الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين
وإيثار النّبي صلى الله عليه وسلم أهل الفاقّة والأرامل، حين سألته فاطمة وشكت إليه الطّحن والرّحى أن يخدمها من السّبي فوكلها إلي الله.
[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]
155 -
[3113] حدّثنا بدل بن المحبّر: أخبرنا شعبة: أخبرني الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى: أخبرنا عليّ (1).
وفي رواية: "فذهبت لأقوم فقال: «على مكانكما» فقعد بيننا حتّى وجدت برد قدميه على صدري. . "(4).
وفي رواية: «إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبّحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبّرا أربعا وثلاثين» (5).
وفي رواية: "عن عليّ بن أبي طالب: «أنّ فاطمة عليها السلام أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فقال: "ألا أخبرك ما هو خير لك منه: تسبّحين عند منامك ثلاثا وثلاثين،
(1) علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث رقم 77.
(2)
تقدمت ترجمتها في الحديث رقم 147.
(3)
[الحديث 3113] أطرافه في: كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، 4/ 250، برقم 3705. وكتاب النفقات، باب عمل المرأة في بيت زوجها، 6/ 236، برقم 5361. وكتاب النفقات، باب خادم المرأة، 6/ 236، برقم 5362. وكتاب الدعوات، باب التكبير والتسبيح عند المنام، 7/ 192، برقم 6318. وأخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التسبيح أول النهار وعند النوم، 4/ 2091، برقم 2727.
(4)
من الطرف رقم 3705.
(5)
من الطرف رقم: 5361.
وتحمدين ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين»، ثمّ قال سفيان إحداهنّ أربع وثلاثون فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفّين؛ قال: ولا ليلة صفّين" (1).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء.
2 -
من صفات الداعية: التواضع.
3 -
أهمية أسلوب السؤال والجواب في الدعوة إلى الله عز وجل.
4 -
من موضوعات الدعوة: تعليم الأذكار المشروعة.
5 -
من صفات الداعية: الرحمة.
6 -
من أصناف المدعوين: الأهل والأقارب.
7 -
أهمية الحرص على المداومة على العمل الصالح.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الصبر على الابتلاء: الصبر على الابتلاء والامتحان والاختبار من صفات الداعية؛ ولهذا صبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على التعب، ومشقة الرحى والطحن، وهي سيدة النساء بنت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر القرطبي وابن حجر رحمهما الله أن في هذا الحديث من الفوائد: ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وقلة الشيء، وشدة الحال، وأن الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها، وتلك سنة أكثر الأنبياء، والأولياء (2) فإذا كان هؤلاء صبروا فينبغي التأسي بهم والصبر على الابتلاء؛ أسأل الله لي ولجميع المسلمين العافية في الدنيا والآخرة (3).
(1) من الطرف رقم 5362.
(2)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 7/ 54، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 11/ 124.
(3)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
ثانيا: من صفات الداعية: التواضع: دل هذا الحديث على عظم تواضع النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا ذهب بنفسه في وقت النوم والراحة إلى بنته فاطمة وعلي رضي الله عنهما، ليعلمهما ما ينفعهما، فينبغي للداعية أن يكون متواضعا تأسّيا برسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ثالثا: أهمية أسلوب السؤال والجواب في الدعوة إلى الله عز وجل: ظهر في هذا الحديث أهمية أسلوب السؤال والجواب؛ لاستخدام النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: «ألا أدلكم على خير مما سألتماه" ثم أخبرهما ودلهما على ذلك فقال: "إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين؛ فإن ذلك خير مما سألتماه» ، فالنبي صلى الله عليه وسلم سألهما؛ ليشد الانتباه، ثم أجابهما صلى الله عليه وسلم بعد أن أحضرا ذهنيهما، وهذا يؤكد أهمية السؤال والجواب في الدعوة إلى الله عز وجل (2).
رابعا: من موضوعات الدعوة: تعليم الأذكار المشروعة: لاشك أن من أعظم الموضوعات في الدعوة إلى الله عز وجل تعليم الناس الأذكار المشروعة؛ لأن بها ترفع الدرجات، ويبارك الله عز وجل في الأوقات، ويحفظ بها العبد المسلم من الشياطين، ويزيد الله بها في النشاط والقوة على الطاعات والأعمال، وبها تطمئن القلوب كما قال الله عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28](3).
وقد دل هذا الحديث على مشروعية تعليم الأذكار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: «إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، فإن ذلك خير مما سألتماه» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ويستفاد من الحديث أن الذي يلازم ذكر الله يعطى قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم، أو تسهّل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم
(1) انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.
(2)
انظر: الحديث رقم 58، الدرس الثالث، ورقم 110، الدرس الرابع، ورقم 14، الدرس الرابع.
(3)
سورة الرعد، الآية:28.
لها" (1) وقال العلامة الملا علي القاري: "كأن قراءة هذه الأذكار تزيل تعب خدمة النهار والآلام" (2) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "وهذا يدل على أن الذكر يعين ويستعان به على كل الأمور" (3) وهذا يؤكد تعليم الأذكار المشروعة للمدعوين على حسب الأحوال، والأوراد، والأوقات، والمناسبات التي تشرع فيها الأذكار (4).
خامسا: من صفات الداعية: الرحمة: إن الرحمة من أعظم الصفات التي ينبغي للداعية أن يتحلىّ بها؛ ولهذا ظهرت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها في هذا الحديث، وذلك أنه عندما أخبرته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها جاءت تسأل خادما، فذهب النبي إلى فاطمة وقت الراحة والنوم رحمة بها وشفقة عليها، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وفيه بيان غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر"(5) وهذا يوضح ويؤكد أهمية الرحمة والشفقة على الأقارب، والمدعوين. (6).
سادسا: من أصناف المدعوين: الأهل والأقارب: دعوة الأقربين من أهم المهمات وأعظم القربات، وأولى الواجبات؛ ولهذا اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم ابنته فاطمة رضي الله عنها وابن عمه وصهره علي رضي الله عنه هذا الذكر العظيم:"إذا «أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين»، فنفعهما الله به، ونفع به المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "يستفاد من هذا الحديث حمل
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 9/ 506، وانظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري 5/ 233.
(2)
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 5/ 233.
(3)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3113 من صحيح البخاري، في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض.
(4)
انظر: الحديث رقم 36، الدرس الثامن.
(5)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 124.
(6)
انظر: الحديث رقم 5، الدرس الأول، ورقم 9، الدرس الثالث، ورقم 50، الدرس الرابع.
الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا، والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة" (1).
وهذا يؤكد العناية بدعوة الأهل والأقارب وأنهم من أصناف المدعوين الذين ينبغي أن يعتني بهم الداعية عناية خاصة (2)؛ لأن الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6](3).
سابعا: أهمية الحرص على المداومة على العمل الصالح: ظهر في هذا الحديث أهمية الحرص على المداومة على العمل الصالح وملازمته في الشدة والرخاء؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه: "فما تركتها بعد" أي لم يترك جملة التسبيح والتحميد والتكبير بالعدد المذكور بعد أن سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ولا ليلة صفين؛ قال: "ولا ليلة صفين"، وهذا فيه منقبة لعلي رضي الله عنه؛ فقد داوم على هذا العمل الصالح، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وفيه أن من واظب على الذكر عند النوم لم يصبه إعياء؛ لأن فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وسلم على ذلك"(4) وهذا يؤكد أهمية قيمة المداومة على العمل الصالح. (5).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 216، وانظر: 11/ 124.
(2)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الأول، ورقم 36، الدرس الخامس.
(3)
سورة التحريم، الآية:6.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 11/ 125.
(5)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الخامس عشر، ورقم 18، الدرس السادس.