الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]
166 -
[3136] حدّثنا محمّد بن العلاء: حدّثنا أبو أسامة: حدّثنا يزيد ابن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى (1) رضي الله عنه قال:"بلغنا مخرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه - أنا وأخوان لي أنا أصغرهم: أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم - إما قال في بضع وإمّا قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة، ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا. فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فأسهم لنا - أو قال: فأعطانا - منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا، إلّا لمن شهد معه، إلّا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم"(2).
وفي رواية: "فوافقنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم يا أهل السّفينة هجرتان» (3).
وفي رواية: "فوافقنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أناس من النّاس يقولون لنا - يعني لأهل السّفينة - سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس - وهي ممّن قدم معنا - على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس (4) قال عمر: الحبشيّة هذه؟ البحريّة
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 66.
(2)
[الحديث 3136] أطرافه في: كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة، 4/ 297، برقم 3876. وكتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 5/ 94 و 95، برقم 4230 و 4231 و 4233، وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس، وأهل سفينته رضي الله عنهم، 4/ 1946، برقم 2502.
(3)
من الطرف رقم: 3876.
(4)
أسماء بنت عميس بن معبد بن الحارث الخثعمية أم عبد الله، من المهاجرات الأول، قيل: أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبى الأرقم بمكة وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت تحت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ثم هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع، ثم استشهد يوم مؤتة فتزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم مات عنها فغسلته، ثم تزوجها علي بن أبى طالب رضي الله عنه، ولدت لجعفر: عبد الله، ومحمدا، وعونا، وولدت لأبى بكر: محمدا وقت الإحرام، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتستثفر وتحرم، وولدت لعلي: يحيى. وهي أخت ميمونة، وأم الفضل امرأة العباس، وأخت أخواتهن لأمهن، وكن عشر أخوات لأم، وقيل: تسع، وكانت أسماء أكرم الناس أصهارا فمن أصهارها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة، والعباس، وغيرهم، ومن بركتها أنها سألت الصحابة رضي الله عنهم عندما غسّلت أبا بكر في يوم بارد فقالت: "إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل علي من غسل؟ فقالوا: لا، فدل ذلك على أن الغسل من غسل الميت ليس بواجب، بل مستحب، رضي الله عنها. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد 8/ 219، وتهذيب الأسماء واللغات، للنووي، 2/ 330، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، 2/ 282.
هذه؟ قالت أسماء: نعم. قال: سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، منكم فغضبت وقالت: كلاّ والله كنتم مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار أوفي أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبي صلى الله عليه وسلم، وأسأله، والله لا أكذب، ولا أزيغ، ولا أزيد عليه" (1).
وفي رواية: "فلمّا جاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: «يا نبي الله إنّ عمر قال: كذا وكذا، قال: "فما قلت له؟ "، قالت: قلت له: كذا وكذا. قال: "ليس بأحقّ بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان»، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شي هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم (2) [قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنّه ليستعيد هذا الحديث منّى] ". (3).
* شرح غريب الحديث: * " أرسالا " أي جماعة جماعة، وفرقا فرقا، وأفواجا أفواجا (4).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
(1) من الطرف رقم: 4230.
(2)
من الطرف رقم: 4231.
(3)
هذه الزيادة التي بين المعكوفين ليست في الأصل المعتمد، ولكنها في النسخة السلفية المطبوعة مع فتح الباري 7/ 485، ونسخة استانبول، 5/ 80، فدل ذلك على أن الناسخ أسقطها سهوا لوجودها في النسخ الأخرى.
(4)
انظر: أعلام الحديث للإمام الخطابي، 3/ 1742، وجامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير، 11/ 605، وشرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 297.
1 -
من صفات الداعية: الفرح بنعمة الله عز وجل والتحدث بها.
2 -
من وسائل الدعوة: التأليف بالمال.
3 -
حرص السلف الصالح على الدقة في نقل الحديث.
4 -
أهمية النية الصالحة.
5 -
من سنن الله عز وجل: الابتلاء والامتحان.
6 -
أهمية الحرص على أخذ العلم من مصادره الأصلية مباشرة.
7 -
من صفات الداعية: الرغبة فيما عند الله عز وجل:
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: الفرح بنعمة الله عز وجل والتحدث بها: إن من الصفات الحميدة التي دل عليها هذا الحديث: الفرح بفضل الله ورحمته والتحدث بذلك؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لأسماء رضي الله عنها: "سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم "وذكر الإمام الأبي رحمه الله: "أن هذا القول من عمر على وجه الفرح بنعمة الله تعالى والتحدث بها؛ لما علم من عظيم شأن أجر الهجرة، لا على وجه الفخر، ولمّا سمعت أسماء ذلك غضبت على وجه المنافسة في الأجر"(1) وقد بين الله عز وجل لعباده أنه لا حرج على من فرح بفضل الله سبحانه فقال: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ - قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57 - 58](2).
ثانيا: من وسائل الدعوة: التأليف بالمال: إن التأليف بالمال من الوسائل النافعة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسيلة في دعوته، ففي هذا الحديث أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا - أو قال:
(1) إكمال إكمال المعلم، لمحمد بن خليفة الأبي، 8/ 431.
(2)
سورة يونس، الآيتان: 57 - 58.
"فأعطانا - منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم"، وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول:"وهذا من تأليف القلوب بالمال؛ لما أصابهم من التعب"(1) وسمعته أيضا يقول: "تقديرا لتعبهم، وجهادهم، وصبرهم قسم لهم مع الناس في خيبر"(2) وهذا يؤكد أهمية التأليف بالمال في الدعوة إلى الله عز وجل (3).
ثالثا: حرص السلف الصالح على الدقة في نقل الحديث: لا شك أن السلف الصالح كانوا أحرص الناس على الدقة في نقل الحديث؛ ولهذا جاء في هذا الحديث: "فأسهم لنا، أو قال فأعطانا" شك الراوي، وفي الرواية الأخرى:"وكنا في دار أو في أرض البعداء" شك الراوي أيضا. وهذا يؤكد الحرص على الدقة في نقل الحديث؛ لئلا يدخل فيه ما ليس منه (4).
رابعا: أهمية النية الصالحة: النية الصالحة هي أساس العمل، وبها يبارك الله عز وجل في الأعمال، وقد ظهر في مفهوم هذا الحديث أهميتها؛ لأن المهاجرين إلى الحبشة كتب الله لهم بنيتهم الصالحة هجرتين: هجرتهم من مكة إلى الحبشة، والهجرة الثانية: من الحبشة إلى المدينة؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» ، وسمعت العلامة ابن باز حفظه الله يقول:"كتب لهم بالنية هجرتان وهذا فضل الله"(5) يؤتيه من يشاء (6).
خامسا: من سنن الله عز وجل: الابتلاء والامتحان: لا شك أن الابتلاء بالخير والشر من سنن الله عز وجل، وقد ظهر الابتلاء بالخوف
(1) سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3136 من صحيح البخاري في جامع الإمام تركي بن عبد الله.
(2)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4223 من صحيح البخاري في جامع الإمام تركي بن عبد الله.
(3)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس التاسع.
(4)
انظر: الحديث رقم 3، الدرس الرابع، ورقم 21، الدرس العاشر.
(5)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3876، ورقم 4231، من صحيح البخاري في جامع الإمام تركي بن عبد الله.
(6)
انظر: الحديث رقم 22، الدرس السادس.
والتشريد لأصحاب الهجرتين كما في هذا الحديث، فابتلاهم سبحانه بأعدائهم فهاجروا إلى الحبشة، وكذلك ابتلاء الأشعريين وهجرتهم من أوطانهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، رضي الله عنهم ورحمهم (1).
سادسا: أهمية الحرص على أخذ العلم من مصادره الأصلية مباشرة: أخذ العلم من مصادره الأصلية مباشرة من أهم المهمات؛ ولهذا اعتنى السلف الصالح بذلك، ومن هذا ما ثبت في هذا الحديث أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أخذت تحدث بحديث فضل هجرة الحبشة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«ولكم أصحاب السفينة هجرتان» ، قالت:"فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا يسألوني عن هذا الحديث"، وقالت:"فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني" وهذا يؤكد أهمية أخذ العلم وسماعه من أهله مباشرة بدون واسطة عند الاستطاعة؛ لأن الأشعريين رضي الله عنهم يريدون سماع هذا الحديث من أسماء رضي الله عنها؛ لكونها سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
سابعا: من صفات الداعية: الرغبة فيما عند الله عز وجل: إن الداعية المخلص الصادق يرغب فيما عند الله عز وجل، ويبذل جهده وطاقته فيما يقربه من ربه؛ ولهذه الرغبة صبر أصحاب الهجرتين على الشدة وفراق الأهل والأوطان؛ وأعظم من ذلك فراق النبي صلى الله عليه وسلم مع حبهم له؛ ولهذا قالت أسماء بنت عميس رضي الله عنها لعمر رضي الله عنه عندما قال:"سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم"، فقالت:"كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم"، وهذا يؤكد رغبتهم فيما عند الله عز وجل؛ ولهذا عندما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«ولكم أهل السفينة هجرتان» ، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم (3).
(1) انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
(2)
انظر: الحديث رقم 77، الدرس الرابع، ورقم 163، الدرس الرابع.
(3)
انظر: الحدث رقم 13، الدرس الثاني، ورقم 16، الدرس الثالث، ورقم 21، الدرس السادس.