الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب
وقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29](1) يعني أذلاء. وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس والعجم، وقال ابن عيينة عن ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؛ قال: جعل ذلك من قبل اليسار.
[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]
178 -
[3156] حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: سمعت عمرا قال: "كنت جالسا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين- عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة- عند درج زمزم قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب (2) قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس ".
[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]
179 -
[3157] حتى شهد عبد الرحمن بن عوف (3)«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر» .
* شرح غريب الحديثين: * " هجر " المقصود به هنا اسم بلد معروف بالبحرين، وهي قاعدتها، وقيل: هجر ناحية البحرين كلها (4) قال ياقوت الحموي رحمه الله "وهو الصواب "(5).
(1) سورة التوبة، الآية:29.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 64.
(3)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم: 82.
(4)
انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الهاء مع الجيم، 2/ 275، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهاء مع الجيم، مادة:(هجر)، 5/ 246.
(5)
معجم البلدان، لياقوت الحموي، باب الهاء، مادة:"هجر" 5/ 393.
* الدراسة الدعوية للحديثين: في هذين الحديثين دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من أساليب الدعوة: القصص.
2 -
من وسائل الدعوة: إرسال الكتب والرسائل.
3 -
من موضوعات الدعوة: إنكار المنكر إذا ظهر فعله.
4 -
لا ينكر أن يغيب عن الداعية أو العالم الكبير ما علمه غيره.
5 -
صفات الداعية: التثبت.
6 -
من صفات الداعية: الانقياد للدليل الشرعي والعمل به.
7 -
من أصناف المدعوين: المجوس.
8 -
من وسائل الدعوة: أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من أساليب الدعوة: القصص: ظهر في هذا الحديث أن من أساليب الدعوة القصص؛ لأن بجالة بن عبدة التميمي التابعي الجليل (1) قص على جابر بن زيد أبي الشعثاء البصري وعمرو بن أوس الثقفي، وعمرو بن دينار يسمع، أنه كان كاتبا لجزء بن معاوية بن حصن بن عبادة التميمي التابعي عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، على الأهواز، فأتاهم كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة، وفيه:"فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس "، وهذا يبين أهمية القصص، وأنه مما يلفت انتباه القلوب والأذهان، فينبغي للداعية أن يعتني به عند الحاجة إليه (2).
ثانيا: من وسائل الدعوة: إرسال الكتب والرسائل: إن إرسال الكتب والرسائل؛ لبيان الحق وإنكار الباطل من وسائل الدعوة المهمة: ولهذا كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابا إلى جزء بن معاوية عامله على
(1) انظر: تقريب التهذيب، لابن حجر، ص 163، وفتح الباري له، 6/ 260.
(2)
انظر: الحديث رقم 17، الدرس الثالث، ورقم 28، الدرس الثامن، ورقم 34، الدرس الثالث.
الأهواز وفيه: "فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس "، وهذا فيه بيان لأهمية هذه الوسيلة؛ لما لها من الأهمية النافعة في إيصال الدعوة إلى المدعو، ونشرها (1).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: إنكار المنكر إذا ظهر فعله: لا شك أن من الموضوعات المهمة إنكار المنكر، وتغييره بأي وسيلة مشروعة، وقد ظهر جليا في هذا الحديث إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المجوس استحلالهم المحارم، فكتب كتابه إلى جزء بن معاوية عامله على الأهواز، وفيه:"فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس "، قال الإمام الخطابي رحمه الله:"ولم يحملهم عمر على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إذا خلوا، وإنما منعهم من إظهار ذلك للمسلمين، وأهل الكتاب لا يكشفون عن أمورهم التي يتدينون بها ويستعملونها فيما بينهم، إلا أن يترافعوا إلينا في الأحكام، فإذا فعلوا ذلك فإن على حاكم المسلمين أن يحكم فيهم بحكم الله المنزل، وإن كان ذلك في الأنكحة فرق بينهم وبين ذوات المحارم، كما يفعل ذلك في المسلمين "(2) وهذا يؤكد على المسلمين منع إظهار شعائر وعقائد الكفار بين المسلمين؛ لئلا يفتتن بها ضعفة المسلمين، ولا يُسأل عما أخفوه بينهم، ولم يظهروه في مجتمعات المسلمين. (3).
رابعا: لا ينكر أن يغيب عن الداعية أو العالم الكبير ما علمه غيره: إن الداعية أو العالم العظيم قد تخفى عليه بعض المسائل ويعرفها غيره من أهل العلم، كما خفي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف بذلك؛» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد هذا الحديث: "وفي الحديث قبول خبر الواحد، وأن الصحابي الجليل قد يغيب عنه علم ما اطلع عليه غيره من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأحكامه، وأنه لا نقص عليه في ذلك "(4) وهذا يؤكد أهمية عدم انتقاد العلماء إذا فاتهم بعض العلم؛ لهذا السبب (5).
(1) انظر: الحديث رقم 66، الدرس الثالث، ورقم 90، الدرس الثاني، ورقم 92، الدرس الحادي عشر.
(2)
معالم السنن، 4/ 251، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 13/ 125.
(3)
انظر: الحديث رقم 117، الدرس الثالث، ورقم 177، الدرس الخامس.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 262.
(5)
انظر: الحديث رقم 77، الدرس الرابع عشر، ورقم 147، 148، الدرس الثاني.
خامسا: من صفات الداعية: التثبت: التثبت في الأمور وعدم العجلة من الصفات الحميدة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها، وقد دل هذا الحديث على ذلك؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يعلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من المجوس، فلم يأخذها حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر» ، وهذا فيه تثبت عمر رضي الله عنه وعدم عجلته حتى ثبت عنده الدليل (1).
سادسا: من صفات الداعية: الانقياد للدليل الشرعي والعمل به: انقاد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلم الشرعي بدليله وعمل به رضي الله عنه، وذلك أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شهد:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر» فأخذها عمر رضي الله عنه انقيادا للدليل الشرعي؛ قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "وفيه انقياد العالم للعلم حيث كان "(2) وهذا يؤكد أهمية الانقياد للأدلة الشرعية (3).
سابعا: من أصناف المدعوين: المجوس: إن المجوس من أصناف المدعوين الذين ينبغي للداعية أن يعتني بدعوتهم إن وجدوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية، وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قد دعاهم إلى الإسلام، فلم يدخلوا ووافقوا على دفع الجزية، وهذا يؤكد أهمية العناية بهم ودعوتهم إلى الله عز وجل على حسب أحوالهم؛ ولهذا أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجزية منهم (4).
ثامنا: من وسائل الدعوة: أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس: ظهر في هذا الحديث مشروعية أخذ الجزية من المجوس؛ لأن عبد الرحمن بن عوف شهد عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر» ، ولا شك أن أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس من أعظم وسائل الدعوة؛ لما يحصل بذلك من إذلال الكافرين، ونفع المسلمين؛ ولهذا شرع الله
(1) انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثاني، ورقم 92، الدرس الخامس، ورقم 116، الدرس الخامس.
(2)
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 9/ 292.
(3)
انظر: الحديث رقم 77، الدرس الحادي عشر، ورقم 94، الدرس الثامن، ورقم 147، الدرس الخامس.
(4)
انظر: الحديث رقم 173، الدرس التاسع.
عز وجل أخذ الجزية من أهل الكتاب: اليهود والنصارى، قال عز وجل:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29](1) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوصي أمير الجيش بوصايا، ومنها:"أنه إذا لقي عدوه من المشركين يدعوهم إلى الإِسلام، فإن أبوا فيسألهم الجزية، فإن أبوا فيستعين بالله ويقاتلهم" انظر: (2) والجزية ثبت أخذها من أهل الكتاب بالقرآن الكريم والسنة، وأخذها من المجوس بالسنة كما في شهادة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها منهم؛ قال الإِمام الخطابي رحمه الله:"وفي امتناع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر»، دليل على أن رأي الصحابة: "أن لا تقبل الجزية من مشرك " (3) أما غير أهل الكتاب والمجوس فلا تقبل منهم الجزية: فلا بد من الإِسلام أو يقاتلوا، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم (4) وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يقول: "الصواب أنها لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى والمجوس؛ لأن الله تعالى قال في اليهود والنصارى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وأخذ صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس، أما كفار العرب فلا يقبل منهم إلا الإِسلام أو يقاتلوا" (5).
وأخذ الجزية من أهم وسائل الدعوة إلى الله عز وجل قال الإِمام ابن عبد البر رحمه الله: "الجزية لم تؤخذ من الكتابيين رفقا بهم، وإنما أُخذت منهم تقوية للمسلمين، وذلًّا للكافرين"(6) وسمعت العلامة ابن باز حفظه الله يقول: "والحكمة في أخذ الجزية والله أعلم: إذلال الكافرين، ونفع المسلمين "(7).
(1) سورة التوبة، الآية:29.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإِمام الأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، 3/ 1356، برقم 1731.
(3)
معالم السنن 4/ 252.
(4)
انظر: الاستذكار لابن عبد البر، 9/ 288 - 298، وزاد المعاد لابن القيم، 3/ 153 - 155.
(5)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أخذ الجزية، في زاد المعاد لابن القيم 3/ 154، في جامع الأميرة سارة بالبديعة، بتاريخ 18/ 7 / 1416 هـ.
(6)
الاستذكار لابن عبد البر، 9/ 293.
(7)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3156 من صحيح البخاري.