الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]
167 -
[3138] حدّثنا مسلم بن إبراهيم: حدّثنا قرّة بن خالد: حدّثنا عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله (1) رضي الله عنه قال:«بينما رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل. قال له: " لقد شقيت إن لم أعدل» (2).
* شرح غريب الحديث: * "غنيمة" الغنيمة، والغنم، والمغنم، والغنائم: هو ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون بالخيل، والركاب. (3).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: العدل.
2 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
3 -
من صفات الداعية: الحلم.
4 -
سوء أدب بعض المدعوين.
5 -
من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من صفات الداعية: العدل: العدل من أهم الصفات التي يتأكد على الداعية أن يتصف بها، وقد ظهر في مفهوم هذا الحديث أهمية العدل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«لقد شقيت إن لم أعدل» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء،
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 32.
(2)
وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، 2/ 740، برقم 1063.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الغين مع النون، مادة:"غنم" 3/ 389.
بل هو عادل فلا يشقى" (1) عليه الصلاة والسلام (2).
ثانيا: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أن الترهيب من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: "لقد شقيت إن لم أعدل"، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"والمعنى لقد شقيت: أي ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل، أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن"(3) وهذا على رواية فتح التاء: "لقد شقيت"، ورجح الفتح الإمام النووي رحمه الله، (4) فتأكد أسلوب الترهيب (5).
ثالثا: من صفات الداعية: الحلم: الحلم من أعظم صفات أهل العلم والإيمان؛ لما فيه من ضبط النفس عن هيجان الغضب والانتقام، وقد ظهر واضحا في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب هذا الرجل الذي قال:"اعدل"، ومما يؤكد حلمه صلى الله عليه وسلم رواية الحديث عند مسلم رحمه الله؛ فإنه قد زاد في آخره:«فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق؟ " فقال صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم (6) يمرقون منه كما يمرق السهم (7) من الرمية» (8) وهذا يؤكد حلم النبي وحكمته صلى الله عليه وسلم، فينبغي التأسي به (9).
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 243، وانظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/ 109.
(2)
انظر: الحديث رقم 60، الدرس الثاني، ورقم 64، الدرس الأول، ورقم 96، الدرس الرابع.
(3)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 243.
(4)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 165.
(5)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.
(6)
لا يجاوز حناجرهم: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، وليس لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة، وقيل: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 165.
(7)
وفي الرواية الأخرى يمرقون من الإسلام، وفي رواية أخرى: يمرقون من الدين: والمعنى يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه، والرمية: هي الصيد المرمي. انظر شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 165 - 166.
(8)
مسلم برقم 1063، وتقدم تخريجه مع أصل الحديث في الصفحة السابقة، ص 929.
(9)
انظر: الحديث رقم 35، الدرس الثاني، ورقم 89، الدرس الخامس.
رابعا: سوء أدب بعض المدعوين: إن من أهم الآداب اللازمة مع الدعاة والعلماء: التأدب معهم، وأخذ العلم عنهم، والالتزام بأخلاق أهل العلم وطلاّبه، وقد ظهر في هذا الحديث سوء أدب هذا الرجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائد العلماء وإمام الأتقياء، فدل ذلك على أن بعض المدعوين يتصف بالجفاء وسوء الأدب والخلق، فيلزم المدعوين أن يسلكوا منهج الحق واحترام العلماء والاستفادة منهم، والله المستعان.
خامسا: من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: ظهر من مفهوم هذا الحديث أن من القواعد الدعوية قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، دل على ذلك أن هذا الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم:"اعدل" قد استحق القتل، ولكن عفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه درءا للمفاسد، ومما يؤكد ذلك رواية الحديث عند الإمام مسلم رحمه الله، فقد زاد في آخره:"فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق؛ " فقال صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي» (1) فقتل هذا المنافق مصلحة، ولكن يعارض هذه المصلحة مفسدة وهي أن الناس سيقولون إن محمدا يقتل أصحابه، فحينئذ تترك المصلحة لتفويت المفسدة، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
"الدين مبنيّ على المصالح
…
في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح
…
يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد
…
يرتكب الأدنى من المفاسد (2)
ومن درء المفاسد أيضا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد عمل أعمالا كثيرة توجب قتله فقال عمر رضي الله عنه؛ «يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل
(1) مسلم برقم 1063، وتقدم تخريجه مع أصل الحديث، ص 929.
(2)
رسالة في القواعد الفقهية، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص 15 - 23.
أصحابه» (1) وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: بابا شرقيا، وبابا غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم» (2) وهذا يوضح للداعية أن المصالح إذا تعارضت قدم الأعلى منها، وإذا تعارضت مصلحة ومفسدة تركت المصلحة لدفع المفسدة، وإذا تعارضت مفسدة ومفسدة يرتكب الأدنى لدفع الأعلى من المفاسد، وهذه قواعد دعوية ينبغي للداعية أن يعتني بها، والله المستعان وعليه التكلان (3).
(1) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: البخاري، كتاب التفسير، سورة المنافقين، باب قوله:(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، 6/ 77، برقم 4905، ومسلم كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما، 4/ 1998، برقم 2584.
(2)
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها؛ البخاري، كتاب الحج، باب فضل مكة وبنائها، 2/ 191، برقم 1586، ومسلم، كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، 2/ 968، برقم 1333.
(3)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 3/ 195 - 196، 9/ 96، وفتح الباري، لابن حجر، 1/ 325.