الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 -
باب إثم من عاهد ثم غدر
وقول الله عز وجل: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56](1).
[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]
188 -
[3180] قَالَ أَبُو مُوسَى: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (2) رضي الله عنه قَالَ:«كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ: قَالُوا: عَمَّ ذَلِكَ؟ قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَشُدُّ اللَّهُ عز وجل قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ» .
* شرح غريب الحديث: * " إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما " أي إذا لم تأخذوا من الجزية والخراج شيئا. (3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من أساليب الدعوة: السؤال والجواب.
2 -
من أساليب الدعوة: التأكيد بالقسم.
3 -
أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية.
4 -
من موضوعات الدعوة: الحض على الوفاء بالعهد.
5 -
من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: تحقق ما أخبر به.
6 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من الظلم.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من أساليب الدعوة: السؤال والجواب: إن السؤال والجواب من أهم أساليب الدعوة؛ لما فيه من شحذ الهمم ولفت
(1) سورة الأنفال، الآية:56.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 7.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، 6/ 280.
انتباه المدعو، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه:«كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا» فقيل له: «وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة؟» فأجابهم بما يريد أن يلقي إليهم من العلم، وهذا يؤكد أهمية أسلوب السؤال والجواب (1).
ثانيا: من أساليب الدعوة: التأكيد بالقسم: التأكيد بالقسم أسلوب ناجح من أساليب الدعوة؛ ولهذا قال أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث: «إي والذي نفس أبي هريرة بيده» ثم ساق الحديث وهذا يدل على استخدام الصحابة رضي الله عنهم لهذا الأسلوب في دعوتهم لأهميته (2).
ثالثا: أهمية الاستدلال بالأدلة الشرعية: إن الاستدلال بالأدلة الشرعية من أهم الأمور التي ينبغي للداعية أن يعتني بها في دعوته؛ ليثق الناس بما يقوله، ويسلم من الوقوع في الخطأ، وقد ظهر ذلك في قول أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث:«إي والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق» ، فنسب القول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم استدلالا على ما يقول رضي الله عنه (3).
رابعا: من موضوعات الدعوة: الحض على الوفاء بالعهد: دل مفهوم الحديث على الحض على الوفاء بالعهد؛ لقول أبي هريرة رضي الله عنه الذي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما» أي كيف تكون حالكم إذا انقطعت عنكم أموال الجزية والخراج، وبين السبب في انقطاع ذلك فقال:«تنتهك ذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم» -"، وذلك أن المسلمين ينقضون عهد الله وعهد رسوله الذي يتعلق بحقوق أهل الذمة، ويعاملونهم بالظلم والعدوان فيعاقب الله المسلمين في الدنيا قبل الآخرة:«فيشد الله عز وجل قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم» من الأموال: من الجزية والخراج فلا يدفعونها إلى المسلمين. وهذا يبين أنه يجب على المسلمين الوفاء بالعهد لأهل الذمة وإعطاؤهم حقوقهم
(1) انظر: الحديث رقم 58، الدرس الأول، ورقم 110، الدرس الرابع.
(2)
انظر: الحديث رقم 10، الدرس الخامس، ورقم 14، الدرس الخامس.
(3)
انظر: الحديث رقم 77، الدرس الرابع عشر، ورقم 147، الدرس الخامس، ورقم 179، الدرس الرابع.
بشرطين: الأول: أن يخضعوا لأحكام الإسلام في الجملة، والثاني: أن يدفعوا الجزية. فإذا فعلوا ذلك وجب القيام بالوفاء لهم بالعهود (1) وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن من فوائد هذا الحديث: «التوصية بالوفاء لأهل الذمة؛ لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع للمسلمين» (2) فينبغي الوفاء بالعهد وحض الناس على ذلك؛ لما فيه من طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152](3) وهذا يؤكد أهمية الوفاء بالعهود، والمواثيق (4).
خامسا: من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم: تحقق ما أخبر به: إن من المعجزات الباهرة التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه الله من دلائل صدق النبوة، ومن ذلك تحقق ما أخبر به من أن أهل الذمة يمتنعون عن أداء الجزية والخراج، وقد وقع ذلك، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث:"وفيه علم من أعلام النبوة"(5) وهذا فيه تأكيد لصدقه صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا (6).
سادسا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الظلم: ظهر من مفهوم الحديث التحذير من ظلم أهل الذمة، والتحذير من نقض العهد المبرم؛ لأن نقض ذلك من كبائر الذنوب وسبب لضعف المسلمين، وزوال هيبتهم، وقلة مواردهم المالية؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث المتعلقة بظلم أهل الذمة:"وفيه التحذير من ظلمهم، وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئا، فتضيق أحوالهم"(7) فينبغي للداعية تحذير الناس من ظلم أهل الذمة وغيرهم، والابتعاد عن جميع أنواع الظلم (8).
(1) انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 280، وإرشاد الساري للقسطلاني، 5/ 244، ومنار القاري، لحمزة بن محمد بن قاسم، 4/ 140.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 280.
(3)
سورة الأنعام، الآية:152.
(4)
انظر: الحديث رقم 28، الدرس الثاني.
(5)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 180، وانظر: إرشاد الساري، للقسطلاني، 5/ 244.
(6)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع، ورقم 53، الدرس الثالث.
(7)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 280، وانظر: إرشاد الساري للقسطلاني، 5/ 244.
(8)
انظر: الحديث رقم 136، الدرس الثالث.