الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
149 -
باب لا يعذب بعذاب الله
[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]
120 -
[3017] حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان، عن أيوب، عن عكرمة: أن عليا (1) رضي الله عنه حرق قومًا، فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» ، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه» (2).
وفي رواية: "أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. «لا تعذبوا بعذاب الله» ؛ ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» (3).
شرح غريب الحديث: * " الزنديق ": المشهور على ألسنة الناس أن الزنديق هو الذي لا يتمسك بشريعة، ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد: أي طاعن في الأديان (4) وقيل: الزنديق: من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان (5).
وقيل: الزنديق: هو كل من ليس على ملة من الملل المعروفة، ثم استعمل في كل معطل، وفي من أظهر الإسلام وأسر غيره (6).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الزنديق في عرف الفقهاء: هو المنافق الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن غيره، سواء أبطن
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 78.
(2)
[الحديث 3017] طرفه في: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة، 8/ 64، برقم 6922.
(3)
الطرف رقم 6922.
(4)
المصباح المنير، للفيومي، كتاب الزاي، مادة:"الزنديق" 1/ 256.
(5)
القاموس المحيط، للفيروز آبادي، فصل الزاي، باب القاف، ص 1151.
(6)
مشارق الأنوار للقاضي عياض، حرف الزاي مع النون، 1/ 311.
دينًا من الأديان: كدين اليهود والنصارى، أو غيرهم، أو كان معطلًا جاحدًا للصانع والمعاد، والأعمال الصالحة" (1).
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها: 1 - من موضوعات الدعوة: التحذير من التعذيب بعذاب الله عز وجل.
2 -
أهمية ذكر الدليل عند الفتوى لرفع الإلباس.
3 -
من أصناف المدعوين: الزنادقة الملحدون.
4 -
من وظائف الإمام المسلم: قتل المرتدين بعد استتابتهم.
5 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: من موضوعات الدعوة: التحذير من التعذيب بعذاب الله عز وجل: إن هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن التحذير من التعذيب بعذاب الله من موضوعات الدعوة التي ينبغي للداعية أن يحذر الناس من فعلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعذبوا بعذاب الله» وهذا يعم تعذيب الإنسان والحيوان، أما ما فعله علي رضي الله عنه، فلأنه لم يبلغه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التعذيب بالنار؛ قال الكرماني رحمه الله:"كان ذلك من علي رضي الله عنه بالرأي والاجتهاد"(2) والمجتهد المصيب له أجران، وغيره له أجر على اجتهاده (3).
ثانيًا: أهمية ذكر الدليل عند الفتوى لرفع الإلباس: إن من الأمور المهمة للداعية أن يذكر الدليل على ما يقول أو يفتي به؛ لأن الدليل يرفع الإلباس، ويقوي اليقين، ويزيل الشك؛ ولهذا قال ابن عباس
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 7/ 471.
(2)
شرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 27.
(3)
انظر: الحديث رقم 94، الدرس الثاني.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في هذا الحديث: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» .
وهذا يبين أهمية ذكر الدليل والعناية به (1).
ثالثًا: من أصناف المدعوين: الزنادقة الملحدون: ظهر في هذا الحديث أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق الزنادقة، فدل ذلك على أنهم من أصناف المدعوين الذين يدعون إلى الله عز وجل.
فينبغي للداعية أن يسلك معهم أربعة مسالك: 1 - بيان الأدلة الفطرية على وجود الله عز وجل وربوبيته؛ لأن الفطرة: الخلقة التي خلق عليها كل موجود أول خلقه (2) والخلقة التي خلق عليها المولود في بطن أمه، والدين (3) قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه» (4) واستدل أبو هريرة رضي الله عنه بعد سياقه للحديث بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30](5).
فينبغي للداعية أن يوضح للملحدين أن كل مولود يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها، وإنما يعدل عنها من يعدل لآفة من آفات البشر والتقليد، وكل مولود يولد على معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحدًا إلا وهو يقر بأن له صانعًا، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره (6) وإذا نظر العاقل ورجع إلى نفسه وعقله أدنى رجوع عرف افتقاره إلى الخالق عز وجل: في تكوينه، وبقائه، وتقلبه في
(1) انظر: حديث رقم 94، الدرس الثامن.
(2)
انظر: المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، مادة:"فطر" 2/ 694.
(3)
القاموس المحيط للفيروز آبادي؛ فصل الفاء، باب الراء، ص 587.
(4)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؛ وهل يعرض على الصبي الإسلام؛ 2/ 119 برقم 1358، ومسلم، في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة: حكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، 4/ 2047 برقم 2658.
(5)
سورة الروم، الآية:30.
(6)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 3/ 457، وفتاوى ابن تيمية، 4/ 245، ودرء تعارض العقل والنقل له، 9/ 375، وفتح الباري لابن حجر، 3/ 248،.
أحواله (1) وإذا نظر إلى الخلائق علم فقرهم كلهم إلى الخالق في كل شيء: فقراء إليه في الخلق والإيجاد، وفي البقاء والرزق والإمداد، وفقراء إليه في جلب المنافع ودفع المضار، فانظر إلى حالة الناس إذا كربتهم الشدائد ووقعوا في المهالك، وأشرفوا على الأخطار، أو شاهدوا شيئًا من الحوادث المتجددة: كالصواعق أو الرعد، والبرق والزلازل، والبراكين المتفجرة الثائرة، والريح الشديدة، وانهمار الأمطار الغزيرة، واضطراب أمواج البحار، وفيضانات الأنهار؛ فإنهم إذا حصلت هذه المشاهد العظيمة يلجئون إلى الله، وترتفع أصواتهم بالدعاء، وقلوبهم تنظر إلى إغاثة الخالق عز وجل، ولو لم يكن إلا خلق الإنسان؛ فإنه من أعظم الآيات، فكل يعلم أنه لم يحدث نفسه، ولا أبواه أحدثاه، ولا أحد من البشر أحدثه، ويعلم أنه لا بد له من خالق خلقه، وأن هذا الخالق موجود، حي، عليم، قدير، سميع، بصير، حكيم، حفيظ (2) قال الله عز وجل:{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21](3).
2 -
بيان البراهين والأدلة العقلية؛ فإن هذه الأدلة لها التأثير البليغ في دعوة هؤلاء إلى الله عز وجل، فيقال لهؤلاء الذين ينكرون وجود الله عز وجل: الأمور الممكن تقسيمها في العقل ثلاثة لا رابع لها: (أ) إما أن توجد هذه المخلوقات بنفسها صدفة من غير محدث ولا خالق خلقها، فهذا محال ممتنع تجزم العقول ببطلانه ضرورة ويعلم يقينًا أن من ظن ذلك فهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل؛ لأن كل من له عقل يعرف أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير موجد ولا محدث، فلا بد لكل حادث من محدث ولا سبيل إلى إنكار ذلك؛ فإن وجود الشيء من غير موجد محال وباطل، بالمشاهدة والحس والفطرة السليمة.
(ب) وإما أن تكون هذه المخلوقات الباهرة هي المحدثة الخالقة لنفسها،
(1) انظر: كتاب الداعي إلى الإسلام، لعبد الرحمن الأنباري ص211، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 3/ 113.
(2)
انظر: درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية 3/ 122، 129، 131، 137، 8/ 487 والرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة للسعدي، ص 251 - 252، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، 2/ 237.
(3)
سورة الذاريات، الآية:21.
فهذا أيضًا محال ممتنع بضرورة العقل، وكل عاقل يجزم أن الشيء لا يحدث نفسه ولا يخلقها؛ لأنه قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا؟! فإذا بطل هذان القسمان عقلًا وفطرة، وبان استحالتهما تعين القسم الثالث:(ج) وهو أن هذه المخلوقات بأجمعها علويها وسفليها، وهذه الحوادث لا بد لها من خالق ينتهي إليه الخلق، والملك، والتدبير، وهو الله العظيم الخالق لكل شيء المتصرف في كل شيء، المدبر للأمور كلها (1)؛ ولهذا الدليل العقلي والبرهان القطعي قال الله عز وجل:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37](2).
وهذا يوضح أن العدم لا يخلق شيئا، والطبيعة لا تملك قدرة، والصدفة العمياء لا توجد حياة.
3 -
ذكر الأدلة الحسية المشاهدة التي تدل على وجود الله، وربوبيته، وأنه الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، وهذه الأدلة على نوعين:(أ) النوع الأول: إجابة الله عز وجل للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه الله للسائلين وما يجيب به أدعية الداعين، ويرفع به كرب المكروبين فتحصل المطالب الكثيرة بأسباب دعاء بعض العباد لربهم، والطمع في فضله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس، لا ينكره إلا مكابر (3) قال الله عز وجل:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62](4).
(ب) - النوع الثاني: معجزات الأنبياء وهي آيات يشاهدها الناس أو يسمعونها وهي من أعظم البراهين القاطعة على وجود مرسلهم؛ لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر يجريها الله عز وجل تأييدًا لرسله ونصرًا لهم عليهم
(1) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 1/ 66، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 3/ 113، والرياض الناضرة للسعدي ص 247، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، 7/ 195، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، 4/ 368.
(2)
سورة الطور، الآيات: 35 - 37.
(3)
انظر: الرياض الناضرة للسعدي ص 253.
(4)
سورة النمل، الآية:62.
الصلاة والسلام (1) ومن ذلك قوله عز وجل: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63](2) إلى غير ذلك من الآيات العظيمة (3) 4 - ذكر الأدلة الشرعية: وهي طريق الهداية الكاملة، وهي ما جاء عن الله عز وجل وعن رسله عليهم الصلاة والسلام، وهي تجمع بين الأدلة العقلية والنقلية، فالكتب السماوية كلها تنطق بأن الله الخالق لكل شيء المستحق للعبادة، وما جاءت به من مصالح العباد دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به (4).
رابعًا: من وظائف الإمام المسلم: قتل المرتدين بعد استتابتهم: لا ريب أن من الوظائف العظيمة والأمور المهمة قتل إمام المسلمين للمرتدين عن دين الإسلام بعد استتابتهم وامتناعهم عن الرجوع إلى دين الإسلام؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» وقد بين الله عز وجل عظم جريمة المرتدين فقال: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217](5).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتدين"(6) فإذا كان المرتد عن دين الإسلام بالغًا، عاقلًا،، دعاه الإمام أو نائبه إلى الإسلام ثلاثة أيام فإن رجع وإلا قتل (7).
(1) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسح لابن تيمية 6/ 361.
(2)
سورة الشعراء، الآية:63.
(3)
انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 6/ 55 - 481.
(4)
انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية، 1/ 172 - 180، 7/ 39، ومجموع الفتاوى له، 6/ 71، وشرح أصول الإيمان لمحمد بن صالح العثيمين ص 17.
(5)
سورة البقرة، الآية:217.
(6)
المغني، 264/ 12.
(7)
انظر: عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي لابن العربي 3/ 424، والمغني لابن قدامة، 12/ 264.
خامسًا: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أسلوب الترهيب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ؛ فإن فيه الترهيب من الردة؛ لأن من ارتد عن الإسلام قتل، وأسأل الله العفو والعافية لي ولجميع المسلمين (1).
(1) انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر.