الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
171 -
باب فكاك الأسير
فيه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[حديث فكوا العاني وأطعموا الجائع وعودوا المريض]
133 -
[3046] حَدَّثَنَا قُتَيبةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائلٍ، عَنْ أِبِي مُوسَى (1) رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فكُّوا الْعَانِيَ - يَعْنِي الأَسِيرَ - وَأطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ» (2).
وفي رواية: «فكُّوا الْعَانِي، وَأَجِيبُوا الدَّاعِي، وَعُودُوا الْمَرِيضَ» (3).
* شرح غريب الحديث: * العاني العاني: الأسير، وفكاكه السعي في إطلاقه (4) ويقال: العاني: الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو، والمرأة عانية وجمعها عوانٍ (5).
* الدراسة الدعوية للحديث: في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها: 1 - من صفات الداعية: الحرص على تعليم الناس الخير.
2 -
من موضوعات الدعوة: الحث على تخليص أسرى المسلمين من أعداء الإِسلام.
3 -
من موضوعات الدعوة: الحض على إطعام الطعام.
4 -
من موضوعات الدعوة: الحث على عيادة المرضى.
5 -
من موضوعات الدعوة: الحض على إجابة الدعوة.
(1) تقدمت ترجمته في الحديث رقم 66.
(2)
[الحديث 3046] أطرافه في: كتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه، 6/ 174، برقم 5174، وكتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ الآية، 6/ 240، برقم 5373، وكتاب المرضى، باب وجوب عيادة المريض، 7/ 5، برقم 5649، وكتاب الأحكام، باب إجابة الحاكم الدعوة، 8/ 145، برقم 7173.
(3)
طرف الحديث رقم 5174.
(4)
تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي، ص 81.
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب العين مع النون، مادة:" عنا " 3/ 314.
والحديث عن هذه الدروس والفوائد الدعوية على النحو الآتي: أولا: من صفات الداعية: الحرص على تعليم الناس الخير: ظهر في هذا الحديث أن من صفات الداعية المخلص الحرص على تعليم الناس الخير؛ ولهذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك حرصا بالغا، فحث أمته على تخليص أسرى المسلمين من أيدي أعداء الدين، وحضهم على إطعام الفقراء والمساكين، من الآدميين وغيرهم، ورغبهم وأمرهم بعيادة المرضى وإجابة دعوة الداعي. فينبغي لكل مسلم أن يحرص على نفع إخوانه، ويتأكد ذلك على الداعية المخلص، والله المستعان (1).
ثانيا: من موضوعات الدعوة: الحث على تخليص أسرى المسلمين من أعداء الإسلام: إن من الموضوعات المهمة حث المسلمين على تخليص أسراهم من أيدي أعداء الإسلام بأي وسيلة كانت: سواء كان ذلك بالجهاد، أو بالفِداء، أو بمبادلة الأَسرى، أو بغير ذلك من الوسائل المشروعة؛ ولهذا أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفك الأسير فقال:«فكُّوا العاني» . . . "؛ ولأهمية ذلك فإن المسلمين لو كان عندهم أسارى، وعند المشركين أسارى، واتفقوا على المفاداة تعينت، ولم تُجْزِ مفاداة أسارى المشركين بالمال (2).
فينبغي للداعية إلى الله عز وجل أن يحث على ذلك ويُرَغِّب فيه؛ لعناية النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بفك الأسرى وحثه على ذلك (3).
ثالثا: من موضوعات الدعوة: الحض على إطعام الطعام: إن إطعام الجائع والحث عليه من الموضوعات المهمة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ ولهذا أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقال: ". . . «وأطعموا الجائع» وهذا فيه حفاظٌ على صحة الجائع وحياته، وصيانة لكرامته؛ ولأهمية إطعام
(1) انظر: الحديث رقم 1، الدرس الأول.
(2)
ذكر ذلك عن الإِمام أحمد، انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 167.
(3)
انظر: المرجع السابق 6/ 167، والمنهل العذب الفرات من الأحاديث الأمهات من صحيح البخاري، للدكتور عبد العال أحمد، 3/ 251.
الطعام فقد ثبت من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبَلَه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثلاثا. فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبيَّنتُ وجهه عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أوَّل شيء سمعته تكلم به أن قال:«يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» (1).
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في الجنة غُرفا يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام، [وأفشى السلام]، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» (2).
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لَغُرَفا يُرى ظهورها من بطونها وبُطونُها من ظهورِها " فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: " هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» (3).
والمقصود أن هذا الحديث العظيم فيه حث على هذه الخصال الكريمة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وطيب الكلام، وإدامة الصيام، والصلاة بالليل والناس نيام؛ فإن من عمل ذلك كانت له هذه الغرف، وهي جمع غرفة: أي علالي في غاية اللطافة ونهاية الصفاء والنظافة، وهي شفافة لا تحجب من
(1) ابن ماجه، في كتاب الأطعمة، باب إطعام الطعام، 2/ 1083، برقم 3251، واللفظ له، والترمذي، في كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا محمد بن بشار، 4/ 652، برقم 2485، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في إرواء الغليل 3/ 239، وصحيح سنن ابن ماجه 1/ 223، وصحيح سنن الترمذي 2/ 303، ورواه أحمد في المسند، 1/ 165، و 2/ 391، والدارمي في سننه، 1/ 156.
(2)
أخرجه أحمد في المسند، 5/ 343، والطبراني في المعجم الكبير، 3/ 310، برقم 3466، ورقم 3467، وابن حبان في صحيحه، 2/ 262، برقم 509، والبغوي في شرح السنة، 4/ 40، برقم 927، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 300، وعبد الرزاق في المصنف، 11/ 418، برقم 2083، وما بين المعكوفين لابن حبان، ولفظ أحمد، وعبد الرزاق، والبيهقي:" إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها. . "، وأخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو، 2/ 173، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 321.
(3)
الترمذي، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في غرف الجنة، 4/ 673، برقم 2527، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 311، وصحيح الجامع 2/ 220 برقم 2119، ورواه الترمذي أيضا في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في قول المعروف، 4/ 354، برقم 1984.
وراءها، وهي مخصصة لمن له خلق حسن مع الناس، وخاصة بمن يُطيِّب الكلام؛ لكونه من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، وهي لمن أطعم الطعام: للعيال، والفقراء، والأضياف ونحو ذلك، ولمن أدام الصيام: أي أكثر منه بعد الفريضة، وأقله أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصلى بالليل والناس نيام: أي غالبهم نيام أو غافلون عنه، لأن العمل بالليل والناس نيام لا رياء فيه ولا سمعة، وهذا يؤكد على أن من فعل ذلك فقد بلغ الغاية العظمى في الإِخلاص لله عز وجل (1) وقد ذكر الله هذه الغرف في القرآن الكريم فقال عز وجل:{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر: 20](2) وقال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58](3).
رابعا: من موضوعات الدعوة: الحث على عيادة المريض: إن عيادة المريض من الموضوعات المهمة التي ينبغي للداعية أن يحث الناس عليها؛ لأن المريض بحاجة إلى تفقد أحواله، والتلطف به، وتكون عيادته سببا في نشاطه وقوته وصبره في الغالب؛ لأنه يستأنس بزيارة إخوانه ويدافع المرض مع ما في ذلك من الثواب العظيم؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعيادة المريض فقال:". . . «وعودوا المريض». . . " وهذا يؤكد أهمية العيادة لمرْضَى المسلمين (4).
خامسا: من موضوعات الدعوة: الحض على إجابة الدعوة: إن إجابة الدعوة من الموضوعات التي ينبغي للداعية أن يحث الناس عليها، ويرغبهم فيها، ويخوفهم من عدم إجابتها؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
(1) انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، للمباركفوري، 6/ 119.
(2)
سورة الزمر، الآية:20.
(3)
سورة العنكبوت، الآية:58.
(4)
انظر: الحديث رقم 108، الدرس الثالث، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري 20/ 181.
بإجابة الدعوة فقال:. . . «وأجيبوا الداعي» . . . . ".
وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على إجابة الداعي في أحاديث كثيرة، منها ما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا دعي أحدكم إلى الوليمة (1) فليأتها» (2) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: " شر الطعام طعامُ الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم "(3) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دُعِيَ إلى عرس أو نحوه فليجب» ، وفي لفظ «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو نحوه» . (4).
وهذه الأحاديث تؤكد أهمية إجابة الدعوة والحض عليها سواء كانت لعرس أو غيره، ولكن تسقط إجابة الدعوة بأعذار منها: أن يكون في الطعام شبهة واضحة، أو يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء، أو يكون هناك من يتأذَّى بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره أو لطمع في جاهه، أو لِيُعان على باطل، وأن لا يكون هناك منكر من: خمر، أو لهو، أو فرش حرير أو آَنية ذهب وفضة، أو صور إنسانِ، أو حيوان غير مفروشة (5) أو غير ذلك مما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم " ورأى ابن مسعود رضي الله عنه صورة في البيت فرجع "؛ (6) وقد ذكر الإِمام القرطبي رحمه الله: أن الوليمة إذا كان فيها منكر فلا يجوز حضورها عند كافة العلماء (7).
إلا إذا أمكنه الإِنكار وإزالة المنكر لزمه الحضور والإِنكار؛ لأنه يؤدي فرضين:
(1) الوليمة: ما يصنع من الطعام عند السرور. انظر: هداية الباري مقدمة فتح الباري لابن حجر، ص207.
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب حق إجابة الوليمة والدعوة، 6/ 174 برقم 5173، ومسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، 2/ 1052، برقم 1429.
(3)
البخاري، كتاب النكاح، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله، 6/ 175 برقم 5177، ومسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، 2/ 1055، برقم 1432.
(4)
مسلم، كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة، 2/ 1053، برقم 1429.
(5)
انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 248، وفتح الباري لابن حجر، 9/ 242، والمغنى لابن قدامة 10/ 193 - 206.
(6)
البخاري، كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟ في ترجمة الباب، 10/ 203.
(7)
انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 4/ 153.
إجابة دعوة أخيه المسلم وإزالة المنكر (1) ومن الأعذار في عدم الإجابة أن يعتذر إلى الداعي فيتركه ويعفو عنه، وقد بالغ بعض الصحابة رضي الله عنهم في ترك إجابة الدعوة إذا وجد فيها بعض المكروهات، لْقد دعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سِترا على الجدار فقال ابن عمر رضي الله عنهما: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع (2) قال ابن قدامة رحمه الله:" فأما ستر الحيطان بستور غير مصورة؛ فإن كان لحاجة من وقاية حرٍّ أو بردٍ فلا بأس؛ لأنه يستعمله في حاجته، فأشبه الستر على الباب، وما يلبسه على بدنه، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه وعذر في الرجوع عن الدعوة وترك الإِجابة "(3)؛ وإنما كره لما فيه من السرف (4).
والذي ينبغي للداعية أن يحض على إجابة الدعوة وإزالة المنكر أو المكروه، فإذا لم يستطع الإِنكار أو لم يزل المنكر فلا حرج في عدم الإِجابة إلا إذا ترتب على ذلك منكر أنكر منه؛ فإنه يجيب ويرتكب أدنى المفسدتين لتفويت كبْرَاهما، والله المستعان.
(1) انظر: المغني لابن قدامة، 10/ 198.
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟ قبيل الحديث رقم 5181.
(3)
المغني، 10/ 203.
(4)
انظر: المرجع السابق، 10/ 205.