المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله] - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

- ‌[حديث إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا]

- ‌ باب السير وحده

- ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

- ‌ باب الجهاد بإذن الأبوين

- ‌[حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك]

- ‌ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

- ‌[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]

- ‌ بَابُ الجَاسُوسِ

- ‌[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]

- ‌ بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

- ‌[حديث عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

- ‌ بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

- ‌[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ

- ‌[حديث إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان]

- ‌ باب لا يعذب بعذاب الله

- ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

- ‌ بَابٌ

- ‌[حديث أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله]

- ‌ باب حرق الدور والنخيل

- ‌[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]

- ‌ بَابُ قَتْلِ النَّائِمِ المُشْرِكِ

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع]

- ‌ باب لا تمنوا لقاء العدو

- ‌[حديث لا تمنوا لقاء العدو]

- ‌ باب الحرب خدعة

- ‌[حديث هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده]

- ‌[حديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة]

- ‌[حديث الحرب خدعة]

- ‌ باب من لا يثبت على الخيل

- ‌[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]

- ‌ باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

- ‌[حديث أخذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]

- ‌[حديث حكم سعد في بني قريظة]

- ‌ بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]

- ‌ باب فكاك الأسير

- ‌[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]

- ‌ باب الحربِي إِذَا دخَل دار الإسْلامِ بغَيْرِ أمَانٍ

- ‌[حديث أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر]

- ‌ بَابُ كيفَ يُعرَض الإسلامُ على الصّبيّ

- ‌[حديث ذكر الدجال وقوله فيه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور]

- ‌ باب إذا أسلم قوم في دَارِ الحرب ولهُمْ مال وأَرَضُونَ فَهي لهمْ

- ‌[حديث استعمال عمر بن الخطاب مولى له يدعى هنيا ونصيحته له]

- ‌ باب كتابة الإمام الناس

- ‌[حديث اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس]

- ‌ بَاب إِن الله يُؤيِّدُ الدِّين بالرجُل الفاجر

- ‌[حديث قال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار]

- ‌ باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

- ‌[حديث أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال]

- ‌ باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

- ‌[حديث أن ابن عمر ذهب فرس له فأخذه العدو]

- ‌ باب من تكلم بالفارسية والرطنة

- ‌[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]

- ‌[حديث أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي]

- ‌ باب القليل من الغلول

- ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

- ‌ باب لا هجرة بعد الفتح

- ‌[حديث انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة]

- ‌ باب استقبال الغزاة

- ‌[حديث قول ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع]

- ‌الفصل الثالث: كتاب الفرائض

- ‌ باب فرض الخمس

- ‌[حديث أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها]

- ‌[حديث لا نورث ما تركنا صدقة]

- ‌ باب نفقة نساء النّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

- ‌[حديث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيته من شيء]

- ‌ باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ

- ‌[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]

- ‌ باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، ممّا تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

- ‌[حديث إخراج أنس نعلين جرداوين لهما قبالان]

- ‌[حديث إخراج عائشة كساء ملبدا وقولها في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]

- ‌[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس

- ‌ باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

- ‌[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]

- ‌ باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [

- ‌[حديث إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي]

- ‌[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]

- ‌[حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق]

- ‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلّت لكم الغنائم»

- ‌[حديث أحلت لكم الغنائم]

- ‌[حديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة]

- ‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

- ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

- ‌ باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له

- ‌[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]

- ‌ باب ومن الدّليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين

- ‌[حديث والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

- ‌[حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش]

- ‌[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]

- ‌[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]

- ‌ بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ

- ‌[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]

- ‌ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِلإِمَامِ، وأَنهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتِهِ دُونَ بعض

- ‌[حديث إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد]

- ‌ باب مَنْ لم يخَمِّس الأَسلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَله سَلبه من غَير أن يخَمّسَ، وحكم الإمَامِ فيهِ

- ‌[حديث قتل إبي جهل]

- ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

- ‌[حديث أسماء كنت أنقل النوى من أرض الزبير

- ‌ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

- ‌[حديث استحياء عبد الله بن مغفل من رسول الله]

- ‌[حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه]

- ‌[حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية]

- ‌[الفصل الرابع كتاب الجزية والموادعة]

- ‌ باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب

- ‌[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]

- ‌[حديث بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها]

- ‌[حديث بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين]

- ‌[حديث كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات]

- ‌ بابُ إثم من قتل معاهدا بغير جرم

- ‌[حديث من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة]

- ‌ بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب

- ‌[حديث أقركم ما أقركم الله]

- ‌ بابُ إِذا غدر الْمُشْركُون بِالْمُسْلمين هلْ يُعْفى عنْهمْ

- ‌[حديث لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم]

- ‌ بَاب هَل يُعفَى عنِ الذِّمِّيِّ إذا سَحَر

- ‌[حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه]

- ‌ باب ما يحذر من الغدر

- ‌[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]

- ‌ باب إثم من عاهد ثم غدر

- ‌[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]

- ‌ باب

- ‌[حديث قول سهل بن حنيف اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته]

- ‌ باب إثم الغادر للبر والفاجر

- ‌[حديث لكل غادر لواء يوم القيامة]

- ‌[حديث لكل غادر لواء ينصب لغدرته]

- ‌القسم الثانيالمنهج الدعوي المستخلص من الدراسة

- ‌الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية

- ‌[الفصل الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو]

- ‌[الفصل الثالث المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة]

- ‌الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب

- ‌المبحث الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل

- ‌[المبحث الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالأساليب]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[التوصيات والمقترحات]

الفصل: ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

149 -

‌ باب لا يعذب بعذاب الله

[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

120 -

[3017] حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن عكرمة: أن عليا (1) رضي الله عنه حرق قومًا، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» ، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه» (2).

وفي رواية: "أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. «لا تعذبوا بعذاب الله» ؛ ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (3).

شرح غريب الحديث: * " الزنديق ": المشهور على ألسنة الناس أن الزنديق هو الذي لا يتمسك بشريعة، ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد: أي طاعن في الأديان (4) وقيل: الزنديق: من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان (5).

وقيل: الزنديق: هو كل من ليس على ملة من الملل المعروفة، ثم استعمل في كل معطل، وفي من أظهر الإسلام وأسر غيره (6).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الزنديق في عرف الفقهاء: هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 78.

(2)

[الحديث 3017] طرفه في: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة، 8/ 64، برقم 6922.

(3)

الطرف رقم 6922.

(4)

المصباح المنير، للفيومي، كتاب الزاي، مادة:"الزنديق" 1/ 256.

(5)

القاموس المحيط، للفيروز آبادي، فصل الزاي، باب القاف، ص 1151.

(6)

مشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الزاي مع النون، 1/ 311.

ص: 700

دينًا من الأديان: كدين اليهود والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلًا جاحدًا للصانع والمعاد، والأعمال الصالحة" (1).

الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها: 1 - من موضوعات الدعوة: التحذير من التعذيب بعذاب الله عز وجل.

2 -

أهمية ذكر الدليل عند الفتوى لرفع الإلباس.

3 -

من أصناف المدعوين: الزنادقة الملحدون.

4 -

من وظائف الإمام المسلم: قتل المرتدين بعد استتابتهم.

5 -

من أساليب الدعوة: الترهيب.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولًا: من موضوعات الدعوة: التحذير من التعذيب بعذاب الله عز وجل: إن هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن التحذير من التعذيب بعذاب الله من موضوعات الدعوة التي ينبغي للداعية أن يحذر الناس من فعلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا بعذاب الله» وهذا يعم تعذيب الإنسان والحيوان، أما ما فعله علي رضي الله عنه، فلأنه لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التعذيب بالنار؛ قال الكرماني رحمه الله:"كان ذلك من علي رضي الله عنه بالرأي والاجتهاد"(2) والمجتهد المصيب له أجران، وغيره له أجر على اجتهاده (3).

ثانيًا: أهمية ذكر الدليل عند الفتوى لرفع الإلباس: إن من الأمور المهمة للداعية أن يذكر الدليل على ما يقول أو يفتي به؛ لأن الدليل يرفع الإلباس، ويقوي اليقين، ويزيل الشك؛ ولهذا قال ابن عباس

(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 7/ 471.

(2)

شرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 27.

(3)

انظر: الحديث رقم 94، الدرس الثاني.

ص: 701

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في هذا الحديث: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» .

وهذا يبين أهمية ذكر الدليل والعناية به (1).

ثالثًا: من أصناف المدعوين: الزنادقة الملحدون: ظهر في هذا الحديث أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق الزنادقة، فدل ذلك على أنهم من أصناف المدعوين الذين يدعون إلى الله عز وجل.

فينبغي للداعية أن يسلك معهم أربعة مسالك: 1 - بيان الأدلة الفطرية على وجود الله عز وجل وربوبيته؛ لأن الفطرة: الخلقة التي خلق عليها كل موجود أول خلقه (2) والخلقة التي خلق عليها المولود في بطن أمه، والدين (3) قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه» (4) واستدل أبو هريرة رضي الله عنه بعد سياقه للحديث بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30](5).

فينبغي للداعية أن يوضح للملحدين أن كل مولود يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنها من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، وكل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحدًا إلا وهو يقر بأن له صانعًا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره (6) وإذا نظر العاقل ورجع إلى نفسه وعقله أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الخالق عز وجل: في تكوينه، وبقائه، وتقلبه في

(1) انظر: حديث رقم 94، الدرس الثامن.

(2)

انظر: المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، مادة:"فطر" 2/ 694.

(3)

القاموس المحيط للفيروز آبادي؛ فصل الفاء، باب الراء، ص 587.

(4)

متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؛ وهل يعرض على الصبي الإسلام؛ 2/ 119 برقم 1358، ومسلم، في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة: حكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، 4/ 2047 برقم 2658.

(5)

سورة الروم، الآية:30.

(6)

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 3/ 457، وفتاوى ابن تيمية، 4/ 245، ودرء تعارض العقل والنقل له، 9/ 375، وفتح الباري لابن حجر، 3/ 248،.

ص: 702

أحواله (1) وإذا نظر إلى الخلائق علم فقرهم كلهم إلى الخالق في كل شيء: فقراء إليه في الخلق والإيجاد، وفي البقاء والرزق والإمداد، وفقراء إليه في جلب المنافع ودفع المضار، فانظر إلى حالة الناس إذا كربتهم الشدائد ووقعوا في المهالك، وأشرفوا على الأخطار، أو شاهدوا شيئًا من الحوادث المتجددة: كالصواعق أو الرعد، والبرق والزلازل، والبراكين المتفجرة الثائرة، والريح الشديدة، وانهمار الأمطار الغزيرة، واضطراب أمواج البحار، وفيضانات الأنهار؛ فإنهم إذا حصلت هذه المشاهد العظيمة يلجئون إلى الله، وترتفع أصواتهم بالدعاء، وقلوبهم تنظر إلى إغاثة الخالق عز وجل، ولو لم يكن إلا خلق الإنسان؛ فإنه من أعظم الآيات، فكل يعلم أنه لم يحدث نفسه، ولا أبواه أحدثاه، ولا أحد من البشر أحدثه، ويعلم أنه لا بد له من خالق خلقه، وأن هذا الخالق موجود، حي، عليم، قدير، سميع، بصير، حكيم، حفيظ (2) قال الله عز وجل:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21](3).

2 -

بيان البراهين والأدلة العقلية؛ فإن هذه الأدلة لها التأثير البليغ في دعوة هؤلاء إلى الله عز وجل، فيقال لهؤلاء الذين ينكرون وجود الله عز وجل: الأمور الممكن تقسيمها في العقل ثلاثة لا رابع لها: (أ) إما أن توجد هذه المخلوقات بنفسها صدفة من غير محدث ولا خالق خلقها، فهذا محال ممتنع تجزم العقول ببطلانه ضرورة ويعلم يقينًا أن من ظن ذلك فهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل؛ لأن كل من له عقل يعرف أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير موجد ولا محدث، فلا بد لكل حادث من محدث ولا سبيل إلى إنكار ذلك؛ فإن وجود الشيء من غير موجد محال وباطل، بالمشاهدة والحس والفطرة السليمة.

(ب) وإما أن تكون هذه المخلوقات الباهرة هي المحدثة الخالقة لنفسها،

(1) انظر: كتاب الداعي إلى الإسلام، لعبد الرحمن الأنباري ص211، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 3/ 113.

(2)

انظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية 3/ 122، 129، 131، 137، 8/ 487 والرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة للسعدي، ص 251 - 252، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، 2/ 237.

(3)

سورة الذاريات، الآية:21.

ص: 703

فهذا أيضًا محال ممتنع بضرورة العقل، وكل عاقل يجزم أن الشيء لا يحدث نفسه ولا يخلقها؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا؟! فإذا بطل هذان القسمان عقلًا وفطرة، وبان استحالتهما تعين القسم الثالث:(ج) وهو أن هذه المخلوقات بأجمعها علويها وسفليها، وهذه الحوادث لا بد لها من خالق ينتهي إليه الخلق، والملك، والتدبير، وهو الله العظيم الخالق لكل شيء المتصرف في كل شيء، المدبر للأمور كلها (1)؛ ولهذا الدليل العقلي والبرهان القطعي قال الله عز وجل:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37](2).

وهذا يوضح أن العدم لا يخلق شيئا، والطبيعة لا تملك قدرة، والصدفة العمياء لا توجد حياة.

3 -

ذكر الأدلة الحسية المشاهدة التي تدل على وجود الله، وربوبيته، وأنه الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، وهذه الأدلة على نوعين:(أ) النوع الأول: إجابة الله عز وجل للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه الله للسائلين وما يجيب به أدعية الداعين، ويرفع به كرب المكروبين فتحصل المطالب الكثيرة بأسباب دعاء بعض العباد لربهم، والطمع في فضله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس، لا ينكره إلا مكابر (3) قال الله عز وجل:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62](4).

(ب) - النوع الثاني: معجزات الأنبياء وهي آيات يشاهدها الناس أو يسمعونها وهي من أعظم البراهين القاطعة على وجود مرسلهم؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر يجريها الله عز وجل تأييدًا لرسله ونصرًا لهم عليهم

(1) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/ 66، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 3/ 113، والرياض الناضرة للسعدي ص 247، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، 7/ 195، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، 4/ 368.

(2)

سورة الطور، الآيات: 35 - 37.

(3)

انظر: الرياض الناضرة للسعدي ص 253.

(4)

سورة النمل، الآية:62.

ص: 704

الصلاة والسلام (1) ومن ذلك قوله عز وجل: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63](2) إلى غير ذلك من الآيات العظيمة (3) 4 - ذكر الأدلة الشرعية: وهي طريق الهداية الكاملة، وهي ما جاء عن الله عز وجل وعن رسله عليهم الصلاة والسلام، وهي تجمع بين الأدلة العقلية والنقلية، فالكتب السماوية كلها تنطق بأن الله الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، وما جاءت به من مصالح العباد دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به (4).

رابعًا: من وظائف الإمام المسلم: قتل المرتدين بعد استتابتهم: لا ريب أن من الوظائف العظيمة والأمور المهمة قتل إمام المسلمين للمرتدين عن دين الإسلام بعد استتابتهم وامتناعهم عن الرجوع إلى دين الإسلام؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» وقد بين الله عز وجل عظم جريمة المرتدين فقال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217](5).

قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين"(6) فإذا كان المرتد عن دين الإسلام بالغًا، عاقلًا،، دعاه الإمام أو نائبه إلى الإسلام ثلاثة أيام فإن رجع وإلا قتل (7).

(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسح لابن تيمية 6/ 361.

(2)

سورة الشعراء، الآية:63.

(3)

انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 6/ 55 - 481.

(4)

انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 1/ 172 - 180، 7/ 39، ومجموع الفتاوى له، 6/ 71، وشرح أصول الإيمان لمحمد بن صالح العثيمين ص 17.

(5)

سورة البقرة، الآية:217.

(6)

المغني، 264/ 12.

(7)

انظر: عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي لابن العربي 3/ 424، والمغني لابن قدامة، 12/ 264.

ص: 705

خامسًا: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أسلوب الترهيب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ؛ فإن فيه الترهيب من الردة؛ لأن من ارتد عن الإسلام قتل، وأسأل الله العفو والعافية لي ولجميع المسلمين (1).

(1) انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر.

ص: 706