المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده] - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

- ‌[حديث إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا]

- ‌ باب السير وحده

- ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

- ‌ باب الجهاد بإذن الأبوين

- ‌[حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك]

- ‌ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

- ‌[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]

- ‌ بَابُ الجَاسُوسِ

- ‌[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]

- ‌ بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

- ‌[حديث عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

- ‌ بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

- ‌[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ

- ‌[حديث إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان]

- ‌ باب لا يعذب بعذاب الله

- ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

- ‌ بَابٌ

- ‌[حديث أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله]

- ‌ باب حرق الدور والنخيل

- ‌[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]

- ‌ بَابُ قَتْلِ النَّائِمِ المُشْرِكِ

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع]

- ‌ باب لا تمنوا لقاء العدو

- ‌[حديث لا تمنوا لقاء العدو]

- ‌ باب الحرب خدعة

- ‌[حديث هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده]

- ‌[حديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة]

- ‌[حديث الحرب خدعة]

- ‌ باب من لا يثبت على الخيل

- ‌[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]

- ‌ باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

- ‌[حديث أخذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]

- ‌[حديث حكم سعد في بني قريظة]

- ‌ بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]

- ‌ باب فكاك الأسير

- ‌[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]

- ‌ باب الحربِي إِذَا دخَل دار الإسْلامِ بغَيْرِ أمَانٍ

- ‌[حديث أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر]

- ‌ بَابُ كيفَ يُعرَض الإسلامُ على الصّبيّ

- ‌[حديث ذكر الدجال وقوله فيه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور]

- ‌ باب إذا أسلم قوم في دَارِ الحرب ولهُمْ مال وأَرَضُونَ فَهي لهمْ

- ‌[حديث استعمال عمر بن الخطاب مولى له يدعى هنيا ونصيحته له]

- ‌ باب كتابة الإمام الناس

- ‌[حديث اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس]

- ‌ بَاب إِن الله يُؤيِّدُ الدِّين بالرجُل الفاجر

- ‌[حديث قال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار]

- ‌ باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

- ‌[حديث أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال]

- ‌ باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

- ‌[حديث أن ابن عمر ذهب فرس له فأخذه العدو]

- ‌ باب من تكلم بالفارسية والرطنة

- ‌[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]

- ‌[حديث أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي]

- ‌ باب القليل من الغلول

- ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

- ‌ باب لا هجرة بعد الفتح

- ‌[حديث انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة]

- ‌ باب استقبال الغزاة

- ‌[حديث قول ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع]

- ‌الفصل الثالث: كتاب الفرائض

- ‌ باب فرض الخمس

- ‌[حديث أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها]

- ‌[حديث لا نورث ما تركنا صدقة]

- ‌ باب نفقة نساء النّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

- ‌[حديث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيته من شيء]

- ‌ باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ

- ‌[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]

- ‌ باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، ممّا تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

- ‌[حديث إخراج أنس نعلين جرداوين لهما قبالان]

- ‌[حديث إخراج عائشة كساء ملبدا وقولها في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]

- ‌[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس

- ‌ باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

- ‌[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]

- ‌ باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [

- ‌[حديث إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي]

- ‌[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]

- ‌[حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق]

- ‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلّت لكم الغنائم»

- ‌[حديث أحلت لكم الغنائم]

- ‌[حديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة]

- ‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

- ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

- ‌ باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له

- ‌[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]

- ‌ باب ومن الدّليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين

- ‌[حديث والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

- ‌[حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش]

- ‌[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]

- ‌[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]

- ‌ بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ

- ‌[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]

- ‌ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِلإِمَامِ، وأَنهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتِهِ دُونَ بعض

- ‌[حديث إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد]

- ‌ باب مَنْ لم يخَمِّس الأَسلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَله سَلبه من غَير أن يخَمّسَ، وحكم الإمَامِ فيهِ

- ‌[حديث قتل إبي جهل]

- ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

- ‌[حديث أسماء كنت أنقل النوى من أرض الزبير

- ‌ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

- ‌[حديث استحياء عبد الله بن مغفل من رسول الله]

- ‌[حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه]

- ‌[حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية]

- ‌[الفصل الرابع كتاب الجزية والموادعة]

- ‌ باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب

- ‌[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]

- ‌[حديث بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها]

- ‌[حديث بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين]

- ‌[حديث كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات]

- ‌ بابُ إثم من قتل معاهدا بغير جرم

- ‌[حديث من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة]

- ‌ بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب

- ‌[حديث أقركم ما أقركم الله]

- ‌ بابُ إِذا غدر الْمُشْركُون بِالْمُسْلمين هلْ يُعْفى عنْهمْ

- ‌[حديث لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم]

- ‌ بَاب هَل يُعفَى عنِ الذِّمِّيِّ إذا سَحَر

- ‌[حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه]

- ‌ باب ما يحذر من الغدر

- ‌[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]

- ‌ باب إثم من عاهد ثم غدر

- ‌[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]

- ‌ باب

- ‌[حديث قول سهل بن حنيف اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته]

- ‌ باب إثم الغادر للبر والفاجر

- ‌[حديث لكل غادر لواء يوم القيامة]

- ‌[حديث لكل غادر لواء ينصب لغدرته]

- ‌القسم الثانيالمنهج الدعوي المستخلص من الدراسة

- ‌الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية

- ‌[الفصل الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو]

- ‌[الفصل الثالث المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة]

- ‌الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب

- ‌المبحث الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل

- ‌[المبحث الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالأساليب]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[التوصيات والمقترحات]

الفصل: ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

135 -

‌ باب السير وحده

[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

113 -

[2998] حدثنا أبو الوليد: حدثنا عاصم بن محمد قال: حدثني أبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا أبو نعيم: حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده»

الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

1 -

من موضوعات الدعوة: بيان آداب السفر.

2 -

من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على مصلحة المدعو.

3 -

الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.

4 -

من أساليب الدعوة: الترهيب.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:

أولًا: من موضوعات الدعوة: بيان آداب السفر: إن من الموضوعات المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن يبين الداعية للمدعوين آداب السفر، ويحثهم على الالتزام بها؛ لما فيها من المصالح والثواب باتباع السنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» وهذا فيه إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولا شك أن التحذير من السفر منفردًا يشمل الماشي على الأقدام أيضًا؛ قال الكرماني رحمه الله:"وهذا من قبيل الغالب وإلا فالراجل أيضًا كذلك"(2) والسفر منفردًا فيه مضار كثيرة: منها الضرر الديني؛ لأن المسافر وحده لا يجد

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 1.

(2)

شرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 14.

ص: 654

من يصلي معه جماعة، ودنيوي؛ لأنه لا يجد المعين في الطريق، وقيد النبي صلى الله عليه وسلم السير بالليل:«ما سار راكب بليل وحده» ؛ لأن احتمال الضرر في الليل أكبر، وإلا فالمشروع أن لا يسافر المسلم وحده بليل ولا نهار إلا لضرورة أو مصلحة لا تنتظم إلا بالانفراد، كإرسال الجاسوس، والطليعة (1).

قال ابن حجر رحمه الله: "ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة"(2) قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب» (3). قال الإمام الخطابي رحمه الله؛ "معناه والله أعلم: أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه، فقيل على هذا: إن فاعله شيطان. ويقال: إن اسم الشيطان مشتق من الشطون: وهو البعد والنزوح، ويقال: بئر شطون: إذا كانت بعيدة المهوى، فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاهئًا للشيطان في فعله، وشبه اسمه، وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث، فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب: أي جماعة وصحب"(4) ويوضح معنى الحديث ما رواه سعيد بن المسيب مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«الشيطان يهم بالواحد، والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم» (5). قال الإمام ابن عبد البر: "كان مالكًا رحمه الله يجعل الحديث الثاني في هذا

(1) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2678، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 5/ 336، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 238، وعمدة القاري للعيني 14/ 248.

(2)

فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 238، وانظر: عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، لابن العربي، 4/ 145.

(3)

أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرجل يسافر وحده، 3/ 36، برقم 2607، والترمذي، وحسنه، في كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، 4/ 193، برقم 1674، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/ 102، وأحمد في المسند 2/ 186، والبغوي في شرح السنة وحسنه 11/ 21 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

(4)

معالم السنن للخطابي 3/ 413.

(5)

مالك في الموطأ، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء، 2/ 978، وقال ابن عبد البر: وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله وأسنده. الاستذكار 27/ 267 برقم 41086، وقد ذكر إسناده في التمهيد 20 8.

ص: 655

الباب مفسرًا للأول، والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان، ويبعد عنهم، وإنما سمي الواحد شيطانًا؛ لأن الشيطان في أصل اللغة: هو البعيد من الخير، من قولهم: نوى شطون: أي بائنة بعيدة، فالمسافر وحده بعيد عن خير الرفيق وعونه، والأنس به، وتمريضه، ودفع وسوسة النفس بحديثه، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتتعرضه الشياطين المردة: هازلين، ومتلاعبين، ومفزعين" (1). وقال الخطابي رحمه الله:"المنفرد وحده في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله، ولا يحمل تركته إلى أهله ويورد خبره عليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا، وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ منها"(2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: "أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله رضي الله عنه فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» (3). فينبغي للداعية أن يحض الناس على أن لا يسافر الإنسان وحده، بل ثلاثة فأكثر إلا لضرورة، ويحثهم على العمل بآداب السفر؛ ليقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (4).

(1) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 27/ 266.

(2)

معالم السنن 3/ 413، وانظر: شرح السنة للبغوي 11/ 22.

(3)

الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، 4/ 465، برقم 2165، وقال. "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه مختصرًا، كتاب الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يشهد، 2/ 791، وأحمد في المسند، 1/ 18، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/ 114 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 232 وقال أحمد محمد شاكر في ترقيمه للمسند 1/ 204 برقم 114:"إسناده صحيح ".

(4)

انظر: آداب السفر في جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر أربعين حديثًا 5/ 15 - 36 من حديث رقم 2991 - 3031، ومشكاة المصابيح للتبريزي، فقد ذكر أربعة وثلاثين حديثًا، 2/ 1142 - 1148 من حديث رقم 3892 - 3925. والآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 453 - 460.

ص: 656

ثانيًا: من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على مصلحة المدعو: إن الداعية الصادق مع الله عز وجل يحب للناس ما يحبه لنفسه، فيرحمهم، ويعطف عليهم، ويشفق على مصالحهم فيعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ولهذه الرحمة قال صلى الله عليه وسلم:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» فكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رحيما (1) فوجههم إلى ما يجلب لهم الخير ويدفع عنهم السوء والشر (2).

ثالثًا: الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل: إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله عز وجل؛ لأن التوكل يقوم على أصلين: اعتماد القلب على الله عز وجل، والعمل بالأسباب التي يقتضيها التوكل على الله سبحانه وتعالى، ففي قوله صلى الله عليه وسلم:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» دلالة على أهمية الرفيق في السفر، وقد بينت الأحاديث الأخرى أن أقل المسافرين ثلاثة؛ لما يحصل بينهم من التعاون في أمور الدين والدنيا، وهذا لا ينافي التوكل، بل هو من التوكل على الله عز وجل (3).

رابعًا: من أساليب الدعوة: الترهيب: ظهر في هذا الحديث أسلوب الترهيب؛ في قوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» وهذا فيه تخويف من سفر المسلم منفردًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أضرارًا لا يعلمها الناس، وقد بين صلى الله عليه وسلم للناس ذلك، وهذا يؤكد على أهمية أسلوب الترهيب في الدعوة إلى الله عز وجل (4).

(1) انظر: بهجة النفوس لابن أبي جمرة، 3/ 143، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2678 ومرقاة المفاتيح للملا علي القاري 7/ 445.

(2)

انظر: الحديث رقم 5، الدرس الأول. ورقم 50، الدرس الرابع.

(3)

انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.

(4)

انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.

ص: 657