الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
188 -
باب من تكلم بالفارسية والرطنة
وقول الله تعالى: {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22](1) وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4](2).
[حديث إن جابرا قد صنع سور فحيهلا بكم]
141 -
[3070] حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلة بن أَبِي سُفْيَانَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمعْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله (3) رضي الله عنهما قالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ الله ذَبحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أنت وَنَفَرٌ. فَصَاحَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: " يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرا قَدْ صَنَعَ سُور فحَيَّهَلا بكُمْ» (4).
وفي رواية: " حَدَّثَنَا خَلَاّدُ بْنُ يَحْيىَ: حَدَّثَنَا عبد الوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ، عَنْ أبيه قالَ: أتيْتُ جَابِرا رضي الله عنه، فَقَالَ: «إنا يَوْمِ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضتْ كُدْيَةٌ شَدِيدة فَجَاؤُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: " أَنَا نَازِلٌ " ثم قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوب بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاثةَ أَيَّام لا نَذُوقُ ذَوَاقا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فقُلْتُ: يا رَسُولَ الله ائْذَنْ لِي إلى الْبَيْتِ؛ فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَيْئا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَك شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِير وَعَنَاقٌ فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جعلنا اللحْمَ فِي الْبُرْمة، ثُمَّ جئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم والْعَجينُ قَدِ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافي قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجِ فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي فقُمْ أنتَ يَا رَسُولَ الله وَرَجُل أَوْ رَجُلان قَالَ: " كَمْ هُوَ؟ " فذكَرْتُ لَهُ قَالَ: " كَثيرٌ طَيِّبٌ " قَالَ: " قُلْ لَهَا لَا تَنْزِعِ الْبُرْمة
(1) سورة الروم، الآية:22.
(2)
سورة إبراهيم، الآية:4.
(3)
تقدمت ترجمته في الحديث رقم 32.
(4)
[الحديث 3070] طرفاه في: كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، 5/ 55، برقم 4101، 4102. وأخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك ويتحققه تحققا تاما واستحباب الاجتماع على الطعام، 3/ 1610، برقم 2039.
وَلَا الْخُبْزَ مِنَ التّنّورِ حَتَّى آتِيَ " فَقَالَ: " قُومُوا " فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ والأنصَارُ فَلَمَّا دخَلَ عَلَى امْرَأتهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالْمهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سألكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " ادْخُلُوا وَلَا تَضَاغَطوا " فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ الّلحْمَ وَيُخَمّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بقِيَّة، قَالَ: " كلي هَذَا وَأهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَة» (1).
وفي رواية: " حَدَّثَني عَمْرُو بْنُ عَلِيّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سفْيَانَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عبد الله رضي الله عنه قَالَ: «لَمّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خمَصا شَدِيدا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرأَتِي فُقُلْتُ: هَلْ عنْدَكِ شَيْء فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم خَمَصا شَدِيدا، فأخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابا فِيهِ صاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ ففَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وقَطَّعْتُهَا في برمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: لا تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صاعا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أنتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرا قَدْ صَنَعَ سُوْرا فَحَي هَلًا بِكُمْ "، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لَا تُنْزِلُنَّ برْمَتكُمْ وَلَا تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أجِيءَ " فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عجِينا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ: " ادْعُ خَابِزَةً فلْتَخْبِزْ مَعي (2) واقْدَحِي مِنْ برمَتِكُمْ وَلَا تُنْزِلُوهَا " وَهُمْ أَلْف فَأُقْسِمُ بِالله لَقَدْ أَكَلوا حتَّى تَرَكُوهُ وانْحَرَفُوا وَإِنَ برمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ» (3).
(1) الطرف رقم 4101.
(2)
في رواية مسلم برقم 2039 " فلتخبز مَعَكِ " وسمعت العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يصوب هذه اللفظة " معكِ " أثناء شرحه لحديث رقم 4102 من صحيح البخاري.
(3)
الطرف رقم 4102.
* شرح غريب الحديث: * " سُوْرا " السور: الطَّعام الذي يُدعى إليه، وقيل: الطعام مطلقا، وهذا المقصود في هذا الحديث. والسور: كل ما يحيط بشيء من بناء أو غيره، كالبناء الذي يحيط بالمدينة، والسؤر بالهمز: البقية من الطعام أو الشراب: يقال: " سأر " أبقى بقية (1).
* " فحيَّهلا " حيهلا: كلمتان جعلتا كلمة واحدة، ومعناها: تعالوا وعجلوا (2).
* " كُدْية " الكدية: قطعة غليظة صلبة من الأرض لا يؤثر فيها الفأس (3).
* " كثيبا أهيل أو أهيم " الكثيب الأهيل: المنهار السائل الذي لا يتماسك في انصبابه، والكثيب الأهيم مثلُهُ: وهو الرمل اليابس (4).
* " عناق " العناق: الأنثى من أولاد المعز (5).
* " البرمة " البرمة القدر مطلقا، وجمعها برام، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن (6).
* " الأثافي " هي الحجارة التي تنصب وتجعل القدر عليها وهي ثلاثة (7).
* " التنور " التنور الذي يخبز فيه (8).
* " ولا تضاغطوا " أي لا تزاحموا (9).
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب السين مع الواو، مادة:" سور " 2/ 420، وباب السين مع الهمزة، مادة:" سأر " 2/ 327، والمعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية مادة " سار " 1/ 462.
(2)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الحاء مع الياء، مادة:" حيا " 1/ 472، وجامع الأصول له، 11/ 355.
(3)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الكاف مع الدال، مادة:" كدا " 4/ 156.
(4)
غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 212.
(5)
المرجع السابق ص 212.
(6)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الباء مع الراء، مادة:" برم " 1/ 121.
(7)
المرجع السابق، باب الهمزة مع الثاء، مادة:" أثف " 1/ 23، وجامع الأصول له، 11/ 356، وانظر: فتح الباري لابن حجر 7/ 398.
(8)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب التاء مع النون، مادة:" تنر " 1/ 199.
(9)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 212.
* " داجن " الداجن من الغنم ما يربّى في البيوت ويألفها (1).
* " المعول " الفأس الذي يكسر به الحجر (2).
* " خمصا شديدا " الخمص، والخمصة، والمخمصة: الجوع والمجاعة، ويقال: رجل خُمصان، وخميص، إذا كان ضامر البطن وجمع الخميص: خِمَاص (3).
* " بُهيمة " البهيمة: تصغير البهمة، وهي ولد الضأن، ويقع على المذكر والمؤنث منها، والسخال: أولاد المعز، فإذا اجتمعت البهائم والسخال قلت لها جميعا: بهائم وبهم (4).
* " لتغطّ " يقال: غطَّت القدر تغطُّ: غلت وفارت، وغطيطها صوت غليانها (5).
* " فانكفأت " يقال: انكفأ الرجل إلى أهله: رجع وانقلب والأصل في الانكفاء: الانقلاب، من كفأت الإِناء إذا قلبته (6).
* " الجراب " الجراب وعاء من جلد يحفظ فيه الزاد (7).
* " اقدحي " يقال: قدحت القدر إذا غرفت ما فيها، والقديح: المرق، فعيل بمعنى مفعول، والمقدحة: المغرفة، والمقدح: الحديدة التي تقدح بها النار، والمعنى: اغرفي. (8).
* " العجين قد انكسر " أي لان ورطب، وتمكن من الخمير (9).
(1) انظر: غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 212.
(2)
انظر: مختار الصحاح للرازي، مادة:" عول " ص 194.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الخاء مع الميم، مادة:" خمص " 2/ 80.
(4)
جامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن الأثير، 11/ 355.
(5)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 212، وجامع الأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن الأثير، 11/ 355.
(6)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 212.
(7)
المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مادة:" جرب " 1/ 14، وانظر: إكمال إكمال المعلم شرح الأبي على صحيح مسلم 7/ 156.
(8)
انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص 212، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب القاف مع الدال، مادة:" قدح " 4/ 21.
(9)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 397، 398.
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
1 -
من صفات الداعية: إكرام العلماء والدعاة.
2 -
من موضوعات الدعوة: الحث على الإِيثار.
3 -
من صفات الداعية: التواضع.
4 -
من صفات الداعية: إعانة المدعوين ومساعدتهم.
5 -
أهمية الشورى مع العلماء والدعاة.
6 -
أهمية الصبر على الابتلاء والامتحان.
7 -
من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث.
8 -
من صفات الداعية: الرحمة.
9 -
من صفات الداعية: تعجيل المعروف وتحقيره.
10 -
من آداب الداعية: تطييب الطعام وتعظيمه.
11 -
أهمية كمال عقل المدعو.
12 -
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: تكثير الطعام.
13 -
أهمية الأخذ بالأسباب.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي: أولا من صفات الداعية: إكرام العلماء والدعاة: إن من الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة إكرام العلماء والدعاة رغبة فيما عند الله عز وجل؛ ولهذا أكرم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه:«قلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير فتعال أنت ونفر، فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سورا فحيهَلا بكم» فأكرمهم جابر رضي الله عنه، وأعانه الله وجعل طعامه مباركا نافعا شاملا لأهل الخندق كلهم فينبغي للداعية أن يكرم العلماء والدعاة ويقصد بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة (1).
(1) انظر: الحديث رقم 21، الدرس الأول.
ثانيا: من موضوعات الدعوة: الحث على الإيثار: دل هذا الحديث بمفهومه على أن من موضوعات الدعوة الحث على الإِيثار؛ ولهذا آثر جابر بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه وأهله، فإن الحال عندهم كانت ضعيفة؛ لقلة ما في اليد، والظاهر أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لم يجد في بيته إلا هذه العناق وصاع الشعير، فصنع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ورجلٍ أو رجلين إيثارا منه، ولو كان عنده أكثر من ذلك لزاد؛ لكثرة الناس وحاجتهم الشديدة للطعام. كما يدل على الإِيثار ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نادى المهاجرين والأنصار جميعا فقال:" قوموا "، فقام المهاجرون والأنصار ومن معهم. وهذا يدل على إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وحبه الخير لأصحابه، ولو كان المدعو غيره من الكبراء لم يدع أحدا معه؛ ليحصل على ما يسد رمقه، ولا هم له غير ذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله عز وجل:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6](1) ولا شك أن الله عز وجل قد مدح أهل الإِيثار فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9](2) وهذا العمل قد بلغ بأصحابه أعلى درجات الإِيمان الكامل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (3).
وهذا يدل على أن من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه فقد نقص إيمانه، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:" المراد بنفي الإِيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته؛ فإن الإِيمان كثيرا ما يُنفى لانتفاء بعض أركانه وواجباته "(4) " والمقصود أن من جملة خصال الإِيمان الواجبة أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره
(1) سورة الأحزاب، الآية:6.
(2)
سورة الحشر، الآية:9.
(3)
متفق عليه: البخاري، 1/ 11، برقم 13، ومسلم، 1/ 67، برقم 45، وتقدم تخريجه في الحديث رقم 58، الدرس الرابع عشر، ص 354.
(4)
جامع العلوم والحكم، 1/ 302.
له ما يكرهه لنفسه، فإذا زال ذلك عنه فقد نقص إيمانه بذلك " (1).
أما الإِيثار فهو أعظم من ذلك في قوة حقيقة الإِيمان؛ لأن الإِيثار: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ورغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة والصبر على المشقة، يقال: آثرته بكذا: أي خصصته به وفضلْته بالمال أو بالمنازل، أو بالنفس، لا عن غنىً بل مع الحاجة لذلك (2) وقد وصل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدرجات العلى من الإِيثار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود (3) فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض نسائهِ، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: " من يُضِيف هذا الليلة رحمه الله؟ " فقام رجل من الأنصار (4) فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رَحْلِهِ (5) فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فَعَلِّليهم بشيءٍ فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيهِ، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " قد عجب الله من صنيعِكما بضيفكما الليلة "، وفي رواية أن الصحابي قال لامرأته: نوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها. . . ونوَّمت صبيانها. . . فأنزل الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]» (6) ومما يدل على الإِيثار قصة مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وسعد بن الربيع رضي الله عنه،
(1) جامع العلوم والحكم لابن رجب، 1/ 303، وانظر: تفسير الطبري، 23/ 284، [جامع البيان عن تأويل آي القرآن].
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 18/ 28.
(3)
الجهد: هو المشقة والحاجة، وسوء العيش والجوع، شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 254.
(4)
في رواية لمسلم: فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة، 3/ 1625.
(5)
رحل الإنسان: هو منزله: من حجر، أو مدر، أو شعر، أو وبر، شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 255.
(6)
متفق عليه: البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، 4/ 273، برِقم 3798، ومسلم، كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، 3/ 1624، برقم 2054، والآية من سورة الحشر، آية:9.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخى بينهما فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثرُ الأنصار مالًا، سأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك [لا حاجة لي في ذلك] دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فباع واشترى حتى تزوج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«بارك الله لك أولم ولو بشاة» (1) ومما يؤكد حرص السلف الصالح على الإِيثار قصة الرأس الذي عُرض على سبعة أبيات يقول صاحب كل بيت منهم: أعطه جاري وعياله؛ فهو أحق بذلك مني، حتى رُجِعَ بالرأس إلى البيت الأول (2) ومما يدل على الإِيثار العظيم في القُرَبِ وغيرها قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عائشة رضي الله عنها، وذلك أن عمر عند موته قال لابنه عبد الله رضي الله عنهما: ". . . انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فَسَلَّمَ واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنَهُ به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قبضتُ فاحملوني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين. (3).
وهذا يؤكد جواز الإِيثار بالقرب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وقول من قال من الفقهاء: لا يجوز الإِيثار بالقُرَبِ، لا يصح، وقد آثرت عائشة عمر بن
(1) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه. البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، 4/ 268، برقم 3781، ومسلم، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك، 2/ 1042، برقم 1427، ورواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف، في كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، 4/ 268، برقم 3780.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 18/ 28.
(3)
البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، 2/ 131، برقم 1392، ولفظه من الطرف رقم 3700.
الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي صلى الله عليه وسلم، وسألها عمر ذلك فلم تكره له السؤال، ولا لها البذل، وعلى هذا فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال، ولا لذلك البذل، ونظائره، ومن تأمل سيرة الصحابة وجدهم غير كارهين لذلك ولا ممتنعين منه، وهل هذا إلا كرم وسخاءٌ، وإيثارٌ على النفس بما هو أعظم محبوباتها، تفريجا لأخيه المسلم، وتعظيما لقدره، وترغيبا له في الخير؟ وقد يكون ثواب كل واحدٍ من هذه الخصال راجحا على ثواب تلك القربة، فيكون المؤثر بها ممن تاجر فبذل قربة وأخذ أضعافها " (1).
وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله يرجح جواز الإِيثار بالقرب وأنه لا حرج في ذلك إذا ظهرت المصلحة (2).
وهذا كله وغيره كثير يدل على أهمية الإِيثار وأنه ينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يعتني به، ويحض الناس عليه، والله المستعان.
ثالثا: من صفات الداعية: التواضع: دل هذا الحديث على أن صفة التواضع من الصفات الحميدة؛ ولهذا تواضع النبي صلى الله عليه وسلم فشارك أصحابه في حفر الخندق، فقال لهم:" أنا نازل " ثم قام وبطنه معصوب بحجر وشاركهم صلى الله عليه وسلم في الحفر.
وهذا يؤكد تواضعه صلى الله عليه وسلم وطيب عقله ونفسه (3).
رابعا: من صفات الداعية: إعانة المدعوين ومساعدتهم: ظهر في هذا الحديث أن من صفات الداعية الصادق إعانة المدعوين ومشاركتهم في الأعمال التي تخدم الجهاد والدعوة؛ ولهذا شارك النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق. فينبغي الاقتداء به صلى الله عليه وسلم (4).
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/ 505.
(2)
سمعت ذلك من سماحته أثناء شرحه لزاد المعاد، في جامع الأميرة سارة، بمدينة الرياض، حي البديعة، ليلة الاثنين 16/ 7 / 1418 هـ.
(3)
انظر: الحديث رقم 62، الدرس الثالث.
(4)
انظر: الحديث رقم 45، 46، الدرس الثالث عشر.
خامسا: أهمية الشورى مع العلماء والدعاة: إن الشورى من أهم الأمور التي ينبغي أن يعتني بها الداعية إلى الله عز وجل، لما فيها من اجتماع الكلمة، وسداد الرأي، والاستفادة من الخبرات والتجارب، وقد ظهرت الشورى في هذا الحديث؛ لقول جابر رضي الله عنه:«إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤُوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: " أنا نازل " فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول، فضرب فعاد كثيبا أهيل» ، فقد استفاد الصحابة بهذه الشورى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأزيلت الكدية بعمل النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث أيضا أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما شاور زوجته في شأن إطعام الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:«رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق» . وهذا يؤكد أهمية الشورى وخاصة مع العلماء والدعاة، والأخيار الصالحين (1).
سادسا: أهمية الصبر على الابتلاء والامتحان: دل هذا الحديث على أهمية الصبر على الابتلاء والامتحان؛ ولهذا صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الجوع والخوف أيام الخندق، كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام وبطنه معصوب بحجر، وقد لبث أصحاب الخندق مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا؛ ولحكمة النبي صلى الله عليه وسلم عصب الحجر على بطنه؛ لأن الجوع يخشى منه أن يضمر البطن فينحني الصلب، فإذا وضع الحجر على البطن وَشُدَّ بالعصابة استقام الظهر، وقيل: لعل ذلك لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر؛ ولأنها حجارة رقاق قدر البطن تشد الأمعاء فلا يتحلل شيء مما في البطن، فلا يحصل ضعف زائد بسبب التحلل. (2).
وهذا يؤكد ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم من شدة الحال، وقلة ما في اليد، فصبروا وصابروا والله المستعان (3).
(1) انظر: الحديث رقم 64، الدرس الثالث، ورقم 108، الدرس الرابع عشر.
(2)
انظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري، 16/ 30، وفتح الباري لابن حجر، 7/ 396.
(3)
انظر: الحديث رقم 9، الدرس الثامن، ورقم 66، الدرس الأول.
سابعا: من صفات الداعية: الحرص على الدقة في نقل الحديث: دل هذا الحديث على أن من صفات الداعية المخلص الحرص على الدقة في نقل الحديث؛ لقول الراوي في هذا الحديث: " أهيل أو أهيم " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " شك من الراوي "(1).
وهذا يؤكد حرص السلف الصالح على العناية الدقيقة بنقل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبليغها للناس كما جاءت (2).
ثامنا: من صفات الداعية: الرحمة: ظهرت صفة الرحمة في هذا الحديث من قول جابر رضي الله عنه لامرأته: " رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان في ذلك صبر فعندكم شيء؟ " كما ظهرت صفة الرحمة من قول النبي صلى الله عليه وسلم لزوجة جابر رضي الله عنهما: «كلي هذا وأهدي فإن الناس قد أصابتهم مجاعة» . وهذا يبين أن الرحمة من صفات الدعاة إلى الله عز وجل (3).
تاسعا: من صفات الداعية: تعجيل المعروف وتحقيره: دل هذا الحديث على أن من صفات الداعية الكريم: بذل المعروف وتعجيله، وتصغيره؛ قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم:«. . . طُعَيِّم لي فقم أنت يا رسول الله، ورجلٌ أو رجلان قال: " كم هو؟ " فذكرت له، قال: " كثير طيِّب» وهذا يؤكد أهمية تقديم المعروف وفعله مع عدم استكثاره؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند ذكره لقول جابر رضي الله عنه: " طعيم لنا " هذا " على طريقة المبالغة في تحقيره، قالوا: من تمام المعروف: تعجيله وتحقيره "(4).
فينبغي للداعية أن يتصف بهذه الصفة الكريمة.
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 396.
(2)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس العاشر.
(3)
انظر: الحديث رقم 5، الدرس الأول، ورقم 50، الدرس الرابع.
(4)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 398.
عاشرا: من آداب الداعية: تطييب الطعام وتعظيمه: ظهر في هذا الحديث أن من صفات الداعية تطييب الطعام وتعظيمه واستكثاره إذا قُدِّم له؛ ولهذا عندما قال جابر للنبي صلى الله عليه وسلم: " طعيم لنا " فقال صلى الله عليه وسلم: " كثير طيب "، وهذا من الأدب النبوي العظيم الذي فاق فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع البشر؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم لا يعيب الطعام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه» (1) وهذا من الأدب العظيم الذي ينبغي لكل مسلم التزامه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة الدعاة إلى الله عز وجل.
الحادي عشر: أهمية كمال عقل المدعو: إن من الأمور المهمة التي تعين الدعاة إلى الله عز وجل على دعوتهم كمال عقل المدعو، وقد ظهرت هذه الصفة العظيمة في هذا الحديث عندما قالت زوجة جابر رضي الله عنهما: هل سألك؟ أي عن كمية الطعام، فقال جابر: نعم. فسكن ما عندها لعلمها بأن الله أعلم ورسوله؛ ولعلمها بإمكان خرق العادة؛ ولهذا قبل أن يذهب جابر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت له: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمن معه، وعندما أخبره بكمية الطعام لم تلمه بعد ذلك؛ ولهذا الصنيع العظيم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله عن هذه المرأة:" لما قال لها إنه جاء بالجميع ظنت أنه لم يعلمه فخاصمته، فلما أعلمها أنه أعلمه سكن ما عندها لعلمها بإمكان خرق العادة، ودل ذلك على وفور عقلها وكمال فضلها "(2).
وهذا يبين أهمية كمال عقل المدعو. والله المستعان.
الثاني عشر: من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: تكثير الطعام: إن من المعجزات الظاهرة الحسية التي تدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم: تكثير
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، 4/ 202، برقم 3563، ومسلم، كتاب الأشربة، باب لا يعيب الطعام، 3/ 1632، برقم 2064.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/ 398.
الطعام على يديه، وقد ظهرت هذه المعجزة في هذا الحديث، وذلك أن عناق جابر وصاع الشعير أشبع أمة من الناس وبقي الطعام كما هو لم ينقص منه شيء، قال جابر رضي الله عنه:" وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو " قال الإمام النووي رحمه الله: " وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة: أحدهما تكثير الطعام القليل، والثاني علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفا وزيادة، فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه، وقد علم أنه صاع شعير، وبهيمة والله أعلم "(1).
وهذا يؤكد أهمية إبلاغ الداعية للناس بعلامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم (2).
الثالث عشر: أهمية الأخذ بالأسباب: ظهر في هذا الحديث أهمية الأخذ بالأسباب والتوكل على الله عز وجل؛ ولهذا حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق من باب الأخذ بالأسباب وقد علم أن الأحزاب تكالبوا عليه من كل حدب وصوب ولكن لثقته العظيمة وتوكله الكامل على الله عز وجل صمد لذلك وحفر الخندق على ضعف الصحابة وقلة ما في اليد؛ ولضعفهم البدني حُدَّدَ لكل عشرة رجال عشرة أذرع (3) فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسباب هو وأصحابه مع التوكل الكامل فنصرهم الله وأنزل جنوده، وريحه، وإعانته ونصره سبحانه عز وجل (4).
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 231.
(2)
انظر: الحديث رقم 21، الدرس الرابع.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 7/ 397.
(4)
انظر: الحديث رقم 30، الدرس الخامس، ورقم 132، الدرس التاسع.