الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
190 -
باب القليل من الغلول
وَلَم يَذْكُر عبد الله بْنُ عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذا أصَحّ.
[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]
143 -
[3074] حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عبد الله: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سالِم بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عبد الله بْن عَمْرٍو (1) قَالَ:«كَان عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَة (2) فَمَاتَ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " هُوَ فِي النَّارِ "، فَذهَبُوا ينظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا» .
قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ ابْنُ سَلامٍ: كَرْكَرَة: يَعْنِي بفَتْحِ الكَافِ، وَهُوَ مَضْبُوط كَذَا.
* شرح غريب الحديث: * ثقل النبي صلى الله عليه وسلم " الثقل: الرَّحْلُ والمتاع، وجمعه: أثقال (3).
* عباءة، العباءَة: ضرب ونوع من الأكسية فيها خشونة (4).
* " غلها " الغلول في المغنم أن يخْفى من الغنيمة شيء ولا يرد إلى القسمة؛ لأن ذلك من حقوق من شهد الغنيمة، وهو في معنى الخيانة يقال: غل يغل غلولا: إذا أخذ من الأموال المغنومة شيئا فأخفاه، وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل، وسمي ذلك غلولا؛ لأن الأيدي مغلولة عنه: أي ممنوعة منه (5).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 114.
(2)
كركرة: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان نوبيا، أهداه له هوذة بن علي الحنفي اليمامي فأعتقه، قيل له صحبة ولا تعرف له رواية، وكان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وقيل: مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مملوك، وقيل: " كركرة بفتح الكافين وبكسرهما، ومقتضاه أن فيه أربع لغات، وقال النووي: إنما الخلاف في الكاف الأولى، وأما الثانية فمكسورة جزمًا. انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 4/ 180، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 293.
(3)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 907، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الثاء مع القاف، مادة:" ثقل "، 1/ 217.
(4)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 83 وص 432.
(5)
انظر: المرجع السابق، ص 50، ص 27، ص 489.
1 -
من موضوعات الدعوة: التحذير من الغلول.
2 -
من صفات الداعية: الأمانة.
3 -
من أساليب الدعوة: الترهيب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي: أولا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الغلول: ظهر في هذا الحديث أن من موضوعات الدعوة التي ينبغي أن يعتني بها الداعية: التحذير من الغلول وبيان خطره؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيمن غل العباءة: «هو في النار» وقد نفى الله عز وجل الغلول عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحذر وتوعد أصحاب الغلول يوم القِيَامة فقال عز وجل:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161](1).
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره ثم قال: " لَا أُلفِيَنَّ (2) أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء (3) يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة (4).
فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاءٌ (5) يقول يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح (6) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا أُلْفِيَنَّ أحدكم
(1) سورة آل عمران، الآية:161.
(2)
لا أُلْفِيَنَّ: ذكره النووي بضم الهمزة وكسر الفاء: أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه: لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة: انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 458، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.
(3)
الرغاء: صوت الإبل، وذوات الخف. جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.
(4)
حمحمة: صوت الفرس عند العلف، وهو دون الصهيل، انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 186.
(5)
الثغاء: صوت الشاة: انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 521، وجامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.
(6)
الصياح صوت الإنسان: كأنه أراد ما يغله من رقيق، انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 186.
يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع (1) تخفق (2) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، ولا ألفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت (3) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك» (4) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا إني رأيتُهُ في النار في بردة (5) غلَّها، أو عباءَةٍ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ابن الخطاب، اذهب فنادِ في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " قال فخرجت فناديت: " ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون» (6) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إنما غنمنا [البقر، والإِبل] والطعام، والثياب [ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب]، وفي رواية مسلم: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له، وهبه له رجل من جُذام يُدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلُّ رحله، فرُمِيَ بسهم فقال الناس: هنيئا له الشهادة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا " فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك (7) أو
(1) الرقاع: يريد ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وقيل: المراد بها الثياب. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 335، وجامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.
(2)
تخفق: أي تتحرك: انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.
(3)
الصامت: الصامت من الأموال الذهب والفضة وما لا روح فيه من أصناف المال، والمال الناطق: الإبل والغنم والخيل ونحوها، انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 335، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.
(4)
متفق عليه: البخاري كتاب الجهاد والسير، باب الغلول، وقول الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 4/ 46، برقم 3073، ومسلم، كتاب الإِمارة، باب غلظ تحريم الغلول، 3/ 1461، برقم 1831، واللفظ له.
(5)
البردة: هي الشملة المخططة، وجمعها برد، وهي النمرة، وهي إزار يؤتزر به، وقيل: هي كساء أسود صغير مربع يلبسه الأعراب. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 470، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 1/ 321.
(6)
مسلم كتاب الإِيمان، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، 1/ 107، برقم 114.
(7)
الشراك: سير من سيور النعل التي على وجهها. انظر: جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن الأثير، 2/ 719.
بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شراك أو شراكان من نار» (1).
ويدخل في الغلول ما يؤخذ من بيت مال المسلمين عن طريق الخفية، وما يأخذه العمال من هدايا من أجل وظائفهم، فعن أبي حميد الساعدي قال:«استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملا (2) فجاء العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله هذا لكم، وهذا أهدي إليّ فقال له: " أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا؟ " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: " أما بعد فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغلُّ أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعرُ (3) فقد بلغت» [وفي رواية مسلم: «اللهم هل بلغت؟ " مرتين»](4).
والغلول من أعظم الذنوب ولو كان يسيرا، فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه «أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال:" إن صاحبكم غل في سبيل الله " ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين» (5).
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 5/ 95، برقم 4234، ومسلم، كتاب الإيمان، باب غلظِ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، 1/ 108، برقم 115، واللفظ الذي بين المعكوفين للبخاري.
(2)
هو ابن اللتبية استعمله على الصدقة. انظر: صحيح مسلم، برقم 1832.
(3)
تيعر: معناه: تصيح، واليُعار صوت الشاة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 461.
(4)
متفق عليه: البخاري، 7/ 278، برقم 6636، ومسلم، 3/ 1463، برقم 1832، وما بين المعكوفين له، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 4، آخر الدرس الرابع، ص 69.
(5)
أبو داود، كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول، 3/ 68، برقم 2710، والنسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل، 4/ 64، برقم 1959، وموطأ مالك، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول، 2/ 458، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الغلول، 2/ 950، برقم 2848، وأحمد في مسنده، 4/ 114، 5/ 92، وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 2/ 721:" إسناده عند مالك وابن ماجه صحيح ".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة - يعني وبرة - فجعل بين أصبعيه ثم قال: " أيها الناس إن هذا من غنائمكم. أدوا الخيط والمخيطَ فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة، وشنار (1) ونار» (2) فينبغي للداعية أن يحذر المدعوين من الغلول ويُبيِّن لهم خطره، أسأل الله لي ولجميع المسلمين العافية في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: من صفات الداعية: الأمانة: ظهر في مفهوم هذا الحديث أن الأمانة من صفات الداعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذا الرجل دخل النار بسبب عباءة غلها، فدل ذلك على خيانته وعدم حفظه للأمانة، ودل مفهوم المخالفة على أنه ينبغي للداعية أن يكون أمينا في كل شيء، والله المستعان (3).
ثالثا: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أن أسلوب الترهيب له مكانة عظيمة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لما يحمل عليه من التخويف؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: «هو في النار» بسبب العباءة التي غلها، وهذا فيه تخويف عظيم من الغلول يردع النفوس عن مثل هذا العمل القبيح (4).
(1) الشنار: العيب والعار، وقيل: هو العيب الذي فيه عار. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الشين مع النون، مادة " شنر " 2/ 504.
(2)
ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الغلول، 2/ 950، برقم 2850، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 139، وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 9850 وإرواء الغليل 5/ 74، وانظر: القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب، ص 230.
(3)
انظر: الحديث رقم 29، الدرس الثالث، ورقم 132، الدرس الرابع.
(4)
انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.