الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
154 -
باب حرق الدور والنخيل
[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]
122 -
[3020] حدثنا مسدد: حدثنا يحيى، عن إسماعيل قال: حدثني قيس بن أبي حازم قال: قال لي جرير (1) قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» - وكان بيتًا في خثعم يسمى كعبة اليمانية - قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، قال: وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري وقال:«اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا» . فانطلق إليها فكسرها وحرقها. ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف أو أجرب. قال: "فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات"(2).
وفي رواية: «ألا تريحني من ذي الخلصة؛» فقلت: بلى، فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري فقال:«اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا» قال: فما وقعت عن فرس بعد، قال وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة، فيه نصب يعبد يقال له: الكعبة، قال: فأتاها فحرقها بالنار وكسرها، قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له إن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا فإن قدر عليك ضرب عنقك قال: فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير، فقال: لتكسرنها ولتشهدن أن لا إله إلا الله، أو لأضربن عنقك، قال: فكسرها
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 69.
(2)
[الحديث 3020] أطرافه في: كتاب الجهاد والسير، باب من لا يثبت على الخيل، 4/ 32، برقم 3036. وكتاب الجهاد والسير، باب البشارة في الفتوح، 4/ 47، برقم 3076. وكتاب مناقب الأنصار، باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي، 4/ 280، برقم 3823. وكتاب المغازي، باب غزوة ذي الخلصة، 5/ 131، برقم 4355 و 4356 و 4357 وكتاب الأدب، باب التبسم والضحك، 7/ 123، برقم 6089. وكتاب الدعوات، باب قول الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ومن خص أخاه بالدعاء دون نفسه، 7/ 196، برقم 6333. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله، رضي الله تعالى عنه، 4/ 1925، برقم 2475.
وشهد، ثم بعث جرير رجلًا من أحمس يكنى أبا أرطاة (1) إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب. قال: فبرك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات (2).
وفي رواية: "ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي"(3).
شرح غريب الحديث: * " ذو الخلصة" بيت كان فيه صنم لدوس وخثعم، وبجيلة، وغيرهم، وقيل: ذو الخلصة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن (4).
* "أحمس" أحمس طائفة من بجيلة، منهم أبو أرطاة: حصين بن ربيعة الأحمسي (5).
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: راحة القلب بالتوحيد ونشره بين الناس.
2 -
من موضوعات الدعوة: الحض على إزالة الشركيات.
3 -
من وسائل الدعوة: بعث البعوث وإرسال الدعاة.
4 -
أهمية سرعة استجابة المدعو.
5 -
من صفات الداعية: التواضع.
(1) أبو أرطاة: هو حصين بن ربيعة بن عامر بن الأزور الأحمسي رضي الله عنه، وهو مشهور بكنيته، وأرسله جرير بن عبد الله يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحراق ذي الخلصة. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر، 2/ 331، والإصابة في تمييز الصحابة له، 3/ 337.
(2)
طرف الحديث رقم 4357.
(3)
طرف الحديث رقم 6089.
(4)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع اللام، مادة:"خلص" 1/ 62. وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله أثناء شرحه لحديث رقم 4355 من صحيح البخاري، يقول: "ذو الخلصة: الصنم المعروف في أطراف بيشة، وقد أعيدت، وهدمها المسلمون في عهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله.
(5)
اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير، 1/ 32.
6 -
من أساليب الدعوة: التأليف بالدعاء.
7 -
من وسائل الدعوة: إزالة كل ما يفتن به الناس من بناء وغيره.
8 -
أهمية البشارة وأثرها في النفوس.
9 -
أهمية التأكيد بالقسم.
10 -
من أساليب الدعوة: التأكيد بالتكرار.
11 -
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: استجابة دعواته.
12 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
13 -
من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين.
14 -
من صفات الداعية: حسن الخلق.
15 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
16 -
من وسائل الدعوة: استمالة قلب من له شأن في قومه.
17 -
من وسائل الدعوة: تعليم المجاهدين وتدريبهم استعدادًا للجهاد.
18 -
أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: من صفات الداعية؛ راحة القلب بالتوحيد ونشره بين الناس: إن الداعية الصادق في دعوته هو الذي يرتاح قلبه بنشر التوحيد بين الناس، وإذا انتشر الشرك أتعب ذلك قلبه وأقلقه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله:«ألا تريحني من ذي الخلصة؟» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "المراد بالراحة راحة القلب؛ وما كان شيء أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى"(1).
فينبغي للداعية أن يتصف بهذه الصفة الكريمة فيسر ويفرح بانتشار التوحيد بين الناس، ويعلمهم ذلك.
ثانيًا: من موضوعات الدعوة: الحض على إزالة الشركيات: لا ريب أن من أهم الموضوعات حض الناس وحثهم على إزالة كل ما يكون
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 72.
وسيلة للشرك: من مشاهد، وآثار، وأشجار، وأماكن شركية؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله رضي الله عنه:«ألا تريحني من ذي الخلصة؟» وعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفا إلا سويته"(1).
فينبغي للداعية أن يحض الناس على هدم الأشياء الشركية، ووسائل الشرك؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
ثالثًا: من وسائل الدعوة: بعث البعوث وإرسال الدعاة: إن من وسائل الدعوة التي لها أهمية بالغة: بعث البعوث وإرسال الرسل والدعاة إلى الله عز وجل؛ لتعليم الناس الخير والقضاء على الشرك ووسائله؛ ولهذا عرض النبي صلى الله عليه وسلم على جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ ليرسله إلى هدم ذي الخلصة، فقال:«ألا تريحني من ذي الخلصة؟» فانطلق جرير رضي الله عنه في خمسين ومائة فارس من قومه، فهدم ذا الخلصة وكسرها وأحرقها. وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوسيلة، فكان يرسل الدعاة ويبعث البعوث والسرايا للدعوة إلى الله عز وجل (2).
رابعًا: أهمية سرعة استجابة المدعو: المدعو ينبغي له الإسراع في الاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك من أهم المهمات وأعظم القربات له عز وجل؛ ولهذا أسرع جرير رضي الله عنه في الاستجابة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بمائة وخمسين فارسًا على خيلهم حتى كسر الصنم المعروف: بذي الخلصة وحرقه (3).
خامسًا: من صفات الداعية: التواضع: دل هذا الحديث على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ضرب في صدر جرير بن عبد الله
(1) صحيح مسلم كتاب الجنائز باب تسوية القبر، 2/ 666، برقم 969.
(2)
انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 90، الدرس الثاني.
(3)
انظر: الحديث رقم 45، الدرس التاسع عشر، ورقم 52، الدرس الخامس.
ودعا له؛ قال العلامة العيني رحمه الله: "فيه أنه لا بأس للإمام أو العالم إذا أشار إليه إنسان في مخاطبة أو غيرها أن يضع عليه يده، ويضرب بعض جسده، وذلك من التواضع واستمالة النفوس"(1) فينبغي للداعية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في تواضعه وغيره، مما لا يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم (2).
سادسًا: من أساليب الدعوة: التأليف بالدعاء: ظهر في هذا الحديث أن الدعاء من أساليب الدعوة، التي ينبغي للداعية العناية بها؛ لأهميتها في استمالة القلوب؛ قال ابن حجر رحمه الله:"وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم، والاستمالة بالدعاء والثناء. . "(3).
وهذا يؤكد أهمية العناية بالدعاء للمدعوين؛ لاستمالة قلوبهم (4).
سابعًا: من وسائل الدعوة: إزالة كل ما يفتتن به الناس من بناء وغيره: إن من سائل الدعوة إزالة ما يفتتن به الناس من الشرك ووسائله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لجرير بن عبد الله رضي الله عنه: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» فانطلق رضي الله عنه في خمسين ومائة فارس فكسرها وحرقها؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره، سواء كان إنسانًا، أو حيوانًا، أو جمادًا. . "(5) وهذا يؤكد أهمية إزالة كل ما يفتتن به الناس. (6).
ثامنًا: أهمية البشارة وأثرها في النفوس: لا ريب أن البشارة بما يسر الإنسان من الأمور المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لما في ذلك من تأليف القلوب واستمالتها؛ ولهذا أرسل جرير بن عبد الله رضي الله عنه
(1) عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 14/ 280.
(2)
انظر: الحديث رقم 33، الدرس الحادي عشر، ورقم 62، الدرس الثالث.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 73.
(4)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الخامس، ورقم 45، الدرس الثامن.
(5)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 73.
(6)
انظر: الحديث رقم 97، الدرس الأول.
حصين بن ربيعة أبا أرطاة؛ ليبشر النبي صلى الله عليه وسلم بتكسير وتحريق صنم خثعم المعروف بذي الخلصة؛ ليدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتى البشير النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فبارك على خيل أحمس ورجالاتها خمس مرات. وهذا يدل على سروره صلى الله عليه وسلم العظيم بذلك، ويدل على مكانة البشارة في النفوس (1)؛ قال النووي رحمه الله:"وفي هذا الحديث استحباب إرسال البشير بالفتوح ونحوها"(2).
تاسعًا: أهمية التأكيد بالقسم: ظهر أسلوب القسم في هذا الحديث؛ لقول أبي أرطاة رضي الله عنه: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب. ولا ريب أن التأكيد بالقسم من الأمور المهمة؛ لتأكيد ما يقوله الإنسان، وهذا يؤكد أهمية هذا الأسلوب عند الحاجة (3).
عاشرًا: من أساليب الدعوة: التأكيد بالتكرار: ظهر في هذا الحديث أسلوب التكرار، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم برك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات؛ وقد ذكر (4) رحمه الله الحكمة من ذلك، فقال:"قيل: مبالغة واقتصارًا على الوتر؛ لأنه مطلوب، ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أولهما معًا، ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا، فدعا للرجال مرتين أخريين، وللخيل مرتين أخريين؛ ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا، فكان مجموع ذلك خمس مرات"(5).
وهذا يدل على أهمية أسلوب التكرار (6).
(1) انظر: الحديث رقم 9، الدرس التاسع، ورقم 83، الدرس الأول، ورقم 89، الرابع.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم: 16/ 268، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 13/ 29.
(3)
انظر: الحديث رقم 10، الدرس الخامس، ورقم 14، الدرس الخامس.
(4)
ابن حجر.
(5)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 73.
(6)
انظر: الحديث رقم 4، الدرس الخامس، ورقم 7، الدرس الثاني عشر.
الحادي عشر: من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: استجابة دعواته: دل هذا الحديث على أن من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم إجابة دعواته؛ ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لجرير بعد أن اشتكى إليه عدم ثبوته على الخيل فضرب صدره وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا» قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر مما طلب بالثبوت (1) مطلقا، وبأن يجعله هاديًا لغيره، مهديًّا لنفسه، فكان كل ذلك، وظهر عليه جميع ما دعا له به، وأول ذلك أنه نفر في خمسين ومائة فارس لذي الخلصة فحرقها، وعمل فيها جميلًا لا يعمله خمسة آلاف"(2) وسمعت العًلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "وفيه علم من أعلام النبوة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب صدره فثبت على الراحلة"(3).
وهذا يدل على صدقه صلى الله عليه وسلم وأنه عبد الله ورسوله (4).
الثاني عشر: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أسلوب الترهيب؛ لأن جرير بن عبد الله رضي الله عنه عندما قدم إلى اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام، فقيل له: إن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك، فبينما هو يضرب بها إذ وقف عليه جرير فقال:"لتكسرنها ولتشهدن أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك، فكسرها وشهد. . . ". وهذا يبين أهمية أسلوب الترهيب في الدعوة إلى الله عز وجل. (5).
الثالث عشر: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: ظهر في هذا الحديث أن من الصفات الحميدة الحكيمة؛ مراعاة أحوال المدعوين؛ ولهذا ما حجب النبي صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله منذ أسلم، والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم عندما يعلم استئذان جرير يترك كل شيء ويأذن له فورًا، مبادرًا لذلك،
(1) هكذا في الأصل، ولعله "بالثبات".
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 404.
(3)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3076 من صحيح البخاري.
(4)
انظر: الحديث رقم 91، الدرس التاسع.
(5)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.
مبالغة في إكرامه (1) قال الإمام القرطبي على قول جرير رضي الله عنه: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت": "ولا يفهم من هذا أن جريرًا كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم بيته من غير إذن، فإن ذلك لا يصلح؛ لحرمة بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولما يفضي ذلك إليه من الاطلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت"(2).
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى حال جرير بن عبد الله رضي الله عنه؛ لمكانته في قومه، فلم يحجبه ويمنعه من الدخول عليه كما يحجب بعض الناس في أوقات خاصة بل كان يبادر صلى الله عليه وسلم إلى الإذن له بالدخول، وهذا يؤكد على الدعاة مراعاة أحوال المدعوين (3).
الرابع عشر: من صفات الداعية: حسن الخلق: ظهر في هذا الحديث أن حسن الخلق من الصفات العظيمة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها؛ ولهذا الخلق قال جرير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا رآني إلا تبسم في وجهي" قال الإمام القرطبي رحمه الله: "هذا منه صلى الله عليه وسلم فرح به، وبشاشة للقائه، وإعجاب برؤيته؛ فإنه من كملة الرجال: خَلْقًا وَخُلُقًا"(4) وقال النووي رحمه الله: "وفعل ذلك إكرامًا، ولطفًا، وبشاشةً، ففيه استحباب هذا اللطف للوارد، وفيه فضيلة ظاهرة لجرير "(5) وقال العلامة العيني رحمه الله: "فيه أن لقاء الناس بالتبسم، وطلاقة الوجه من أخلاق النبوة، وهو مناف للتكبر، وجالب للمودة". (6) وهذا يؤكد على الداعية التزامه بحسن الخلق (7).
الخامس عشر: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: ظهر في الحديث أن الدقة في نقل الحديث من الصفات الحميدة؛ لأن رسول جرير رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم عن ذي الخلصة: "ما جئتك حتى تركتها كأنها
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 6/ 403.
(2)
المرجع السابق 6/ 403.
(3)
انظر: الحديث رقم 19، الدرس الثالث.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/ 403.
(5)
شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 268.
(6)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 14/ 280، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 15/ 59.
(7)
انظر: الحديث رقم 14، الدرس الأول، ورقم 21، الدرس الثاني.
جمل أجوف أو أجرب"، فالراوي شك هل قال: أجوف، أو قال: أجرب (1).
وهذا يؤكد حرص السلف الصالح على العناية بنقل الحديث (2).
السادس عشر: من وسائل الدعوة: استمالة قلب من له شأن في قومه: إن من الوسائل المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل استمالة قلب من له شأن في قومه؛ ليتألف؛ ولهذا ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله رضي الله عنه إلا تبسم في وجهه، قال الإمام الأبي رحمه الله:"فيه بر أشراف الناس وحسن لقائهم؛ لأنه كان كبير قومه"(3) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: "وهذا يدل على التأليف وتقدير أهل الفضل، ومن كان له شأن في قومه"(4).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه يرفعه: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» (5) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه يرفعه: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا أتاه كريم قوم فليكرمه» (6) وهذا يؤكد أهمية العناية بكبير القوم وإكرامه، تأليفًا له واستمالةً لقلبه؛ لأن له الأثر الكبير في قومه، فإذا وافق على شيء وافقوا عليه أو فعل شيئًا فعلوه.
فينبغي العناية بهذه الوسيلة لأهميتها في الدعوة إلى الله عز وجل.
السابع عشر: من وسائل الدعوة: تعليم المجاهدين وتدريبهم استعدادًا للجهاد: ظهر في هذا الحديث أن من الوسائل المهمة في الدعوة إلى الله تعليم المجاهدين وتدريبهم على وسائل الجهاد؛ وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فدعا لجرير بن
(1) انظر: عمدة القاري للعيني 14/ 270.
(2)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس العاشر.
(3)
إكمال إكمال المعلم، 8/ 371.
(4)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3822، من صحيح البخاري.
(5)
سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، 2/ 1223، برقم 3712، وحسنه الألباني؛ لشواهده الكثيرة في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 303.
(6)
الحاكم وصحح إسناده، 4/ 291 - 292، وذكر له الألباني ثمانية شواهد في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 305، برقم 1205.
عبد الله أن يثبت على الخيل فقال: «اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث. . . فضل ركوب الخيل في الحرب"(1) وقال العلامة العيني رحمه الله: "وفيه فضل الفروسية، وأحكام ركوب الخيل؛ فإن ذلك مما ينبغي أن يتعلمه الرجل الشريف والرئيس"(2).
فينبغي العناية بهذه الوسيلة عناية خاصة؛ لأهميتها في الدعوة إلى الله عز وجل (3).
الثامن عشر: أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه: ظهر في هذا الحديث أن جرير بن عبد الله رضي الله عنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يثبت على الخيل، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فما سقط عنها قط، وهذا يؤكد أهمية السؤال؛ فإنه استفاد من هذا السؤال استفادة عظيمة فثبت على الخيل بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم (4).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 8/ 73 بتصرف يسير جدًا.
(2)
عمدة القاري، شرح صحيح البخاري، 14/ 280.
(3)
انظر: الحديث رقم 18، الدرس الثاني، ورقم 78، الدرس الأول.
(4)
انظر: الحديث رقم 19، الدرس الرابع، ورقم 30، الدرس الرابع.