النار» (2) ولهذا قال أنس رضي الله عنه عن الصحابة رضي الله عنهم: «لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك» (3).
والخلاصة أن القيام ينقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو جالس وهو فعل الجبابرة، وقيام له عند رؤيته أو عند قيامه من المجلس تعظيما له وهذا متنازع فيه، والصواب عدم جوازه، وقيام إليه عند قدومه لمقابلته بالمصافحة أو المعانقة، أو التهنئة مع المصافحة، أو إجلاسه في مجلس القائم وهذا لا بأس به، بل هو من وسائل الدعوة النافعة (4) قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط "(5).
(1) انظر: معالم السنن للخطابي، 8/ 82 - 85، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 3/ 592 - 593، وفتح الباري لابن حجر، 11/ 50 - 54.
(2)
أبو داود، كتاب الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، 4/ 358، برقم 5229، والترمذي، في كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، 5/ 90، برقم 2755، وقال:" هذا حديث حسن ". ولفظه: " من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوَأ مقعده من النار " وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 982، وصحيح سنن الترمذي، 2/ 357.
(3)
الترمذي، كتاب الأدب، باب كراهية قيام الرجل للرجل، 5/ 90، برقم 2754، وقال:" هذا حديث حسن صحيح "، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 356.
(4)
انظر: تهذيب الإمام ابن قيم الجوزية مع معالم السنن للخطابي 8/ 84.
(5)
المرجع السابق، 8/ 93.
ولكن إذا كان من عادة الناس إكرام القادم بالقيام، ولو تُرِكَ لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وذلك من باب دفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما كما يجب فعل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما (1) ولكن ينبغي للداعية أن يقرن القيام بالمقابلة والمصافحة على حسب الاستطاعة، ويعلم الناس السنة بالحكمة والموعظة الحسنة، والله المستعان.
ثالثا: من صفات الداعية: التواضع: ظهر في هذا الحديث صفة التواضع من عدة وجوهٍ، منها: كون النبي صلى الله عليه وسلم وافق على طلب من أراد تحكيم سعد بن معاذ، ولو شاء صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك (2) ويدل على التواضع قوله صلى الله عليه وسلم:" قوموا إلى سيدكم "؛ فإن العظماء لا يحبون أن يقام إلى غيرهم ولا مساعدته، وقوله صلى الله عليه وسلم:" قضيت فيهم بحكم الله " وهذا يؤكد تواضعه صلى الله عليه وسلم وبيانه للحق وعدم ردِّه. وكذلك ما فعله سعد بن معاذ رضي الله عنه، وأنه ركب على حمار، وهذا يبين تواضعه رضي الله عنه.
فينبغي للداعية أن يتصف بالتواضع لله عز وجل (3).
رابعا: من صفات الداعية: وضع كل شيء في موضعه: إن من صفات الداعية وضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد دل هذا الحديث على هذه الصفة العظيمة لسعد رضي الله عنه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" قضيت فيهم بحكم الملك " وذلك أنه قال رضي الله عنه: «فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تُسبى الذرية» ، وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: " وهذا من توفيق الله لسعد رضي الله عنه، فحكم فيهم
(1) انظر. مجموع فتاوى ابن تيمية، 1/ 375 - 376، وفتح الباري لابن حجر، 11/ 54.
(2)
انظر: زاد المعاد لابن القيم، 3/ 134.
(3)
انظر: الحديث رقم 33، الدرس الحادي عشر، ورقم 62، الدرس الثالث.
بحكم الله، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم رجالهم البالغين، وسبى ذراريهم ونساءهم " (1).
فينبغي للداعية أن يسأل الله الصواب في الأقوال والأفعال ويحرص على ذلك (2).
خامسا: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: دل هذا الحديث على أن الحرص على الدقة في نقل الحديث من صفات الداعية المخلص؛ ولهذا قال الراوي في نقل كلام النبي صلى الله عليه وسلم: " قوموا إلى سيدكم " أو " خيركم ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " الشك فيه من أحد رواته أي اللفظين قال "(3).
وهذا يؤكد حرص السلف الصالح رحمهم الله على الدقة في نقل الحديث (4).
سادسا: من أصناف المدعوين: اليهود دل هذا الحديث على أن اليهود من أصناف المدعوين؛ ولهذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، ثم عقد معهم العهد، وعندما نقضوا العهد والميثاق حاصرهم، ووافق على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، فحكم فيهم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم، فقال صلى الله عليه وسلم:" لقد حكمت فيهم بحكم الملِكِ " وفي لفظ: " قضيت بحكم الله "(5).
(1) سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4121 من صحيح البخاري.
(2)
انظر: الحديث رقم 64، الدرس الخامس، ورقم 75، الدرس الثاني.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 412، وانظر: عمدة القاري للعيني، 16/ 269.
(4)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس العاشر.
(5)
انظر: الحديث رقم 89، الدرس العاشر، ورقم 92، الدرس الرابع عشر.