الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية: «سمّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، فإنّما أنا قاسم أقسم بينكم» (1).
[حديث إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت]
157 -
[3117] حدّثنا محمّد بن سنان: حدّثنا فليح: حدّثنا هلال، عن عبد الرّحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة (2).
رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أعطيكم ولا أمنعكم، إنّما أنا قاسم أضع حيث أمرت» .
* شرح غريب الحديثين: * "لا ننعمك عينا" أي لا نقول لك: نعمت عينك، بمعنى قرّت، ولا نقر عينك بذلك، ولا نرضيك به، ولا نساعدك عليه (3).
* " إنما أنا قاسم " إشارة إلى أن هذه الكنية تصدق على النبي صلى الله عليه وسلم وحده؛ لأنه يقسم مال الله بين المسلمين كما أمره الله عز وجل، وغيره ليس بهذه المرتبة (4).
* "ولا كرامة" أي لا نكرمك بذلك (5).
* الدراسة الدعوية للحديثين: في هذين الحديثين دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من موضوعات الدعوة: الحض على احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره.
2 -
عظم محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم.
3 -
من موضوعات الدعوة: الحث على اختيار التسمية بالأسماء الحسنة.
4 -
من أساليب الدعوة: تطييب قلوب المدعوين وربطها بخالقها.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي:
أولا: من موضوعات الدعوة: الحض على احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره: إن هذا الحديث يدل على أن الحض على احترام النبي صلى الله عليه وسلم، وتوقيره من
(1) من الطرف رقم: 6196.
(2)
أبو هريرة رضي الله عنه تقدمت ترجمته في الحديث رقم 7.
(3)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 210، وجامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير، 1/ 381.
(4)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 22/ 49.
(5)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 210.
الموضوعات التي ينبغي أن يحض الناس عليها؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي» ، وقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال:«نادى رجل رجلا بالبقيع: يا أبا القاسم، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لم أعنك، إنما دعوت فلانا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي» (1).
* قال الإمام القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: "صدر هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرات، فعلى حديث أنس إنما قاله حين نادى رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل لم أعنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول، وهذه حالة تنافي الاحترام، والتعزير المأمور به، فلما كانت الكناية بأبي القاسم تؤدي إلى ذلك نهى عنها"(2).
، وقد أمر الله عز وجل بالتزام الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واحترامه وتوقيره فقال:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9](3).
، وقال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1](4).
، وقال عز وجل:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63](5).
، وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره، لازم كحال حياته، وذلك عند ذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه، وسيرته، وتعلم سنته، والدعوة إليها ونصرتها (6).
* ولاشك أنه ينبغي للداعية أن يحض الناس على التزام الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان الصادق به وبما جاء به، وطاعته، واتباعه واتخاذه قدوة في جميع الأحوال إلا ما كان خاصا به، ومحبته أكثر من النفس، والأهل والولد، والوالد، والناس أجمعين، والصلاة عليه عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم، ووجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه، وإنزاله مكانته التي أنزله الله إياها صلى الله عليه وسلم (7).
، وقد كان النهي عن الجمع بين اسمه وكنيته في
(1) مسلم، كتاب الأدب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء 3/ 1682، برقم 2131.
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 5/ 456.
(3)
سورة الفتح، الآية:9.
(4)
سورة الحجرات، الآية:1.
(5)
سورة النور، الآية:63.
(6)
انظر: الشفاء بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، 2/ 595، 612.
(7)
انظر: المرجع السابق 2/ 537 - 1106، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، لابن القيم، ص 29 - 482.
حياته أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فقال الإمام القرطبي رحمه الله: "وذهب الجمهور من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى جواز كل ذلك، فله أن يجمع بين اسمه وكنيته، وله أن يسمي بما شاء من الاسم والكنية"(1).
وقد ثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «قلت: يا رسول الله، إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؛ قال: "نعم» (2).
، وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول:"نهى عليه الصلاة والسلام عن التكني بكنيته وأذن في التسمي باسمه، ثم بعد أن مات زالت العلة فجاز التكني بكنيته بعد موته كما جاز التسمي باسمه في حياته وبعد موته، والجمع بين اسمه وكنيته بعد موته"(3).
* فينبغي للداعية أن يبين للناس حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، ويحضهم على احترامه وتوقيره ونصرته صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: عظم محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: لاشك أن الصحابة يحبون النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم، وأولادهم، ووالديهم والناس أجمعين، وقد ظهر ذلك في هذا الحديث؛ لقول الأنصار:«ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم ولا كرامة» ، وفي لفظ:«لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا» . . "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«أحسنت الأنصار سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم» ، وهذا يؤكد محبة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي التأسي بهم رضي الله عنهم. (4).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: الحث على اختيار التسمية بالأسماء الحسنة: دل هذا الحديث على أن من موضوعات الدعوة حث الناس على اختيار الأسماء الطيبة الحسنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث لرجل من الأنصار:
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 5/ 458.
(2)
أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرخصة في الجمع بينهما، 4/ 292، برقم 4967، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته، 5/ 137، برقم 2843، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 938.
(3)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 3114 و 3115 من صحيح البخاري.
(4)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثامن، ورقم 63، الدرس الثامن.
" سمّ ابنك عبد الرحمن "، وهذا فيه حث وتأكيد على التسمية بهذا الاسم؛ وقال صلى الله عليه وسلم:«إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن» (1).
، وهذا يؤكد للداعية أهمية حض الناس على تسمية أولادهم بالأسماء الطيبة الحسنة، والله المستعان (2).
رابعا: من أساليب الدعوة: تطييب قلوب المدعوين وربطها بخالقها: إن في هذين الحديثين دلالة واضحة على أن من أساليب الدعوة إلى الله عز وجل تطييب قلوب المدعوين وربطها بخالقها، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما أنا قاسم أقسم بينكم» ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«ما أعطيكم ولا أمنعكم إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت» ، أي لا أعطي أحدا ولا أمنع أحدا إلا بأمر الله عز وجل (3).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: " فإنما أنا قاسم ""يعني أنه هو الذي يبين قسم الأموال في المواريث، والغنائم، والزكوات، والفيء وغير ذلك من المقادير، فيبلغ عن الله حكمه، ويبيّن قسمه، وليس ذلك لأحد إلا له"(4).
، وهذا فيه تطييب لقلوب المدعوين وربط لها بخالقها، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي» . . . " (5).
* قال ابن بطال رحمه الله: "معناه أني لم أستأثر من مال الله تعالى شيئا دونكم، وقاله تطييبا لقلوبهم حين فاضل في العطاء، فقال: الله هو الذي يعطيكم لا أنا، وإنما أنا قاسم فمن قسمت له شيئا فذلك نصيبه قليلا كان أو كثيرا"(6).
، وهذا يؤكد أهمية تطييب قلوب المدعوين بما يدخل السرور عليهم ويربط قلوبهم بربهم عز وجل.
(1) مسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، 3/ 1682، برقم 2132.
(2)
انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، لابن القيم، ص 71.
(3)
انظر: فتح الباري، لابن حجر، 6/ 218.
(4)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 5/ 457.
(5)
متفق عليه من حديث معاوية رضي الله عنه: البخاري، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، 1/ 30، برقم 71، ومسلم، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، 2/ 719، برقم 1037.
(6)
نقلا عن النووي من شرح صحيح مسلم، 14/ 362.