الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
135 -
باب السير وحده
[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]
113 -
[2998] حدثنا أبو الوليد: حدثنا عاصم بن محمد قال: حدثني أبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا أبو نعيم: حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده»
الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: بيان آداب السفر.
2 -
من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على مصلحة المدعو.
3 -
الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل.
4 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولًا: من موضوعات الدعوة: بيان آداب السفر: إن من الموضوعات المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل أن يبين الداعية للمدعوين آداب السفر، ويحثهم على الالتزام بها؛ لما فيها من المصالح والثواب باتباع السنة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» وهذا فيه إرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولا شك أن التحذير من السفر منفردًا يشمل الماشي على الأقدام أيضًا؛ قال الكرماني رحمه الله:"وهذا من قبيل الغالب وإلا فالراجل أيضًا كذلك"(2) والسفر منفردًا فيه مضار كثيرة: منها الضرر الديني؛ لأن المسافر وحده لا يجد
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 1.
(2)
شرح الكرماني على صحيح البخاري، 13/ 14.
من يصلي معه جماعة، ودنيوي؛ لأنه لا يجد المعين في الطريق، وقيد النبي صلى الله عليه وسلم السير بالليل:«ما سار راكب بليل وحده» ؛ لأن احتمال الضرر في الليل أكبر، وإلا فالمشروع أن لا يسافر المسلم وحده بليل ولا نهار إلا لضرورة أو مصلحة لا تنتظم إلا بالانفراد، كإرسال الجاسوس، والطليعة (1).
قال ابن حجر رحمه الله: "ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن، وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة"(2) قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب» (3). قال الإمام الخطابي رحمه الله؛ "معناه والله أعلم: أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان، أو هو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه، فقيل على هذا: إن فاعله شيطان. ويقال: إن اسم الشيطان مشتق من الشطون: وهو البعد والنزوح، ويقال: بئر شطون: إذا كانت بعيدة المهوى، فيحتمل على هذا أن يكون المراد أن الممعن في الأرض وحده مضاهئًا للشيطان في فعله، وشبه اسمه، وكذلك الاثنان ليس معهما ثالث، فإذا صاروا ثلاثة فهم ركب: أي جماعة وصحب"(4) ويوضح معنى الحديث ما رواه سعيد بن المسيب مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«الشيطان يهم بالواحد، والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم» (5). قال الإمام ابن عبد البر: "كان مالكًا رحمه الله يجعل الحديث الثاني في هذا
(1) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2678، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 5/ 336، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 238، وعمدة القاري للعيني 14/ 248.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 238، وانظر: عارضة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، لابن العربي، 4/ 145.
(3)
أبو داود، كتاب الجهاد، باب الرجل يسافر وحده، 3/ 36، برقم 2607، والترمذي، وحسنه، في كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، 4/ 193، برقم 1674، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/ 102، وأحمد في المسند 2/ 186، والبغوي في شرح السنة وحسنه 11/ 21 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(4)
معالم السنن للخطابي 3/ 413.
(5)
مالك في الموطأ، كتاب الاستئذان، باب ما جاء في الوحدة في السفر للرجال والنساء، 2/ 978، وقال ابن عبد البر: وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حرملة وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله وأسنده. الاستذكار 27/ 267 برقم 41086، وقد ذكر إسناده في التمهيد 20 8.
الباب مفسرًا للأول، والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان، ويبعد عنهم، وإنما سمي الواحد شيطانًا؛ لأن الشيطان في أصل اللغة: هو البعيد من الخير، من قولهم: نوى شطون: أي بائنة بعيدة، فالمسافر وحده بعيد عن خير الرفيق وعونه، والأنس به، وتمريضه، ودفع وسوسة النفس بحديثه، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتتعرضه الشياطين المردة: هازلين، ومتلاعبين، ومفزعين" (1). وقال الخطابي رحمه الله:"المنفرد وحده في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله، ولا يحمل تركته إلى أهله ويورد خبره عليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا، وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ منها"(2). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: "أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله رضي الله عنه فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» (3). فينبغي للداعية أن يحض الناس على أن لا يسافر الإنسان وحده، بل ثلاثة فأكثر إلا لضرورة، ويحثهم على العمل بآداب السفر؛ ليقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (4).
(1) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، 27/ 266.
(2)
معالم السنن 3/ 413، وانظر: شرح السنة للبغوي 11/ 22.
(3)
الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، 4/ 465، برقم 2165، وقال. "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه مختصرًا، كتاب الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يشهد، 2/ 791، وأحمد في المسند، 1/ 18، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/ 114 وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 232 وقال أحمد محمد شاكر في ترقيمه للمسند 1/ 204 برقم 114:"إسناده صحيح ".
(4)
انظر: آداب السفر في جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر أربعين حديثًا 5/ 15 - 36 من حديث رقم 2991 - 3031، ومشكاة المصابيح للتبريزي، فقد ذكر أربعة وثلاثين حديثًا، 2/ 1142 - 1148 من حديث رقم 3892 - 3925. والآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 453 - 460.
ثانيًا: من صفات الداعية: الرحمة والشفقة على مصلحة المدعو: إن الداعية الصادق مع الله عز وجل يحب للناس ما يحبه لنفسه، فيرحمهم، ويعطف عليهم، ويشفق على مصالحهم فيعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، ولهذه الرحمة قال صلى الله عليه وسلم:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» فكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رحيما (1) فوجههم إلى ما يجلب لهم الخير ويدفع عنهم السوء والشر (2).
ثالثًا: الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل: إن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله عز وجل؛ لأن التوكل يقوم على أصلين: اعتماد القلب على الله عز وجل، والعمل بالأسباب التي يقتضيها التوكل على الله سبحانه وتعالى، ففي قوله صلى الله عليه وسلم:«لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» دلالة على أهمية الرفيق في السفر، وقد بينت الأحاديث الأخرى أن أقل المسافرين ثلاثة؛ لما يحصل بينهم من التعاون في أمور الدين والدنيا، وهذا لا ينافي التوكل، بل هو من التوكل على الله عز وجل (3).
رابعًا: من أساليب الدعوة: الترهيب: ظهر في هذا الحديث أسلوب الترهيب؛ في قوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده» وهذا فيه تخويف من سفر المسلم منفردًا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أضرارًا لا يعلمها الناس، وقد بين صلى الله عليه وسلم للناس ذلك، وهذا يؤكد على أهمية أسلوب الترهيب في الدعوة إلى الله عز وجل (4).
(1) انظر: بهجة النفوس لابن أبي جمرة، 3/ 143، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 8/ 2678 ومرقاة المفاتيح للملا علي القاري 7/ 445.
(2)
انظر: الحديث رقم 5، الدرس الأول. ورقم 50، الدرس الرابع.
(3)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.