المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة] - فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري - جـ ٢

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌ باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة

- ‌[حديث إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا]

- ‌ باب السير وحده

- ‌[حديث لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده]

- ‌ باب الجهاد بإذن الأبوين

- ‌[حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك]

- ‌ باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

- ‌[حديث لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت]

- ‌ بَابُ الجَاسُوسِ

- ‌[حديث انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها]

- ‌ بَابُ الأُسَارَى فِي السَّلَاسِلِ

- ‌[حديث عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل]

- ‌ بَابُ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَاُب الوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ

- ‌[حديث حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم]

- ‌ بَابُ قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ

- ‌[حديث إنكار النبي صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان]

- ‌ باب لا يعذب بعذاب الله

- ‌[حديث لا تعذبوا بعذاب الله]

- ‌ بَابٌ

- ‌[حديث أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله]

- ‌ باب حرق الدور والنخيل

- ‌[حديث ألا تريحني من ذي الخلصة]

- ‌ بَابُ قَتْلِ النَّائِمِ المُشْرِكِ

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع]

- ‌ باب لا تمنوا لقاء العدو

- ‌[حديث لا تمنوا لقاء العدو]

- ‌ باب الحرب خدعة

- ‌[حديث هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده]

- ‌[حديث تسمية النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعة]

- ‌[حديث الحرب خدعة]

- ‌ باب من لا يثبت على الخيل

- ‌[حديث ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]

- ‌ باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، حتى يسمع الناس

- ‌[حديث أخذ لقاح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[باب إذا نزل العدو على حكم رجل]

- ‌[حديث حكم سعد في بني قريظة]

- ‌ بَابُ هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر، وَمَنْ ركَعَ رَكعَتينِ عندَ القتل

- ‌[حديث بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية]

- ‌ باب فكاك الأسير

- ‌[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]

- ‌ باب الحربِي إِذَا دخَل دار الإسْلامِ بغَيْرِ أمَانٍ

- ‌[حديث أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر]

- ‌ بَابُ كيفَ يُعرَض الإسلامُ على الصّبيّ

- ‌[حديث ذكر الدجال وقوله فيه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور]

- ‌ باب إذا أسلم قوم في دَارِ الحرب ولهُمْ مال وأَرَضُونَ فَهي لهمْ

- ‌[حديث استعمال عمر بن الخطاب مولى له يدعى هنيا ونصيحته له]

- ‌ باب كتابة الإمام الناس

- ‌[حديث اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس]

- ‌ بَاب إِن الله يُؤيِّدُ الدِّين بالرجُل الفاجر

- ‌[حديث قال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار]

- ‌ باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

- ‌[حديث أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال]

- ‌ باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم

- ‌[حديث أن ابن عمر ذهب فرس له فأخذه العدو]

- ‌ باب من تكلم بالفارسية والرطنة

- ‌[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]

- ‌[حديث أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي]

- ‌ باب القليل من الغلول

- ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

- ‌ باب لا هجرة بعد الفتح

- ‌[حديث انقطعت الهجرة منذ فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم مكة]

- ‌ باب استقبال الغزاة

- ‌[حديث قول ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث ذهبنا نتلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصبيان إلى ثنية الوداع]

- ‌الفصل الثالث: كتاب الفرائض

- ‌ باب فرض الخمس

- ‌[حديث أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها]

- ‌[حديث لا نورث ما تركنا صدقة]

- ‌ باب نفقة نساء النّبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته

- ‌[حديث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيته من شيء]

- ‌ باب ما جاء في بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم وما نسب من البيوت إليهنّ

- ‌[حديث ها هنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان]

- ‌ باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، وعصاه، وسيفه، وقدحه، وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته، ومن شعره، ونعله، وآنيته، ممّا تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

- ‌[حديث إخراج أنس نعلين جرداوين لهما قبالان]

- ‌[حديث إخراج عائشة كساء ملبدا وقولها في هذا نزع روح النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حديث أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم كسر]

- ‌[حديث لو كان علي ذاكرا عثمان ذكره يوم جاءه ناس

- ‌ باب الدّليل على أنّ الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين

- ‌[حديث أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحنه]

- ‌ باب قول الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [

- ‌[حديث إنما أنا قاسم وخازن والله يعطي]

- ‌[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]

- ‌[حديث إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق]

- ‌ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحلّت لكم الغنائم»

- ‌[حديث أحلت لكم الغنائم]

- ‌[حديث غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة]

- ‌ باب بركة الغازي في ماله حيّا وميتا، مع النّبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر

- ‌[حديث لما وقف الزبير يوم الجمل دعا ابنه عبد الله]

- ‌ باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام، هل يسهم له

- ‌[حديث قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه]

- ‌ باب ومن الدّليل على أنّ الخمس لنوائب المسلمين

- ‌[حديث والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم]

- ‌[حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش]

- ‌[حديث قسم النبي لإصحاب السفينة مع جعفر وأصحابه حين افتتح خيبر]

- ‌[حديث لقد شقيت إن لم أعدل]

- ‌ بَابُ ما مَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأَسارى من غيرِ أن يخمّسَ

- ‌[حديث قوله في أسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتتركتهم له]

- ‌ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الخُمُسَ لِلإِمَامِ، وأَنهُ يُعْطِي بعض قَرَابَتِهِ دُونَ بعض

- ‌[حديث إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد]

- ‌ باب مَنْ لم يخَمِّس الأَسلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَله سَلبه من غَير أن يخَمّسَ، وحكم الإمَامِ فيهِ

- ‌[حديث قتل إبي جهل]

- ‌ باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي المُؤلفة قلوبهم وغَيْرهم مِنَ الخمس وَنحوِه

- ‌[حديث أسماء كنت أنقل النوى من أرض الزبير

- ‌ باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

- ‌[حديث استحياء عبد الله بن مغفل من رسول الله]

- ‌[حديث ابن عمر كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه]

- ‌[حديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية]

- ‌[الفصل الرابع كتاب الجزية والموادعة]

- ‌ باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب

- ‌[حديث قول عمر فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس]

- ‌[حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر]

- ‌[حديث بعثه صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها]

- ‌[حديث بعث عمر الناس في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين]

- ‌[حديث كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات]

- ‌ بابُ إثم من قتل معاهدا بغير جرم

- ‌[حديث من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة]

- ‌ بابُ إِخْراجِ اليهُودِ من جزيرةِ العرب

- ‌[حديث أقركم ما أقركم الله]

- ‌ بابُ إِذا غدر الْمُشْركُون بِالْمُسْلمين هلْ يُعْفى عنْهمْ

- ‌[حديث لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم]

- ‌ بَاب هَل يُعفَى عنِ الذِّمِّيِّ إذا سَحَر

- ‌[حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه]

- ‌ باب ما يحذر من الغدر

- ‌[حديث اعدد ستا بين يدي الساعة]

- ‌ باب إثم من عاهد ثم غدر

- ‌[حديث كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا ولا درهما]

- ‌ باب

- ‌[حديث قول سهل بن حنيف اتهموا رأيكم رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر النبي لرددته]

- ‌ باب إثم الغادر للبر والفاجر

- ‌[حديث لكل غادر لواء يوم القيامة]

- ‌[حديث لكل غادر لواء ينصب لغدرته]

- ‌القسم الثانيالمنهج الدعوي المستخلص من الدراسة

- ‌الفصل الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالداعية

- ‌[الفصل الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالمدعو]

- ‌[الفصل الثالث المنهج الدعوي المتعلق بموضوع الدعوة]

- ‌الفصل الرابع: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل والأساليب

- ‌المبحث الأول: المنهج الدعوي المتعلق بالوسائل

- ‌[المبحث الثاني المنهج الدعوي المتعلق بالأساليب]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[التوصيات والمقترحات]

الفصل: ‌[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

190 -

‌ باب القليل من الغلول

وَلَم يَذْكُر عبد الله بْنُ عَمْرو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذا أصَحّ.

[حديث كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له كركرة]

143 -

[3074] حَدَّثَنَا عَليُّ بْنُ عبد الله: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سالِم بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ عبد الله بْن عَمْرٍو (1) قَالَ:«كَان عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَة (2) فَمَاتَ، فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " هُوَ فِي النَّارِ "، فَذهَبُوا ينظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا» .

قَالَ أَبُو عبد الله: قَالَ ابْنُ سَلامٍ: كَرْكَرَة: يَعْنِي بفَتْحِ الكَافِ، وَهُوَ مَضْبُوط كَذَا.

* شرح غريب الحديث: * ثقل النبي صلى الله عليه وسلم " الثقل: الرَّحْلُ والمتاع، وجمعه: أثقال (3).

* عباءة، العباءَة: ضرب ونوع من الأكسية فيها خشونة (4).

* " غلها " الغلول في المغنم أن يخْفى من الغنيمة شيء ولا يرد إلى القسمة؛ لأن ذلك من حقوق من شهد الغنيمة، وهو في معنى الخيانة يقال: غل يغل غلولا: إذا أخذ من الأموال المغنومة شيئا فأخفاه، وكل من خان شيئا في خفاء فقد غل، وسمي ذلك غلولا؛ لأن الأيدي مغلولة عنه: أي ممنوعة منه (5).

* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:

(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 114.

(2)

كركرة: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان نوبيا، أهداه له هوذة بن علي الحنفي اليمامي فأعتقه، قيل له صحبة ولا تعرف له رواية، وكان يمسك دابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وقيل: مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مملوك، وقيل: " كركرة بفتح الكافين وبكسرهما، ومقتضاه أن فيه أربع لغات، وقال النووي: إنما الخلاف في الكاف الأولى، وأما الثانية فمكسورة جزمًا. انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 4/ 180، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 293.

(3)

انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 907، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الثاء مع القاف، مادة:" ثقل "، 1/ 217.

(4)

انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 83 وص 432.

(5)

انظر: المرجع السابق، ص 50، ص 27، ص 489.

ص: 831

1 -

من موضوعات الدعوة: التحذير من الغلول.

2 -

من صفات الداعية: الأمانة.

3 -

من أساليب الدعوة: الترهيب.

والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي: أولا: من موضوعات الدعوة: التحذير من الغلول: ظهر في هذا الحديث أن من موضوعات الدعوة التي ينبغي أن يعتني بها الداعية: التحذير من الغلول وبيان خطره؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيمن غل العباءة: «هو في النار» وقد نفى الله عز وجل الغلول عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحذر وتوعد أصحاب الغلول يوم القِيَامة فقال عز وجل:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161](1).

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول، فعظّمه وعظّم أمره ثم قال: " لَا أُلفِيَنَّ (2) أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء (3) يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة (4).

فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا، قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاءٌ (5) يقول يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا أُلفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح (6) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك. لا أُلْفِيَنَّ أحدكم

(1) سورة آل عمران، الآية:161.

(2)

لا أُلْفِيَنَّ: ذكره النووي بضم الهمزة وكسر الفاء: أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه: لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة: انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 458، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.

(3)

الرغاء: صوت الإبل، وذوات الخف. جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.

(4)

حمحمة: صوت الفرس عند العلف، وهو دون الصهيل، انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 186.

(5)

الثغاء: صوت الشاة: انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 521، وجامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.

(6)

الصياح صوت الإنسان: كأنه أراد ما يغله من رقيق، انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 186.

ص: 832

يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع (1) تخفق (2) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، ولا ألفِيَنَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت (3) فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك» (4) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلا إني رأيتُهُ في النار في بردة (5) غلَّها، أو عباءَةٍ " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ابن الخطاب، اذهب فنادِ في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " قال فخرجت فناديت: " ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون» (6) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إنما غنمنا [البقر، والإِبل] والطعام، والثياب [ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له أحد بني الضباب]، وفي رواية مسلم: ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له، وهبه له رجل من جُذام يُدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلُّ رحله، فرُمِيَ بسهم فقال الناس: هنيئا له الشهادة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا " فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك (7) أو

(1) الرقاع: يريد ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وقيل: المراد بها الثياب. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 335، وجامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.

(2)

تخفق: أي تتحرك: انظر: جامع الأصول لابن الأثير، 2/ 717.

(3)

الصامت: الصامت من الأموال الذهب والفضة وما لا روح فيه من أصناف المال، والمال الناطق: الإبل والغنم والخيل ونحوها، انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 335، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 186.

(4)

متفق عليه: البخاري كتاب الجهاد والسير، باب الغلول، وقول الله تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 4/ 46، برقم 3073، ومسلم، كتاب الإِمارة، باب غلظ تحريم الغلول، 3/ 1461، برقم 1831، واللفظ له.

(5)

البردة: هي الشملة المخططة، وجمعها برد، وهي النمرة، وهي إزار يؤتزر به، وقيل: هي كساء أسود صغير مربع يلبسه الأعراب. انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 470، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 1/ 321.

(6)

مسلم كتاب الإِيمان، باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، 1/ 107، برقم 114.

(7)

الشراك: سير من سيور النعل التي على وجهها. انظر: جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن الأثير، 2/ 719.

ص: 833

بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " شراك أو شراكان من نار» (1).

ويدخل في الغلول ما يؤخذ من بيت مال المسلمين عن طريق الخفية، وما يأخذه العمال من هدايا من أجل وظائفهم، فعن أبي حميد الساعدي قال:«استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملا (2) فجاء العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله هذا لكم، وهذا أهدي إليّ فقال له: " أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا؟ " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: " أما بعد فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يُهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغلُّ أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعرُ (3) فقد بلغت» [وفي رواية مسلم: «اللهم هل بلغت؟ " مرتين»](4).

والغلول من أعظم الذنوب ولو كان يسيرا، فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه «أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" صلوا على صاحبكم " فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال:" إن صاحبكم غل في سبيل الله " ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين» (5).

(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 5/ 95، برقم 4234، ومسلم، كتاب الإيمان، باب غلظِ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، 1/ 108، برقم 115، واللفظ الذي بين المعكوفين للبخاري.

(2)

هو ابن اللتبية استعمله على الصدقة. انظر: صحيح مسلم، برقم 1832.

(3)

تيعر: معناه: تصيح، واليُعار صوت الشاة. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 461.

(4)

متفق عليه: البخاري، 7/ 278، برقم 6636، ومسلم، 3/ 1463، برقم 1832، وما بين المعكوفين له، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 4، آخر الدرس الرابع، ص 69.

(5)

أبو داود، كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول، 3/ 68، برقم 2710، والنسائي، كتاب الجنائز، باب الصلاة على من غل، 4/ 64، برقم 1959، وموطأ مالك، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغلول، 2/ 458، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الغلول، 2/ 950، برقم 2848، وأحمد في مسنده، 4/ 114، 5/ 92، وقال الشيخ عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 2/ 721:" إسناده عند مالك وابن ماجه صحيح ".

ص: 834

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم ثم تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة - يعني وبرة - فجعل بين أصبعيه ثم قال: " أيها الناس إن هذا من غنائمكم. أدوا الخيط والمخيطَ فما فوق ذلك فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة، وشنار (1) ونار» (2) فينبغي للداعية أن يحذر المدعوين من الغلول ويُبيِّن لهم خطره، أسأل الله لي ولجميع المسلمين العافية في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: من صفات الداعية: الأمانة: ظهر في مفهوم هذا الحديث أن الأمانة من صفات الداعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذا الرجل دخل النار بسبب عباءة غلها، فدل ذلك على خيانته وعدم حفظه للأمانة، ودل مفهوم المخالفة على أنه ينبغي للداعية أن يكون أمينا في كل شيء، والله المستعان (3).

ثالثا: من أساليب الدعوة: الترهيب: دل هذا الحديث على أن أسلوب الترهيب له مكانة عظيمة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لما يحمل عليه من التخويف؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: «هو في النار» بسبب العباءة التي غلها، وهذا فيه تخويف عظيم من الغلول يردع النفوس عن مثل هذا العمل القبيح (4).

(1) الشنار: العيب والعار، وقيل: هو العيب الذي فيه عار. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الشين مع النون، مادة " شنر " 2/ 504.

(2)

ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الغلول، 2/ 950، برقم 2850، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 139، وسلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 9850 وإرواء الغليل 5/ 74، وانظر: القواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب، ص 230.

(3)

انظر: الحديث رقم 29، الدرس الثالث، ورقم 132، الدرس الرابع.

(4)

انظر: الحديث رقم 7، الدرس الثالث عشر، ورقم 12، الدرس الثالث.

ص: 835