الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
162 -
باب من لا يثبت على الخيل
[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]
128 -
[3035] حدثني محمد بن عبد الله بن نمير: حدثنا ابن إدريس، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير (1) رضي الله عنه قال:«ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي» (2).
وفي رواية: ". . «ولا رآني إ لا ضحك» (3).
وفي رواية: «ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: "اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا» (4).
*الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين.
2 -
من صفات الداعية: حسن الخلق.
3 -
من صفات الداعية: التواضع.
4 -
من أساليب الدعوة: التأليف بالدعاء.
5 -
من وسائل الدعوة: استمالة قلب من له شأن في قومه.
6 -
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: استجابة دعواته.
7 -
من وسائل الدعوة: تعليم المجاهدين وتدريبهم استعدادًا للجهاد.
8 -
أهمية سؤال المدعو عما أشكل عليه (5).
[باب ما يكر من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه]
[حديث جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد عبد الله بن] جبير
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 69.
(2)
[الحديث 3035]، طرفاه في: كتاب مناقب الأنصار، باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، 4/ 280، برقم 3822. وكتاب الأدب، باب التبسم والضحك، 7/ 123، برقم 6089. وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه، 4/ 1925، برقم 2475.
(3)
الطرف رقم 3822.
(4)
الطرف رقم 6090.
(5)
تقدمت هذه الفوائد في الحديث رقم 122 - 3020، فأغنى عن إعادة شرحها هنا.
164 -
باب ما يكر من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه قال الله عز وجل: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46](1).
وقال قتادة: الريح الحرب.
129 -
[3039] حدثنا عمرو بن خالد: حدثنا زهير: حدثنا أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب (2) رضي الله عنهما يحدث قال: «جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير (3) فقال: "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم". فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشددن، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن، رافعات ثيابهن. فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: نسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم، فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائةً وسبعين أسيرًا وسبعين قتيلا (4) فقال أبو سفيان: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا. فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك.
(1) سورة الأنفال، الآية:46.
(2)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 30.
(3)
عبد الله بن جبير بن النعمان، الأنصاري رضي الله عنه، شهد العقبة مع السبعين، وبدرا وأحدا، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرًا على الرماة يوم أحد، وهم خمسون رجلا، فلما انهزم المشركون ذهب الرماة؛ ليحضروا الغنيمة، فنهاهم عبد الله بن جبير فمضوا وتركوه، وقتل يومئذ شهيدا رضي الله عنه. انظر. سير أعلام النبلاء للذهبي 2/ 331، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 2/ 286.
(4)
هكذا في النسخة المعتمدة، وفي نسخة فتح الباري، وثبت في رواية للبخاري ". . أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلًا" انظر: الطرف رقم 3986، وهذا هو الصواب والله أعلم.
قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال. إنكم ستجدون في القوم مثلةً لم آمر بها ولم تسؤني. ثم أخذ يرتجز: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا تجيبونه؟ " قالوا: يا رسول الله ما نقول؛ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل". قال: إن لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبونه؟ " قال: قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» (1).
وفي رواية: «جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير» . . " (2).
وفي رواية: «. . . وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا» (4).
* شرح غريب الحديث: * " الرجالة " جمع راجل: أي ماش (5).
* " وأوطأناهم " أي غلبناهم وقهرناهم (6).
* " الخلخال " حلية كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن (7).
(1)[الحديث 3039]، أطرافه في: كتاب المغازي، باب، 5/ 14، برقم 3986. وكتاب المغازي، باب غزوة أحد، 5/ 35، برقم 4043. وكتاب المغازي، باب إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، 5/ 41، برقم 4067. وكتاب تفسير القرآن، 3 سورة آل عمران، باب قوله: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ، 5/ 202، برقم 4561.
(2)
من الطرف رقم 3986.
(3)
من الطرف رقم 4043.
(4)
من الطرف رقم 3986.
(5)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الجيم، مادة:"رجل" 2/ 204.
(6)
انظر: المرجع السابق، باب الواو مع الطاء، مادة:"وطأ" 5/ 201.
(7)
انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي، باب اللام، فصل الخاء، ص 1286، والمعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مادة:"خلخل" 1/ 249.
* " أسوقهن " الساق ما بين الكعب والركبة: جمعه سوق، وسيقان، وأسؤق (1).
* " يرتجز " الرجز: بحر من بحور الشعر ونوع من أنواعه، ويسمى قائله راجزًا، كما يسمى. قائل بحور الشعر شاعرًا، وقد قيل لفرس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم "المرتجز" سمي به لحسن صهيله (2).
* " الحرب سجال " أي تكون مرة على هؤلاء ومرة على هؤلاء، أي تصيبون منا مرة ونصيب منكم أخرى. مأخوذ من السجل: وهو الدلو الذي يستقى به؛ لأن الواردين على الماء لكل واحد منهم سجل: أي لكل واحد منهم نوبة فالسقي بالدلو تكون له بعد صاحبه أو قبله على حسب الاتفاق. (3).
* " مثلة " المثلة: الخروج بالعقوبات عن رسوم الشريعة، يقال: مثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه، أو مذاكيره، أو شيئًا من أطرافه، والاسم: المثلة: فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة (4).
* " هبل " صنم للمشركين كانوا يعبدونه في مكة (5).
* " العزى " صنم لأهل الجاهلية كانوا يحلفون به تعظيمًا له (6).
*الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها: 1 - من وظائف الإمام: التخطيط والتدبير في القتال.
2 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من معصية النبي صلى الله عليه وسلم وبيان خطرها.
(1) القاموس المحيط للفيروزآبادي، باب القاف، فصل السين، ص 1156.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الراء مع الجيم، مادة:"رجز" 2/ 199.
(3)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 130 و 412، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع الجيم، مادة:"سجل" 2/ 344.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 118، والنهابة في غريب الحديث، والأثر، لابن الأثبر، باب الميم مع الثاء، مادة:"مثل" 4/ 294.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الهاء مع الباء، مادة:"هبل" 5/ 240.
(6)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 311.
3 -
من صفات الداعية: تذكر النعم والاعتراف بالتقصير.
4 -
من أساليب الدعوة: الجدل.
5 -
من سنن الله عز وجل: ابتلاء الأنبياء وأتباعهم.
6 -
من أصناف المدعوين: المشركون.
7 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
8 -
من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة أحد.
9 -
خطر حب الدنيا وزينتها على قلب الإنسان.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من وظائف الإمام: التخطيط والتدبير في القتال: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد يدل على حكمته ومعرفته العظيمة بالتخطيط والتدبير في الحرب؛ ولهذا أمر خمسين من أصحابه الرماة أن يجلسوا في الجبل وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير، وأمرهم أن لا يفارقوا مكانهم حتى يرسل إليهم، ولو أراد الله عز وجل بقاءهم كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لم تحصل هزيمة المسلمين؛ لأن هؤلاء الرماة سيحمون المجاهدين من التفاف المشركين على الجبل ولكن الله له الحكمة البالغة والحجة الدامغة. وهذا يبين أهمية التخطيط في الحرب.
ثانيا: من موضوعات الدعوة: التحذير من معصية النبي صلى الله عليه وسلم وبيان خطرها: لا ريب أن التحذير من معصية النبي صلى الله عليه وسلم من أهم الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يعتني بها؛ لأن معصية الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب الخذلان والهزيمة؛ ولهذا عندما خالف الرماة يوم أحد أمره صلى الله عليه وسلم هزم المسلمون بسبب تلك المعصية، فقد قال لهم صلى الله عليه وسلم:«إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم» فهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المشركين فولوا مدبرين مخذولين، فقال الرماة لأميرهم عبد الله بن جبير: الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون؛ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين
الناس فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم فانقلبوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا، فقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سبعون شهيدًا. قال الكرماني رحمه الله:"صرف وجوههم عقوبة لمعصية رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الهزيمة وقعت بسبب مخالفة الرماة"(2) وقال أيضًا: "وفيه شؤم ارتكاب النهي وأنه يعم ضرره من لم يقع منه، كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25](3).
وأن من آثر دنياه أضر بآخرته ولم تحصل له دنياه" (4) قال الله عز وجل عن المخالفة التي وقعت في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 152 - 153](5) وقال عز وجل {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165](6).
ولا شك أن من أسباب النصر والتمكين في الأرض: طاعة الله ورسوله.
فينبغي لكل مسلم أن يحذر معصية الله ورسوله، ويلزم طاعة الله ورسوله؛ فإن هذا من أسباب التوفيق والتسديد والإعانة (7).
(1) شرح الكرماني على صحيح البخاري، 15/ 219.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 163.
(3)
سورة الأنفال، الآية:25.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 353.
(5)
سورة آل عمران، الآيتان: 152 - 153.
(6)
سورة آل عمران، الآية:165.
(7)
انظر: الحديث رقم 96، الدرس الأول.
ثالثا: من صفات الداعية: تذكر النعم والاعتراف بالتقصير: ظهر في هذا الحديث أن تذكّر النعم والاعتراف بالتقصير من الصفات الحميدة؛ ولهذا قال البراء رضي الله عنه: " فأصابوا منا سبعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا " ففي هذا الحديث اعتراف الصحابة رضي الله عنهم بالتقصير يوم أحد، وتذكرهم لنعمة الله عليهم يوم بدر، وما منَّ الله به عليهم من النصر والتأييد والإِعانة على عدوِّهم حتى قتلوا منهم سبعين رجلا، وأسروا سبعين؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفي هذا الحديث. . . أنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها "(1) فينبغي للداعية أن يتذكر نعمة الله عليه ويشكره عليها، ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها.
رابعا: من أساليب الدعوة: الجدل: لا ريب أن الجدل في اللغة مأخوذ من شدة الفتل، يقال: جدلتُ الحبل أجدله جدلًا إذا شددت فتله، وفتلته فتلا محكما (2) وهو في الحقيقة: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، ويقصد به تصحيح كلامه (3) ويكون في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وإظهار الحق، وإلزام الخصم (4) وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث عندما دار الجدل بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي سفيان رضي الله عنه في يوم أحد، ومن ذلك قول أبي سفيان:" اعل هبل " فقال عمر: " الله أعلى وأجل " فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال عمر: الله مولانا ولا مولى لكم. إلى غير ذلك من جدل عمر رضي الله عنه لأبي سفيان.
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 6/ 753 بتصرف يسير جدا.
(2)
انظر: لسان العرب لابن منظور، باب اللام فصل الجيم، 11/ 103.
(3)
انظر: التعريفات للجرجاني ص 106، والجدل نوعان: الجدل الممدوح: وهو كل جدل أيد الحق وأوصل إليه بنية صالحة وطريقة سليمة، أما الجدال المذموم: فهو كل جدال أيد الباطل وأوصل إليه. انظر: كتاب استخراج الجدل من القرآن الكريم، لعبد الرحمن بن نجم الحنبلي ص 51، ومناهج الجدل في القرآن الكريم، للدكتور زاهر بن عواض الألمعي ص 50 وص 62.
(4)
انظر: المصباح المنبر للفيومي 1/ 36، والحوار آدابه وضوابطه في الكتاب والسنة ليحيى محمد زمزمي ص 23 - 24.
فينبغي للداعية أن يستخدم الجدل عند الحاجة إليه، ويقصد بذلك إظهار الحق وإبطال الباطل بالأدلة العقلية والنقلية (1) امتثالًا لأمر الله عز وجل بذلك:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](2).
خامسا: من سنن الله عز وجل: ابتلاء الأنبياء وأتباعهم: إنما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد من الابتلاء والامتحان ما هو إلا سنة من سنن الله عز وجل كما قال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31](3) وقال عز وجل عن ابتلاء الصحابة وما أصابهم يوم أحد: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ - وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: 166 - 167](4).
وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول في ذكره لبعض فوائد حديث البراء رضي الله عنه: " وهذا ابتلاء وامتحان، فلو كان المسلمون لا يصيبهم شيء ما بقي على الكفر أحد، فهو سبحانه يبتلي هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء، ولكن العاقبة تكون للمتقين "(5)؛ قال الله عز وجل:
(1) قد شاع بين الناس ألفاظ قريب بعضها من بعض: الجدل، والمناظرة، والحوار أو المحاورة، والمحاجة، والمناقشة. ويظهر بعض الفروق بين هذه الألفاظ: وهو أن المجادلة يظهر فيها أسلوب القوة، والحوار ورد في القرآن الكريم بمعنى المجادلة، ولكن يظهر في الحوار الهدوء والبعد عن الخصومة، وهو نوع من أنواع الأدب الرفيع وأسلوب من أساليبه، أما المناظرة، فقال الجرجاني في التعريفات ص 287:" المناظرة: لغة من النظير أو من النظر بالبصيرة، واصطلاحا النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهارا للصواب " وتمتاز بدلالتها على النظر والتفكر. فهذه الألفاظ كلها: " الجدل، الحوار، المناظرة، المناقشة، المحاجة " تشترك في أنها مراجعة في الكلام ومداولة له بين طرفين. انظر: التعريفات للجرجاني ص106، وص287، ولسان العرب لابن منظور، باب اللام، فصل الجيم، 11/ 103 - 106، وباب الراء فصل الحاء، 4/ 218 - 219، وباب الراء، فصل النون، 5/ 218 - 220، والحوار. آدابه وضوابطه، ليحيى بن محمد، ص 31.
(2)
سورة النحل، الآية:125.
(3)
سورة محمد، الآية:31.
(4)
سورة آل عمران، الآيتان: 166 - 167.
(5)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 4043 من صحيح البخاري.
{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ - أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140 - 142](1) وقال عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179](2) ولا شك أن الصحابة رضي الله عنهم استفادوا من هذا الابتلاء والامتحان، فلم يعودوا إلى مثل ما فعلوه في معركة أحد؛ وبالغوا في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا الحذر من عدوِّهم، وعرفوا المنافقين من الصادقين رضي الله عنهم (3)؛ ولهذا مدحهمِ الله عز وجل فقال:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ - الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 172 - 174](4).
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع من أحد إلى المدينة أمر من حضر الجهاد في أحد أن يخرجوا معه على ما بهم من الجراح فاستجابوا لله ورسوله ووصلوا إلى حمراء الأسد، وجاءهم الخبر بأن أبا سفيان قد جمع لهم جموع الناس " فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "(5) وهذا يدل على صبرهم رضي الله عنهم الكامل على الابتلاء، ويدل على كمال إيمانهم رضي الله عنهم (6).
سادسا: من أصناف المدعوين: المشركون: دل هذا الحديث على أن من أصناف المدعوين: المشركون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الله، وقاتلهم؛ لعدم استجابتهم لله وعدم دخولهم في الإِسلام،
(1) سورة آل عمران، الآيات: 140 - 142.
(2)
سورة آل عمران، الآية:179.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 352 - 353.
(4)
سورة آل عمران، الآيات: 172 - 174.
(5)
انظر: تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آَي القرآن " 7/ 400، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي 1/ 456.
(6)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
ولا شك أن دعوة المشركين لها أساليب ومناهج بينها الله في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيرته وسنته. فينبغي السير على ضوئها، والله المستعان (1).
سابعا: من أساليب الدعوة: الترهيب: ظهر أسلوب الترهيب في هذا الحديث في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي سفيان: " كذبت والله يا عدوّ الله إن الذين عددت لأحياءٌ كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك " وهذا فيه تخويف للأعداء، وإظهار للقوة، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين عدهم أبو سفيان لا يزالون على قيد الحياة وهم مستعدون لقتال أعداء الله؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وفي هذا الحديث منزلة أبي بكر وعمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وخصوصيتهما به حيث كان أعداؤه لا يعرفون بذلك غيرهما إذ لم يسأل أبو سفيان عن غيرهما "(2) فرد عليه عمر رضي الله عنه، ليدخل الرعب في قلبه ويخوفه، وهذا أسلوب من أساليب الدعوة.
فينبغي للداعية أن يعتني بأسلوب الترهيب عند الحاجة إليه (3).
ثامنا: من تاريخ الدعوة: ذكر غزوة أحد: لا شك أن من تاريخ الدعوة ذكر غزوة أحد وزمنها؛ لقول البراء بن عازب رضي الله عنه: " جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد - وكانوا خمسين رجلا - عبد الله بن جبير "، وقد كانت في شوال من السنة الثالثة للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأتم التسليم (4).
تاسعا: خطر حب الدنيا وزينتها على قلب الإِنسان: إن الحرص على الدنيا وزينتها من أخطر الأشياء على قلوب البشر، وقد ظهر هذا الحرص في قلوب بعض أصحاب عبد الله بن جبير رضي الله عنه، حيث خالفوا
(1) انظر: الحديث رقم 91، الدرس الثامن.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 353.
(3)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.
(4)
انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، 3/ 192.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله لهم: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم» ، فهزم الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون المشركين، فقال أصحاب الجبل " الرماة ": الغنيمة الغنيمة، ونزلوا من الجبل فَهُزِمَ المسلمون بسبب حب الدنيا وزينتها، قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152](1).
فينبغي لكل مسلم أن يحذر من الحرص على حب الدنيا وزينتها؛ فإنها زائلة وفانية، قال الله عز وجل:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [القصص: 60](2) والله المستعان (3).
(1) سورة آل عمران، الآية:152.
(2)
سورة القصص، الآية:60.
(3)
انظر: الحديث رقم 61، الدرس السادس.